حقوق الإنسان في الإسلام
فقه الشريعة |
حقوق الإنسان في الإسلام
مدخل: عوامل اختيار هذا الموضوع
1. كثرة الحديث عن حقوق الإنسان على المستوى الوطني والعالمي من خلال وسائل الإعلام وتأسيس الجمعيات والهيئات الحكومية وغير الحكومية المهتمة بقضايا حقوق الإنسان.2. رد الشبهات المثارة حول التشريع الإسلامي، مثل: إقرار الشريعة بنظام العبيد والإماء، عدم المساواة بين المرأة والرجل...3. جهل المسلمين بالحقوق المقررة في الشريعة الإسلامية.4. تنازل بعض المسلمين عن هذه الحقوق استجابة لمقتضيات حقوق الإنسان الواردة في المواثيق الدولية، أو نزولا لضغط الواقع.5. الاهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان من خلال إصدار عدة إعلانات ومواثيق دولية منها:-1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948، ويعتبر لب الشرعية الدولية المتعلقة بالمنظومة الحقوقية.-2- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر في 16/12/1966.-3- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في 16/12/1966.-4- إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة في 14/12/1960.-5- قرار السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية للدول الصادر في 14/12/1963.-6- إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الصادر في 20/11/1963.7- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري المؤرخة في 21/12/1965.- 8- اتفاقية التمييز في مجال الاستخدام والمهنة المعتمدة من طرف المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 25/06/1958.-9- الاتفاقية الخاصة لمكافحة التمييز في مجال التعليم المعتمدة من طرف المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة الصادر في 14/12/1960-10- اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة الصادرة في 18/12/1979.-11- إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائم على أساس الدين أو المعتقد الصادر في 25/11/1981.-12- اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية الصادرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 09/12/1948.-13- اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية بقرار الجمعية العامة المؤرخ في 26/11/1968.-14- اتفاقية لمناهضة التعذيب داخل السجون التي صدرت عن الجمعية العامة بتاريخ 10/12/1984.-15- ميثاق حقوق الطفل العربي الصادر في 1984.-16- اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1989.
أولا: فلسفة الحريات وحقوق الإنسان في الإسلام
- إن الحقوق والحريات في الإسلام قائمة على عقيدة التوحيد، فالذي لا يعبد الله عز وجل يبقى أسيرا وعبدا للطواغيت (الآلهة المزيفة)، أما المؤمن فهو حر لأنه يعبد الله الذي خلقه وهو المستحق للعبادة، فلا يُعبد بحق إلا الله، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [سورة الأنبياء، الآية 25].- إن الإسلام حرّر الضمائر والوجدان والمصائر من غير الله، قال تعالى:﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة البقرة، الآية 256].﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [سورة التوبة، الآية 51].
ثانيا: مصدر الحقوق والحريات في الإسلام ا
لحقوق والحريات مصدرها الله تعالى، قال أبو حامد الغزالي: [لا حكم قبل ورود الشرع]، فالشرع هو الذي قرر الحقوق، فالله تعالى خالق الإنسان والكون، وهو المالك الأصلي لجميع المخلوقات، قال تعالى:﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ* وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [سورة الأنعام، الآيتان 12-13].﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا...﴾ [سورة المائدة، الآية 18].﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...﴾ [سورة لقمان، الآية 20].
ثالثا: طبيعة الحقوق والحريات في الإسلام
اتخذت الحقوق والحريات في الإسلام طابعا تكليفيا، لأنها وردت بحكم شرعي، والحكم الشرعي هو خطاب الله عز وجل للمكلفين، وهذا ما يعطيها القوة والديمومة، وقد كلفنا الله بالمحافظة عليها، ومثال ذلك: تقرير حق الفقير لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ . فالغني مكلف بأداء حقوق الفقراء، وذلك بإخراج الزكاة من أوعيتها حسب قواعد الشريعة الإسلامية.
رابعا: خصائص الحقوق والحريات في الإسلام
1. إلهية المصدر: إن الحقوق والحريات في الإسلام مصدرها الوحي (الكتاب والسنة)، ومن ثمرات ذلك:أ- قدسية الحقوق التي شرعها الله فلا يجوز انتهاك حرمتها.ب- الثبات والديمومة فلا تقبل زيادة أو نقصا ولا نسخا أو تعطيلا.2. الشمولية: تشمل جميع الحقوق: الشخصية، والاجتماعية والثقافية والفكرية والمعنوية والاقتصادية والسياسية... كما تشمل الإنسان في جميع أحواله: ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، جنينا أو وليدا، غنيا أو فقيرا، حاضرا أو غائبا، حيا أو ميتا....3. النسبية: إن حقوق الإنسان وحرياته ليست مطلقة، فلها حدود تقف عندها لا تتجاوزها درءا للعدوان على حقوق الآخرين وحرياتهم إذ أن حرية الفرد تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.4. التوازن بين حقوق الفرد والجماعة: قرر الإسلام حقوق الفرد المختلفة المستوعبة لجميع شؤون حياته في الوقت الذي قرر حقوق الجماعة باعتبارها الإطار الجامع للأفراد، وذلك بشكل يحقق التوازن بلا إفراط أو تفريط.
خامسا: ضمانات حقوق الإنسان في الإسلام
1. المرجعية الدينية: وهي أكبر ضمانة تحفظ حقوق الإنسان وحرياته.2. مبدأ فصل السلطات: وذلك بتوزيع السلطات الفاعلة في الدولة على هيئات متخصصة: تشريعية وقضائية وتنفيذية، وهذا من شأنه إبعاد الاستبداد والظلم، وهذا ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته الراشدة.3. تقرير مسؤولية الحاكم: أمام الشريعة بالتزامه الأحكام الشرعية في تسيير شؤون الدولة، ومسؤوليته أمام الرعية الذين يملكون حق عزله عند خروجه على شريعة الله.4. الرأي العام الناضج: الذي يشكل حارسا أمينا على الحقوق والحريات المختلفة فينتفض عند حصول عدوان جزئي أو كلي عليها.5. الرقابة القضائية: يعتبر القضاء في الإسلام حصنا حصينا يلجأ إليه كل من أعتدي على حق من حقوقه طلبا للإنصاف واستردادا لحقه الضائع.
سادسا: أنواع حقوق الإنسان
النوع الأول: الحق في المساواةأ- فلسفة وأساس المساواة في الإسلام: دلت نصوص في القرآن والسنة على المساواة بين الخلق دون تمييز بين ذكر وأنثى، فيشترك الجميع في أصل الخلق.قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...﴾ [سورة الحجرات، ، الآية 12].﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾[سورة الإسراء، الآية 70].﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[سورة النساء، الآية 1].
وقال الرسول :(يا أيها الناس! إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب) [رواه مسلم].وثبت في السيرة أن صحابيا عيّر بلال بن رباح بقوله: [يا ابن السوداء] فغضب الرسول وقال له: (إنك امرؤ فيك جاهلية) [رواه الترمذي].ب- مظاهر المساواة في الإسلام:1. المساواة أمام أحكام الشريعة: فهي أحكام عامة ومجردة، فالوحي يخاطب الناس بصفاتهم لا بذواتهم.قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ...﴾ [سورة النساء، الآية 58].2. المساواة أمام القضاء:- اختلف ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مع قبطي بمصر وكان والده واليا عليها فصفعه فأراد أن يشكوه فقال: أشكوني إلى من أحببت فأنا ابن الأكرمين، فرفع الأمر إلى الخليفة العادل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فاقتص منه وقال مقولته المشهورة: [متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا].- تحاكم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مع يهودي إلى القضاء فحكم القاضي لصالح اليهودي دون اعتبار لمركزه كخليفة على المسلمين، وكان ذلك سببا في إسلام هذا اليهودي لما لمسه من عدالة الإسلام في القضاء.- أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسالة إلى أبي موسى الأشعري [آس بين الناس في مجلسك ووجهك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك...][1]، وهي الرسالة التي اعتبرت دستور القضاء.3. المساواة في تولي الوظائف العامة: أي إسنادها إلى أصحابها طبقا لمعايير حسب الجدارة والاستحقاق والكفاءة، قال تعالى على لسان سيدنا يوسف: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة يوسف، الآية 55].4. المساواة في الانتفاع بالمرافق العمومية: فيستوي في ذلك جميع أفراد الرعية داخل الدولة المسلمة.5. المساواة في تحمل الأعباء: فالزكاة مثلا فرضت على كل الأغنياء بشروطها الشرعية، وإذا لم تف الزكاة حاجات الأمة يمكن لولي الأمر أن يفرض ضرائب إضافية على الأغنياء لتلبية تلك الحاجات حسب طاقاتهم.
النوع الثاني: الحقوق والحريات الشخصية-1- الحق في الأمن:أولا: النصوص الشرعية الدالة عليه قال تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا...﴾ [سورة إبراهيم، الآية 35].﴿وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾[سورة البقرة،، الآية 126].﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا...﴾ [سورة النور، الآية 55].﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ...﴾ [سورة البقرة، الآية 191].
ثانيا: القواعد العامة في حق الأمن1. الأمن نعمة جليلة تلبي حاجة فطرية في الإنسان.2. بقدر ما يتحقق الأمن بقدر ما يحقق الإنسان العمران والاستخلاف.3. من مقاصد الإسلام تحقيق الأمن في الدين والنفس والعرض والعقل والمال.4. تحدث الإمام الماوردي في كتابه "أدب الدنيا والدين" عن ستة قواعد تصلح بها الدنيا، في الرابعة منها قال: [هي أمن عام تطمئن إليه النفوس، وتنتشر فيه الهمم، ويسكن فيه البريء، ويأنس فيه الضعيف، فليس لخائف راحة، ولا لحاذر طمأنينة...].5. يقول أبو حامد في كتابه "التبر المسبوك في نصائح الملوك": [إن ولي الأمر يحتاج إلى ألف خطة وكلها مجموعة في خصلتين إذا عمل بهما كان عادلا وهما: عمران البلاد، وأمن العباد].6. حرمة النفس البشرية وتكريم الله لها: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...﴾ [سورة الإسراء، الآية 70]، ولتحقيق أمنها حرم قتلها والاعتداء عليها.﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ...﴾ [سورة الأنعام، الآية 151].﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...﴾ [سورة المائدة، الآية 32].﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾[سورة النساء، الآية 29].﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ...﴾ [سورة الأنعام، الآية 151].وفي الحديث: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) [رواه مسلم والبيهقي وأحمد].7. تقرير قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، ويقابلها في الفقه الإسلامي قاعدة "الأصل في الأشياء والأفعال الإباحة إلا بنص".8. تقرير قاعدة "لا يطل دم في الإسلام" فلا يضيع أي دم هدرا، فشرع القسامة، فحين يقتل شخص من مجهول تجرى القسامة من خمسين رجلا عادلا من أهل المحلة أو القرية أنهم لم يتلوه ولا يعرفون قاتله، وأول قسامة كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في مقتل يهودي، وتدفع الدية من بيت مال المسلمين.
