الحمد لله وحده وصلى الله على نبيه النبي الأمي وعلى ىله وصحبه وسلم تسليما مباركا وبعد فإن إسداء الوصية للابن أو الصديق أو الجار أو المسلم من أعظم الأمور وأجلها نفعا وأبركها قدرا فلقد وصى يعقوب بنيه بالثبات على الدين قال تعالى : <وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ > ووصى سيدنا محمدا بالنساء خيرا فقال : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا<> ودعى إلى كتابة الوصية فقال :فيما رواه البخاري ومسلم < عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَوَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَقَالَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَالْعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ> ....كما أوصى بأهل مصر خيرا فقال : عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا أَوْ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرًا فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِيهَا فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا قَالَ فَرَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ وَأَخَاهُ رَبِيعَةَ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجْتُ مِنْهَا> رواه مسلم ...وأوصى عليه السلام بالاستماتة على السنن ونبذ البدع روى الترمذي : عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ
وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ "قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.أقول لو أن مجتمعنا كان يوجه بعضه بعضا بوصية لقمان لكان أرقى المجتمعات حضارة وأجمعها للخير رفاهية وأثبها على الحق لياقة وكيف وقد جمع الله أسباب الفلاح من الخسران في سورة العصر في أربعة أشياء: تحقيق
<1691>
الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ومضمن هذا كله تنطوي عليه وصية لقمان فلقد جمعت تحت طياتها ما يضمن للعاملين بها الرقي والسؤد الأمن الدنوي والأخروي وكيف لا وهي وصية تسمو بالفكر إلى أعلى مستوياته ولا تدعه ينحط لايفكرفقد حصل لسيدنا عمر انحطاط فكري أيام جاهليته إذ كان له صنم من الحلوى يعبده فإذا جاع أكله فلما أكرمه بالإسلام كان إذا ذكر ذلك ضحك كما أن هذه الوصية تغرس في صاحبها مراقبة الباري جل جلاله وهي خصلة عظيمة تغلق عن صاحبها كل باب خلل وما فسد مجتمعنا إلا بغياب هذه الخصلة منه وتابع نصحه لابنه فأدبه بالمحافظة على الصلاة والصبرَ على الشدائد .بدأ هذه الوصيةَ بالصلاة وختمها بملازمة الصبر لأنهما من أعظمِ ما يستعان بهما كما قال تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة } البقرة : 45 و 153 .وبعد أن أمره بعمل اشياء خيرة ، حذّره من أمور غير مستحسنَة وأدّبه خير تأديب فقال : وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ واقصد فِي مَشْيِكَ واغضض مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير } .إنها حِكم تُكتب بماء الذهب . . . . لا تتكبر وتُعرِضْ بوجهك عن الناس ، ان الله لا يحب المتكبرين . وامشِ بهدوء ، وتوسَّط في مشيك بين السرعة والبطء ، ولا ترفع صوتك لأن اقبح ما يُستنكر من الأصوات هو صوت الحمير.والآن فإلى الوصايا الذهبية التي ما فقدت في مجتمع إلا اضطربت أموره وتلبست أفكاره
1> الفائدة الأولى:...،
الوصية الشرعية قال تعالى على لسان لقمان مبينا وصيته لابنه <وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه > قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي به إلا وصيته مكتوبة عند رأسه "متفق عليهقال ابن عمر :" ما مرت علىَّ ليلة منذ سمعت رسول الله قال ذلك إلا وعندي وصيتي ". بسم الله الرحمن الرحيم .هذا ما أوصي به أنا /
أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأوصي من تركت من أهلي أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين :{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }( البقرة132)
وقد أوصيت بما يأتي :
1- أن يحضرني عند الموت بعض الصالحين ليذكرني بحسن الظن بالله 2- تلقيني الشهادة .3- أن يدعوا لي في حضوري ولا يقولون إلا خيراً .
4- فإذا أنا مِت وقُبضت روحي فعليهم بتغميض عيني والدعاء لي بالرحمة والمغفرة .5- وأوصيهم بالصبر والرضا والاسترجاع .
6- التجهيز وتعجيل الدفن إلا لعذر أو غرض كانتظار من يُرجى منهم الخير والصلاح للصلاة على .7- وأوصيهم بعدم النياحة وأني برئ من النائحة .8-
<1692>
وأوصيهم بعدم ضرب الخدود وشق الجيوب وأني برئ ممن فعل ذلك .9- وأوصيهم بألا ينعوني نعياً منهياً عنه .
10- وأوصيهم بعد تغميض عيني أن يُغطوني بثوب غير الذي مِت فيه يستر جميع بدني ولا مانع لمحارمي من تقبيلي .11- وأوصيهم بقضاء ديني ولو أتى على مالي كله ، وديني كذا :12- وأوصيهم بتغسيلي ثلاثاً أو أكثر على ما يرى القائمون على غسلي على أن يكون غسلي وتراً وأن يقرن مع بعض الغسلات شئ للتنظيف ( كالصابون) وأن يجعل مع آخر غسلة شيء من الطيب ( كافور) وأن يبدأ بالميامين ومواضع الوضوء مني
13- وأوصي أن يُغسلني أعرف الناس بسنة الغسل ولاسيما أن يكون من أهلي وأن يبتغي بذلك وجه الله وأن يكتم ما يراه مني ولا يُحدِث به أحدا .
14- وأوصي بعد غسلي بتكفيني وأن يكون الكفن أو ثمنه من مالي ولو لم أترك غيره وأن يكون سابغاً يستر جميع بدني ويكون من البياض .
15- وأوصي بعدم المغالاة في الكفن وعدم الزيادة فيه على ثلاثة لأن في الزيادة إسرافاً وإضاعة للمال المنهي عنه .16- وأوصي بتبخير الكفن ثلاثاً ( لاسيما العود )17- وأوصي بعد تكفيني ووضعي على سريري ( الخشبة) أن يحملني الرجال على أعناقهم إلى مُصلى الجنائز وذلك من حقي على إخواني من المسلمين .18- وأنا برئ ممن يذبح أمام الجنائز وكذلك ألا تتبع جنازتي نار .19- وأوصي ألا يتبعني امرأة .20- وأوصي بالسكوت وعدم رفع الصوت ولو بالذكر حال السير بالجنازة .
