اتجاهات الوالدية المختلفة وأثرها على الطفل:

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية اتجاهات الوالدية المختلفة وأثرها على الطفل:

اتجاهات الوالدية المختلفة وأثرها على الطفل:



اتجاهات الوالدية المختلفة وأثرها على الطفل:

الوالدية هي الاتجاهات والأساليب التي يتعامل فيها الأب والأم مع الأطفال في المواقف اليومية، فهي التفاعل المستمر والعلاقة المتبادلة في كافة نواحي الحياة بين الأهل والطفل.
للوالدية أهمية كبيرة في حياة الطفل وتكوين شخصيته، حيث تقوم العلاقة بين الأهل والطفل على الارتباط العاطفي متأثرة بالأساليب التربوية التي يتبعانها في تربيته، وتشمل الوالدية جميع أساليب التعامل من تعزيز، نقاش، مكافئة، عقاب ووضع حدود.
فالعلاقة الصحية بين الأهل والطفل هي حجر الأساس لبناء شخصية طفل سوية قادرة على التفاعل مع احتياجات الحياة وتحدياتها.
اتجاهات عديدة يتم التعامل بها مع الأطفال تكون نتيجة ما تربى عليه الأم والأب أنفسهم من قبل أهاليهم – وبالتالي لسان حالهم يقول هكذا نعرف أو هكذا تربينا - ، أو نتيجة عدم المعرفة لتوجهات أخرى أو عدم الإدراك للآثار التي قد تنجم عن هذا التوجه أو ذاك.


1. الاتجاه السلطوي:
ويقصد به المبالغة باستخدام الشدة في تربية الطفل دون الاهتمام بحاجته ورغباته، من خلال استخدام أساليب قاسية كالتهديد، الضرب، قمع الطفل، وعدم استخدام أساليب الشرح والنقاش معه.
وبما أنه من أهم أهداف التربية هو تنمية ضمير داخلي لدى الطفل (بمعنى أن يصبح الطفل يميز بين الصواب والخطأ).
إن اتباع هذا الاتجاه في التربية من قبل الوالدين قد ينتج عنه:
1.     عدم تنمية ضمير الطفل الداخلي.
2.     شعور الطفل بالذنب.
3.     كره الطفل لذاته وهذا يؤدي إلى تدني ثقته بنفسه.
4.     تكوين شخصية معتمدة على الأهل واتكالية نتيجة عدم ثقة الطفل بقدراته.
5.     يصبح لدى الطفل تصرفات عنيفة في تعامله مع الآخرين.




2. اتجاه الحماية الزائدة:
ويقصد به قيام أحد الوالدين أو كليهما بالمهام، الواجبات والمسؤوليات المطلوبة من طفلهم رغم انه يستطيع القيام بها بمفرده، فالحماية الزائدة تعني المبالغة في تدليل الطفل والخوف عليه بصورة تعيق استقلاليته في المستقبل عن والديه بصورة صحية.
إن اتباع هذا الاتجاه في التربية من قبل الوالدين قد ينتج عنه:
1.     شعور الطفل بأن والديه لا يثقان بقدراته وبأنه لا يستطيع إنجاز أي شيء لوحده.
2.     شعور الطفل بالضعف وعدم الثقة بنفسه.
3.     الاعتماد على الأهل والآخرين.
4.     عدم تحمل الطفل المسؤولية.
5.     عدم قدرة الطفل على تحمل الإحباط.


3. اتجاه الإهمال:
ويقصد به تجنب الآباء والأمهات التفاعل مع طفلهم، حيث يترك الطفل دونما تشجيع على تصرفاته، ودون توجيه إلى ما يجب أن يقوم به، كما أن الوالدان اللذان يتبعان هذا الاتجاه في العلاقة لا يعبران بشكل عام عن حبهم لطفلهم.
إن اتباع هذا الاتجاه في التربية من قبل الوالدين قد ينتج عنه:
1.     ثقة متدنية لدى الطفل في ذاته وقدراته.
2.     عدم القدرة على تكوين علاقات قريبة مع من حوله.
3.     شعور الطفل بالعزلة وبأنه غير محبوب.
4.     تدني في التحصيل الدراسي والأداء الأكاديمي العام.
5.     في حالة الإهمال الشديد قد يؤدي هذا الاتجاه إلى تأخر عقلي أو اجتماعي أو كليهما.