ثالثا: القيود الواردة على حق الأمن1. في السياسة الشرعية إعلان الحالة الاستثنائية شرط أن تكون لها مسوغات شرعية.2. عند اتهام شخص في جريمة معينة بقيام الشبهة وتحقق القرائن، يقبض عليه ويعامل معاملة البريء وفق قاعدتي: "كل متهم بريء حتى تثبت إدانته"، و"اليقين لا يزول بالشك".3. إذا ارتكب شخص جريمة تقيد حريته حفظا لأمن الناس وردعا له ولغيره.
-2- حرية التنقل:أولا: مقتضيات التنقل في الشريعة (دواعي حرية التنقل)1. التدبر في الكون والتأمل في خلق الله: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة الإسراء، الآية 70].2. دراسة تاريخ الأمم: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [سورة الأنعام، الآية 11].3. طلب الرزق والتجارة: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [سورة الملك، الآية 15].4. التعارف بين البشر: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [سورة الحجرات، الآية 13].5. طلب العلم، قال : (من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة) [رواه مسلم وغيره].6. طلب الحرية وحماية العقيدة ﴿...قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [سورة النساء، الآية 97].
ثانيا: ضمانات حرية التنقل1. تقرير عقوبة الحرابة في حق قطاع الطرق الذين يزرعون الخوف، ويعتدون على الناس.2. مسؤولية الدولة في تحقيق الأمن، وتعبيد الطرقات، قال عمر بن الخطاب: [لو عثرت بغلة في العراق، لسألني الله: لما لم تصلح لها الطريق يا عمر؟].3. تيسير ممارسة حرية التنقل من قبل ولاة الأمور طبقا لقاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثالثا: القيود الواردة على حرية التنقل1. تقرير قيود لتحقيق المصالح العامة، مثاله منع عمر بن الخطاب تنقل الصحابة الكبار خارج المدينة المنورة إلا بترخيص منه، لحاجة الأمة إليهم.2. عقوبة النفي أو السجن بعد تحقق الإدانة.3. حماية الآداب والأخلاق.4. تقرير قيود لاعتبارات الصحة العامة "قواعد الحجر الصحي"، قال : (إذا سمعتم بطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) [رواه الترمذي].
-3- حرمة المساكن:أولا: حرمة المسكن في الإسلاممما يحقق هذا الحق ما يلي:1. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [سورة النور، الآية 27]، فشرع الله تعالى التزام أدب الزيارة كالاستئناس، ومن آدابها الرجوع إن طلب صاحب البيت ذلك، قال تعالى: ﴿...وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [سورة النور، الآية 28].2. عدم التجسس على البيوت: قال تعالى: ﴿...وَلَا تَجَسَّسُوا...﴾ [سورة الحجرات، الآية 12]، وقال : (لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر لجوف بيت حتى يستأذن، فإن فعل فقد دخل) [رواه البخاري].3. تعيين المحتسب: والحسبة وظيفة اجتماعية غائبة، مبنية على أساس قوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ...﴾ [سورة آل عمران، الآية 110].ومن صلاحيات المحتسب منع الاشراف على بيوت الغير، ومعاقبة من تعدى عليها.4. تشريع الاستئذان للصغار: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.﴾ [سورة النور، الآية 58].5. تشريع آداب الزيارة:1- اختيار الوقت المناسب.2- ضبط الموعد.3- طرق الباب ثلاثا برفق: للإخطار، للانتظار، للإعذار.4- الإفصاح عن اسم الزائر.5- عدم استقبال الباب.6- الدخول إلى حيث يريد صاحب البيت.7- الاستئذان في التنقل في البيت.8- المغادرة بإذن صاحب البيت.
ثانيا: حالات جواز انتهاك حرمة المنازلرغم أن الشرع الحكيم أكد على حرمة المساكن، إلا أنه أباح انتهاك حرمتها في حالة الضرورة مثل نشوب حريق أو وقوع زلزال لإنقاذ حياة مشرفة على هلاك، وهذا الاستثناء تضبطه قاعدتا: [الضرورات تبيح المحظورات]، و[الضرورة تقدر بقدرها].
-4- سرية المراسلات: إن المراسلات سواء رسائل أو مكالمات هاتفية... تتضمن أسرار الناس، لذلك لابد من المحافظة عليها، فنهى الله تعالى عن التجسس في مثل قوله: ﴿...وَلَا تَجَسَّسُوا.....﴾ [سورة الحجرات، الآية 12]، فالتجسس نوع من التدخل في شؤون الغير وهذا منهي عنه.قال :(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) [رواه البخاري ومسلم].(إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا...) [رواه البخاري ومسلم].
النوع الثالث: الحقوق والحريات الفكرية-1- حرية الفكر: عظم القرآن الكريم شأن العقل، فبالعقل يحقق الإنسان مقتضيات الاستخلاف فوق الأرض يبني العمران ويؤسس الحضارة، فدعا إلى تحرير الفكر وشجع نشاط العقل، وقد ورد في القرآن الكريم لفظ العقل بوظائفه المختلفة أكثر من ألف مرة مثل: النظر، التفكر، التدبر، التعقل... فكان مقاصد ذلك بيان أهمية العقل، قال تعالى:﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 164].﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ...﴾ [سورة آل عمران، الآيتان 190-191].﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا.﴾ [سورة النساء، الآية 174].﴿...قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة الأنعام، الآية 50].﴿...قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سورة النمل، الآية 64].﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ...﴾ [سورة فصلت، الآية 53].- رفض تبني الموروثات الفكرية والعادات المختلفة بلا تمحيص: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 170].- ضرورة استخدام الحواس والملكات العقلية وعدم تعطيل وظائفها، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [سورة الأعراف، الآية 179].﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [سورة الإسراء، الآية 36].- تبني القرآن الكريم لأسلوب المناقشة والحوار ومثال ذلك: في قضية الألوهية: قال تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ [سورة النمل، الآية 60].﴿أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سورة النمل، الآية 64].- عرض حقائق الإٌيمان بمنطق العقل والعلم، قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ...﴾ [سورة محمد، الآية 19]، فالعقيدة مسبوقة بعلم وفهم حتى تكون عقيدة قوية راسخة، ﴿...أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة البقرة، الآية 106]، ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ* لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [سورة الأنبياء، الآيتان 21-22].﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [سورة يس، الآيتان 78 -79].
1. كثرة الحديث عن حقوق الإنسان على المستوى الوطني والعالمي من خلال وسائل الإعلام وتأسيس الجمعيات والهيئات الحكومية وغير الحكومية المهتمة بقضايا حقوق الإنسان.2. رد الشبهات المثارة حول التشريع الإسلامي، مثل: إقرار الشريعة بنظام العبيد والإماء، عدم المساواة بين المرأة والرجل...3. جهل المسلمين بالحقوق المقررة في الشريعة الإسلامية.4. تنازل بعض المسلمين عن هذه الحقوق استجابة لمقتضيات حقوق الإنسان الواردة في المواثيق الدولية، أو نزولا لضغط الواقع.5. الاهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان من خلال إصدار عدة إعلانات ومواثيق دولية منها:-1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948، ويعتبر لب الشرعية الدولية المتعلقة بالمنظومة الحقوقية.-2- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر في 16/12/1966.-3- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في 16/12/1966.-4- إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة في 14/12/1960.-5- قرار السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية للدول الصادر في 14/12/1963.-6- إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الصادر في 20/11/1963.7- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري المؤرخة في 21/12/1965.- 8- اتفاقية التمييز في مجال الاستخدام والمهنة المعتمدة من طرف المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 25/06/1958.-9- الاتفاقية الخاصة لمكافحة التمييز في مجال التعليم المعتمدة من طرف المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة الصادر في 14/12/1960-10- اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة الصادرة في 18/12/1979.-11- إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائم على أساس الدين أو المعتقد الصادر في 25/11/1981.-12- اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية الصادرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 09/12/1948.-13- اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية بقرار الجمعية العامة المؤرخ في 26/11/1968.-14- اتفاقية لمناهضة التعذيب داخل السجون التي صدرت عن الجمعية العامة بتاريخ 10/12/1984.-15- ميثاق حقوق الطفل العربي الصادر في 1984.-16- اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1989.
أولا: فلسفة الحريات وحقوق الإنسان في الإسلام
- إن الحقوق والحريات في الإسلام قائمة على عقيدة التوحيد، فالذي لا يعبد الله عز وجل يبقى أسيرا وعبدا للطواغيت (الآلهة المزيفة)، أما المؤمن فهو حر لأنه يعبد الله الذي خلقه وهو المستحق للعبادة، فلا يُعبد بحق إلا الله، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [سورة الأنبياء، الآية 25].- إن الإسلام حرّر الضمائر والوجدان والمصائر من غير الله، قال تعالى:﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة البقرة، الآية 256].﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [سورة التوبة، الآية 51].
ثانيا: مصدر الحقوق والحريات في الإسلام ا
لحقوق والحريات مصدرها الله تعالى، قال أبو حامد الغزالي: [لا حكم قبل ورود الشرع]، فالشرع هو الذي قرر الحقوق، فالله تعالى خالق الإنسان والكون، وهو المالك الأصلي لجميع المخلوقات، قال تعالى:﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ* وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [سورة الأنعام، الآيتان 12-13].﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا...﴾ [سورة المائدة، الآية 18].﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...﴾ [سورة لقمان، الآية 20].
