وسائل النجاة في دفع نزول العقوبات بقلم عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الهلالي بابن جرير رحمه الله

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية وسائل النجاة في دفع نزول العقوبات بقلم عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الهلالي بابن جرير رحمه الله

وسائل النجاة في دفع نزول العقوبات بقلم عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الهلالي بابن جرير رحمه الله





 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وعلى آله ومن والاه وبعد : أيها الناس إن العاصي آثارها على الفرد والجمع وخيمة ولما تبدت لنا آثارها في قلوبنا ومجتمعاتنا فما هي الأسباب ياترى التي تدفعها فندرة المياة وشح الأمطار وفساد القلوب وانتشار الدياثة واندلاع الحروب وتمزق المجتمات واشتداد الصراع كل ذلك وغيره يدعوا العقلاء للتفكر كيف نعمل حتى يرد الله عنا مالا يكاد يشك فيه إلا غافل أو متغافل وإن من تدبر القرآن الكريم: يرى السنن والعقوبات التي وقعت على الأمم، بسبب انحرافها عن الصراط المستقيم، وهذه العقوبات كثيرة متنوعة قص الله بعضها في كتابه، وأمر بتدبرها، وأخذ العبرة حتى لا نقع فيما وقعوا فيه، فيحلّ علينا ما حلّ بهم. وذكر سبحانه بعض العوامل التي إذا أخذ بها الأفراد والمجتمعات والأمم؛ رفعت عنهم العقوبات ودفعت، قال سبحانه:{ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ[137]}[سورة آل عمران].

ولما قص لنا حال الأمم الماضية أمرنا بأخذ العبرة وعدم السير على طريقهم ومنهجهم، فقال سبحانه: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[69]}[سورة التوبة].
إن الأمة في الأزمنة المتأخرة تعرضت لعقوبات ربانية -وهي في ازدياد- ونحن نعيش مرحلة صعبة، ومن تدبر حال الأمة وحالها مع هذه الأزمات، يأخذه الخوف والعجب من صنعها ومواقفها، وإن المخرج من هذه الفتن لن يكون إلا بالعمل بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ففيهما النور والهدى، ومن خلال تدبر كتاب الله في معرفة الأسباب والعوامل لدفع العقوبات عن الأمم نذكر بعد الأسباب التي فيها النجاة ودفع العقوبات وهي :
السبب الأول:الإيمان بالله وبوعد الله: وعد الله أن أي أمة آمنت بالله حق الإيمان، ولم تفرط بهذا الإيمان الذي هو سر قوتها ونصرها على أعدائها، وعدها بالنجاة وقت الأزمات، فقال:{ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ[103]}[سورة يونس]. ويقول سبحانه:{ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[18]}[سورة فصلت].
السبب الثاني: الإصلاح، والدعوة إلى الله، ومحاربة الفساد: قال سبحانه: [فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون]هود[116-117] وتدبر هذا السبب العجيب للنجاة [النهي عن الفساد والإصلاح ] ولايمكن إصلاح من غير نهي عن الفسادوهذا بنص القرآن. ، والإصلاح يبدأ من أنفسنا فإذا صلحت استطعنا إصلاح غيرنا فالله الله بتقوى الله عزوجل فإن لن يغير حالنا وينجينا إلا إذا بادرنا بإصلاح أنفسنا قال سبحانه:{...إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...[11]}[سورة الرعد].
<<1559>>
والخطير في الأمر أن سبب هلاك الأمم السابقة هو ردّ ورفض دعوة المصلحين والناصحين، قال سبحانه:{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى[48]}[سورة طه]. فالعذاب على من أعرض، ولم يستجب للناصحين. وقال سبحانه:{ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ[14]}[سورة ص]. وقال سبحانه:{ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ[136]}[سورة الأعراف].
السبب الثالث: البعد عن الغفلة واللهو والعبث، والاستمرار على الطاعة والذكر: قال سبحانه:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[96]أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ[97]أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ[98]أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[99]}[سورة الأعراف].
ويقول سبحانه مبينًا أن الغفلة والنسيان سبب من أسباب العقوبة:{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ[44]}[سورة الأنعام].