4. الاتجاه المتساهل:
ويقصد به إظهار الوالدين الكثير من الحب اتجاه طفلهم، ولكن نادرًا ما يتم وضع الحدود لسلكياته، فيسمحون له بعمل ما يريد، معتقدين بأن تلبية كل رغباته تعكس مدى محبتهما له، فلا يستطيعون رفض طلباته أو أن يقولوا له لا.
الآباء المتساهلون هم أنفسهم لا يشعرون بالأمان، لذا يكون من الصعب عليهم وضع حدود على الرغم من أن ضبط سلوك الطفل يعتبر أساسيًا لنمو الطفل في بيئة إيجابية.
إن اتباع هذا الاتجاه في التربية من قبل الوالدين قد ينتج عنه:
1.     طفلاً أنانيًا لا يرى إلا احتياجاته عند التعامل مع الأطفال الآخرين.
2.     افتقاد روح المسؤولية، وضعف الشعور بضرورة احترام حقوق الآخرين.
3.     صعوبة في تكوين الأصدقاء.


5. الاتجاه المتوازن:
ويقصد به وضع الوالدين قواعد واضحة توجه سلوك طفلهم، فيستعملان أسلوب الثواب أكثر من العقاب وينقلان توقعاتهما من الطفل بوضوح، حيث يشرحونها له لمساعدته على فهم التوجيهات التي يقدمونها له. في هذا النمط من العلاقة يتقبل الأهل الطفل ويشعرونه بالمحبة من خلال التعبير بالكلمات، التشجيع والحضن.
إن اتباع هذا الاتجاه في التربية من قبل الوالدين قد ينتج عنه:
1.     أطفال قياديون ذوو ثقة بذاتهم.
2.     أطفال قادرون على تحمل المسؤولية.
3.     أطفال لديهم قدرات إبداعية.















إسألي نفسك:

1. هل سلوك طفلك متلائم مع عمره؟
الإجابة عن هذا السؤال تكمن في مدى اطلاع الأهل على مبادئ التطور عند الأطفال، ومعرفتهم للخصائص التي تميز كل مرحلة تطويرية عن الأخرى، فهذه المعرفة تساعدهم على تفهم أولادهم وسلوكياتهم بطريقة أفضل، مثلاً:
عندما يقول لك ابنك البالغ من العمر ثلاث سنوات أنه لم يأكل الكعكة وأنت تعرفين نه أكلها، لا يجوز نعته بالكاذب، لأن الطفل في هذا العمر لا يزال غير قادر على التمييز بين الحقيقة والخيال، وبالتالي لا يعرف معنى الكذب.
عندما يرفض ابن السنتين أن يشرك ولدًا آخر في ألعابه، لا يقال عنه أنه بخيل وأناني، لأن الطفل في هذا العمر يتميز بأسلوب لعب منفرد ولا يدري معنى المشاركة.
عندما يسأل ابن الرابعة أمه أسئلة حول الموت، لا يجب أن تقلق والدته معتقدة أن ابنها يمرّ بأزمة نفسية عميقة، لأن ها النوع من الأسئلة شائع جدًا في هذا العمر عند الأولاد.
عندما تلاحظ الأم أن ابنتها في السادسة من عمرها غير مرتبة ودائمًا تنسى أشياء في المدرية أو في البيت، لا يجب أن تستنتج أن الطفلة تعاني من مشكلة في الذاكرة، لأن هذا السلوك طبيعي جدًا في هذا العمر نتيجة تعرض الأولاد لمجموعات هائلة من المثيرات يوميًا تتطلب منهم التركيز والاستيعاب الفوري، مما يؤدي إلى ازدياد النسيان عندهم لأمور تبدو تافهة بالنسبة لهم مقارنة بأمور أخرى تحتل الأولوية في سلّم اهتماماتهم الخاصة.