ثالثا: طبيعة الحقوق والحريات في الإسلام
اتخذت الحقوق والحريات في الإسلام طابعا تكليفيا، لأنها وردت بحكم شرعي، والحكم الشرعي هو خطاب الله عز وجل للمكلفين، وهذا ما يعطيها القوة والديمومة، وقد كلفنا الله بالمحافظة عليها، ومثال ذلك: تقرير حق الفقير لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ . فالغني مكلف بأداء حقوق الفقراء، وذلك بإخراج الزكاة من أوعيتها حسب قواعد الشريعة الإسلامية.
رابعا: خصائص الحقوق والحريات في الإسلام
1. إلهية المصدر: إن الحقوق والحريات في الإسلام مصدرها الوحي (الكتاب والسنة)، ومن ثمرات ذلك:أ- قدسية الحقوق التي شرعها الله فلا يجوز انتهاك حرمتها.ب- الثبات والديمومة فلا تقبل زيادة أو نقصا ولا نسخا أو تعطيلا.2. الشمولية: تشمل جميع الحقوق: الشخصية، والاجتماعية والثقافية والفكرية والمعنوية والاقتصادية والسياسية... كما تشمل الإنسان في جميع أحواله: ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، جنينا أو وليدا، غنيا أو فقيرا، حاضرا أو غائبا، حيا أو ميتا....3. النسبية: إن حقوق الإنسان وحرياته ليست مطلقة، فلها حدود تقف عندها لا تتجاوزها درءا للعدوان على حقوق الآخرين وحرياتهم إذ أن حرية الفرد تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.4. التوازن بين حقوق الفرد والجماعة: قرر الإسلام حقوق الفرد المختلفة المستوعبة لجميع شؤون حياته في الوقت الذي قرر حقوق الجماعة باعتبارها الإطار الجامع للأفراد، وذلك بشكل يحقق التوازن بلا إفراط أو تفريط.
خامسا: ضمانات حقوق الإنسان في الإسلام
1. المرجعية الدينية: وهي أكبر ضمانة تحفظ حقوق الإنسان وحرياته.2. مبدأ فصل السلطات: وذلك بتوزيع السلطات الفاعلة في الدولة على هيئات متخصصة: تشريعية وقضائية وتنفيذية، وهذا من شأنه إبعاد الاستبداد والظلم، وهذا ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته الراشدة.3. تقرير مسؤولية الحاكم: أمام الشريعة بالتزامه الأحكام الشرعية في تسيير شؤون الدولة، ومسؤوليته أمام الرعية الذين يملكون حق عزله عند خروجه على شريعة الله.4. الرأي العام الناضج: الذي يشكل حارسا أمينا على الحقوق والحريات المختلفة فينتفض عند حصول عدوان جزئي أو كلي عليها.5. الرقابة القضائية: يعتبر القضاء في الإسلام حصنا حصينا يلجأ إليه كل من أعتدي على حق من حقوقه طلبا للإنصاف واستردادا لحقه الضائع.
سادسا: أنواع حقوق الإنسان
النوع الأول: الحق في المساواةأ- فلسفة وأساس المساواة في الإسلام: دلت نصوص في القرآن والسنة على المساواة بين الخلق دون تمييز بين ذكر وأنثى، فيشترك الجميع في أصل الخلق.قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...﴾ [سورة الحجرات، ، الآية 12].﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾[سورة الإسراء، الآية 70].﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[سورة النساء، الآية 1].
وقال الرسول :(يا أيها الناس! إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب) [رواه مسلم].وثبت في السيرة أن صحابيا عيّر بلال بن رباح بقوله: [يا ابن السوداء] فغضب الرسول وقال له: (إنك امرؤ فيك جاهلية) [رواه الترمذي].ب- مظاهر المساواة في الإسلام:1. المساواة أمام أحكام الشريعة: فهي أحكام عامة ومجردة، فالوحي يخاطب الناس بصفاتهم لا بذواتهم.قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ...﴾ [سورة النساء، الآية 58].2. المساواة أمام القضاء:- اختلف ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مع قبطي بمصر وكان والده واليا عليها فصفعه فأراد أن يشكوه فقال: أشكوني إلى من أحببت فأنا ابن الأكرمين، فرفع الأمر إلى الخليفة العادل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فاقتص منه وقال مقولته المشهورة: [متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا].- تحاكم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مع يهودي إلى القضاء فحكم القاضي لصالح اليهودي دون اعتبار لمركزه كخليفة على المسلمين، وكان ذلك سببا في إسلام هذا اليهودي لما لمسه من عدالة الإسلام في القضاء.- أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسالة إلى أبي موسى الأشعري [آس بين الناس في مجلسك ووجهك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك...][1]، وهي الرسالة التي اعتبرت دستور القضاء.3. المساواة في تولي الوظائف العامة: أي إسنادها إلى أصحابها طبقا لمعايير حسب الجدارة والاستحقاق والكفاءة، قال تعالى على لسان سيدنا يوسف: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة يوسف، الآية 55].4. المساواة في الانتفاع بالمرافق العمومية: فيستوي في ذلك جميع أفراد الرعية داخل الدولة المسلمة.5. المساواة في تحمل الأعباء: فالزكاة مثلا فرضت على كل الأغنياء بشروطها الشرعية، وإذا لم تف الزكاة حاجات الأمة يمكن لولي الأمر أن يفرض ضرائب إضافية على الأغنياء لتلبية تلك الحاجات حسب طاقاتهم.
النوع الثاني: الحقوق والحريات الشخصية-1- الحق في الأمن:أولا: النصوص الشرعية الدالة عليه قال تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا...﴾ [سورة إبراهيم، الآية 35].﴿وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾[سورة البقرة،، الآية 126].﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا...﴾ [سورة النور، الآية 55].﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ...﴾ [سورة البقرة، الآية 191].
ثانيا: القواعد العامة في حق الأمن1. الأمن نعمة جليلة تلبي حاجة فطرية في الإنسان.2. بقدر ما يتحقق الأمن بقدر ما يحقق الإنسان العمران والاستخلاف.3. من مقاصد الإسلام تحقيق الأمن في الدين والنفس والعرض والعقل والمال.4. تحدث الإمام الماوردي في كتابه "أدب الدنيا والدين" عن ستة قواعد تصلح بها الدنيا، في الرابعة منها قال: [هي أمن عام تطمئن إليه النفوس، وتنتشر فيه الهمم، ويسكن فيه البريء، ويأنس فيه الضعيف، فليس لخائف راحة، ولا لحاذر طمأنينة...].5. يقول أبو حامد في كتابه "التبر المسبوك في نصائح الملوك": [إن ولي الأمر يحتاج إلى ألف خطة وكلها مجموعة في خصلتين إذا عمل بهما كان عادلا وهما: عمران البلاد، وأمن العباد].6. حرمة النفس البشرية وتكريم الله لها: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...﴾ [سورة الإسراء، الآية 70]، ولتحقيق أمنها حرم قتلها والاعتداء عليها.﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ...﴾ [سورة الأنعام، الآية 151].﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...﴾ [سورة المائدة، الآية 32].﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾[سورة النساء، الآية 29].﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ...﴾ [سورة الأنعام، الآية 151].وفي الحديث: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) [رواه مسلم والبيهقي وأحمد].7. تقرير قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، ويقابلها في الفقه الإسلامي قاعدة "الأصل في الأشياء والأفعال الإباحة إلا بنص".8. تقرير قاعدة "لا يطل دم في الإسلام" فلا يضيع أي دم هدرا، فشرع القسامة، فحين يقتل شخص من مجهول تجرى القسامة من خمسين رجلا عادلا من أهل المحلة أو القرية أنهم لم يتلوه ولا يعرفون قاتله، وأول قسامة كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في مقتل يهودي، وتدفع الدية من بيت مال المسلمين.
ثالثا: القيود الواردة على حق الأمن1. في السياسة الشرعية إعلان الحالة الاستثنائية شرط أن تكون لها مسوغات شرعية.2. عند اتهام شخص في جريمة معينة بقيام الشبهة وتحقق القرائن، يقبض عليه ويعامل معاملة البريء وفق قاعدتي: "كل متهم بريء حتى تثبت إدانته"، و"اليقين لا يزول بالشك".3. إذا ارتكب شخص جريمة تقيد حريته حفظا لأمن الناس وردعا له ولغيره.
-2- حرية التنقل:أولا: مقتضيات التنقل في الشريعة (دواعي حرية التنقل)1. التدبر في الكون والتأمل في خلق الله: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة الإسراء، الآية 70].2. دراسة تاريخ الأمم: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [سورة الأنعام، الآية 11].3. طلب الرزق والتجارة: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [سورة الملك، الآية 15].4. التعارف بين البشر: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [سورة الحجرات، الآية 13].5. طلب العلم، قال : (من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة) [رواه مسلم وغيره].6. طلب الحرية وحماية العقيدة ﴿...قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [سورة النساء، الآية 97].
ثانيا: ضمانات حرية التنقل1. تقرير عقوبة الحرابة في حق قطاع الطرق الذين يزرعون الخوف، ويعتدون على الناس.2. مسؤولية الدولة في تحقيق الأمن، وتعبيد الطرقات، قال عمر بن الخطاب: [لو عثرت بغلة في العراق، لسألني الله: لما لم تصلح لها الطريق يا عمر؟].3. تيسير ممارسة حرية التنقل من قبل ولاة الأمور طبقا لقاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثالثا: القيود الواردة على حرية التنقل1. تقرير قيود لتحقيق المصالح العامة، مثاله منع عمر بن الخطاب تنقل الصحابة الكبار خارج المدينة المنورة إلا بترخيص منه، لحاجة الأمة إليهم.2. عقوبة النفي أو السجن بعد تحقق الإدانة.3. حماية الآداب والأخلاق.4. تقرير قيود لاعتبارات الصحة العامة "قواعد الحجر الصحي"، قال : (إذا سمعتم بطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) [رواه الترمذي].