قال الحسن رحمه الله:' مكر بالقوم ورب الكعبة أُعطوا حاجتهم، ثم أُخذوا'. ويقول قتادة رحمه الله:' بغت القوم أمر الله وما أخذ الله قوماً قط إلا عند سكرتهم وغِرّتهم ونعمتهم فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر إلا القوم الفاسقون'.
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ[44]}[سورة الأنعام].]رواه أحمد.
السبب الرابع:التوبة والاستغفار من الذنوب، والإقلاع عنها فرادى وجماعات، وعدم المجاهرة والإعلان بما يغضب الله؛ فإن المعاصي نذير شؤم على الأمة كلها: يقول سبحانه:{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ[33]}[سورة الأنفال]. قال ابن عباس في تفسير هذه الآية:'كان فيهم أمانان: النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي الاستغفار'. والرسول صلى الله عليه وسلم لما سألته زوجه رضي الله عنها، فقالت: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ: [ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ]رواه البخاري ومسلم. والخبث هو كل ما يغضب الله من المعاصي والموبقات والجرائم التي يعلن بها ويسر.
السبب الخامس: الدعاء والتضرع والاستغاثة بالله: فإن الله لا يرد من سأله:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ...[62]}[سورة النمل]. ويقول سبحانه:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...[60]}[سورة غافر]. وقد بين سبحانه أن سبب هلاك بعض الأمم تركها التضرع واللجوء إليه وقت الأزمات والحاجات، فقال سبحانه:{ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[43]}[سورة الأنعام].
<<1560>>
ويقول سبحانه:{ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ[94]}[سورة الأعراف]. يقول الحافظ ابن كثير:'وتقدير الكلام: أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا فما فعلوا شيئاً من الذي أراد الله منهم '. والدعاء من أعظم مظاهر عبودية المؤمن لربه، وفيها يظهر حاجته وعجزه وذلته بين يديه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل عند نزول النوازل والحوادث يهرع لدعاء ربه، والتضرع بين يديه .
السبب السادس:الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فإذا ادلهمت الخطوب، وخيف من نزول العقوبات الربانية؛ فإن من أعظم أسباب رفع العقوبات والنجاة وقتها هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول جل وعلا:{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ[165]}[سورة الأعراف]. وقال صلى الله عليه وسلم: [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ]رواه الترمذي وأحمد.
وقال صلى الله عليه وسلم: [مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا]رواه البخاري .
فإذا أردنا النجاة والنصر والفوز، فلنحيي هذه الشعيرة في حياتنا حتى ننجوا جميعًا في بيوتنا وأعمالنا وأسواقنا، لنقف صفاً واحداً ضد من يريد خرق السفينة، لنقف مع الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر علّ الله أن يرحمنا، ويرفع عنا مقته وغضبه .
السبب السابع:رفع الظلم، ونشر العدل، وإعطاء الحقوق إلى أهلها، وعدم فرض الضرائب والمكوس: فإن هذا كله مؤذن بعقوبة عاجلة، قال سبحانه:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ[102]}[سورة هود]. وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ[102]}[سورة هود].]رواه البخاري ومسلم.
وإن أعظم الظلم هو الشرك بالله، وعبادة غيره، فالأمم الماضية كانت تمارس أنواعاً من الظلم أعظمها وأخطرها الشرك بالله، فقال سبحانه:{ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ[13]}[سورة يونس]. وقال سبحانه:{ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ[67]}[سورة هود]. وقال سبحانه:{ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ[94]}[سورة هود]. وقال سبحانه مبينًا سبب هلاك القرى والديار:{ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا[59]}[سورة الكهف].
<<1561>>
السبب الثامن:وحدة الصف والكلمة، وعدم التفرق والتشرذم: فالفرقة والتنازع عقوبة في ذاتها كما قال سبحانه:{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ[65] }[سورة الأنعام]. فالله الله يا أمة الإسلام.. أن ينقض علينا عدونا، ونصاب بالوهن والضعف بسبب انشغالنا بالطعن والتجريح في بعضنا شعوبًا ودولاً، أفراداً ومجتمعات.
ولنكن كالبنيان المرصوص، ولنعمل بوصية ربنا حيث قال:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[103]}[سورة آل عمران].