2. هل توقعاتك متلائمة مع طبع ولدك وقدراته؟
عندما تشعرين أن ابنك يزعجك بسبب تصرفاته، تمهلي قليلاً قبل تأنيبه أو معاقبته، واسألي نفسك إذا كان ما تتوقعين منه متلائم مع شخصيته وقدراته، ففي الكثير من الأحين، ما نسميه "مشكلة سلوكية" هو بالفعل عدم تنسيق بين الأهل والولد، بين توقعات الأهل من ولدهم، أي "الولد – الحلم" و"الولد – الواقع" ولسوء الحظ، في معظم الأحيان، تبدأ هذه التوقعات أو الأحلام حتى قبل ولادة الولد (مثل الأم الحامل التي تعتقد أن ابنها سوف يصبح رياضيًا محترفًا لأنه يتحرك كثيرًا في داخلها، أو أنه سوف يصبح طبيبًا مثل والده).
ماذا لو لم يصبح الولد رياضيًا محترفًا أو طبيبًا لامعًا؟
إن مثل هذه التوقعات تولّد مشاكل عديدة في نوعية التواصل بين الأهل والأولاد، إذ تكثر الانتقادات تجاه كل ما يقوم به الولد، خاصة التصرفات التي تؤكد للأهل أن توقعاتهم هذه لن تتحقق، ويأتي حكمهم على الولد قاسيًا، والأخطر من ذلك هو أن الولد نفسه يشعر بأنه يخيّب أمل أهله، مما يؤثر بشكل فادح على ثقته بنفسه وصورته الذاتية.


























الطفل الخجول:

أولاً – من المسؤول: الوراثة أم البيئة؟
إجمالاً، نلتفت إلى السوك العدواني عند الطفل وسرعة انفعاله، ونميل إلى إهمال الولد الخجول لأنه لا يزعج أحدًا، فنمر على خجله مرور الكرام، إذ أنه يبدو سعيدًا في زاويته، حتى أن معلمات المرحلة الابتدائية لديهن ميل إلى تحفيز وتشجيع السلوك الهادئ، وبالتالي هناك تشجيع لانزواء الولد وخجله.
أما نحن، كأهل، فعلينا أن نميز بين الخجل السوي عند الولد والخجل الشديد الذي يعيق بالفعل الثقة بالذات عنده.
فبعض الأولاد قد لا ترتفع درجة اهتمامهم بسرعة، وقد نستعمل تعبير "بطيء التدفئة" لوصفهم، أي ما يعرف بالانكليزية بـ slow-to-warm-up، فهم لا ينفعلون بسرعة، ويفكرون قبل القيام بشيء ما، ويفضلون المراقبة على المشاركة. هؤلاء الأولاد لا يعانون من أية مشكلة، يجب فقط التعامل معهم حسب إيقاعهم وعدم الضغط عليهم للقيام بمجهود أكبر مما هم قادرون عليه.
إن الخجل هو من خصائص الإنسان الأكثر شيوعًا. ففي دراسة حديثة في جامعة "ستانفورد" الأمريكية، قال ثمانون بالمئة من المشاركين في الدراسة إنهم خجولون أو كانوا خجولين في إحدى مراحل حياتهم، وفي دراسة أخرى، تبيّن أن الخوف عند معظم الناس هو التحدث أمام مجموعة.
كما يجب أن نعرف أن وراء الخجل عاملاً وراثيًا مهمًا جدًا كما بيّنت الدراسات على التوائم، إنما الخجل أيضًا من الخصائص المرنة في شخصية الإنسان، ويتأثر كثيرًا بالمحيط لذي ينشأ ويترعرع فيه الولد.
وإذا قارنا الخجل عند الولد بالخجل عند الإنسان الراشد، نرى أن هناك العديد من العوامل المشتركة، فمثلاً في كلا الحالتين، يترافق الخجل بالشعور بالقلق والخوف (الذي يمكن أن يكون شديدًا جدًا مثل "الرُّهاب")، وللتخلص من الخجل، يقوم المرء بممارسة المهارات الاجتماعية التي تؤدي إلى جعله أقل إحراجًا في الظروف غير المألوفة. فالفرق الوحيد بين الخجل عند الأولاد والخجل عند الإنسان الراشد هو أن الولد لا يستطيع إخفاء شعوره بالخجل مثلما يستطيع الإنسان الراشد.
بالعودة إلى موضوع الوراثة، فهناك أساس جيني للخجل كما تؤكد الدراسات في هذا المجال، لكن معظم علماء النفس يرون في دور التربية التي يتلقاها الطفل في البيت أهمية بالغة في تطوير شخصيته. ففي دراسة أقيمت على خمس مئة مولود جديد، حيث صُنّف 20% من بينهم بأنهم يتميزون بجهاز عصبي حساس جدًا (يبكون بحدة عند سماع صوت غير مألوف أو رؤية شيء جديد، وينفعلون بسرعة حيال أي تغير مفاجئ في محيطهم...)، تبيّن أن نصف هؤلاء كانوا بالفعل خجولين عند عمر السنتين، وأما النصف الثاني، فكانوا يتميزون بشخصية اجتماعية منفتحة على الآخرين، ويبدون آراءهم بسهولة، ويأخذون مبادرات بشجاعة. يركز علماء النفس على هذا الفرق بين النوعين من الأولاد بالقول إنه يعود إلى قدرة الأهل على تدريب أولادهم على تقبّل كل ما هو جديد والتأقلم مع الظروف غير الاعتيادية. كذلك نعلم أن خبرات الحياة الأليمة (مثل إحباط الولد وانتقاده باستمرار، وتراكم خبرات الفشل في المدرسة، وتأثير الطلاق على الحياة العائلية، إلخ...) قد تجعل من ولد شجاع في السابق ولدًا خجولاً منزويًا.
نضيف إل ذلك أن التمييز الجنسي الذي نمارسه يوميًا في طريقة ترلابيتنا يلعب أيضًا دورًا مهمًا في تكوين شخصيتهم: فنلاحظ مثلاً أن حوالي 65% من الأولاد الحخجولين في عمر العشر سنوات هم من البنات، لأننا نشجع بناتنا على التصرف الهادئ، والمتسامح، والاتكالي، وعلى عدم أخذ المبادرات أو إبداء الرأي، بل نشجعهن على الصمت والتصرف الخجول...

