الرمز في الادب

إعلان الرئيسية

تعريف الرمز


1. لغة:

جاء في لسان العرب، مادة رمز: « الرمز: تصويت خفي باللسان كالهمس، ويكون تحريك الشفتين بكلام غير مفهوم بالفظ من غير إبانة بصوت إنما هو إشارة بالشفتين... والرمز في اللغة: كل ما أشرت إليه مما يبان بلفظ بأي شيء أشرت إليه بيد أو عين. »
وذهب ابن فارس في المقاييس إلى أن « (الراء والميم والزاي) أصل واحد يدل على حركة واضطراب... يقال ضربه فما ارمأز، أي ما تحرك، وارتمز أيضا تحرك.»
2. اصطلاحا:


تعددت تعريفات الرمز واختلفت حسب الباحثين وان كانت كلها تدور حول فلك واحد، فهناك من يرى أن الرمز «عبارة عن إشارة حسية مجازية لشيء لا يقع تحت الحواس.» وهناك من يرى أنه «ما يتيح لنا أن نتأمل شيئا آخر وراء النص فهو قبل كل شيء معنى خفي وإيحاء.»
أما أدونيس فيعرفه بأنه «اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة أو هي القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة، انه البرق الذي يتيح للوعي أن يستشف عالما لا حدود له.»
كما أنه هناك من يعرفه بأنه «اللفظة التي يشحنها الشاعر بطاقات إيحائية ذات دلالات متعددة، تختلف من شاعر لآخر تحقق أغراضا متنوعة من خلال وجودها في القصيدة وتوظيف الشاعر لها وتتميز بالإيحاء المحدث للغموض الذي يفجر تأويلات المتلقي بسبب ذلك الغموض في الصورة الشعرية للنص.»
ويمكن القول أن: «الرمز بمفهومه الشامل هو ما يمكن أن يحل محل شيء آخر في الدلالة عليه لا بطريقة المطابقة التامة، وإنما بالإيحاء أو بوجود علاقة عرضية أو علاقة متعارف عليها.»
فالرمز وسيلة إيحائية تستخدم للشعر، إذ هي قادرة على الإيحاء والتلميح.


قد لجأ الشاعر المعاصر إلى استعمال الرمز بألوانه المختلفة في قصائده وأشعاره «تجسيدا لرؤية حداثية تسعى لتجديد الشعر العربي، وإلغاء نمطيته، وبناء صورته القائمة على الإشعارات والمجازات المكرورة.»
فالرمز أصبح سمة من سمات الشعر العربي المعاصر، وقد اتخذ – أي الرمز - «رؤية جديدة وفلسفة من شأنها أن توجه بناء النص إلى أفق غامض، يبلور آلام الذات وجرح الواقع واتساع الكون، انه لغة خاصة يفهمها أصحابها.» .

وقد كان لاستعمال الرمز في القصيدة الحديثة عدة أسباب أهمها:
1_ضغط الواقع العربي المعيشي فرديا كان ذلك أو جماعيا فالشاعر يستخدم الرمز لان فيه دلالات تنسجم مع ذلك الواقع.
2_توظيف الشاعر للرمز يدل على أنه اكتشف بعدا نفسيا خاصا في واقع تجربته الشعورية.
3_توظيف الشاعر للرمز لإخراج المتلقي من قوقعة النظام المألوف للغة المباشرة والفصل بينه وبين توقعاته الشعورية عقب سماع كل لفظة أو قراءتها.
4_إثراء القصيدة بالدلالات وشحنها بالمعاني الرمزية.
5_تكثيف ظاهرة الغموض وبالتالي إضفاء مسحة جمالية على القصيدة.
6_الرمز نفسه مصدر قوة اللغة الشعرية عندما يراد به إثارة الغموض في ألفاظ القصيدة.
وبما أن النص الشعري المعاصر مشبع بالرمز، فان قراءته تتعدد من قبل المتلقين، وبالتالي فهو نص تأويلي يحتاج إلى جهد فكري وتأويلي من طرف المتلقي لفك رموزه، وعليه فعلى المتلقي أن يتسلح بمجموعة من المعارف والتقنيات حتى يتمكن من الكشف عن معاني الرموز، وقد ذكر الدكتور خالد سليمان هذه التقنيات التي تخص المتلقي في مقال (ظاهرة الغموض في الشعر الحر) نلخصها في هذه الأمور:
1-أن يمتلك المتلقي مفتاح الكلمة وما تمثله من دلالات.
2_أن يربط المعنى بما سبقه وبما سيعقبه أو بسياق القصيدة بشكل عام.
3_أن يدرك القرائن التي يمكن أن تهديه إلى جمع الرموز من خلال السياق.
4_قد يربط الشاعر حال واقع معين بعدة رموز تقترن مع بعضها لتسفر وهي مرتبطة عن دلالات ذلك الواقع فهنا المتلقي لابد أن يوظف طريقة المقارنة بين الرموز حتى يكتشف المعنى العام المراد.
5_أن يكون مزود معرفيا ذا ثقافة دينية، صوفية، أسطورية، تاريخية، شعبية شاملة تؤهله لفهم الرمز وأن يكون مشبعا نحويا وبلاغيا.
6_أن يكون ممتلكا لملكة الذوق، ذواقا جمالية الشعر ذا خيال واسع.