21- وأوصي بألا يمسي أمام الجنازة راكب بل يكون خلفه وأما الماشي ففي أي مكان .22- وأوصي بالإسراع في السير بالجنازة سيراً دون الرمل .23- وأوصي أن يصلي علىَّ في مصلى الجنائز .24- وأوصي إذا اجتمعت مع جنازتي جنائز أخرى جاز الصلاة علينا صلاة واحدة على أن يجعل الذكور مما يلي الإمام ولو كانوا صِغار والإناث مما يلي القبلة .
25- وأوصي أن يكثر الجمع في الصلاة على الجنازة فإن ذلك انفع لي وأفضل إن شاء الله .26- وأوصي أن يصلى علىَّ أقرأ الناس لكتاب الله ثم أعلمهم بالسنة وأن يقف عند رأسي أما المرأة فبحذاء وسطها .
27- وأوصي بألا يصلي علىَّ ولا أدفن في الأوقات الثلاثة التي تكره الصلاة والدفن فيها إلا لضرورة .28- وأوصي بتعميق الحفر في القبر وتوسيعه .29- ولا بأس أن أُدفن مع غيري عند الضرورة في قبر واحد على أن يُقدم أفضلنا .30- وأوليائي وأقاربي أحق بإنزالي من غيرهم ويُنزلوني من مؤخرة القبر .31- وأوصي أن يقول الذي يضعني في قبري بسم الله وعلى سنة " أو ملة " رسول الله .32- وأوصي ألا يُكتب على قبري وأن يُرفع قبري من الأرض شبراً ولا يزيد على ذلك .33- وأوصي بألا أُلقن هذا التلقين البدعي المعروف اليوم عند القبور .
.
<1693>
34- وأوصي بعد الدفن أن يقف المُشيعون على قبري بقدر ذبح جزور وتقسيم لحمها ( ساعة تقريباً ) ويسألون لي المغفرة والتثبيت عند السؤال ويدعو كل منهم بمفرده سراً لا جماعة .35- ويشرع لأهلي أن يَقبلوا العزاء من بعد دفني وألا يجتمعوا للتعزية في مكان مخصص لذلك.
36- وأوصي بترك ما يقع من تأجير جماعة عتاقة أو ختم أو إسقاط صلاة عني ، وعدم الاجتماع وتأخير من يقرأ القرآن أيام ( الخميس – الأربعين – السنوية ) فهي من البدع والمُحرمات.37- يُمنع أهل بيتي من صنع طعام يجمعون عليه الناس بل المطلوب أن يصنع الأقارب والجيران طعاماً لأهل الميت لأن عندهم ما يُشغلهم .38- وأوصي أهلي وأقاربي بكثرة الدعاء لي وقضاء صومي النذر الذي لم استطع صومه .
39- وأوصي من أتركه من أولادي بتقوى الله عزَّ وجل والعمل الصالح وأن يُكثروا من الصدقة على والحج والعمرة إن استطاعوا فإن ذلك ثوابه إليَّ إن شاء الله .40- ويشرع لأهلي وأقاربي زيارة قبري والاتعاظ به بشرط ألا يقولوا ما يغضب الرب .41- وأوصي بالتصدق من مالي على الفقراء والمساكين الآتية أسماؤهم حيث أن لي الحق في الوصية بثلث التركة وذلك لغير الوارث " لقول النبي فيما رواه أبو داود والترمذي :
" أن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ".
وفيما عدا ذلك يُقسم تقسيماً كما ورد في كتاب الله وسنة رسوله .
هذا ما أوصي به العبد الفقير إلى ربه في حال الصحة ، أوصي به أهلي وأولادي أن يفعلوه من بعد موتي فإن فعلوا كان لهم الأجر من الله عزَّ وجل وأبرأ إلى الله من كل فعل أو قول يخالف الشرع أو يخالف ما كتبته في هذه الوصية اللهم إلا أن يكون أمراً شرعياً لم أعلمه ولم أكتبه في وصيتي هذه :
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } ( غافر 44 )ومن أهمل هذه الوصية أو بدلها أو خالف الشرع في شيء ذكر أو لم يُذكر فعليه وزره :{فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( البقرة 81 )
وامتثالاً لأمر الله تعالي حيث قال : ِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ } ( المائدة 106 )
فإني أُشهد .........................الشاهد الأول الشاهد الثاني الموصي بما فيه .................
2>- الفائدة الثانية:
التحذير من الشرك قال تعالى معرباعن وصيته لقمان لابنه أوصاه أولا بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا،: <يابني لاتشرك بالله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ>أي: هو أعظم الظلم. أي : واذكر - أيها العاقل - لتعتبر وتنتفع ، وقت أن قال لقمان لابنه وهو يعظه ، ويرشده إلى وجوه الخير بألطف عبارة ، يا نبى { لا تشرك بالله } - تعالى - لا فى عبادتك ولا فى قولك ، ولا فى عملك ، بل أخلص كل ذلك لخالقكم - عز وجل - .وفى
<1694>
ندائه بلفظ { يابني } إشفاق عليه . ومحبة له ، فالمراد بالتصغير إظهار الحنو عليه ، والحرص على منفعته .اهـ طنطاوي
روى البخاري عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ }شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }>ورواه مسلم من حديث الأعمش، به قَوْله ( وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ ) قَالَ : لَمْ يَخْلِطُوهُ ( فبين لهم أن المراد بالشرك إذا أطلق إنما هو الشرك الأكبر والكفر العظيم الذي يستحق صاحبه غضب الله الشديد وتعذيبه الخالد المؤبد؛ ذنب لا يغفر ولهذا قال لقمان:﴿إن الشرك لظلم عظيم.
***تعريف الشرك
هو : جعل شريك لله تعالى في ربوبيته وإلهيته . والغالب الإشراك في الألوهية بأن يدعو مع الله غيره ، أو يصرف له شيئا من أنواع العبادة : كالذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبة . والشرك أعظم الذنوب ، وذلك لأمور :
1 - لأنه تشبيه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية - فمن أشرك مع الله أحدا فقد شبهه به . وهذا أعظم الظلم ، قال تعالى : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها ، وصرفها لغير مستحقها ، وذلك أعظم الظلم .2 - إنَ الله أخبر أنه لا يغفر لمن لم يتب منه - قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [ النساء : 48 ] .3 - إن الله أخبر أنه حرم الجنة على المشَرك ، وأنه خالد مخلد في نار جهنم - قال تعالى : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } [ المائدة : 72 ] .4 - إن الشرك يحبط جميع الأعمال - قال تعالى : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأنعام : 88 ] . وقال تعالى : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ الزمر : 65 ] .5 - إن المشرك حلال الدم والمال - قال تعالى : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } [ التوبة : 5 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها »رواه البخاري ومسلم .6 - إن الشرك أكبر الكبائر - قال صلى الله عليه وسلم : « ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله . قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين » رواه البخاري ومسلم .