ثانيًا – الخجل والثقة بالنفس:
إذا أردنا مساعدة ولدنا على التخلص من الخجل، يجب أولاً أن نحدد ما هي الثقة بالنفس. وهذا التحديد صعب جدًا لأنه الثقة بالنفس مفهوم شامل ومتشعب، ويتفق علماء النفس على تحديدها بالخصائص التالية:
-       عندما يشعر الإنسان أن له قيمة.
-       عندما يحب الإنسان نفسه.
-       عندما يتقبل الإنسان نفسه مغ كل نواقصه.
-       عندما يكون للإنسان ثقة بالمستقبل.
-       عندما يشعر الإنسان أنه يستطيع تجربة أشياء جديدة وأنه سوف ينجح.
-       عندما يشعر الإنسان أنه جزء لا يتجزأ من هذا العالم، وأنه ينتمي إليه.
من الطبيعي أن لا يشعر الإنسان هكذا طوال أيام حياته، وليس كل ما يقوم به الإنسا مكلّل بالنجاح، إنما الثقة بالنفس هي المحرك الأساسي الذي يجعله يثابر في المحاولة دون الخوف من الفشل...
فماذا نلاحظ عند الطفل الذي ليس لديه ثقة بالنفس؟ تزداد المشاكل السلوكية، وقد تخف قابليته للطعام أو قد تزداد وتظهر المشاكل الصحية، وتبرز عنده العدوانية، ويجتاحه شعور بالقلق وعدم الأمان، ويتدنى تحصيله المدرسي.

ثالثًا – تطور الثقة بالنفس:
من الولادة حتى انتهاء العام الأول: يتذكر القارئ من حديثنا السابق عن تأثير العامل الوراثي، أن هناك عددًا كبيرًا من الأولاد يلدون مع جهاز عصبي حساس جدًا يستجيب بسرعة وحدّة للإثارات المتوفرة في المحيط، فكل إثارة جديدة تحرك مركز الخوف في الدماغ وتجعل العضلات تتشنج والقلب يخفق بسرعة وبالتالي يبدأ المولود بالصراخ والبكاء.
لذلك على الوالدين أن يعوّدوا الرضيع تدريجيًا على تقبل المثيرات غير المألوفة، وأن يقبل المخاطرة بجسده في ظروف غير مألوفة. نضيف إلى ذلك ضرورة وجود قوانين صارمة في حياة الطفل ابتداءً من عمر مبكر، فنحن إجمالاً لا نحب فرض القوانين على أولادنا الصغار، بل نكتفي بحذف المثيرات الخطرة من أمامهم كي لا يتعاطونها. إن العكس هو المطلوب، إذ يجب على الأهل أن يوضحوا للطفل أهمية القوانين في المنزل، طبعًا من خلال وسيلة محبّبة وحنونة ومقنعة ("لا تستطيع أن تأكل التراب، هذه هي البسكوتة!") تساعد على أن يتعلم كيف يتعامل مع ضغوطات الحياة، تافهة كانت أم شديدة، في محيط آمن ومحمي.
من ناحية أخرى، خلال هذه المركحلة المبكرة جدًا من حياة الطفل، تُكتسب الثقة بالذات من خلال ابتسامات واحتضانات الوالدين له، وتحدثهما معه، ولمسهما له بحنان ... كل ذلك يعطيه فكرة إيجابية عن العالم حوله، عالم تُنفذ فيه احتياجاته بعاطفة وحنان، عالم آمن يشعر فيه الطفل أن أهله له ويحبونه من دون شروط...
بين العام الأول والثالث: وهي مرحلة مهمة جدًا، إذ أن الولد يكتسب فيها الاستقلالية، ولكنها أيضًا تُسمّى "بالمرحلة السلبية" إذ نلاحظ أن الطفل في هذا العمر يقول "لا" لكل شيء يطرح عليه، فهو يحاول أن يكتشف هويّته وقدراته. لذلك فإن تشجيع الاستقلالية عند الولد هي الركيزة الأساسية للثقة بالنفس وللتخلص من الخجل، فيجب إذن أن ندعم كل خطواته نحو الاستقلالية، أن نشجع كل مبادراته الشخصية للقيام بأشياء معيّنة، أو أن نذكره دائمًا كم نحن نحبه وكم هو جميل وبارع، إلخ... فالولد الذي يشعر أنه مشكلة في البيت، لن يطور الثقة بنفسه.