أشكال الرمز
اهتم الشاعر العربي المعاصر اهتماما كبيرا بالرمز واستخدمه في شعره لأن « الرمز نفسه مصدر قوة في اللغة الشعرية عندما يراد به إثارة شيء من الغموض في ألفاظ القصيدة أو إيقاعها.»

وهو في ذلك لا ينتمي إلى المدرسة الرمزية ولا يعتبر أحد الشعراء الرمزيين كما انه في توظيفه للرمز لم يحاكي الرمز في الشعر العربي لان هذا الأخير « يقال عنه إنه نتيجة الهروب من الواقع للغيب، في حين كان الرمز في الشعر العربي المعاصر نتيجة الثورة على الواقع الفاسد والطموح إلى واقع أمثل.»
وقد يكون الرمز كلمة أو صورة أو شخصية، يحتوي على أكثر من دلالة، انطلاقا من مستويين ظاهر وباطن، ولم يوظف الرمز بنفس الطريقة في كل القصائد،



بل هناك عدة طرق لتوظيف الرمز منها:
‌أ. التوظيف الحرفي: أن يذكر الرمز التاريخي أو الأسطوري بحرفيته.
‌ب. التوظيف الجزئي: أن يذكر بعض الخصائص الشكلية والمعنوية للرمز.
‌ج. التوظيف الإيحائي: أن يحيلنا الرمز إلى مرجع، أي أن تلمس روح الماضي، وهو ما يتطلب ثقافة تراثية واسعة.
‌د. أسلوب القناع: هو استدعاء شخصية ما وتقمصها من قبل الشاعر.