. قال العلامة ابن القيم في الجواب الكافي : أخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته ، ويعبد وحده لا يشرك به . وأن يقوم الناس بالقسط ، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض ، كما قال تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } [ الحديد : 25 ] .
.
***الشرك نوعان: <1695>
النوع الأول : شرك أكبر يخرج من الملة ، ويخلد صاحبه في النار إذا مات ولم يتب منه - وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير اللّه - كدعاء غير اللّه والتقرب بالذبائح والنذور لغير اللّه من القبور والجن والشياطين . والخوف من الموتى أو الجن أو الشياطين أن يضروه أو يمرضوه - ورجاء غير اللّه فيما لا يقدر عليه إلا اللّه من قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما يمارس الآن حول الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين . قال تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ } [ يونس : 18 ]
.النوع الثاني: شرك أصغر لا يخرج من الملة ، لكنه ينقص التوحيد ، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر - وهو قسمان :القسم الأول : شرك ظاهر ، وهو : ألفاظ وأفعال . فالألفاظ كالحلف بغير اللّه - قال صلى الله عليه وسلم : « من حلف بغير اللّه فقد كفر وأشرك »وأما الأفعال : فمثل لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه ، ومثل تعليق التمائم خوفاَ من العين وغيرها ، إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو دفعه ، فهذا شرك أصغر . لأن الله لم يجعل هذه أسبابا . أما إن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر ، لأنه تعلق بغير اللّه .
القسم الثاني من الشرك الأصغر :شرك خفي ، وهو الشرك في الإرادات والنيات - كالرياء والسمعة - كأن يعمل عملا مما يتقرب به إلى الله ، يريد به ثناء الناس عليه - كأن يحسن صلاته أو يتصدق لأجل أن يمدح ويُثنى عليه . أو يتلفظ بالذكر ويحسن صوته بالتلاوة لأجل أن يسمعه الناس فيثنوا عليه ويمدحوه . والرياء إذا خالط العمل أبطله - قال الله تعالى : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [ الكهف : 110 ] .وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر - قالوا : يا رسول اللّه ؛ وما الشرك الأصغر ؛ قال : الرياء »رواه أحمد والطبراني والبغوي في شرح السنة . ومنه العمل لأجل الطمع الدنيوي - كمن يحج أو يؤذن أو يؤم الناس لأجل المال - أو يتعلم العلم الشرعي أو يجاهد لأجل المال . قال النبي صلى الله عليه وسلم : « تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة إن أُعطي رضي وإن لم يعط سخط" رواه البخاري .قال الإمام ابن القيم رحمه اللّه : وأما الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له . وقل من ينجو منه . فمن أراد بعمله غير وجه اللّه ونوى شيئا من غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته - والإخلاص أن يخلص للّه في أفعاله وأقواله وإرادته ونيته . وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم التي أمر اللّه بها عباده كلهم ، ولا يقبل من أحد غيرها ، وهي حقيقة الإسلام . كما قال تعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ آل عمران : 85 ] . وهي ملة إبراهيم عليه السلام التي من رغب عنها فهو من السفهاء ، انتهى .
يتخلص مما مر أن هناك فروقا بين الشرك الأكبر والأصغر ، وهي :
1 - الشرك الأكبر يخرج من الملة - والشرك الأصغر لا يخرج من الملة
2 - الشرك الأكبر يخلد صاحبه في النار - والشرك الأصغر لا يخلد صاحبه فيها إن
<1696>
دخلها .3 - الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال - والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال ، وإنما يحبط الرياءُ والعملُ لأجل الدنيا العملَ الذي خالطاه فقط . 4 - الشرك الأكبر يبيح الدم والمال - والشرك الأصغر لا يبيحهما .اهـ كتاب التوحيد لصالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
3>- الفائدة الثالثة:
غرس الهيبة والخشية والمراقبة لله - تعالى - سبحانه – بأنه لا يخفى عليه شئ فى هذا الكون ، مهما دق وقل وتخفى فى أعماق الأرض والسماء .قال تعالى مبينا في وصية لقمان لابنه { يابني إنهآ إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله } . المعنى : يا بنى إن ما تفعله من حسنة أو سيئة ، سواء أكان فى نهاية القلة والصغر ، كمثال حبة من خردل ، أم كان هذا الشئ القليل مخبوءا فى صخرة من الصخور الملقاة فى فجاد الأرض ، أم كان فى السماوات أم فى الأرض ، فإن الله - تعالى - يعلمه ويحضره ويجازى عليه { إن الله } - تعالى - لطيف خبير أى : محيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها ، عظيمها وصغيرها
المراقبة:هي أن يأخذ المسلم نفسهبمراقبة الله ويلزمها إياها في كل لحظة الحياة حتى يتم لها اليقين بأن الله مطلع عليها بأسرارها رقيب على أعمالها وبذلك تصبح مستغرقة بملاحظة جلال الله شاغرة بالأنس في ذكره راغبة في جواره مقبلة عليه معرضة عما سواه وهذا معنى إسلام الوجه في قوله تعالى:<ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن >أي لا أحد أحسن دينا ممن إنقاذ لأمر الله وشرعه واخلص علمه لله وهو قطيع لله مجتنب لنواهيه
وقوله سبحانه<ومن سلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى>أي ومن ينقذ لا وأمر الله ويقبل على طاعته ويخلص قصده وعبادته الله وهو موحد قال القرطبي:لأن العبادة من غير إحسان ولا معرفة القلب لا تنفع وهو عين مادي ما دعا إليه الله في قوله :<واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه>
وقوله <وكان الله عليكم رقيبا>وقوله:<ص>:<أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك>متفق عليه
****مظاهر المراقبة ما يلي:
1)الإخلاص:لله رب العالمين في جميع الأقوال والأعمال والتصرفات وإذا تحقق هذا العبد شمله قوله تعالى:<وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين >
2)الإحساس والشعور:بالذنب عندما يوسوس لهم الشيطان وتدعوا النفس الإثارة فيتذكرون عظمة الله وأنه يسمعهم ويراهم قال تعالى مشير إلى هذا <إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون>أي أن الذين تصفوا بالتقوى إذا أصابهم الشيطان موسوسة تذكروا عقاب الله وثوابه فإذا هم يبصرون الحق البصيرة يتخلصون
.
