العنف في وسائل الإعلام
"إن مما لا شك فيه أن لوسائل الإعلام تأثير كبير
على حياتنا وتصرفاتنا، ومن أهم تلك القضايا تأثير التلفاز على المشاهدين، خاصة
الأطفال نتيجة لدور التلفاز في عملية التنشئة الاجتماعية (الجتمعة)، حاله حال
العائلة والمدرسة وحتى التفوق عليهما أحيانا"[1].
اهتم الكثير من الباحثين بتأثير وسائل الإعلام على
المشاهدين بعد أن لاحظ الباحثون مدى تأثّر المشاهدين بالمضامين الإعلامية
المُمَرّرة، وقد ظنّ الكثير من الباحثين في السنوات الأخيرة بأن تأثر المشاهدين
بالمضامين الإعلامية خلقت نظرة خاطئة ومختلفة عن العالم، وبلورت أفكار جديدة، وأكثر
تلك المضامين التي لفتت نظر الباحثين، مضامين العنف في الجانرات المختلفة المعروضة
في وسائل الإعلام، وقد اهتم العلماء ببحث ظاهرة العنف، وكيفية تقبل المشاهدين لتلك
المضامين، وأي تأثير يتركه في نفوسهم بعد التعرض لها، وخاصة لدى الأطفال.
إن نظرة فاحصة للبرامج التلفزيونية تُظهر الاستخدام
المُفرِط للعنف، فنجد معظم الجانرات (الأنواع) التلفزيونية تحتوي على الكثير من
العنف الواضح أو الخفي (غير مباشر)، بدءا من الأفلام، المسلسلات، النشرات
الإخبارية، الأفلام الوثائقية، البرامج الرياضية، أفلام الكرتون وحتى في الفيديو
كليبات و الإعلانات...
ونتيجة لذلك نرى بأن التعرض للعنف في وسائل الإعلام يتم
من جيل صغير، فالأطفال يتعرضون لبرامج كثيرة ومنوعة وفي أحيان كثيرة لا تلائم
بمضامينها جيلهم، كالعنف، الجنس، المخدرات...
لقد استحوذ هذا الموضوع على انتباه العديد من الباحثين
في مجال الإعلام في الولايات الأمريكية المتّحدة، فوجد الباحثون الكثير من المضامين
العنيفة في التلفزة الأمريكية، فعلى سبيل المثال، وجد الباحثون أن الأطفال حتى
نهاية المرحلة الإبتدائية يشاهدون أكثر من 20000 عملية قتل في التلفاز، وحوالي 100,000
عمل عنيف آخر.
وفي بحث آخر اتضح أن الأطفال الأمريكيين يتعرضون في
المعدل لحوالي 50000 محاولات قتل في التلفاز حتى جيل 16 عاما؛ الأبحاث أثبتت بأن
الجريمة في التلفزة الأمريكية منتشرة في التلفزة الأمريكية أكثر بعشر مرات منها في
الواقع الأمريكي.
خلال العشرين سنة الأخيرة، استخدم العديد من الصغار
العنف بادعاء أن تلك التصرفات العنيفة
التي قاموا بها مُستقاة من البرامج التلفزيونية التي يشاهدونها، مما استدعى العديد
من الباحثين لفحص صحة هذه الإدعاءات، وهل حقا العنف في التلفاز يؤثّر على الناس في
الواقع، وبُحِثَت تلك الظاهرة على وجه الخصوص على المستوى السلوكي وليس الإدراكي،
وذلك للأسباب التالية:
1.
تأثير المستوى السلوكي أسهل للقياس والفحص.
2.
التأثير السلوكي مستعمل أكثر.
وقد حاول الكثير من الباحثين تعريف العنف في محاولة
لتسهيل عملية البحث، وقد اقترح عدد من الباحثين تعريف العنف على النحو التالي:
"كل حدث يتم فيه استعمال للعنف الجسدي بشكل واضح
وقاطع؛ مثل إلحاق ضرر، قتل أو تهديد به بكل سياق ممكن".
بينما الباحثة دفنا لميش تعرفه بالشكل التالي:
"العنف عبارة عن إلحاق ضرر بشكل مقصود أو غير مقصود لإنسان، حيوان أو ممتلكات".
السؤال المركزي الذي اعتمد عليه الباحثون هو: هل الإعلام
يعكس بواسطة تلك المضامين العنيفة التي يمررها الواقع كما هو، أم أنه يبني واقعا
مُغاير أكثر عنفا منه في الواقع؟
الأبحاث التي فحصت نسبة العنف في المجتمع، مقابل نسبته
في وسائل الإعلام، وجدت أن وسائل الإعلام تبالغ في إظهار العنف.