الأولاد ذوو الاحتياجات الخاصة:

يعتقد الكثيرون أن التعامل مع الولد ذي الاحتياجات الخاصة أمر صعب جدًا، ويتطلب مجهودًا جبارًا وطاقة فوق اعتيادية، لأن نسبة النجاح في إنجاز الأهداف المرغوبة قد تكون ضئيلة، وغالب ما تؤدي إلى إحباط عميق عند الذين يتعاملون معه.
في مجتمعاتنا الشرقية، يعتقد كثيرون أيضًا أن التعامل مع هؤلاء الأولاد يتطلب صفات مميزة، كالصبر الطويل والقدرة على العطاء المتواصل وطاقة حب وحنان غير محدودة ... لسوء الحظ، فإن مجتمعاتنا هذه لا تزال، بالرغم من كل التطور الحضاري الذي تشهده، تقرن العمل مع ذوي الاحتياجات الخاصة بنوع من البر والإحسان، وتنظر إليهم نظرة شفقة وعطف.

أولاً – تغير النظرة:
لقد حان الوقت لتغيير هذه النظرة وتبديلها بوجهة نظر بنّاءة، وهي أن كل عمل تربوي، سواء كان مع الأولاد الأسوياء أم مع ذوي الاحتياجات الخاصة، يتطلب مجهودًا وطاقة وصبرًا ولمسة حب وحنان! وكل مربية، سواء كانت أمّا في المنزل أو حادقة أطفال في صفوف الروضات أو منشطة برامج ترفيهية في مخيم صيفي أو معلمة رياضيات في صفوف الباكالوريا أو مربية متخصصة في معهد خاص للمعوقين، تتميز بصفات خاصة تجعلها تستحق لقب "مربية" وتتحلى بشخصية تكون هي بحد ذاتها سر نجاحها في عملها التبروي. والنجاح هذا لا يعني سوى تطور الولد واكتسابه المفاهيم والوظائف بالتوافق مع مستوى قدراته الفردية، وليس بالمقارنة مع أترابه في الصف أو المجموعة أو العائلة...
إن التغيير المنشود في نظرتنا حيال الأولاد ذوي الاحتياجات الخاصة يرتكز على تبديل الرأي في صميمه، أي إنه يجب الانتقال من التفكير الشائع بأن التعامل معهم مميز لأنه يتطلب صبرًا طويلاً ومجهودًا غير اعتياديًا من قبلنا، إلى التفكير بأن ميّزة هذا التعامل تكمن في أنه ينمّي عندنا صفات رقيقة وقدرات على العطاء والحب، نادرًا ما نجدها اليوم في حياتنا العصرية المادية.
أما من الناحية العملية، فلقد سعى العالم الغربي إلى ترجمة هذه النقلة النوعية للتفكير باتخاذ إجراءات مهمة في سبيل تأمين كل حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال تطبيق فلسفة "الدمج" أي شمل الأولاد ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن الصفوف الاعتيادية، ولاحقًا تأمين فرص العمل لهم من أجل اكتساب استقلالية ماية واجتماعية.