-3- حرمة المساكن:أولا: حرمة المسكن في الإسلاممما يحقق هذا الحق ما يلي:1. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [سورة النور، الآية 27]، فشرع الله تعالى التزام أدب الزيارة كالاستئناس، ومن آدابها الرجوع إن طلب صاحب البيت ذلك، قال تعالى: ﴿...وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [سورة النور، الآية 28].2. عدم التجسس على البيوت: قال تعالى: ﴿...وَلَا تَجَسَّسُوا...﴾ [سورة الحجرات، الآية 12]، وقال : (لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر لجوف بيت حتى يستأذن، فإن فعل فقد دخل) [رواه البخاري].3. تعيين المحتسب: والحسبة وظيفة اجتماعية غائبة، مبنية على أساس قوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ...﴾ [سورة آل عمران، الآية 110].ومن صلاحيات المحتسب منع الاشراف على بيوت الغير، ومعاقبة من تعدى عليها.4. تشريع الاستئذان للصغار: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.﴾ [سورة النور، الآية 58].5. تشريع آداب الزيارة:1- اختيار الوقت المناسب.2- ضبط الموعد.3- طرق الباب ثلاثا برفق: للإخطار، للانتظار، للإعذار.4- الإفصاح عن اسم الزائر.5- عدم استقبال الباب.6- الدخول إلى حيث يريد صاحب البيت.7- الاستئذان في التنقل في البيت.8- المغادرة بإذن صاحب البيت.
ثانيا: حالات جواز انتهاك حرمة المنازلرغم أن الشرع الحكيم أكد على حرمة المساكن، إلا أنه أباح انتهاك حرمتها في حالة الضرورة مثل نشوب حريق أو وقوع زلزال لإنقاذ حياة مشرفة على هلاك، وهذا الاستثناء تضبطه قاعدتا: [الضرورات تبيح المحظورات]، و[الضرورة تقدر بقدرها].
-4- سرية المراسلات: إن المراسلات سواء رسائل أو مكالمات هاتفية... تتضمن أسرار الناس، لذلك لابد من المحافظة عليها، فنهى الله تعالى عن التجسس في مثل قوله: ﴿...وَلَا تَجَسَّسُوا.....﴾ [سورة الحجرات، الآية 12]، فالتجسس نوع من التدخل في شؤون الغير وهذا منهي عنه.قال :(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) [رواه البخاري ومسلم].(إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا...) [رواه البخاري ومسلم].
النوع الثالث: الحقوق والحريات الفكرية-1- حرية الفكر: عظم القرآن الكريم شأن العقل، فبالعقل يحقق الإنسان مقتضيات الاستخلاف فوق الأرض يبني العمران ويؤسس الحضارة، فدعا إلى تحرير الفكر وشجع نشاط العقل، وقد ورد في القرآن الكريم لفظ العقل بوظائفه المختلفة أكثر من ألف مرة مثل: النظر، التفكر، التدبر، التعقل... فكان مقاصد ذلك بيان أهمية العقل، قال تعالى:﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 164].﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ...﴾ [سورة آل عمران، الآيتان 190-191].﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا.﴾ [سورة النساء، الآية 174].﴿...قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة الأنعام، الآية 50].﴿...قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سورة النمل، الآية 64].﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ...﴾ [سورة فصلت، الآية 53].- رفض تبني الموروثات الفكرية والعادات المختلفة بلا تمحيص: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 170].- ضرورة استخدام الحواس والملكات العقلية وعدم تعطيل وظائفها، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [سورة الأعراف، الآية 179].﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [سورة الإسراء، الآية 36].- تبني القرآن الكريم لأسلوب المناقشة والحوار ومثال ذلك: في قضية الألوهية: قال تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ [سورة النمل، الآية 60].﴿أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سورة النمل، الآية 64].- عرض حقائق الإٌيمان بمنطق العقل والعلم، قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ...﴾ [سورة محمد، الآية 19]، فالعقيدة مسبوقة بعلم وفهم حتى تكون عقيدة قوية راسخة، ﴿...أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة البقرة، الآية 106]، ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ* لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [سورة الأنبياء، الآيتان 21-22].﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [سورة يس، الآيتان 78 -79].
﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [سورة لقمان، الآية 11].
* علاقة التكامل بين العقل والوحي:
يقول
الإمام أبو حامد الغزالي تحت عنوان "تظاهُر العقل والشرع وافتقار أحدهما
للآخر: [إن العقل لن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لا يتبين إلا بالعقل، فالعقل
كالأساس والشرع كالبناء، ولن يغني أساس ما لم يكن بناء، ولن يثبت بناء ما
لم يكن أساس... وأيضا فالعقل كالبصر، والشرع كالشعاع، ولن يغني بصر ما لم
يكن شعاع من خارج ولن يغني الشعاع ما لم يكن البصر، فلهذا قال تعالى: ﴿...قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[سورة المائدة 15- 16...][2].
-2- حرية الرأي والتعبير:
قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر...﴾ [سورة آل عمران، الآية 110]، وقال أيضا: ﴿...وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ...﴾ [سورة الشورى، الآية 38]، وقال : (الدين النصيحة، قالوا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)
[رواه مسلم عن أبي تميم بن أوس تميم الداري]، تفيد هذه النصوص وجوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق مبدأ الشورى وإسداء النصيحة، كل ذلك
يقتضي إبداء الرأي والتعبير عنه.
أولا: مجالات حرية الرأي والتعبير
1. في الأمور الشرعية: ثبتت مشروعية الاجتهاد فيما لا نص فيه، في الحديث الذي رواه معاذ بن جبل أن رسول الله لما بعثه إلى اليمن قال له: (كيف تصنع إن عرض عليك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال له: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال معاذ: فضرب رسول الله على صدري ثم قال: الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله) [رواه أحمد وأبو داود].2. في مجال الدعوة: إن الدعوة إلى الله تتطلب التعبير عن الرأي في حدود المعرفة والفهم لحقائق الإيمان وقضايا الشريعة، ومن النصوص التي تدعو إلى القيام بالدعوة قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...﴾ [سورة النحل، الآية 125].
ثانيا: ضوابط حرية الرأي والتعبير
1. قيود لحماية الأعراض: فحرم القذف والسب والبهتان والتجريح (في الناس عامة وفي العلماء خاصة) والهمز واللمز والسخرية والتنابز بالألقاب ونشر الأسرار الخاصة.2. قيود لحماية النظام العام:- منع الدعوة إلى الفواحش وانتهاك الأخلاق.- منع نشر البدع.- منع الدعوة إلى المذاهب الهدامة عن طريق المؤلفات والمجلات والصحف والإذاعات وقنوات التلفزيون ومواقع الانترنيت.
-3- حرية العقيدة:
أولا: تقرير شمولية رسالة الإسلاملقد جاء الإسلام رسالة للناس كافة، والنبي صلى الله عليه و سلم – وهو خاتم النبيين – رحمة للعالمين، ومن النصوص الدالة على ذلك:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء، الآية 107].﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [سورة آل عمران، الآية 19].﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سورة سبأ، الآية 26].﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ [سورة آل عمران، الآية 85].﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [سورة الفرقان، الآية 1].
ثانيا: تقرير حرية الاعتقادلقد قرر الإسلام حرية الاعتقاد، وبين أن [الإيمان الصحيح المقبول يجيء وليد يقظة عقلية، واقتناع قلبي، إنه استبانة الإنسان العاقل للحق، ثم اعتناقه عن رضا ورغبة][3]، ومن النصوص المؤكدة لذلك قوله تعالى:
أولا: مجالات حرية الرأي والتعبير
1. في الأمور الشرعية: ثبتت مشروعية الاجتهاد فيما لا نص فيه، في الحديث الذي رواه معاذ بن جبل أن رسول الله لما بعثه إلى اليمن قال له: (كيف تصنع إن عرض عليك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال له: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال معاذ: فضرب رسول الله على صدري ثم قال: الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله) [رواه أحمد وأبو داود].2. في مجال الدعوة: إن الدعوة إلى الله تتطلب التعبير عن الرأي في حدود المعرفة والفهم لحقائق الإيمان وقضايا الشريعة، ومن النصوص التي تدعو إلى القيام بالدعوة قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...﴾ [سورة النحل، الآية 125].
ثانيا: ضوابط حرية الرأي والتعبير
1. قيود لحماية الأعراض: فحرم القذف والسب والبهتان والتجريح (في الناس عامة وفي العلماء خاصة) والهمز واللمز والسخرية والتنابز بالألقاب ونشر الأسرار الخاصة.2. قيود لحماية النظام العام:- منع الدعوة إلى الفواحش وانتهاك الأخلاق.- منع نشر البدع.- منع الدعوة إلى المذاهب الهدامة عن طريق المؤلفات والمجلات والصحف والإذاعات وقنوات التلفزيون ومواقع الانترنيت.
-3- حرية العقيدة:
أولا: تقرير شمولية رسالة الإسلاملقد جاء الإسلام رسالة للناس كافة، والنبي صلى الله عليه و سلم – وهو خاتم النبيين – رحمة للعالمين، ومن النصوص الدالة على ذلك:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء، الآية 107].﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [سورة آل عمران، الآية 19].﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سورة سبأ، الآية 26].﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ [سورة آل عمران، الآية 85].﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [سورة الفرقان، الآية 1].
ثانيا: تقرير حرية الاعتقادلقد قرر الإسلام حرية الاعتقاد، وبين أن [الإيمان الصحيح المقبول يجيء وليد يقظة عقلية، واقتناع قلبي، إنه استبانة الإنسان العاقل للحق، ثم اعتناقه عن رضا ورغبة][3]، ومن النصوص المؤكدة لذلك قوله تعالى:
﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...﴾ [سورة البقرة، الآية 256].
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [سورة الإنسان، الآية 3].
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ...﴾ [سورة الكهف، الآية 29].
﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ [سورة يونس، الآية 99].
ولقد
رسم الله عز وجل لنبيه الكريم المنهج الذي يتبعه في تبليغ الرسالة حيث
يتجلى احترام حرية الإنسان في الاعتقاد، وأمره بلزوم أسلوب الإقناع العقلي،
وعرض حقائق الإيمان بالحجة والبرهان، وتتضح معالم ذلك المنهج في الآيات
الآتية:
﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة يوسف، الآية 108].
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ [سورة الغاشية، الآيتان 21-22].
