فضل الأم

إعلان الرئيسية

فضل الأم

قال سبحانه: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" .
آية عظيمة يأمر فيها ربنا بعبادته وتوحيده وعدم الإشراك به، ويقرن ذلك بعبادة عظيمة هي من أجل الطاعات وأشرفها: وهي بر الوالدين.
بر الوالدين طاعة من الطاعات، وقربة من القربات، ورفعة في الدرجات.
بر الوالدين تكفير للسيئات ومحو للخطيئات، ورحمة من رب الأرض والسموات.
بر الوالدين سعادة للقلوب، وانشراح للصدور، وراحة للبال.
بر الوالدين موضوع مهم وحديث الساعة في وقت ابتعد فيه أكثر المسلمين عن رعاية آبائهم وأمهاتهم، وضعف فيهم الوازع الديني، فلم يقدموا لهم الحقوق التي أوجبها الله عليهم.
هل هناك أجمل وأحسن لدى الولد البار من صوت أبيه يدوي في البيت؟ ومن نعمة أمه تتردد في المنزل؟
هل هناك أمتع لدى الولد البار من يد أبيه الحانية يجد بردها على صدره، ويجد عطفها بكفه؟ هل هناك أروع من ابتسامة الأم في البيت ومن حسن لقائها وروعة دعائها؟
لقد قرن الله طاعة الوالدين بطاعته وجعلها تالية للأمر بتوحيده وعبادته فقال عز وجل: ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ) .
وجاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : "فهل من والديك أحد حي؟" قال: نعم بل كلاهما. قال: "فتبتغي الأجر من الله؟" قال: نعم. قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما".
ويؤكد النبي – صلى الله عليه وسلم – على بر الأم بالذات وزيادة الاهتمام بها لأنها هي التي نالت أشد التعب وتعرضت لأنواع الشدائد، كم صبرت على ألم، وكم سهرت من ليال، وكم ذرفت من دموع، وكم لحقها من ويلات الحمل والولادة والرضاعة والتربية. في الصحيحين أن رجلا سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك". قال ثم من؟ قال: "أمك". قال ثم من؟ قال: "أمك". قال ثم من؟ قال: "أبوك".
ثم استمع إلى هذا الحديث الرائع والخبر الماتع عنه صلى الله عليه وسلم عن معاوية السلمي كما ثبت عند ابن ماجة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك ابتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: "ويحك أحية أمك". فقلت: نعم يا رسول الله. قال: "ارجع فبرها". ثم أتيته من الجانب الآخر فقال لي الكلام نفسه ثلاثا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ويحك الزم رجلها فثم الجنة".
برالأم أفضل ما يتقرب العبد فيه إلى ربه عز وجل ، ثبت في الأدب المفرد للبخاري أن رجلا أتى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه فغرت عليها فقتلتها فهل لي من توبة؟ فقال: أمك حية؟ قال: لا. قال: تب إلى الله عز وجل وتقرب إليه ما استطعت. قال عطاء بن يسار: فذهبت فسألت ابن عباس: لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة.
والله لن يستطيع أحد أن يوفي حق الوالدة مهما عمل، فهذا ابن عمر – رضي الله عنهما – شهد رجلا يطوف بالبيت وهو يحمل أمه وراء ظهره ويقول:
أنا لها بعيرها المذلل           إن أُذعرت ركابها لم أذعر
قال: يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة.
فانظر كيف أن هذا الفعل وهو حمل الأم والطواف بها بالبيت لا يجزي ولا زفرة واحدة وهي في حال الولادة، فماذا نقول لمن نسي أمه وتهاون في برها، كيف ينسى الابن أمه وينسى حقها
 لأمك حق لو علمت كثيــــر     كثيرك يا هذا لديه يســـير
فكم ليلة باتت بثقلك تشــــتكي     لها من جواها أنة وزفيـــر
وفي الوضع لو تدري عليها مشقة      فمن غصص منها الفؤاد يطيـر
وكم غسلت عنك الأذى بيمينهـا       وما حجرها إلا لديك ســرير
وتفديك مما تشتكيك بنفســـها       ومن ثديها شرب لديك نميــر
وكم مرة جاعت وأعطتك قوتهـا      حنانا وإشفاقا وأنت صغيــر
فآها لذي عقل ويتبـــع الهوى      وآها لأعمى القلب وهو بصيـر
فدونك فارغب في عميم دعائهـا      فأنت لما تدعو إليه فقيــــر
أيها الأخوة ... ظهرت في السنين المتأخرة بدعة منكرة تجعل للأم عيدا وهو يوم واحد في السنة يحتفل الأولاد بأمهم ويهدون لها الهدايا ، وهذه بدعة محدثة ولا تجوز لأمور منها :
1-                أن هذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا من قوله ولا من فعله ولا من تقريره ، فلو كان خيرا لأمرنا به وحثنا عليه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما جاء في الصحيحين : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "  .
2-                أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنه أنهم احتفلوا بأمهاتهم يوما واحدا في السنة ولم ينقل ذلك عنهم لا قولا ولا فعلا .
3-                أن الاحتفال بيوم للأم هو تقليد للغرب الكافر الذي لا يعرف للأم وزنا ، ويعاني من التفكك الأسري ، ولا يلتقي الأولاد بأمهاتهم إلا في المناسبات ، بل كثير منهم لا يلتقي بأمه أبدا فأحدثوا هذا العيد لسد هذا النقص الأسري ، ولا يشك مسلم بأن تقليد الكفار في هذا الأمر أمر محرم ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما جاء في الصحيحين فقال : " لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر ، ذراعا بذراع  ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه " قالوا : اليهود والنصارى ، قال : " فمن " .
4-                يظن البعض أن الاحتفال بأمه في هذا اليوم تكريم لها ، وهو في الحقيقة إهانة لها ، لأنه لم يذكرها بالهدية والاحتفال إلا في هذا اليوم ، ومن يحرص على ذلك تراه مهملا لأمه طوال السنة فلا يتذكرها إلا في هذا اليوم ، بل قد يتعمد إهمالها وعدم السؤال عنها ، لأنه يعلم أنه سيتذكرها ويهدي لها الهدية في هذا اليوم !
فيا من أبكى أمه وأحزنها وأسهر ليلها وحملها أعباء الهموم وجرعها غُصص الفراق ووحشة البعاد، هل أحسنت إليها وأجملت في معاملتها، صغيرا تبكي عليك إشفاقا وحذرا، وكبيرا تبكي منك خوفا وفرقا، فهي أليف حزن وحليف هم وغم ، فلما بلغت موضع الأمل ومحل الرجاء قلت: أسيح في الأرض أطلب كذا وكذا ففارقتها على رغمها باكية، وتركتها في وكرها محزونة ، فأثكلتها أحب طلعة على وجه الأرض إليها. فإن غاب شخصك عن عيونها لم يغب خيالك عن قلبها ولئن ذهب حديثك عن أسماعها لم يسقط ذكرك عن لسانها. ولطاما بكت وحزنت إن تأخرت حين الرواح والمساء، فكيف إذا أغلقت بابها دونك وأبصرت خلو مكانك ففقدت أنسك ولم تجد رائحتك ، فكان ملاذها مسح الدموع وملجأها الاستكانة والخضوع ، فصار العين أثرا، وعاد الولد خبرا، فكل غريب ولدها، وكل ميت هو لها.
أفلا تتقي الله أيها الابن ؟ أفلا تعود إلى رشدك وعقلك ؟ كن بارا بوالدتك دائما تجد السعادة بين يديك .


التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button