ثانيًا – ماذا نعني بالاحتياجات الخاصة؟
برأينا، كل فرد من أفراد المجتمع له احتياجاته الخاصة: فالطفل المصاب بالشلل الدماغي أو بمتلازمة "داون" (المعروف بالطفل المنغولي)، وكذلك الطفل الخجول في الصف، أو الطفل الذي يخاف من الذهاب إلى المدرسة، أو الطفل الكثير الحركة، أو الطفل المتفوق الذكاء، كلهم لديهم احتياجات خاصة...
كذلك، فإن الرجل الناجح في أعماله والفاشل في زواجه، والمرأة التي فقدت سيطرتها على الأمور التربوية في أسرتها، أو الشاب الذي يفشل في كل مقالة عمل ولا يتمكن من إيجاد وظيفة تلائمه، أو الفتاة المتفوقة في دراستها والتي لم تستطع بناء علاقة صداقة واحدة طوال فترة الدراسة ... كلهم لديهم احتياجات خاصة.
نلاحظ إذن ان تعبير "الاحتياجات الخاصة" هو كناية عن مظلة كبيرة تقع تحتها فئات متنوعة من الناس، وتشمل ما هو ظاهر (الطفل المشلول) وغير الظاهر (الفشل في بناء علاقات اجتماعية). هذا وإن كل فرد في المجتمع يختلف عن الآخر، وإن هذا الاختلاف نلمسه منذ طفولة الإنسان: فهناك الولد النشيط والولد البطيء، الولد الاجتماعي والولد المنزوي، الولد المشارك والولد المشاهد، الولد المتفوق والولد المكتخلف، الولد المرح والولد الرصين ... إن هذا الاختلاف بحد ذاته هو الذي يجعل مجتمع البشر مجتمعًا مثيرًا، كما أنه يكوّن العنصر الأساسي للتعايش بين الفئات المختلفة من الناس، بعيدًا عن هواجس العنصرية والفئوية والانعزالية....
في المجتمعات الغربية نشهد اليوم اتجاهًا قويًا نحو العولمة والانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي إلى مابعد الحدود الجغرافية ... فلا عجب إن هذه المجتمعات اصبحت مقتنعة كل الاقتناع بفلسفة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة ابتداءً من المدرسة، وصولاً إلى الحياة المهنية الراشدة.

ثالثًا – تقبّل الاختلاف:
إن فكرة الدمج مبنية على مبدأ تقبّل الاختلاف عن الآخرين، وأنه مبدا يتوجب علينا ترسيخه في ذهن أولادنا إذا أردنا فعلاً تأسيس جيل واعٍ، ناضج ومنفتح، جيل لا يتخذ المافسة والمصلحة الشخصية كمبادئ للتواصل مع الغير، بغية تأمين عالم أفضل لأولادنا.
نعم، فإن تقبّل الاختلاف هو بنظرنا من أهم وأسمى القيم الأخلاقية والاجتماعية التي يجب التأكيد عليها في تربية أولادنا، في البيت ضمن الأسرة كما في المدرسة ضمن المجموعة. إن تقبل الاختلاف هو الذي سوف يجعل أولادنا، رجال المستقبل ونساءه، قادرين على إنجاز الهناء النفسي والصفاء الفكري في وجه التحديات المادية والاكتشافا التكنولوجية المتسارعة التي، بالرغم من تسهيلها لحياة الإنسان، أدّت إلى تدهور في العلاقات الإنسانية وفي مفهوم السلام العالمي. هذا، ونرى أن نسبة الطلاق قد ازدادت في كل أنحاء العالم، وكذلك نسبة الانتحار والجرائم، كما تبرز أشكال جديدة في التمييز العنصري والطائفي كل يوم مؤدية إلى مجازر جماعية دامية، أو جرائم فردية بشعة ... ملايين الأطفال يموتون جوعًا كل يوم، وملايين الشباب ينحرفون في عالم المخدرات والدعارة...
واجبنا نحن، أهالي جيل المستقبل، هو تربية أولادنا على مساعدة الآخرين واحترامهم، بعيدًا عن الأنانية والإرضاء الذتي، لأن ذلك سيبعث في نفوسهم الفخر بأن وجودهم في هذا العالم ينفع الآخرين. وللوصول إلى ترسيخ مثل هذه القيم، يجب الابتداء من الأساس، أي تقبل الاختلاف حولنا واحترامه: احترام وتقبل الخادمة في المنزل مثل المعلمة في الصف، احترام وتقبل عامل النظافة الذي ينظف شوارع المدينة منذ الفجر مثل طبيب العائلة، احترام وتقبل ابن حاجب المدرسة مثل ابن رئيس البلاد، احترام وتقبل الطفل المعاق على كرسيه المتنقل مثل الطفل الحائز على ميدالية أفضل لاعب كرة لهذا العام!
هذه هي مهمتنا الأساسية إذا أردنا حقًا صنع جيل قادر على التصدي لكل التحديات المادية، البعيدة كل البعد عن المفاهيم الإنسانية، وبناء عالم آمن، عالم جميل، عالم تنفتح كل قيمه الداخلية (القيم الوجدانية والحضرية والثقافية) بعضها على البعض الآخر. إن تقبل الاختلاف هو المفتاح الأساسي لتأمين هذا الانفتاح العالمي الذي يجعل كل إنسان على وجه الأرض، سويًا كان أو معاق، يشعر بأنه جزء لا يتجزأ من هذا العالم، بأن حقه بالعيش الكريم الآمن محفوظ مثل حق أي شخص آخر، مهما اختلف عنه.