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ﴾ [سورة يونس، الآية 108].
﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...﴾ [سورة النحل، الآية 125].
﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ ِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ* وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [سورة الحج، الآيتان 67-68].
﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [سورة الشورى، الآية 15].
وحينما تحدث القرآن الكريم عن المخالفين له والكافرين به لم يرغمهم على اعتناقه لقوله تعالى:
﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [سورة الكافرون، الآية 6].
﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [سورة يونس، الآية 41].
ويترسخ هذا النهج في مخاطبة القرآن الكريم لأهل الكتاب في مثل قوله تعالى:
﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...﴾ [سورة العنكبوت، الآية 46].
﴿قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 139].
﴿فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [سورة آل عمران، الآية 20].
ويقرر القرآن ألوانا من الحماية لأهل الكتاب المسالمين، بأن أوصى بكفالة الأمن لهم، والتعامل معهم قول الله تعالى:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [سورة الممتحنة، الآية 8].
﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [سورة المائدة، الآية 5].
وقال الرسول :
(اتركوهم وما يدينون، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا) [الكساني، بدائع الصنائع، ج7، ص100].
(ألا من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته أو انتقص أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه، فأنا حجيجه يوم القيامة) [رواه أبو داود].
(من آذى ذميا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة) [السيوطي، الجامع الصحيح، ج2، ص473].
وعندما قدم الرسول إلى
المدينة المنورة وجد اليهود فلم يأمر بإبعادهم بل رضي بوجودهم، ويظهر ذلك
من خلال المعاهدة التي أبرمها معهم، نقتطف منها ما يلي:
((- المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم أمة واحدة.
- إن المؤمنين لا يتركون مُفرحا بينهم أن يعطوه في فداء أو عقل.
-
إن المؤمنين المتقين، على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان
أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعا و لو كان ولد أحدهم.
- يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
-
إن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب
أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر، دون الإثم))[4].
وقد نهج الخليفة عمر بن الخطاب ذلك المنهج حينما كتب عهده لأهل بيت المقدس عقب الفتح يقول فيه: ((بسم
الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطي عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء
من الأمان: أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم، وصلبانها، وسقيمها
وبريئها، وسائر ملتها، إنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها، ولا
من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، و لا يكرهون على دينهم،
ولا يضار أحد منهم...))[5]،
وحينما كان عمر بن الخطاب يتفقد آثار المدينة الدينية برفقة الأسقف،
أدركته الصلاة وهو بكنيسة القيامة، طلب إليه البطريق الصلاة بالكنيسة،
اعتذر عمر خشية أن يأتي المسلمون بعد ذلك فيخرجوا النصارى من الكنيسة لأن
الخليفة عمر قد صلى فيها.
وإذ
ورد الأمر بالجهاد في الإسلام، فلا يعني ذلك الإكراه على اعتناقه عنوة،
وإنما شرع الجهاد لرد العدوان عن الإسلام، وتأمين طريق الدعوة إليه، ذلك ما
سجله القرآن الكريم في الآيات الآتية:
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [سورة الحج، الآيتان 39-40].
﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [سورة البقرة، الآية 190].
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة الممتحنة، الآيتان 8-9].
﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [سورة البقرة، الآية 193].
ويقول الرسول :
- (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله) [متفق عليه].
- (رأس هذا الأمر الإسلام، ومن أسلم فقد سلم، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، لا يناله إلا أفضلهم) [رواه الطبراني].
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (قلت
يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت:
ثم أي ؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) [متفق عليه].
وقد أرشد الرسول إلى آداب الجهاد، فكان إذا بعث سرية قال: (بسم
الله، وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، لا تغلُّوا، ولا
تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا) [رواه أبو داود والطبراني].
ثالثا: الردةالمراد بالردة خروج المسلم من الإسلام طواعية[6] بعد أن كان فيه بالقول أو بالفعل، ومن يفعل ذلك يعد مرتدا إلى الوراء بعد أن تقدم إلى الهداية والرشد[7].
رابعا: موقف الفقهاء من عقوبة الردة لقد قرر الفقهاء الأقدمون أن المرتد يقتل اعتمادا على الأحاديث الآتية:
- (من بدل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري].
- (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) [رواه البخاري ومسلم].
- رُوي أن معاذا قدم على أبي موسى وقد وجد عنده رجلا موثقا، فقال: (ما هذا؟ قال: رجل كان يهوديا فأسلم، ثم تهود، فقال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله) [رواه البخاري ومسلم].
فهذه الأحاديث[8] تؤكد على أن عقوبة المرتد هي القتل، وحكمة ذلك تتمثل في حماية حرية العقيدة من العبث والفساد، ويعلل الشيخ أبو زهرة[9] ذلك بقوله: [أن
الدولة الإسلامية قائمة على الدين، فمن خرج منه فقد ناوأها، وخرج عليها،
وهو يشبه الآن من يرتكب الخيانة العظمى، وقد أجمعت الدول المتحضرة الآن على
قتل من يتهم بالخيانة العظمى][10].
ويرى
بعض المعاصرين أن المرتد لا يُقتل، بل يُدعَى إلى الإسلام كمن لم يسبق منه
إسلام، وممن ذهب إلى هذا الرأي الشيخ عبد المتعال الصعيدي وقد اعتمد على
أدلة نلخصها فيما يلي:[11]
1. الأدلة النقلية:
أ- إن قول الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...﴾
يخاطب الجميع على السواء: الذين لم يسبق لهم الإسلام، وكذا المرتدين، ثم
إن القرآن لم يسلط عقابا على المرتد في الدنيا، إنما عقابه في الآخرة.
ب- يُرد على الأحاديث الآمرة بالقتل بأحد الوجهين:[12]
الأول: عدم قبول العمل بأحاديث الآحاد في العقائد.
الثاني: حمل حديث (من بدّل دينه فاقتلوه) على المرتد المقاتل، ولا يكون السبب في قتله ارتداده، بل قتاله للمسلمين.
2. الدليل العقلي:
ما
دام أن الاختيار شرط في صحة إسلام شخص لم يسبق له أن أسلم، فيجب أن يكون
مطلوبا كذلك في الشخص الذي ارتد بعد إسلام، ثم إن الإسلام لا يستفيد من شخص
يعلن إسلامه بالإكراه ويبطن كفره.
ولقد نص البيان العالمي لحقوق الإنسان[13] في الإسلام في المادة 13 على حق الحرية الدينية، ورد فيها ما يلي: ((لكل شخص حرية الاعتقاد وحرية العبادة وفقا لمعتقده: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾)).
-4- الحق في التعليم:
أولا: دعوة الإسلام إلى العلم لقد دعا الإسلام إلى العلم في نصوص كثيرة منها قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾
[سورة العلق، الآيات 1-5]، فالآية تشير إلى أن العلم في الإسلام لابد أن
يكون في حضانة الإيمان بالله، وبهذا يكون العلم أداة خير لا معول هدم، يكون
للتعمير لا للتدمير[14].
ومن الآيات التي تبرز مكانة العلم في الإسلام ما يأتي:
﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [سورة القلم، الآية 1].
﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ...﴾ [سورة آل عمران، الآية 18].
﴿...قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ...﴾ [سورة الزمر، الآية 9].
﴿...يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ...﴾ [سورة المجادلة، الآية 11].
﴿...إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء...﴾ [سورة فاطر، الآية 28].
﴿...وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [سورة طه، الآية 114].
ومن الأحاديث النبوية التي تبين فضل العلم ومقام العلماء، ما يلي:
- عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) [رواه البخاري ومسلم].
- عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله يقول: (من
سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع
أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات
ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على
سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا
ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) [رواه أبو داود والترمذي].
- عن أنس قال: قال رسول الله : (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع) [رواه الترمذي].
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) [رواه مسلم].
وقد بين الله عز وجل مقام العلم في حياة الأنبياء والرسل، وبين دوره في إقامة الحجة على الناس:
فقال على لسان إبراهيم: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ [سورة مريم، الآية 43]، وقال في شأنه: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة الأنعام، الآية 83].
وقال الله على لسان يوسف: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة يوسف، الآية 55].
وقال الله في شأن موسى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [سورة القصص، الآية 14].
وقال تعالى عن عيسى: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾ [سورة آل عمران، الآية 48].
وقال الله عن محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿...وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [سورة النساء، الآية 113].
من هنا نرى أن للعلم مكانة عالية، لذا من حق الإنسان أن يأخذ من العلم ما تتسع له مداركه، ليتمكن من أداء وظيفة الاستخلاف فوق الأرض[15].
ثانيا: شمولية العلم في المنظور الإسلامي لا يمكن حصر العلم في مجال معين بل يشمل جميع مجالات الحياة، يقول الشيخ محمد الغزالي[16]: [وتخصيص
العلم بلون معين من الثقافة كتخصيص المال بنوع معين من الأملاك لا وجه له،
ولا شك أن في طليعة ما تجب معرفته حق الله على الناس وحق الناس بعضهم على
بعض، فإن هداية السلوك إلى الصالح العام كبيرة الأثر في تنظيم الجماعات
وتوجيه السياسات، لكن من الخطأ أن نظن أن العلم المحمود هو دراسة الفقه
والتفسير وما شابه ذلك من الفنون فحسب، وأن ما وراءها فهو نافلة يؤديها من
شاء تطوعا أو يتركها، وليس عليه حرج...! هذا
خطأ كبير، فإن علوم الكون والحياة ونتائج البحث المتواصل في ملكوت السماء
والأرض لا تقل خطرا عن علوم الدين المحضة...إن علوم الحياة مساوية لعلوم
الآخرة في خدمة الدين وتجلية حقائقه].
من
هنا نعلم أن جميع العلوم تتعاون وتتكامل من أجل معرفة الحقائق المختلفة،
وبقدر ما يكون هذا الأمر واضحا في ذهن المتعلم، بقدر ما يحرص على تحصيل
العلوم واحترام أهل العلم.
ثالثا: الإعجاز العلمي في القرآن الكريم القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع، ولكن هذا لا يمنع من وجود إشارات إلى حقائق علمية، منها:
1. اتصال السموات والأرض ثم فصلهما لاستقبال الكائنات الحية، وجعل الماء مصدر حياتها: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [سورة الأنبياء، الآية 30].