***أقوال سلفنا الصالح في المراقبة : <1697>
1)قيل ا :بما يستعان على غض البصر قال:بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه اهـ 2)وقال سفيان:الثوري :عليك بالمراقبة ممن لا تخفي عليه خافية وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء وعليك بالحذر ممن يملك العقوبة
3)وقال ابن المبارك لرجل:راقب الله يا فلان فسأله الرجل عن المراقبة فقال له :كن أبدا كأنك ترى الله عز وجل
4)وقال أبو عبد الله الرازي:سمعت يا عثمان يقول قال لي أبو حفص إذا جلست للناس فكن واعظا لقبلك ولنفسك وليغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك 5)وقال لبعضهم :<من راقب الله في خواطره عصمه الله في جوار راحة>
6)وسئل ابن عطاء الله:ما أفضل الطاعات فقال مراقبة الحق على دوام الأوقات
7)وقال الأديب الفرنسي <فولتير>ساخرا من طبقة الملحدين
<لم تشككون في الله ولولاه لخانتني زوجتي ولسرقني خادمي>
8)وحكى عن بعض الصالحين:أنه مر بجماعة يترامون وواحد جالس بعيدا عنهم وتقدم إليه واردا أي يكمله فقال له:ذكر الله أشهى قال أنت وحدك فقال معي ربي وملكاي قال له من سبق من هؤلاء قال من غفر الله له قال:أين الطريق فأشار نحو السماء وقام ومشى
9)وصى النبي<ص> جماعة من الصحابة بهذه الوصية كما روى إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن أبي ذر <ض>عنه قال:<أوصاني خليلي <ص>أن أخشى الله كأني أراه فإن لم أكن أراه فإنه يراني>......وخرج الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه<إن رجلا قال يا رسول الله حدثني بحديث واجعله موجزا فقال:
صل صلاة مودع فإنك إن كنت لا تراه فإنه يراك>
***دعوة القرآن إلى المراقبة
في القرآن والسنة ما يدعوا إلى أن المرء ينبغي أن يستحضر أن الله قريب منه قال تعالى:<وهو معكم أينما كنتم>وقوله<وإذا سألك عبادي عني فإني قريب>وقوله<ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ولا خمسة إلا وهو سادسهم>وقوله<ونحن أقرب إليه من حبل الوريد>وقوله <ولا يتخفون من الله وهو معهم>
وقال<ص>:<للذين رفعوا أصواتهم بالذكر <إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا بصيرا>وقال <ص>أيضا:
<يقول الله عز وجل:أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه>
... وفي معرض الكلام على المراقبة ذكر عبد الله ناصح علون في كتابة تربية الأولاد قصة مفادها:<وذكرت مجلة الحج المكية في السنة 23 من الجزء الثالث عن لسان <سوتيلانا>بنت ستالين :<إن السبب الحقيقي لهجر وطنها وأولادها هو <الدين>فقد نشأت في بيت ملحد لا يعرف أحد من أفراده <الرب>ولا يذكر عندهم عمدا ولا سهوا ...ولما بلغت سن الرشد وجدت في نفسها من غيري دافع خارجي إحساسا قويا بأن الحياة من غير الإيمان بالله ليست حياة كما لا يمكن أن يقام بين الناس أي عدل أو إنصاف من غير الإيمان بالله وشعرت من قرارة نفسها أن الإنسان
<1698>
في حاجة إلى الإيمان كحاجته إلى الماء والهواء وقد أعلى الفيلسوف <كانت> أنه لا وجود للأخلاق دون اعتقادات ثلاث <وجود الإله وخلود الروح والحساب بعد الموت
***نماذج في المراقبته :
1} ما جاء في حديث الغار أن أحدهم قال : {وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ فَقَالَتْ لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ >رواه البخاري .
2 يوسف عليه السلام الشاب المكتمل والفتي الرائع دعته { امرأة العزيز } ذات منصب وجمال إلى نفسها حيث الأبواب مغلقة والفرسة مهيئة كما حكى القرءان { وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك } فماذا كان موقفه أمام هذا الإغراء ومن الذي أنجاه من هذه الفتنة لا شيء إلا استشعار عظمة الله ومراقبته قال عنه القرءان : { قال : معاذ الله ـ أعوذ بالله أن أغدر سيدي الذي أحسن رعايتي فأصبح من الظالمين لي ولك وله ــ إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون } ولقد حاولت امرأة العزيز انجراره بكل ما تملك من حيل ومكر بل توعدته بالسجن إن لم يفعل أمام النساء الأخريات من غير حياء كما حكى القرءان { ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغريين } . إنما كان منه إلا أن اتجه بكليته إلى الله يسأله المعونة والعصمة كما حكى عنه القرءان { قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين .3 } امرأة مؤمنة في عهد عمر ص} ذهب زوجها إلى الجهاد وغاب عنها كثيرا فخيمت عليها هواجس الوحدة وتحركت في نفسها ثوران الغريزة . فما صدها عن ارتكاب المعصية إلا ضمير الإيمان ووازع المراقبة لله . وفي جنح الليل سمعها عمر تنشد :
. ولقد طال هذا الليل واسود جانبه .** وأرقني ألا حبيب ألاعبة .
. فو الله لو لا الله تخشى عواقبه **لحرك من هذا السرير جوانبه .
وفي اليوم الثاني دخل عمر على ابنته حفصة أم المؤمنين وقال لها كم تصبر الزوجة على زوجها إذا غاب عنها قالت أربعة أشهر : فأرسل إلى قواده المرابطين في جبهات القتال يأمرهم ألا يحبسوا جنديا عن أهله أكثر من أربعة أشهر .4} :قال عبد الله بن دينار خرجت مع عمر بن الخطاب إلى مكة فعرسنا ببعض الطريق فانحدر علينا راع من الجبل فقال له عمر:يا راعي بعنا شاة من هذه الغنم فقال الراعي إنه مملوك فقال له عمر:قل لسيدك أكلها الذئب فقال العبد أين الله فبكى عمر وغدا على سيد الراعي فاشتراه منه و أعتقه >وأين هذا ممن يتحملون المسؤوليات ثم يخونونها على أساس أنها فرس لا تعوض...5>ـ :الشاب المغشي عليه قتيل المراقبة :قال ابن كثير :< وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة "عمرو بن جامع" من تاريخه: أن شابًا كان يتعبد في المسجد، فهويته امرأة، فدعته إلى نفسها، وما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل، فذكر هذه الآية: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } فخر مغشيًا عليه، ثم أفاق فأعادها، فمات. فجاء عمر فَعزَّى فيه أباه (8) وكان قد دفن ليلا فذهب فصلى على قبره بمن معه، ثم ناداه عمر فقال: يا فتى (9) { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن:46] وأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر، قد أعطانيهما ربي، عز وجل، في الجنة مرتين > تاريخ دمشق لابن عساكر ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور..