رابعًا – الخطوات العملية نحو الدمج:
إن ما أنجز حتى اليوم في العالم العربي تجاه مسألة الإعاقة وحقوق المعاق مهم جدًا على الرغم من كل الحواجز والصعوبات، وبالفعل نلاحظ أن عددًا لا بأس به من البلدان العربية أصبحت ناشطة وفعّالة في سبيل دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، ففي المملكة العربية السعودية والكويت وعمان وقطر والبحرين، كما في الأردن والجزائر وموريتانيا ولبنان ومصر والمغرب، هناك أمثلة عديدة لهذا النشاط، خاصة في مجال التأهيل المعني لذوي الإعاقة العقلية، وتأمين فرص التعلم ضمن المدارس الاعتيادية للأطفال المتخلفين عقليًا، وفي الجامعات لذوي الإعاقات الحسية...
ولكن بالرغم من كل هذه التطورات، يبقى أن العائق الأكبر في وجه تحقيق الدمج هو الجهل والمعتقدات الخاطئة في مجتمعاتنا: يجب علينا مكافحة هذا الجهل بكل ما نملكه من وسائل على جميع الصعد المحلية والوطنية والإقليمية، وحتى الدولية.
فالإنسان المعاق لا يحتاج لشفقتنا، والإعاقة لا تعدي، والإنسان المعاق ليس أقل شأنًا من الإنسان السوي، والمؤسسات التي ترعى المعاقين ليست مؤسسات للعمل الخيري...
إن هذه المكافحة للجهل السائد تبدأ في الأسرة: على والدي الطفل المعاق أن يتغلبا على مشاعر الذنب والخوف التي تجتاحهما، فللتغلب عليها يجب أن يدركا أهمية هذا الطفل تمامًا مثل أخوته. إن هذه النظرة تؤثر إيجابيًا ليس فقط على الطفل المعاق بل على جميع أعضاء الأسرة. كما يجب على الوالدين أن يشاركا الإخوة في عملية الدمج هذه، وأن يدرك الإخوة أهمية دورهم في تربية أخيهم المعاق.
أما دور الأم فهو أساسي لأنها هي، أكثر من أي شخص آخر، التي سوف تقود هذه المسيرة الطويلة بوجه الإهمال العالم لمسألة الإعاقة، كما بوجه الإحباط والنفور والعقبات الاجتماعية ... إن هذه المسيرة هي التي سوف تحدد مصير ابنها: يجب على الأم أن تضع هذا القناع الحديدي لتواجه اليأس والعدائية، وأن توصل لبقية أعضاء أسرتها تماسكها وعنادها، التزامها وحيويتها في متابعة المسيرة.
إنه من خلال هذه الشبكة العائلية المتضامنة، سوف يتمكن الأخوة من أن يتقبلوا أخاهم المعاق، ون يتفهموا حالته ويحترموا احتياجاته. هكذا يتأهل الطفل ويتجهز لمواجهة العالم خارج إطار الأسرة، ولتصدي العقبات والحواجز العديدة التي سوف تقف في طريقه.
إن دمج ذوي الاحتياجات الخاصة يبدأ في البيت، ضمن الأسرة، على أسس صلبة، وإذا لم يتم ذلك، فلا نستطيع أن نحلم يومًا بأن الدمج سوف يطال المجتمع ككل...



























التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button