2. تقرير عقيدة البعث: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ [سورة القيامة، الآيتان 3-4].
3. انبثاث الزوجية في الكون: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [سورة الذاريات، الآية 49]، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة يس، الآية 36].
4. نقص الهواء عند الارتقاء في الفضاء: ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [سورة الأنعام، الآية 125].
رابعا: دعوة الإسلام إلى تكوين العقلية العلمية أرسى
الإسلام أسس العقلية العلمية والبحث العلمي، وتكوين العقلية العلمية
معناها لا تقبل نتائج بغير مقدمات ولا تخضع إلا للحجة والبرهان... وذلك من
خلال[17]:
1. رفض أي دعوى من غير دليل: والدليل هو:
أ- البرهان النظري في العقليات: ﴿...أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سورة النمل، الآية 64].
ب- المشاهدة أو التجربة في الحسيات: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ [سورة الزخرف، الآية 19].
ج- صحة الرواية في النقليات: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سورة الأحقاف، الآية 4].
2. رفض الظن في كل موضع يُطلب فيه اليقين الجازم:
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى﴾ [سورة النجم، الآية 23].
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ [سورة النساء، الآية 157].
3. رفض العواطف والاعتبارات الذاتية حيث يطلب الحياد والموضوعية:
﴿...إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى﴾ [سورة النجم، الآية 23].
﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [سورة ص، الآية 26].
﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين﴾ [سورة القصص، الآية 50].
4. الثورة على الجمود والتقليد والتبعية الفكرية للآخرين: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 170].
5. الاهتمام بالنظر والتفكير والتأمل:
﴿أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [سورة الأعراف،، الآية 185].
﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [سورة الذاريات، الآية 21].
﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ﴾ [سورة آل عمران، الآية 137].
6. النزول عند رأي الخبراء وأهل المعرفة: قال تعالى:
﴿...فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [سورة الفرقان، الآية 59].
﴿...فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل، الآية 43].
﴿...وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [سورة فاطر، الآية 14.]
سأل الخباب بن المنذر في غزوة بدر الرسول بشأن تموقع جيوش المسلمين قائلا: (أهو منزل أنزلكه الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة...) رواه *** فأشار عليه بموقع آخر كان سببا من أسباب تحقيق النصر.
النوع الرابع: الحقوق الاجتماعية تقررت الحقوق الاجتماعية مع الآيات الأولى التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية منها:
﴿فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [سورة الليل، الآيتان 5-6].
﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ [سورة الليل، الآية 18].
﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [سورة المعارج، الآيتان 24-25].
﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ [سورة الماعون، الآيتان 2-3].
﴿فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [سورة البلد، الآيات 13-16].
﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ [سورة المدثر، الآيات 42- 44].
﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ [سورة الإسراء، الآية 26].
﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [سورة الذاريات، الآية 19]، ولقد استعمل تعالى كلمة حق بدل نصيب أو قسط وفي ذلك دلالة على الإلزام والوجوب.
ولقد
اعتنى الرسول صلى الله عليه وسلم بالجانب الاجتماعي، ومن مظاهر ذلك
مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار عند الهجرة إلى المدينة المنورة بما
تستتبعه المؤاخاة من واجب المواساة والتعاون.
-1- الحق في التكافل الاجتماعي: دلت آيات قرآنية وأحاديث نبوية على معاني التكافل الاجتماعي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع الكبير والبشرية قاطبة.
قال تعالى:
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ...﴾ [سورة التوبة، الآية 71].
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...﴾ [سورة الحجرات، الآية 10].
﴿...وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ...﴾ [سورة المائدة، الآية 2].
﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ...﴾ [سورة آل عمران، الآية 92].
﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 177].
قال الرسول : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) [رواه مسلم].
ومن أنواع التكافل الاجتماعي ما يلي:
أولا: على مستوى الأسرة والقرابة
1. تقرير نفقة الزوج على زوجته: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [سورة البقرة، الآية 233].
2. تقرير نفقة الأب على أولاده: ﴿يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ...﴾ [سورة المائدة، الآية 11].
3.
تقرير النفقة على الأقارب: تشمل نفقة الأصول على الفروع والفروع على
الأصول، وذلك حسب قدرة المنفق واحتياج المنفق عليه، قال تعالى:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا...﴾ [سورة الأحقاف، الآية 15].
﴿لِيُنفِقْ
ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ
مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا
سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [سورة الطلاق، الآية 7].
قال : (أنت ومالك لأبيك) [رواه أحمد].
ثانيا: على مستوى الجوار
قال الرسول : (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) [رواه مسلم].
ثالثا: على مستوى القرية أو البلدة
قال : (أيما أهل عُرْصَة أصبح فيهم إمرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى) [رواه أحمد].
أجمع الفقهاء منهم أبو حزم الأندلسي الظاهري
أنه لو مات فرد جوعا في قرية يتحمل أهل القرية مسؤولية موته ويتكفلون بدفع
ديته، وذهب أكثر العلماء إلى عدم جواز نقل الزكاة خارج البلاد التي تُجمَع
فيها إلا إذا سدت حاجة المحتاجين من أهلها.
رابعا: على مستوى المجتمع والدولة
قال :
(من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كلا أو عيالا فإلينا) [رواه البخاري]، باعتباره حاكما ووليا للأمر.
(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والإمام – وفي رواية والأمير – الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته...) [رواه البخاري ومسلم وأبو داود].
فالمقرر
عند الفقهاء أن نفقة الفقير العاجز الذي ليس له قريب غني تقع على خزينة
الدولة (بيت المال)، وإذا لم تتكفل به الخزينة، للمحتاج حق رفع دعوى على
الدولة ليطالب بحقه.
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب أسقط الجزية عن اليهودي الفقير الضرير وأعانه من بيت المال.
من
مظاهر التكافل الاجتماعي في عهد أبي بكر الراشد بروز مؤسسة العطاء، لفائدة
الرعية عموما والمحاويج خصوصا، وتصرف منها أموال على كل طفل بلغ الفطام،
وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب صار يستفيد منها كل مولود.
* نظام الأوقاف:الوقف هو حبس العين عن التصرف فيها على وجه التبرع والتأبيد، يصرف ريعها ومنفعتها على الفقراء والمساكين ومختلف جهات الخير.
من أهداف الوقف:
- ضمان موارد دائمة لجهات الخير والصالح العام.
- ضمان استقلالية وفعالية المؤسسات الدينية والاجتماعية والعلمية.
خامسا: على مستوى الإنسانية لقد تقرر ذلك شرعا انطلاقا من الأصل المشترك لجميع الخلق، قال : (كلكم لآدم وآدم من تراب) [رواه مسلم]، وهذا يقتضي مد جسور التعارف والتكافل بين أبناء البشرية قاطبة.
-2- الحق في العمل:
أولا: نظرة الإسلام إلى العمل خلق
الله الإنسان وزوّده بطاقات وإمكانات لتحقيق مقتضيات الاستخلاف فوق الأرض
وهذا لا يتحقق إلا بالعمل الذي شرفه الإسلام، واقتضت حكمة الله في خلقه أن
الأرزاق التي ضمنها لهم في قوله تعالى:
﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [سورة هود، الآية 6].
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [سورة الذاريات، الآية 58].
لا يمكن نيلها إلا بجهد وعمل، وقد دلت على ذلك نصوص في القرآن والسنة منها:
قال تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 30].
﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ [سورة الأعراف، الآية 10].
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [سورة الملك، الآية 15].
﴿...هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...﴾ [سورة هود، الآية 61].
﴿اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [سورة الجاثية، الآية 12].
﴿فَإِذَا
قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ
اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [سورة الجمعة، الآية 10].
قال : (كان زكريا عليه السلام نجارا) [رواه مسلم].
(ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده) [رواه البخاري].
(إن الله يحب العبد المحترف) [رواه أحمد والبيهقي].
(التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) [رواه الترمذي والحاكم].
(إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها) [رواه أحمد].
(تلك يد يحبها الله ورسوله) [رواه الترمذي].
(إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة ولا الصدقة ولا الحج، ويكفرها الهم في طلب المعيشة) [رواه الطبراني].
(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [رواه أبو يعلى والبيهقي].
(ما
من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أُكِل منه صدقة، وما سُرق منه له صدقة، وما
أكل السبع منه فهو له صدقة، وأكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا
كان له صدقة) [رواه مسلم].
(ما من مسلم يزرع زرعا أو يغرس غرسا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) [رواه البخاري].
(لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه) [رواه البخاري].
(من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له) [رواه الحاكم].
روي عن ابن عباس أن قوما قدموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: (إن فلانا يصوم النهار، ويقوم الليل، ويكثر الذكر، فقال: أيكم يكفيه طعامه؟ فقالوا: كلنا، فقال: كلكم خير منه).
ثانيا: كفالة حق العمل عن أنس بن مالك (أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله (أي طلب منه معونة مالية) فقال له: أما في بيتك شيء؟ قال له: بلى، حلس (كساء) نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقِعب (إناء من الفخار) نشرب
فيه من الماء، قال: ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما الرسول صلى الله عليه
وسلم بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال الرسول
صلى الله عليه وسلم: من يزد على درهم؟ مرتين أو ثلاثا، قال رجل: أنا آخذهما
بدرهمين، فأعطاهما إياه، وقال له صلى الله عليه وسلم: اشتر بأحدهما طعاما
فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما... اذهب فاحتطب، وبع، ولا أرينك خمسة
عشر يوما، ففعل، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم،... فقال له الرسول صلى الله
عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة (نقطة) في وجهك يوم القيامة) [رواه أبو داود واللفظ له، والنسائي والترمذي].
علق الشيخ القرضاوي[18] على هذا الحديث بقوله: [...إنه
لم يعالج مشكلة السائل المحتاج بالمعونة المادية الوقتية...، ولم يعالجها
بالوعظ المجرد، والتنفير من المسألة... ولكنه أخذ بيده في حل مشكلته بنفسه
وعلاجها بطريقة ناجعة... وعلمه أن كل عمل يجلب رزقا حلالا هو عمل شريف
كريم...].