ومن هنا، تم طرح سؤال آخر: هل العنف هو ميِّزة هامة
وإجبارية في البرامج التلفزيونية؟
وقد وجدت
تفسيرات عديدة لكثرة العنف في التلفاز:
1.
الواقع عنيف، والتلفاز يعكس في نهاية الأمر الواقع
العنيف الذي هو جزء منه.
2.
منتجو البرامج محكومون لاعتبارات اقتصادية، والمحرك
الأساسي لهم هو مقياس نسبة المُشاهدة (Rating).
3.
العنف له قوة جذب كبيرة للمشاهدين، خاصة أن المشاهد
يتعاطف عادة مع القوي.
4.
في كثير من القصص العنف يعكس الطريق الأبسط والأنجع لحل
المشاكل.
5.
العنف يُمَيِّز بين الأشرار مقابل الأخيار، وبالتالي
نستطيع أن نتماثل مع الطيب الذي هو بشكل عام الجميل، القوي، المستقيم....الخ.
ومن خلال الأبحاث التي أجريت على البرامج المختلفة في
وسائل الإعلام خرج الباحثون بأربع نظريات هامة فيما يتعلق بموضوع العنف وتأثيره على
المشاهدين، وتلك النظريات هي:
1. نظرية التطهير\ التنفيس:
ادعى
أرسطو قديما، بأن الدراما وسيلة هامة للتنفيس عن الهموم، المخاوف، الضغوطات
والأحزان...الخ، وانطلاقا من ذلك تدعي هذه النظرية بأن التعرض للعنف (مشاهدته) في
وسائل الإعلام يقلّل من استخدامنا للعنف بالفعل، لأننا نُطهِّر أنفسنا من العنف
بواسطة مشاهدة العنف في التلفاز، لأنه يساعدنا على التخلص من ضغوطاتنا النفسية
وأفكارنا السلبية، وبالتالي نقلّل من استخدامنا للعنف أو حتى مجرد تفكيرنا به.
2. نظرية التعلم والتقليد:
الباحث
الأكثر تحمسا لهذه النظرية هو "بَندوره" (Bandura)، الذي ادعى بأن أفضل طريقة لتعليم الأطفال وتلقينهم التصرفات
الصحيحة هو أن تعرض أمامهم التصرف المطلوب كنموذج للتقليد، من خلال العقاب
والثواب.
وبالتالي
السؤال المركزي الذي طرحته هذه النظرية، هل العنف هو أمر مُكتسب يمكن للإنسان
تعلمه؟
وتجيب
هذه النظرية على هذا السؤال بادعائها بأن التعرض للعنف بكثرة قد يؤدي في كثير من
الأحيان إلى تقليد العنف وتعلمه من قبل المشاهدين،
فالأطفال
الذين يتعرضون لمضامين عنيفة التي يظهر بها العنف كأمر صحيح ومرغوب به يتعلمون
التصرف بعنف، خصوصا عند تعلقهم بشخصية معينة مثل شخصية البطل فيحاولون تقليدها
وتقليد تصرفاتها تقليدا أعمى، بينما الأطفال الذين يتعرضون لمضامين يكون فيها
العنف أمر غير مقبول ويوجب العقاب لمستخدميه يتعلمون رفض مثل تلك التصرفات
العنيفة.
3. نظرية التحفيز:
هذه
النظرية تختلف عن سابقتها بادعائها أن التعرض لمضامين عنيفة في التلفاز تحفّز
(توقظ) مشاعر قد تقود إلى استخدام العنف، فكثرة التعرض للعنف في وسائل الإعلام يُحفِّز
المشاهدين على التصرف العنيف، حيث تزيد من ضغوطاته النفسية وتشحنه بطاقة سلبية
كبيرة وأفكار عنيفة، وبالتالي التصرف العنيف الذي قد ينتج عن المشاهد سيكون سببه
التحفيز على العنف وليس تقليدا له.
4. نظرية التعزيز:
تدعي هذه النظرية بخلاف النظريات الأخرى، بأن العنف في
وسائل الإعلام يعزِّز من التصرف العنيف عند بعض المشاهدين عند التعرض لمشاهد عنيفة
لأن هؤلاء بطبيعتهم يميلون إلى الطبع العنيف، بينما المشاهدين الغير عنيفين بطبعهم
فإن تعرضهم للمشاهد العنيفة لا يؤثر في تصرفاتهم ولا يجعلهم يتصرفون بعنف. حسب هذه
النظرية العنف لا ينفجر بعد مشاهدة التلفاز ولكن هو نتيجة للبيئة التي تربى بها
المشاهد, وهذا متعلق بالتقاليد الاجتماعية
والأفكار التي ترعرعوا عليها . مثال: رجل يضرب زوجته أو آباء يضربون أبناءهم- هم
كانوا قبلا مضروبين وليست مشاهدة التلفاز هي التي علمتهم التصرفات العنيفة.
