تلك الأيام رحلت ولن تعود، أتممنا أمس شعائر أول أيام عيد الأضحى، اليوم هو ثاني أيام العيد. بينما يستعد قرص الشمس ليميل نحو الغروب ، هرج ومرج يكسر صمت القيلولة . نتسابق نحن الأطفال (اللي متيڭيلوش) في فتح أبواب بيوتنا البسيطة . مشاهد تخطف الأنظار، أزياء أسطورية، ملامح جامحة، وشخصيات لا يمكن أن تلتقي بها في مسرح ولا أن تراها في تلفاز. مرحى مرحى لروح الاحتفال، تتسلل أجسادنا الصغيرة وسط الجموع الغفيرة في هذه الواقعية السحرية ونحن نردد بأعلى أصواتنا :
وا هرمة طيش طيش – واهرمة بولحلايس
(عيسى) ذلك الضخم ، صاحب الجسم القوي البنية والذي يمارس
( السلاخة ) كل صباح بباطوار بن كرير، واحد من تلك السلالة التي تقول " لي بغا يربح العام طويل " وكم من حاجة قضيناها بتركها . بطوله الفارع ، المغطى بجلود أكباش العيد ( لبطاين ) ، ومن جمجمة رأسه الكبيرة ، نبت له قرنان كقرني الكبش . وجهه مطلي بمادة سوداء. يتزعم موكب من الأتباع، يمجدونه، ويزرعون الخوف في المتفرجين من هذا الوحش الملقب بهرمة ، يبجلونه كلما جاءت سيدة تلتمس منه البركة ، لها أو لطفلها ، فيضربها القديس هُرْمَة بكراع الشاة التي يحملها في يده .
يتسكع الموكب بين أزقة وطرقات الدوار الجديد . ( النيخ ) يؤدي دور الحبر، قائد اليهود الأربعة ، يضع في قِبُّ جلبابه الأسود القصير ما جادت به أيادي الخير من قطع سكر – حلويات او شمع ... هاهو( بزيكر العزي) القزم المدكوك قد تقمص دور الشيطان لمريني، اخفى وجهه القبيح خلف لحية بابا نويل ، لف جسده ( الكانيطي) في ثوب احمر " غيركانيط كوكا كولا كون كانت بنادم " يهش بعصاه ليخيف الأطفال كلما اقتربوا من ذيل هرمة وهم يرددون واهرمة .. بوترمة ..
يضاعف فريق هرمة مناوشاتهم واستفزازهم للمارة عن طريق الكلمات والحركات، وبذلك يضطر الجميع إلى الدخول في اللعبة .
هرمة يتمايل ، و يتبختر وسط الموكب ، الطعارج و البنادر تدق حوله. (الجديع) ككل سنة لا يفارق شخصية عزونة، وقد ارتدى جلباب والدته امي حدية ووضع نقابها ، يتقدم الجمع وهو يردد باعلى صوته: واهرمة طيش طيش وا هرمة بولحلايس ، يتوقف الموكب من حين لأخر، تخرج سيدة عجوز، تتمسح بجلود هرمة و تطلق زغرودة ثم تدعوا للجميع بالخير والبركة . تضع أخرى بضع دراهم في يده ، ليسلمها لعزونة امين مال منظمة هرمة بو...يستأنف الموكب طريقه للعودة الى البشريين ، صفوف من الرجال تقابلها صفوف من النساء ، يتمايلون على ايقاع الدفوف و الطعارج، يدقون الأرض بارجلهم ويصدحون في اتساق و انسجام . كورال من كل زنقة /زنقة و دار /دار ، يرددون بعض اغاني الزمن الجميل التي تمتاح من الهوية المغربية الاصيلة : وخوكما وخوكما لبنات ...
وخوكما حط السلاح و مشا يتسراح
وخوكما وخوكما لبنات
يخرج لعوج من بين الصفوف ، يحمل قنينة ماء الحياة بيد، ويمسك باليد الأخرى في جلباب عزونة ، وهو يترنح كمن تلبسه الجن . يظن نفسه انه يرقص ، ولكن ما يراه العاقلون عكس ذلك . يقترب منه هرمة، يراقصه قليلا ، يتحلق حولهما كل من ليهودي واتباعه الاربعة ثم الشيطان وعزونة . زغاريد النساء لم تنقطع ، ترتفع اصوات الشباب والاطفال بقوة فالطقس اصبح في قمة ذروته : واهرمة طيش طيش واهرمة بولحلايس ...
في هذه الاحتفالية البوهيمية وضجيجها المنظم ، كان ابيقور يشاهد من سطح منزل صديقه (الزلاط ) لعوج تعجنه الأيادي ، تارة لكما و أخرى صفعا . حوصر (الزغيبي) وسط حلقة هرمة الضيقة التي فصلت على مقاسه ، ويبدوا ان لها اخراج سابق. لم يتعدى الأمر سوى دقائق قليلة حتى سقط كالدودة .
تقدم الموكب الى ساحة العوادة، ليعلن القائد هرما عن نهاية الكرنفال و ينفض الجمع .
*قيل لهرمة لماذا سقط لعوج وهو بينكم ؟ ولماذا ينزف دما من فمه ؟
أجاب هرمة : هادوك غير لجواد ديال هرمة و دعاوي المومينين لي تيبات مفيقهم ليل كامل وهو معربط .. وكما تعلم اليوم عيينا بزاف اللهم يمشي هو ينعس ويخلينا نعسوا حتى احنا بكري .
لست ربوت