<1699>
6 } بنت بائعة اللبن حيث سمع عمر من وراء الستار وهو يتفقد الدروب في الليل حوارا بين أم وبنتها تريد الأم أن تخلط اللبن بالماء فتعارضها البنت فتقول الأم { إن عمر لا يرانا } فتقول البنت { بل الله يرانا } ومن هنا خطبها عمر لابنه فكانت جدة لعمر ابن عبد العزيز تلكم هي أهم بنود المنهج في وصول الشاب إلى قمة العفة ولا شك أنه إن اتبع طريق هذا المنهج ينتصر على الوساوس والمغريات ويتغلب على الدوافع الغريزية التي تتاجج في أعماق فؤاده وبعدها يفتح الله عليه باب الزواج الحلال ويجعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيف مخرجا قال تعالى { ومن يتق الله يجعل له مهرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب }
7>ـ سهل التستري:قال :كنت أبيت عند خالي<محمد بن سوار> ثلاث سنين وأقوم بالليل وأنظر إلى صلاته فقال لي يوما:ألا تذكر الله الذي خلقك فقلت كيف أذكره قال قل بقلبك عند تقلبك في فراشك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك الله معي الله ناظر إلي الله شاهدي فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته فقال قل في كل ليلة سبع مرات فقلت ذلك ثم أعلمته فقال:قل ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة فقلته فوقع في قلبي حلاوته فلما كان بعد سنة
قال لي خالي:احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لذلك حلاوة في سري ثم قال لي خالي يوما:
يا سهل من كان الله معه وناظرا إليه وشاهده أيعصيه إياك والمعصية >اهـ ومن أجل هذه الوصية أصبح سهل من كبار العارفين بفضل خاله الذي أدبه وغرس في نفسه معاني الإيمان والمراقبة فيالت قومنا درجوا على هذا وعملوا به وغرسوه في ناشئتهم وبه يقل الإجرام ويسود الاطمئنان ويكثر الأمن.غير أنه لما نذر أمر المراقبة أقدم الناس على المعاصي إقداما عدم النظير
***فضل المراقبة
قال صلى الله عليه وسلم في بيان فضلها وأن صاحبه لايفتن عندما تعرض عليه الفتن روى البخاري :< عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ>متفق عليه فالرجل الذي يدعى إلى الفاحشة ويأبى كما أبى يوسف جزاؤه ظل الرحمان يوم لا ظل إلا ظله... فقد تبين أن استحضار عظمة الله ومراقبته والانكفاف عن الذنب بعد تجلي ذكر الله يكون سببا لرفع المحن عن المراقب كشأن هذا الذي جلس بين فخدي ابنة عمه فذكرته الله فانصرف مؤثرا ذكره على شهوته ومما يذكر
.
<1700>
في معرض المراقبة هارون الرشيد الذي حلف على زوجته بالطلاق أنه من أهل لجنة فندم على ذلك فسأل علماء مصر فأفتوه بوقوع الطلاق إلا الليث الذي قيل أنه أفقه من مالك أمر بإخراج من عنده فقال له يا هارون اصدقني هل أقدمت يوما على معصية ثم تركتها خوفا من الله قال نعم اختليت يوما بامرأة في بيتي ثم تركتها خوفا من الله فقال له إن زوجتك ليس بطالق لأن الله يقول <ولمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى>فالخوف في الدنيا من أوصاف أهل الجنة
كما أن الذي يراقب الله يجعل له من أمره فرجا ومخرجا لقوله<ص>فيما رواه البخاري عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئُ بِي فَقُلْتُ إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ >الحديث متفق عليه
4>- الفائدة الرابعة:
. وجوب إقام الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى : { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ } أي: بحدودها وفروضها وأوقاتها،وفي فضل الصلاة ورد الحديث الآتي :عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا> البخاري ومسلم.. ومن الأحاديث في فضل الصلاة في المساجد :ما رواه البخاري : عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى
<1701>
صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ>
6>- الفائدة السادسة:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرقال لقمان لابنه { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ } أي: بحسب طاقتك وجهدك،
المعروف ما يعرفه الشرع ويدعو إليه، والمنكر ما ينكره الشرع ويستحقره ويحذر منه وينهى عنه؛فتأمر بكل معروف بدءاً من التوحيد إلى آخر حسنة من الحسنات ،إلى الأمر بإماطة الأذى عن الطريق؛ فإن ( الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة أعلاها شهادة ألا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فأنت تأمر بهذا المعروف بدءًا من لا إله إلا الله مُرورًا بالصلاة، بالزكاة، بالصوم، بالحج، بِبِرّ الوالدين، بالأخلاق الطيبة إلىأخره إلى آخر شيء وأدنى مراتب الإيمان: إماطة الأذى من الطريق؛ هذه كلها من الإيمان ومن المعروف الذي يجب أن يقوم به المسلمون .
والمنكر: الشرك والبدع والكبائروالصغائر والمعاصي والأخلاق المنحرفة وإلى أخره؛كل ماينكره الشرع والعقل؛ العقل السليم الذي يوافق الشرع ،كل ذلك منكر والتقاليد السيئة واتباع الأعداء والانقياد لهم والتشبه بهم فعندنا معروف وعندنا أخلاق وعندناعادات عالية رفيعة، وهم عندهم عادات ساقطة؛ يأكلون لحم الخنزير ويستبيحون المحرمات وهبوط أخلاقي لا نظير له ودياثة.
>-الفائدة السادسة:
الصبر على ما يلحق الآمر والناهي من أذى قال تعالى عن لقمان { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ } ،علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر.وفي التحرير ووجه تعقيب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بملازمة الصبر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يَجران للقائم بهما معاداةً من بعض الناس أو أذى من بعض فإذا لم يصبر على ما يصيبه من جراء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو شك أن يتركهما
وقال الإمام القرطبي : قال علماؤنا: أعلم الله عز وجل المؤمنين من هذه الأمة في هذه الآية، ما كان يلقاه من وحد قبلهم من الشدائد، يؤنسهم بذلك.
وذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم قصة الغلام ليصبروا على ما يلاقون من الاذى والآلام، والمشقات التي كانوا عليها، ليتأسوا بمثل هذا الغلام، في صبره وتصلبه في الحق وتمسكه به، وبذله نفسه في حق إظهار دعوته، ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظم صبره. وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نشر بالمنشار.وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الايمان في قلوبهم، صبروا على الطرح في النار ولم يرجعوا في دينهم.
<1702>
قال ابن العربي: وهذا منسوخ عندنا، قلت: ليس بمنسوخ عندنا، وأن الصبر على ذلك لمن قويت نفسه وصلب دينه أولى، قال الله تعالى مخبرا عن لقمان: " يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الامور " (2) [ لقمان: 17 ]: وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر): خرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وروى ابن سنجر (محمد بن سنجر) عن أميمة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كنت أوضئ النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل، قال: أوصني فقال: (لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت بالنار..) الحديث: قال علماؤنا: ولقد امتحن كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل والصلب والتعذيب الشديد، فصبروا ولم يلتفتوا إلى شئ من ذلك ويكفيك قصة عاصم وخبيب وأصحابهما وما لقوا من الحروب والمحن والقتل والأسر والحرق، وغير ذلك،و هذا إجماع ممن قوي في ذلك اهـ .....تأمل القصص الآتية :
1>ـفي صحيح البخاري : عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ
شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو لَنَا فَقَالَ قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ>في الفتح : قَالَ اِبْن بَطَّال : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْر وَاخْتَارَ الْقَتْل أَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا عِنْد اللَّه مِمَّنْ اِخْتَارَ الرُّخْصَة ، وَأَمَّا غَيْر الْكُفْر فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْل الْخِنْزِير وَشُرْب الْخَمْر مَثَلًا فَالْفِعْل أَوْلَى ، وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة : بَلْ يَأْثَم إِنْ مُنِعَ مِنْ أَكْل غَيْرهَا فَإِنَّهُ يَصِير كَالْمُضْطَرِّ عَلَى أَكْل الْمَيْتَة إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسه الْمَوْت فَلَمْ يَأْكُل .
2>ـ روى مسلم : عَنْ صُهَيْبٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ فَقَالَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنْ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي فَقَالَ إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ
<1703>
فَشَفَاكَ فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ رَبِّي قَالَ وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي قَالَ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ فَجِيءَ بِالْغُلَامِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ فَقَالَ إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَقَالَ لِلْمَلِكِ إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ ارْمِنِي فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ
3>ـ روى البخاري عن عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ وَأَحَاطَ بِهِمْ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمْ انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَلَا نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللَّهِ لَا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي فِي هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةً
<1704>
يُرِيدُ الْقَتْلَى فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا
فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ قَالَتْ فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي فَقَالَ تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنْ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا
*مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا **عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ**يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا
4>ـ السيد قطب تقدم للمشنقة سنة 1386 هجرية بكى لموته الملك فيصل وتدخل لدى حاكم مصر فلم يجد أذنا صاغية وعندما طلب من السيد قطب كلمات يسترحم فيها حاكم مصر في وقته{ جمال الراحل} قال: إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا يقر به حكم طاغية وقد لقي كثير من المسلمين في سجون الطغاة خاصة الدعاة ما لا يعلمه إلا الله
5>ـ أبو محمود بن حزم خرب بيته ومنع من السفر إلى الحج وهجر من المدينة وأبعد عن موطنه بسبب مواقفه الصلبة تجاه الفقهاء خاصة المالكية فقد كان يتعقب أراءهم كما يظهر من كتابه <<المحلى>>ولذلك حرضوا عليه الملوك وجعلوه عرضة للناس لأنه كان صريحا لا يداهن وكان من كبار خصومه أبو بكر بن العربي المفسر ومع هذا الخوف خلف[400] أربعمائة مجلد في مختلف العلوم قريب من ثمانين ألف ورقة حسب رواية ابنه الفضل أنظر مجلة الإيمان مقال أحمد القادري.
6>ـ بلال كان يوضع الحجر على بطنه في وهج الظهيرة فلم يزدد إلا إيمانا ويهتف قائلا <<أحد فرد صمد>
7)عمار وأمه سمية وأبوه ياسر لقوا من ألوان من العذاب مالا يوصف حتى ينقضوا على إسلامهم فثبتوا حتى كان المصطفى يمرعليهم فيثبتهم ويذكرهم بأحلام الجنة <<ابشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة>>
8)مصعب بن عمير لما أسلم حبسه قومه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى الحبشة وهو أول سفير في الإسلام إلى المدينة المنورة .
<1705>
9))ــ سعيد بن جبير إمام التابعين ذبحه الحجاج بن يوسف فلما أمرهم بأن يذبحوه قال سعيد أما أنا:فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي}
10)الإمام أحمد وقف موقف الرجال وثبت على مبدئه في فتنة القول بخلق القرآن فأوذي أيام المأمون وابنه المعتصم
11)الشيخ ابن تيمية حورب وطورد من طرف الحكام والفقهاء والمتصوفة والمتكلمين ومات وهو معتقل في قلعة دمشق التي هي الآن معتقل الآلاف ومحل تعذيبهم من طرف حاكمها الحاضر نكاية بشعبه الذي رفضه فكل يوم يقتل بالطائرات والمدافع المئات في بيوتهم إلى الله الشكوى
7)- الفائدة السابعة:
حرمة احتقار الناس والتفخر عليهم قال تعالى : ﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾المعنى : لا تحتقر الناس فالنهي عن الإعراض عنهم احتقاراً لهم لا عن خصوص مصاعرة الخد فيشمل الاحتقار بالقول والشتم وغير ذلك فهو قريب من قوله تعالى { فلا تقل لهما أُفَ } [ الإسراء : يقول: لا تُعرِضْ بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم ولكن ألِنْ جانبك، وابسط وجهك إليهم، كما جاء في الحديث: "ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه مُنْبَسِط، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المِخيلَة، والمخيلة لا يحبها الله".
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } يقول: لا تتكبر فتحقِرَ (5) عبادَ الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. وكذا روى العوفي وعكرمة عنه.
وقال مالك، عن زيد بن أسلم: { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } : لا تكَلَّم وأنت معرض. قال ابن جرير: وأصل الصَّعَر: داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها، حتى تُلفَتَ (1) أعناقُها عن رؤوسها، فشبه به الرجل المتكبراهـ ابن كثير
الصعر هو الميل؛ لا تتكبر على الناس؛ عندما يكلمك أحد تدير خدّك هكذا؛ هذا من الكبر يكلمك أحد فتعرض عنه وتلتفت هكذا وأنت شامخ؛ لا هشاشة ولا انبساط؛ يعني مستكبر ومتعالٍ فهذا نهي عن الكبر، ومن آثاره أن يلوي عنقه هكذا؛ يصعر خده للناس يعني يلويه هكذا .من الصعر وهو مرض يصيب الإبل فتلتوي أعناقها.