وقد اتخذ الرمز عدة أشكال في الشعر العربي المعاصر أهمها:
1. الرمز الأسطوري: تشير التعريفات إلى أن الأسطورة هي كل ما ليس واقعي، ما لا يصدقه العقل المعاصر، إذ أنها تدور حول حياة الآلهة أو أنصاف الآلهة أو كائنات خرافية تقوم بأعمال خارقة. والأساطير منبع ثري للإبداع الأدبي في كل عصر «لم يقتصر استعمال الشاعر العربي المعاصر بالأسطورة الفرعونية أو البابلية أو الكنعانية، بل وجد أبواب الحضارات القديمة المختلفة تفتح له، ليختار من أساطيرها المتنوعة ما يسقطه على تجاربه الآتية. » أي أنه لم يكتف بالأساطير العربية بل تعداها الى الأساطير اليونانية، الهندية وغيرها «ومن بين أهم الرموز الأسطورية التي جذبت اهتمام الشاعر العربي المعاصر"تموز"، "أودونيس"، "عشتار"، "فنييق"، "تسيزيف"، "إيزيس"، "أوزوريس".»
يقول أدونيس في قصيدة "نشيد الغربة" في ديوان "أوراق الريح":
فينيق إذ يحضنك اللهب أي قلم تمسكه
والزغب الضائع كيف تهتدي لمثله؟
وحينما يغمرك الرماد، أي عالم تحسه
وما هو الثوب الذي تريده، اللون الذي تحبه
في هذا المقطع يستوقفنا رمز"الفنييق"، وهو طائر أسطوري كانت حياته تمتد لمدة 500 سنة كما تذهب الأسطورة، وهو من الأساطير العربية الفينيقية، وتقول الأسطورة إنه طائر كان يعيش في القفار العربية، وعندما كان يحين موت هذا الطائر، كان يحضر محرقته بنفسه، وبعد أن يتحول جسده إلى رماد، يخرج من هذا الرماد "فنييق"، آخر فتي، يعيش المدة نفسها، وهكذا يستمر خلوده.
وكان الشاعر أدونيس يسأل هذا الطائر"فنييق"، كيف السبيل إلى الرجوع إلى الحياة، حتى تتعلم الأمة العربية وتحيا من موتها.
وفي قصيدة "سقر أيوب" لبدر شاكر السياب، يطالعنا هذا المقطع:
1. وقام تموز بجرح فاغر مخضب.
2. يصك "موت" صكة، محجبا ذيوله.
3. وخطوة الجليد بالشقيق والزنابق.
والقارئ هنا لابد أن يتوقف عند كلمتين من المقطع هما: تموز، موت.
وتموز في الأسطورة السومرية والبابلية هو نفسه أدونيس في الأسطورة الفينيقية، ويدل في الأسطورة الكنعانية، وأوزوريس في الأسطورة الفرعونية، وتمثل عودته إلى الحياة كل عام، عودة الحياة إلى الأرض ممثلة في الربيع.
في هذا المقطع يشير السياب إلى أن تموز رغم جراحه التي أصيب بها – كما تقول الأسطورة – فانه قام وعاد للحياة، وهي دعوة للأمة لكي تنهض وتحيا رغم جراحها كما نهض تموز.
جاء الرمز الأسطوري في المثالين السابقين واضحا وصريحا حيث ذكر الرمز الأسطوري بحرفيته فهو توظيف حرفي.
2. الرمز الديني: ونعني به تلك الرموز المستقاة من الكتب السماوية الثلاثة: القرآن، الإنجيل والتوراة، وتأتي في مقدمة الرموز الدينية الموظفة في القصيدة المعاصرة رمز المسيح وموضوع صلبه، ولعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا إنه من النادر أن نجد شاعرا معاصرا لم يضمن بعض قصائده هذا الرمز، وما يحمله من دلالات وجدها الشاعر تنسجم مع واقعه المعيش فرديا كان ذلك أم جماعيا.
ومن الشعراء المعاصرين الذين وظفوا رمز المسيح الشاعر العراقي عبد الوهاب البياني في قصيدته "الصلب"، فالرمز فيها لم يكن صريحا، إنما ضمن الشاعر قصيدته بعض القرائن التي يمكن أن تهدي القارئ إلى معرفة المسيح يقول:
في سنوات العقم والمجاعة
باركني
عانقني
كلمني
ومد لي ذراعه
وقال لي:
الفقراء ألبسوك تاجهم
وقاطعوا الطريق
والبرص والعميان والرقيق
وقال لي: إياك
وأغلق الشباك
...
من أين لي يا مغلق الأبواب
مائدتي، عشائي الأخير في وليمة الحياة؟
فافتح لي الشباك، مد لي يدك، آه
واضح تماما أن الدلالات التي اكتسبتها كلمات مثل: باركني، كلمني، الفقراء، البرص، العميان، مائدتي،... ذات دلالات يمكن أن تقرن بشخصية المسيح.
وكأن الشاعر في هذا المقطع يستنجد بالمسيح الذي يشفي المرضى ويحي الموتى أن يحي الأمة العربية من موتها.