تأثير العنف على
الأطفال:
يقول د. صالح خليل أبو إصبع "أن نظرة فاحصة إلى
برامج الأطفال في التلفزيون التي قد تمتد إلى ساعتين يوميا في بعض المحطات، تُرينا
أن أكثر من خمسين بالمائة منها مستورد، إذ أنّ كثيرا من برامج الأطفال التي ننظر
إليها على أنها مجرد رسوم متحركة أو أفلام خيالية ليست كذلك، إذ نجد أن منظمة
أمريكية تُعنى بتعقب برامج العنف في التلفزيون قد صنفتها على أنها تُمثِل برامج
ذات درجة عالية من العنف..."[2].
إذا فالأطفال منذ صغرهم يتعرضون لعدد لا يُستهان به من
البرامج في وسائل الإعلام، و في كثير من الأحيان لا تكون تلك البرامج مُعدَّة
لجيلهم، ولذلك فهم مُنكشفون على كل المضامين العنيفة في التلفاز، وحتى مواضيع لا
تلائم جيلهم، كمضامين الإثارة والجنس وهذا يؤدي في نهاية الأمر إلى فقدانهم
طفولتهم، حيث يشدّد الباحث نيل بوسطمان في كتابه "فقدان الطفولة"
على أن الإنفتاح التكنولوجي، قد يهدِم البُنية الاجتماعية القائمة، فوسائل الإعلام
الجماهيرية وخاصة التلفاز يلغون الحواجز التي بناها المجتمع من أجل الحفاظ على
أولادهم من العنف، والجنس الموجود في عالم الكبار، فيتعرضون لأسرار الكبار قبل
أوانهم وبالتالي يفقدون طفولتهم؛ وأكثر من ذلك تتحول نظرتهم للعالم على أنه مُخيف
وظالم وفق ادعاء "جرنبر وجروس".
"تدعي الباحثة "نانسي سينيورلي" بأن
التلفزة الأمريكية في ساعات الذروة، وبرامج الأطفال في نهاية الأسبوع تحتوي على
الكثير من القوة، والخطر، فالجريمة والعنف في التلفاز أكثر بعشر أضعاف من تلك التي
في الواقع..."[3].
النقاش الأكاديمي حول بناء الواقع، يهتم كثيرا ببناء
الواقع الاجتماعي للمشاهدين صغار السن: كيف يرى الصغار عالم الكبار، علاقات القوة
الموجودة به، القيم الهامة التي تكونه ومكانتها لديهم.
نظرية العالم
المُخيف:
جرنبر ادعى بأن الأهل قديما، والكهنة كانوا القاصّين
الأساسيين الذين يقصّون القصص لأبنائهم، بل حتى وأن الكهنة تسلطوا على حياتنا قبل
دخول التلفاز، ولكن اليوم بحسب ادعائه فالتلفاز هو القاص الجديد للحكايات. الحكايات
في التلفاز كشفت عن الخوف الكبير من العنف في الحكايات، حتى من العنف الذي يُستخدم
باسم تطبيق القانون.
بحث جرنبر وجروس : نظرية اثر الغرس 1976
ادعى جرنبر أن التلفزيون "يحكي قصص وحكايات" شانه شان الآباء والكهنة الذين كانوا يسيطرون على مجتمعنا قبل ظهور التلفزيون في حياتنا. أخذت قصص التلفزيون تثير من جديد مخاوف الناس وذلك في ظل القانون والنظام والعدل.
وقد أجرى جرنبر مجموعة من الأحداث فحصت "العنف المتلفز" وآثاره على جمهور المشاهدين وهنا مختصر دراسته.
أسئلة
البحث:
1. مقياس
العنف-
تقرير
مفصل
مع
حصيلة
كمية
الأحداث
العنيفة
في
التلفزيون.