فإيجاد العمل للعاطلين القادرين عليه من واجب ولي الأمر (الحاكم أو الخليفة)، لقوله صلى الله عليه وسلم: (...والإمام الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته...) [رواه البخاري، مسلم وأبو داود].
قال عمر بن الخطاب لأحد ولاته محذّرا إيّاه من التقصير في توفير العمل للمحتاجين من الرعية: [إن
الله استخلفنا عليهم لنسد جوعتهم، ونستر لهم عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم،
وإن الأيدي خُلقت لتعمل، فإن لم تجد في الطاعة عملا، التمست في المعاصي
أعمالا].
وقال للماكثين في المسجد بعد الصّلوات بدعوى توكّلهم على الله بعد أن زجرهم: [لا يقعدن أحدكم عن طلب الرّزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وإن الله يقول: ﴿فَإِذَا
قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ
اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[سورة الجمعة، الآية 10].
ثالثا: كفالة حقوق العامل
1. حقه في الأجر المناسب لعمله وجهده،
قال تعالى: ﴿...وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ...﴾ [سورة الأعراف، الآية 85].
وقال : (من استأجر أجيرا فليسم له أجره) [رواه النسائي].
(أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) [رواه ابن ماجه بسند جيد].
(ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) [رواه البخاري وغيره].
2. حقه في الراحة وتحديد ساعات العمل:
قال تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا...﴾ [سورة البقرة، الآية 286].
قال الرسول : (... ولا يكلفه من العمل مالا يطيق، فإن كلفتموهم فأعينوهم) [رواه مسلم].
(...وإن لنفسك عليك حقا، وإن لبدنك عليك فأعط كل ذي حق حقه) [رواه البخاري ومسلم].
3. حقه في تأمين مستقبله عند شيخوخته أو عجزه.
د- حقوق أخرى: مثل الحق في الإيواء والزواج ووسائل النقل، لقوله : (من ولى لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا، أو ليس له زوجة فليتزوج، أو ليس له دابة فليتخذ دابة) [رواه أبو داود].
نص البيان عن حقوق الإنسان في الإسلام في الفقرة 17 عن حق العامل وواجبه: ((العمل: شعار رفعه الإسلام لمجتمعه: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ...﴾ [سورة التوبة، الآية 105]، وإذا كان حق العمل: الإتقان: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [رواه أبو يعلى]، فإن حق العامل:
1. أن يوفى أجره المكافئ لجهده دون حيف عليه أو مماطلة له: (اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) [رواه ابن ماجه].
2. أن توفر له حياة كريمة تتناسب مع ما يبذله من جهد وعرق، ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا...﴾ [سورة الأحقاف، الآية 19].
3. أن يمنح ما هو جدير به من تكريم المجتمع كله له: ﴿...اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ...﴾ [سورة التوبة، الآية 105]، (إن الله يحب العبد المحترف) [رواه الطبراني].
4. أن يجد الحماية التي تحول دون غبنة واستغلال ظروفه قال رسول الله فيما يرويه عن ربه: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) [رواه البخاري وغيره].
-3- الحق في الرعاية الصحية:
أولا: اهتمام الإسلام بالصحة والوقاية
1. دعوة الإسلام إلى المحافظة على الصحة، وذلك بالأكل والشرب والاعتدال فيهما قال تعالى:
﴿...وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [سورة الأعراف، الآية 31].
﴿...وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ...﴾ [سورة الأعراف، الآية 157].
وقال :
- (...فثلث لطعامه، وثلث لشربه، وثلث لنفسه) [رواه أحمد وابن ماجه والحاكم].
- (...وصوموا تصحوا) [رواه الطبراني].
2. منع الإفساد في الأرض وتلويث البيئة: ﴿...وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ [سورة الأعراف، الآية 85].
3. تحريم الزنا واللواط والشذوذ الجنسي وإتيان الزوجة في فترة الحيض والنفاس.
4. تحريم الخمر والمخدرات وسائر المسكرات.
5. ممارسة الرياضة والاهتمام بصحة الأبدان:
(علّموا أولادكم الرماية والسباحة...) [رواه أبو داود].
(إن لجسدك عليك حقا) [رواه البخاري ومسلم].
(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير) [رواه ابن ماجه].
6. الاهتمام بالنظافة: وذلك بالوضوء للصلوات، ورفع الجنابة، والتنزه من البول وسائر النجاسات.
ثانيا: الإرشاد إلى التداوي والحجر الصحي
قال : (تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد: الهرم) [رواه أبو داود].
عقد ابن القيم فصولا في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد" تعرّض لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم في علاج كثير من الأمراض.
وقرر النبي الحجر الصحي للمريض مرضا معديا في قوله: (إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) [رواه البخاري وأبو داود].
النوع الخامس: الحقوق والحريات الاقتصادية
-1- مشروعية الملكية الفردية: استجابت
الشريعة الإسلامية لنداء الفطرة، فأباحت الملكية الفردية، وقررت من
الأحكام ما يحفظها ويدفع عنها كل اعتداء، وقد وظف القرآن الكريم صيغة تفيد
الكسب والتملك حيث أضاف الملكية للإنسان، قال تعالى:
﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُم...﴾ [سورة النساء، الآية 2].
﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ...﴾ [سورة النساء، الآية 6].
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [سورة يس، الآية 71].
﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة الأنفال، الآية 28].
﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [سورة الأنعام، الآية 152].
﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ [سورة الليل، الآية 18].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [سورة النساء، الآية 29].
-2- طبيعتها: ملكية الإنسان للمال ملكية استخلاف وإنابة وتفويض لأن المالك الحقيق للأموال هو الله، ومن الآيات الدالة على ذلك:
﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [سورة الحديد، الآية 7].
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [سورة النور، الآية 42].
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ [سورة طه، الآية 6].
وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة آل عمران، الآية 189].
-3- مجالها: أقر
الإسلام بملكية الإنسان لجميع العقارات والمنقولات مع تحديد بعضها فأخرجها
من دائرة التملك الفردي، كالموارد الموجودة في باطن الأرض فهي ملكية
الأمة.
-4- تنظيمها الشرعي:
أولا: قيود اكتسابها لقد
ضبط الشرع الحكيم أصل الملكية وذلك بتحديد مصادر الكسب الحلال مثل: العمل
الفكري أو العضلي، الميراث، الهبة، الوصية... ومنع مصادر الكسب الحرام مثل:
السرقة، الرشوة، الغش (تدليس المبيع)، الميسر، القمار، الربا، عقود الغرر،
الاحتكار، الغصب، التجارة في المواد المحرمة كالخمر والمخدرات.
ثانيا: قيود بعد اكتسابها قيد الإسلام التصرف في المال بعد اكتسابه ومن ذلك:
1. تحريم الاكتناز والدعوة إلى الاستثمار، قال رسول الله : (ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) [رواه مسلم].
2. تحريم التبذير والترف والبذخ:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [سورة الفرقان، الآية 67].
﴿...وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [سورة الإسراء، الآيتان 26-27].
﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [سورة الإسراء، الآية 16].
3. الحجر على السفهاء للمحافظة على أموالهم: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾ [سورة النساء، الآية 5].
4. تشريع نظام الزكاة وفق المقادير الشرعية: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [سورة المعارج، الآيتان 24-25].
5. منع إهمال وسائل الإنتاج وتعطيلها.
6. أداء واجب الإنفاق على الأسرة والأقارب.
7.
المحافظة على حقوق الورثة، بمنع التفاضل بينهم في العطايا والهبات لغير ما
عذر شرعي، أو بالتحايل على أحكام الميراث بالوصية أو بعقود صورية أخرى.
8. فرض ضرائب إضافية عند عدم كفاية الزكاة لسد حاجيات الأمة.
9. نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة بشرط حاجة الأمة إليها مع تقديم التعويض العادل لأصحابها.
ثالثا: مآلها بعد وفاة صاحبها
- تنفيذ الوصايا التي لا تتجاوز الثلث.
- توزيع الأملاك على الورثة طبقا لقواعد الميراث، قال الله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا﴾ [سورة النساء، الآية 11].
ورد في البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام ما يلي:
15- الحقوق الاقتصادية:
أ- الطبيعة – بثرواتها جميعا- ملك لله تعالى: ﴿لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة
المائدة، الآية 120]. وهي عطاء منه للبشر، منحهم حق الانتفاع بها، وحرم
عليهم إفسادها وتدميرها، ولا يجوز لأحد أن يحرم آخر أو يعتدي على حقه في
الانتفاع بما في الطبيعة من مصادر الرزق.
ب- لكل إنسان أن يعمل وينتج تحصيلا للرزق من وجوهه المشروعة.
ج-
الملكية الخاصة مشروعة – على انفراد ومشاركة – ولكل إنسان أن يقتني ما
اكتسبه بجهده وعمله، والملكية العامة مشروعة، وتوظف لمصلحة الأمة بأسرها.
د-
لفقراء الأمة حق مقرر في مال الأغنياء، نظمته الزكاة، وهو حق لا يجوز
تعطيله ولا منعه ولا الترخص فيه، من قبل الحاكم ولو أدى به الموقف إلى قتال
مانعي الزكاة كما فعل أبو بكر الصديق: [والله لو منعوني عِقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه].
ﻫ- توظيف
مصادر الثروة ووسائل الإنتاج لمصلحة الأمة واجب فلا يجوز إهمالها ولا
تعطيلها: ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بالنصيحة إلا لم يجد رائحة
الجنة.
كذلك لا يجوز استثمارها فيما حرمته الشريعة، ولا فيما يضر بمصلحة الجماعة.
و- ترشيدا للنشاط الاقتصادي وضمانا لسلامته حرم الإسلام:
1- الغش بكل صوره: (من غش فليس منا) [ابن ماجه].
2- الغرر والجهالة وكل ما يفضي إلى منازعات لا يمكن إخضاعها لمعايير موضوعية: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر) [مسلم]، (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد) [الترمذي].
3- الاستغلال والتغابن في عمليات التبادل:
4- الاحتكار وكل ما يؤدي إلى منافسة غير متكافئة: (لا يحتكر إلا خاطئ) [أبو داود].