3. الرمز التاريخي: أصبح التاريخ من المصادر الغزيرة التي يستقي الشاعر المعاصر منها كثيرا من شخصياته، متخذا من هذه الشخصيات أقنعة معينة ليعبر عن موقف يريده، أو ليحاكم نقائص العصر الحديث من خلالها.
قد تشمل الشخصيات التاريخية: الفرسان، الثوار، القادة، الملوك، الصعاليك، العلماء، المدن، القلاع... غير أنه من الظواهر العامة التي تجمع بين تلك الرموز الموظفة اشتمالها على بؤرة تصارع أو تصادم سواء أكان هذا الصراع داخليا متخذا من النفس حلية للصراع، أم كان خارجيا مع قوى منفصلة.
وربما يلجأ الشاعر في بعض الأحيان إلى خلق بعض الشخصيات التي لم يكن لها وجود حقيقي في التاريخ، ولعل من أهم الشخصيات المخترعة في شعرنا المعاصر شخصية "مهيار" التي خلقها أدونيس، جاعلا منها قناعا لكثير من القضايا الفكرية والسياسية والاجتماعية في حياتنا المعاصرة.
من بين الرموز التاريخية، يبرز رمز الحسين –رضي الله عنه- شهيد كربلاء، الذي استشهد وهو يقاتل فأصبح رمزا للشهادة من أجل الأفضل فاتخذ رمزا للثورة على القيم الفاسدة في هذا العصر.
فالشاعر يدعو بلاده للثورة، فكأنه بلمس هذه الرأس تحث المعجزة وتثور بلاده ضد كل ما هو فاسد.
الذي تكرر عند الكثيرين من الشعراء المعاصرين، من بينهم أدونيس الذي كرر رمز الحسين كثيرا في ديوانه "المسرح والمرايا" وقصيدته "الرأس والنهر" مبنية على هذه الشخصية التاريخية حيث يقول فيها:
اقربي والمسيني
اقربي واحضنيني
ثوري يا بلادي
شري وانثريني
إنني لحظة معجزات
لحظة الموت والحياة
تجد سميح القاسم في قصيدته "انتقام الشنفرى" يستخدم هذه الشخصية التاريخية قناعا تختفي وراءه شخصية الفلسطيني الذي منعته قبيلته من ممارسة حقوقه الفطرية والمشروعة، فكان أن خرج على تعاليم القبيلة،وثار عليها
يقول: أخاطبكم من رماد العصور، وصحراء أحزانها المجدية
أنا الشنفرى
رسول الصعاليك والأغرية
بعثت لانقض مجد الأباطيل من أسه
لأحرق يابس ليل الطواغيت والأخضر
4. الرمز الشعبي: يعتبر التراث الشعبي كذلك مصدرا مهما للشاعر المعاصر، وفي التراث الشعبي العربي منابع كثيرة منها كتاب "ألف ليلة وليلة"
ولعل أهم الرموز المستقاة من هذا الكتاب رمز السندباد، فهي من أكثر شخصيات التراث شيوعا في الشعر العربي المعاصر، وقد تعددت وجوه استخدام هذا الرمز من طرف الشعراء، ولكن يمكن ردها الى وجهين رئيسيين: وجه مازال حضوره قائما في الساحة يحاول تغيير المجتمع من حوله، وتثويره، ووجه خرج من الساحة منفيا مقهورا.
يقول احد الشعراء: فنحن الآن في فقر المدى كالسندباد أضاعه البحر
فهو يتحدث عن الفلسطيني وما يلاقيه من تشرد ورحيل مستمر.
ويقول البياتي:
السندباد أنا
كنوزي في قلوب صغاركم
السندباد بزي شحاذ حزين
عار طعين
النمل يأكل لحمه
وطيور جارحة السنين
فهو يتحدث عن الفلسطيني المهاجر، الذي حاول أن يثور، لكنه أجير على الخروج من الساحة.
5. الرمز الصوفي: أدرك الشعراء المعاصرون الصلة بين تجربتهم الشعرية والتجربة الصوفية التي تظهر في تجاوز الواقع، وبذلك جسدت الشخصيات الصوفية نوعا خاصا من الفكر والسلوك، فقد اتخذ محي الدين بن عربي قناعا للتحدث عن بحث الصوفي عن نور الحقيقة كما يبحث عنه الشاعر، الى جانب شخصيات صوفية أخرى مثل الحلاج حيث كتب صلاح عبر الصبور قصيدته "مأساة الحلاج"، كما عمد بعض الشعراء إلى توظيف المصطلحات الصوفية.
يقول محمد علي الرياوي في قصيدة "الكأس" من ديوان "الأحجاب الفوارة":
آه يا خليلي، ناولني الكأس، فان عظامي
تشكو ظمأ قتالا، ناولني الكأس عساها
تمخر ادغال رمادي، ناولنيها... قد
ينفذ ما بقرارتها، وتظل ضلوعي تبحث
عن كأس أخرى تطفي ما بحمائلها من
لهب ثجاج، ناولني الكأس، ولا تسق
فالكأس هنا تشير إلى الخمرة والسكر وهي مصطلحات صوفية، وكأن الشاعر يريد الهروب من الواقع.


التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button