8)- الفائدة الثامنة:
حرمة الاختيال والتَّجَبُّرِ وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمِشْيَةِ .. قال تعالى عن وصية لقمان { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا } أي: جذلا متكبرًا جبارًا عنيدًا، لا تفعل ذلك يبغضك الله؛ ولهذا قال: { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي: مختال معجب في نفسه، فخور: أي على غيره، وقال تعالى: (4) { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا }روى الطبراني
قوله: { وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي: امش مشيًا مقتصدا ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط، بل عدلا وسطًا بين بين.في التحرير تمثيل كنائي عن النهي عن التكبر والتفاخر لا عن خصوص المشي في حال المرح فيشمل الفخر عليهم بالكلام
<1706>
وغيره . والمختال : اسم فاعل من اختال بوزن الافتعال من فِعل خَال إذا كان ذا خُيلاء ، فهو خائل . والخُيلاء : الكبر والازدهاء ، فصيغة الافتعال فيه للمبالغة في الوصف.. والفَخور : شديد الفخر..وقال الألوسي : { واقصد فِى مَشْيِكَ } بعد الاجتناب عن المرح فيه أي توسط فيه بين الدبيب والإسراع من القصد وهو الاعتدال ، وجاء في عدة روايات إلا أن في أكثرها مقالاً يخرجها عن صلاحية الاحتجاج بها كما لا يخفى على من راجع شرح الجامع الصغير للمناوي عن النبي صلى الله عليه وسلم " سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن " أي هيبته وجماله أي تورثه حقارة في أعين الناس ، وكأن ذلك لأنها تدل على الخفة وهذا أقرب من قول المناوي لأنها تتعب فتغير البدن والهيئة .
وقال ابن مسعود : كانوا ينهون عن خبب اليهود ودبيب النصارى ولكن مشياً بين ذلك ، وما في النهاية من أن عائشة نظرت إلى رجل كاد يموت تخافتاً فقالت : ما لهذا؟ فقيل : إنه من القراء فقالت : كان عمر رضي الله تعالى عنه سيد القراء وكان إذا مشى أسرع وإذا قال أسمع وإذا ضرب أوجع ، فالمراد بالإسراع فيه ما فوق دبيب المتماوت وهو الذي يخفي صوته ويقل حركاته مما يتزيا بزي العباد كأنه يتكلف في اتصافه بما يقربه من صفات الأموات ليوهم أنه ضعف من كثرة العبادة فلا ينافي الآية ، وكذا ما ورد في صفته صلى الله عليه وسلم إذ يمشي كأنما ينحط من صبب وكذا لا ينافيها قوله تعالى : { وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الارض هَوْناً } [ الفرقان : 63 ] إذ ليس الهون فيه المشي كدبيب النمل ، وذكر بعض الأفاضل أن المذموم اعتياد الإسراع بالإفراط فيه ، وقال السخاوي : محل ذم الإسراع ما لم يخش من بطء السير تفويت أمر ديني ، لكن أنت تعلم أن الإسراع المذهب للخشوع لإدراك الركعة مع الإمام مثلاً مما قالوا إنه مما لا ينبغي فلا تغفل ، وعن مجاهد أن القصد في المشي التواضع فيه ،
9)- الفائدة التاسعة:
حرمة رفع الصوت بغير حاجة قال تعالى : { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ } أي: لا تبالغ في الكلام، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه؛ ولهذا قال تعالى: { إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } قال مجاهد وغير واحد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير، أي: غاية مَنْ رفع صوته أنه يُشَبه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى. وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم [أنه] قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، وإذا سمعتم نهيق الحمير (1) فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا".،> النساءي وقد أخرجه بقية الجماعة سوى ابن ماجه، من طرق، عن جعفر بن ربيعة به
قال ابن كثير فهذه وصايا نافعة جدًا، وهي من قَصص القرآن العظيم عن لقمان الحكيم. ولقد قال له: ﴿ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ إذا رفعت صوتك بغير حاجة؛ تدعو إلى رفع الصوت وبمقدار ومقياس دقيق في رفع الصوت فأنت تشبه
<1706>
الحمار، وأخذ العلماء من هذا أنه لا يجوز رفع الصوت؛ لأن الله شبهك بأخس الحيوانات، و ( ليس لنا مثل السوء ) ([17]) فلا ترفع صوتك إلا بقدر الحاجة؛ إذا كان عندك واحد أو اثنين وأنت تصيح وترفع صوتك ماذا تريد ؟! هذا يشبه صوت الحمير؛ فالصوت يكون على قدر الحاجة .فإذا نهى عليه السلام عن رفع الصوت في الذكر فكيف بالصراخ في غيره روى البخاري ومسلم : عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ>قال النووي : فَفِيهِ : النَّدْب إِلَى خَفْض الصَّوْت بِالذِّكْرِ إِذَا لَمْ تَدْعُ حَاجَة إِلَى رَفْعه ، فَإِنَّهُ إِذَا خَفَضَهُ كَانَ أَبْلَغَ فِي تَوْقِيره وَتَعْظِيمه ، فَإِنْ دَعَتْ حَاجَة إِلَى الرَّفْع رَفَعَ ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ أَحَادِيث .
ودعا القرآن أصحاب رسول الله إلى التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم بخفض الصوت فلقد روي أن قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } : نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما.