5- الربا وكل كسب طفيلي يستغل ضوائق الناس.
6- الدعايات الكاذبة والخادعة: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن غشا وكذبا محقت بركة بيعهما) [متفق عليه].
ز- رعاية مصلحة الأمة والتزام قيم الإسلام العامة هما القيد الوحيد على النشاط الاقتصادي في مجتمع المسلمين.
16- حق حماية الملكية: لا يجوز انتزاع ملكية نشأت عن كسب حلال إلا للمصلحة العامة، ومع تعويض عادل لصاحبها: (من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين)، وحرمة الملكية العامة أعظم، وعقوبة الاعتداء عليها أشد، لأنه عدوان على المجتمع كله، وخيانة للأمة بأسرها: (من استعملناه منكم على عمل فكتمنا منه مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة)، قيل: (يا
رسول الله إن فلانا استشهد، قال: كلا، لقد رأيته في النار بعباءة قد غلها،
ثم قال: يا عمر قم فناد: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ثلاثا).
النوع السادس: الحقوق السياسية
-1- حق الأمة في اختيار الحاكم (الخليفة أو الإمام): استقر
الإجماع في عهد الخلفاء الراشدين على أن الإسلام أعطى الأمة الحق في
اختيار إمامها، ويتم ذلك بمبايعة أهل الحل والعقد (أهل الاختيار)، الذين
تتوفر فيهم شروط حددها الماوردي بقوله: [فأما أهل
الاختيار فالشروط المعتبرة فيهم ثلاثة: أحدها: العدالة الجامعة لشروطها،
والثاني: العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط
المعتبرة فيها، والثالث: الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة
أصلح وبتدبير المصالح أقوم وأعرف...][19].
-2- حق الأمة في مراقبة الحاكم ومساءلته وعزله: الحاكم مسؤول عن رعيته مكلف برعايتها، قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والإمام راع ومسؤول عن رعيته...)
[رواه البخاري ومسلم]. ومن حق الأمة أن تراقب حاكمها في تسيير شؤون الأمة،
وأن تعزله إذا توفرت مقتضيات عزله منعا لاستبداده وطغيانه، قال صلى الله
عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) [رواه أحمد]، وقال أيضا: (إنما الطاعة في المعروف) [رواه البخاري].
وفي الخلفاء الراشدين الأسوة في تجسيد هذا المبدأ، قال أبو بكر الصديق في أول خطبة له بعد توليته الخلافة: [أما بعد أيها الناس: فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم... فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني...، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم...][20].
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [من رأى فيّ اعوجاجا فليقومه]، فقال أحد الصحابة: [والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا]، فرد عليه قائلا: [الحمد لله أن كان في أمة عمر من يقوم اعوجاج عمر بالسيف].
-3- الحق في إعمال مبدأ الشورى: تقرر مبدأ الشورى في القرآن الكريم ضمانا للسير الحسن لشؤون الدولة ومنعا لأشكال الطغيان والاستبداد، قال تعالى:
﴿...وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ...﴾ [سورة، الشورى، الآية 38].
﴿...وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ...﴾ [سورة آل عمران، الآية 159].
وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ الشورى في إدارته للدولة الإسلامية الأولى، وروي عن أبي هريرة أنه قال: [ما وجدت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم]، وانتهج الخلفاء الراشدون ذلك النهج فكانوا قدوة لغيرهم في سائر العصور الذهبية.
وقد نص البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام على ما يلي:
((...
6- حق الحماية من تعسف السلطة:
لكل
فرد الحق في حمايته من تعسف السلطات معه، ولا يجوز مطالبته بتقديم تفسير
لعمل من أعماله أو وضع من أوضاعه، ولا توجيه اتهام له إلا بناء على قرائن
قوية، تدل على تورطه فيما يُوجه إليه: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [سورة النور، الآية 58].
11- حق المشاركة في الحياة العامة:
أ-
من حق كل فرد في الأمة أن يعلم بما يجري في حياتها، من شؤون تتصل بالمصلحة
العامة للجماعة، وعليه أن يسهم فيها بقدر ما تتيح له قدراته ومواهبه،
إعمالا لمبدأ الشورى: ﴿...وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ...﴾ [سورة
الشورى، الآية 38]، وكل فرد في الأمة أهل لتولي المناصب والوظائف العامة،
متى توافرت فيه شرائطها الشرعية، ولا تسقط هذه الأهلية أو تنقص تحت أي
اعتبار عنصري أو طبقي: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم) [رواه أحمد].
ب-
الشورى أساس العلاقة بين الحاكم والأمة ومن حق الأمة أن تختار حكامها،
بإرادتها الحرة تطبيقا لهذا المبدأ ولها الحق في محاسبتهم وفي عزلهم إذ
حادوا عن الشريعة: [إني وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم][21].
[1]- د/ جابر قميحة، أدب الخلفاء الراشدين، دار الكتب الإسلامية، مصر، 1985، ص 120.
[2]- الإمام أبو حامد الغزالي، معارج القدس في مدارج معرفة النفس، ط5، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1986، ص57-58
[3]
- الشيخ محمد الغزالي، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم
المتحدة، الطبعة الثالثة، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، 1984، ص80.
[4]- الشيخ محمد الغزالي، فقه السيرة، الطبعة السابعة، مؤسسة عالم المعرفة، بيروت، 1976، ص196.
- الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، فقه السيرة، الطبعة السابعة، دار الفكر، بيروت، 1978، ص160.
[5]
- الدكتور سليمان محمد الطماوي، عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة
الحديثة، الطبعة الثانية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1976، ص379-380.
[6]-
ولا يُعد كافرا من أرغم على الردة بالنطق بكلمة الكفر، أو الإتيان بعمل
مكفر، باتفاق فقهاء المذاهب الأربعة، وكذا الشيعة الزيدية، والضاهرية لقوله
تعالى: ﴿...إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ...﴾ [النحل، الآية 106]، ولقول الرسول : (رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه مسلم.
[7]- الإمام محمد أبو زهرة، العقوبة، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ت.ن، ص172.
- عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، المجلد الثاني، دار التراث، القاهرة، د.ت.ن، ص707.
[8]- لم ينص القرآن الكريم على عقوبة دنيوية إنما أشار إلى عقاب المرتد في الآخرة مثل قوله تعالى: ﴿...وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾ [سورة البقرة، الآية 108]، ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ* خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ [سورة آل عمران، الآيات 86-88]، ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة النحل، الآية 106].
[9]- الإمام محمد أبو زهرة، مرجع سابق، ص173.
[10]-
يرى الدكتور عبد الكريم زيدان أن: [المسلم بإسلامه يكون قد التزم أحكام
الإسلام وعقيدته، فإذا ارتد فقد أخل بالتزامه وأساء للدولة، وتجرأ عليها
فيستحق العقاب، لأن إخلال الشخص بالتزامه يوجب عليه الجزاء] الفرد والدولة
في الشريعة الإسلامية، مكتبة المنار، الكويت، 1965، ص67.
[11]- في كتابه الحرية في الإسلام، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ت.ن، ص88.
وممن
قال بهذا الرأي الشيخ محمد شلتوت في كتابه الإسلام عقيدة وشريعة، ص281:
[...وقد يتغير وجه النظر في المسألة إذا لوحظ أن كثيرا من العلماء يرى أن
الحدود لا تثبت بحديث الآحاد، وأن الكفر بنفسه ليس مبيحا للدم، وإنما
المبيح للدم هو محاربة المسلمين، والعدوان عليهم، وماولة فتنتهم عن دينهم،
وإن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبى الإكراه على الدين].
[12]- عبد المتعال الصعيدي، مرجع سابق، ص158 وما بعدها.
- د/ حمود حمبلي، حقوق الإنسان بين النظم الوضعية والشريعة الإسلامية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1955، ص164-165.
[13]- الذي أعلنه المجلس الإسلامي الدولي بتاريخ: 19/09/1981.
[14]- د/ يوسف القرضاوي، الحياة الربانية والعلم، الطبعة الأولى، مكتبة وهبة، القاهرة، 1995، ص83.
[15]- ولقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في استثمار الوقت من أجل تحصيل العلم والعمل به.
-
فقد سُئل الإمام الشافعي: كيف شهوتك للعلم؟ فقال: أسمع بالحرف مما لم
أسمعه، فتود أعضائي أن لها أسماعا تتنعم به مثل ما تنعمت به الأذنان، فقيل
له: كيف حرصك عليه؟ قال: حرص الجَمُوع المنوع في بلوغ لذته للمال، فقيل له:
فكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلة ولدها ليس لها غيره.
- وروي أن أبا يوسف – صاحب أبي حنيفة – كان يباحث في مسألة فقهية ساعة موته.
- وبلغت دروس الإمام الشوكاني في اليوم والليلة نحو ثلاثة عشر درسا.
- وقد ألف الإمام الألوسي تفسيره بالليل، ويدرس بالنهار ثلاثة عشر درسا.
-
وقد حصّل بعض تلاميذ ابن جرير الطبري أيام حياته منذ بلوغه الحلم إلى
وفاته ثم قسموا عليها أوراق مصنفاته، فصار منها على كل يوم أربعة عشرة
ورقة.
-
قال ابن عقيل في القسم الأول من كتابه الفنون: [أما بعد، فإن خير ما قطع
به الوقت وشغلت به النفس فتقرب به إلى الرب جلت عظمته: طلب علم أخرج من
ظلمة الجهل إلى نور الشرع، وذلك الذي شغلت به نفسي، وقطعت به وقتي]
أنظر: د/ عبد الفتاح أبو غدة، قيمة الزمن عند العلماء، الطبعة الخامسة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1990، ص28، 29، 43، 55، 80.
[16]- في كتابه خلق المسلم، دار الشهاب، باتنة، د.ت.ن، ص 218.
[17]- د/ حمود حمبلي، مرجع سابق، ص 187-188.
[18]- في كتابه: مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، ط11، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1417ﻫ/1997م، ص52.
[19]- علي بن محمد حبيب البصري الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1983، ص 6.
[20]- د/ جابر قميحة، مرجع سابق، ص 35.
[21] - من خطبة أبي بكر رضي الله عنه عقب توليته الخلافة.
< السابق | التالي > |
---|