2. كيف
يصور
العنف
في
التلفزيون
وما
تأثير
ذلك
على
المشاهدين؟
3. كيف
يقيّم
المشاهدين
الواقع
وذلك
في
أعقاب
مشاهدة
التلفزيون؟
نتائج البحث:
1. مقياس العنف
1.1 أن
العنف
هو
الرسالة
الأكثر
شيوعا
وانتشارا
في
التلفزيون
حيث
نجد
أن
%80 من
برامج
التلفزيون
على
الأقل
فيها
مقطع
واحد
من
مقاطع
العنف،
بالإضافة
إلى
الرسوم
المتحركة.
1.2
هنالك ما يسمى بالعنف السعيد: حيث يظهر الأبطال القادرين على البقاء في كل الحالات.
1.3
العنف الايجابي: الذي لا يميز بين الأشرار والأخيار، مما قد يدفع المشاهدين بالتماثل مع شخصية البطل الرئيسي خصوصا ظهور قوة الشرطة بأنهم أكثر عنفا واستخداما للعنف من المجرمين أنفسهم.
1.4
التوجه نحو الزمن: كلما امتد بنا الزمن كلما تصاعدت وتيرة العنف خصوصا برامج التلفزيون الواقع والخيالية والتي غالبا تتسم بتشاؤمية بالعنف وبطابع الشرير.
2. كيف
يؤثر
العنف
المتلفز
على
المشاهدين
لقد اتضح أن هناك علاقة بين كثرة العنف في الإعلام وبين تأثيراته على الجمهور.
2.1
إن التلفزيون يشكل أداة لغرس وتنمية رؤية معينة وذلك بسبب تلك الرسائل التي تنطلق من التلفزيون الدراما، كوميديا والى آخره.
2.2
لقد أكد وأشار المشاهدين الثقال (5 ساعات مشاهدة التلفزيون يوميا وأكثر) الواقع الذي يعيشونه كما يظهر في التلفزيون وقد اتضح أيضا أن إجاباتهم مستقاة من الواقع التلفزيوني لذا فهم يعتقدون أن العالم من حولهم هو الأكثر خطورة وأن هنالك احتمال كبير للعنف والأذى الشخصي وانه ينبغي على الإنسان أن يكون قويا ليحمي نفسه ويستطيع أن يتكيف مع المجتمع المخيف والعنيف بالمقابل نجد أن المشاهد الخفيف (4 ساعات أو أقل) يظهرون أكثر إنسانية وأقل قلقا ومخاوف على حياتهم.
2.3
في المضامين الغير عنيفة للتلفزيون نجد اختلافات بين المشاهد
الخفيف
وبين
المشاهد
الثقيل
في
رؤيتهم
للواقع.
3. كيف
يقيّم
المشاهدين
الواقع
من
خلال
مشاهدتهم
للتلفزيون
|
الواقع
|
الواقع
التلفزيوني
|
نسبة
المشاهدين المتضررين من بين جميع
المشاهدين.
|
0.32
|
64.4
|
تنبؤ قوة العمل
في
|
1
|
15
|
تنبؤ للجرائم
العنيفة
|
10
|
70
|
تنبؤ
قتال بين
الغرباء (القاتل والمقتول لا يعرفون بعض)
|
16
|
58
|
الاستنتاجات:
1. أن
الواقع
التلفزيوني
يتشكل
من
خلال
اعتبارات
ومكونات
دراماتيكية
أكثر
مما
اعتبارات
تتعلق
بنسبة
المشاهدة
Rating وليس
باعتبارات
المتعلقة
بالواقع
الحقيقي.
2. أن
الغرس
التدريجي
لتلك
القيم
والمعايير
ووجهات
نظر
من
خلال
ما
يشاهدونه
من
برامج
التلفزيون
يسمى
هذه
الظاهرة
"بتأثير الغرس".
3. قوة
التأثير
حسب
جرنبر
وجروس:
·
لقد أشار البحث أن الصورة التي يكسبها المشاهدون من خلال وسائل الإعلام تحديدا التلفزيون تعمل على إيصال الفوارق الاجتماعية الثقافية والاقتصادية للمشاهدين الثقال الذين يعتقدون أنهم يعيشون في عالم أكثر خطورة وعنفا بمعنى آخر أن العوامل الوسيطة
مثل
الدخل
والثقافة
والأصل
الطائفي
لا
تمثل
متغيرات
أساسية
بالنسبة
لوجهة النظر
التي
يكسبها
المشاهد
من
خلال
مشاهدته
لبرامج
التلفزيون.
·
أن الصورة العامة للتلفزيون التي يكسبها المشاهدين من خلال برامج التلفزيون تعزز من مشاعرهم بالخوف ومخاوفهم من البيئة العنيفة المحيطة بهم، هذه الظاهرة تسمى "العالم المخيف والظالم".
لست ربوت