روى البخاري: عن ابن أبي مُلَيْكَة قال: كاد الخيِّران أن يهلكا، أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر -قال نافع: لا أحفظ اسمه- فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي. قال: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } الآية، قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه: يعني أبا بكر رضي الله عنه. انفرد به دون مسلم.اهـ ابن كثير
10)- الفائدة العاشرة:
الفوائد البلاغية المسوحاة من نظم هذه الوصية ففي التحرير :وافتتاح الموعظة بنداء المخاطب الموعوظ مع أن توجيه الخطاب مغن عن ندائه لحضوره بالخطاب ، فالنداء مستعمل مجازاً في طلب حضور الذهن لوعي الكلام وذلك من الاهتمام بالغرض المسوق له الكلام..... و { بُنَيّ } تصغير ( ابن ) مضافاً إلى ياء المتكلم فلذلك كسرت الياء . وقرأه الجمهور بكسر ياء { بُنَيِّ } مشدّدة . وأصله : يا بُنَيْيي بثلاث ياءات إذ أصله الأصيل يا بُنَيْوِي لأن كلمة ابن واوية اللام الملتزمة حذفها فلما صُغر ردّ إلى أصله ، ثم لما التقت ياء التصغير ساكنة قبل واو الكلمة المتحركة بحركة الإعراب قلبت الواو ياء لتقاربهما وأدغمتا ، ولما نودي وهو مضاف إلى ياء المتكلم حذفت ياء المتكلم لجواز حذفها في النداء وكراهية تكرر الأمثال... والتصغير فيه لتنزيل المخاطب الكبير منزلة الصغير كناية عن الشفقة به والتحبب له ، وهو في مقام الموعظة والنصيحة إيماء وكناية عن إمحاض النصح وحب الخير ، ففيه حث على الامتثال للموعظة .ابتدأ لقمان موعظة ابنه بطلب إقلاعه عن الشرك بالله لأن النفس المعرضة للتزكية والكمال يجب أن يقدم لها قبل ذلك تخليتُها عن مبادىء الفساد والضلال ، فإن إصلاح الاعتقاد أصل لإصلاح العمل . وكان أصل فساد الاعتقاد أحد أمرين هما الدُهرية والإشراك ، فكان قوله { لا تشرك بالله يفيد إثبات وجود إله وإبطال أن يكون له شريك في إلهيته ... وجملة { إن الشرك لظلم عظيم } تعليل للنهي عنه وتهويل لأمره ، فإنه ظلم لحقوق الخالق ، وظلم المرء لنفسه إذ يضع نفسه في حضيض العبودية لأخس الجمادات ، وظلم لأهل الإيمان الحق إذ يبعث على اضطهادهم وأذاهم ، وظلم لحقائق الأشياء بقلبها وإفساد تعلقها . وهذا من جملة كلام لقمان كما هو ظاهر السياق...
<1707>
تكرير النداء ـ في و قوله تعالى "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ" لتجديد نشاط السامع لوعي الكلام.. انتقل من تعليمه أصول العقيدة إلى تعليمه أصول الأعمال الصالحة فابتدأها بإقامة الصلاة ، والصلاة التوجه إلى الله بالخضوع والتسبيح والدعاء في أوقات معينة في الشريعة التي يدين بها لقمان ، والصلاة عِماد الأعمال لاشتمالها على الاعتراف بطاعة الله وطلب الاهتداء للعمل الصالح . وإقامة الصلاة إدامتها والمحافظة على أدائها في أوقاتها ... وشمل الأمرُ بالمعروف الإتيانَ بالأعمال الصالحة كلها على وجه الإجمال ليتطلَّب بيانه في تضاعيف وصايا أبيه كما شمل النهيُ عن المنكر اجتناب الأعمال السيئة كذلك . والأمر بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يقتضي إتيان الآمر وانتهاءه في نفسه لأن الذي يأمر بفعل الخير وينهى عن فعل الشر يعلم ما في الأعمال من خير وشر ، ومصالح ومفاسد ، فلا جرم أن يتوقاها في نفسه بالأولوية من أمره الناسَ ونهيه إياهم . فهذه كلمة جامعة من الحكمة والتقوى ، إذ جمع لابنه الإرشاد إلى فعله الخيرَ وبثِّه في الناس وكفه عن الشر وزجره الناس عن ارتكابه ، ثم أعقب ذلك بأن أمره بالصبر على ما يصيبه . ووجه تعقيب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بملازمة الصبر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يَجران للقائم بهما معاداةً من بعض الناس أو أذى من بعض فإذا لم يصبر على ما يصيبه من جراء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو شك أن يتركهما . ولما كانت فائدة الصبر عائدة على الصابر بالأجر العظيم عُدَّ الصبر هنا في عداد الأعمال القاصرة على صاحبها ولم يلتفت إلى ما في تحمل أذى الناس من حسن المعاملة معهم حتى يذكر الصبر مع قوله { ولا تصاعر خَدّك للناس } [ لقمان : 18 ] لأن ذلك ليس هو المقصود الأول من الأمر بالصبر .والصبر : هو تحمل ما يحل بالمرء مما يؤلم أو يحزن...... انتقل لقمان بابنه إلى الآداب في معاملة الناس فنهاه عن احتقار الناس وعن التفخر عليهم ، وهذا يقتضي أمره بإظهار مساواته مع الناس وعدّ نفسه كواحد منهم ....... بعد أن بيّن له آداب حسن المعاملة مع الناس قفَّاها بحسن الآداب في حالته الخاصة ، وتلك حالتا المشي والتكلم ، وهما أظهر ما يلوح على المرء من آدابه .والقصد : الوسط العَدل بين طرفين ، فالقصد في المشي هو أن يكون بين طرف التبختر وطرف الدبيب ويقال : قصد في مشيه . فمعنى { اقْصِدْ في مشيك } : ارتكب القصد .والغَضُّ : نقص قوة استعمال الشيء . يقال : غَضَّ بصره ، إذا خفَّض نظره فلم يحدّق.. وجملة { إن أنكر الأصوات لصوتُ الحمير } تعليل علل به الأمر بالغض من صوته باعتبارها متضمنة تشبيهاً بليغاً ، أي لأن صوت الحمير أنكر الأصوات . ورفع الصوت في الكلام يشبه نهيق الحمير فله حظ من النكارة .و { أنكَر : } اسم تفضيل في كون الصوت منكوراً ، فهو تفضيل مشتق من الفعل المبني للمجهول وإنما جمع { الحمير } في نظم القرآن مع أن { صوت } مفرداً ولم يقل الحمار لأن المعرف بلام الجنس يستوي مفرده وجمعُه . وإنما أوثر لفظ الجمع لأن كلمة الحمير أسعد بالفواصل لأن من محاسن الفواصل والأسجاع أن تجري على أحكام القوافي ، والقافية المؤسسة بالواو أو الياء لا يجوز أن يرد معها ألف تأسيس فإن الفواصل المتقدمة من قوله { ولقد ءاتينا لقمان الحكمة } [ لقمان : 12 ] هي : حميد ، عظيم ، المصير ، خبير ، الأمور ، فخور ، الحمير . وفواصل القرآن تعتمد كثيراً على الحركات والمُدود والصيغ دون تماثل الحروف وبذلك تخالف قوافي القصائد .اهـ كلامه رحمه الله .كل هذا ورد في قوله تعالى : <وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
لست ربوت