والله سبحانه قد نهانا عن التفرق والتشرذم، فإنها سبب للضعف، وطريقة ومنهج الظالين من الأمم، قال سبحانه:{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[46] }[سورة الأنفال]. ونمتثل أمره سبحانه لمّا قال:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[105]}[سورة آل عمران].
السبب التاسع:عدم الغرور والعجب والتفاخر والتكبر والتعالي على الخلق: فإنه سبحانه أنزل عقوبة بأفضل الخلق بعد الأنبياء:صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فقال جل وعلا:{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ[25]}[سورة التوبة].
"font-family: Times New Roman;">ويقول سبحانه عن سبب عقوبة أمة من الأمم وهم قوم عاد أنهم اغتروا، وتكبروا بقوتهم، ونسوا أن الذي أعطاهم القوة هو القوي العزيز سبحانه، فقال:{ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ[15]}[سورة فصلت]. وإننا والله لما نسمع ما يتبجح به أعداء الله من اليهود والنصارى، ونرى غطرستهم وكبرهم وخيلائهم نقول: إنها والله البشارة بقرب زوال ملكهم ومجدهم؛ لأنها سنة لاتتبدل، وقد أهلك الله قريش لما خرجت كبراً وبطراً تريد حرب المؤمنين يوم بدر، فقال سبحانه:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[47]}[سورة الأنفال].
وهذا قارون.. أهلكه الله وهو في أبهة مجده، وفي قمة غطرسته، فقال سبحانه:{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ[76]} إلى أن قال سبحانه:{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ[81]}[سورة القصص].مختصر من خطبة:'أسباب دفع العقوبات عن الأمم' للشيخ/ناصر بن يحيى الحنيني........وللنجاة من العقوبات العامة أيضا الأسباب التالية :
<<1562>>
السبب العاشر ـ الإكثار من الاستغفار والذكر: قال -سبحانه-: {ومَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}... [الأنفال: 33]. وقد كشف الله الغمة عن يونس - عليه السلام - وهو في بطن الحوت لكثرة تسبيحه واستغفاره، قال - سبحانه - في سورة الصافات: {فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ وهُوَ مُلِيمٌ *فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [ الصافات:142-144]. وكان من استغفاره - عليه السلام - وهو في بطن الحوت قوله: {لاَّ إلَهَ إلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}... [الأنبياء: 87] وقال- صلى الله عليه وسلم - عن هذا الدعاء: (دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
السبب الحادي عشر ـ الدعاء …قال الله تعالى:{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)}[الأنبياء]
وأخرج الترمذي في سننه عنْ سَلْمَانَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ»
السبب الثاني عشر : ـ تحقيق الإيمان اعتقادا وقولا وسلوكا …قال الله تعالى:
{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)}[يونس]قال الحسن البصري – رحمه الله -:<< ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني , ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل>>
السبب الثالث عشرـ اجتناب أسباب العقوبات العامة التي ستأتي إن شاء الله .
(السبب الرابع عشر) التقوى:
ومعنى التقوى كما هو معروف: هو فعل أوامر الله واجتناب معاصيه الظاهرة والباطنة ومراقبة الله في السر والعلن في كل عمل.قال - سبحانه وتعالى-: {ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً}... [الطلاق: 2]. جاء في تفسير ابن كثير: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أي ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة. وقال الربيع بن خُثيم: {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} : أي من كل شيء ضاق على الناس.ويأتي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عباس ليوضح نتيجة هذه التقوى أو أثرها في حياة المؤمن حين قال له: (يا غلام، إني معلّمك كلمات: أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء،يعرفك في الشدة).ومعنى إحفظ الله: أي أحفظ أوامر الله ونواهيه في نفسك.ومعنى يحفظك: أي يتولاك ويرعاك ويسددك ويكون لك نصيراً في الدنيا والآخرة.قال - سبحانه -: {أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ}.. [يونس: 62].
السبب الخامس عشر) أعمال البر (كالإحسان إلى الخلق بجميع صوره) والدعاء:
ونستدل هنا على ذلك بقصة الثلاثة الذين انسدَّ عليهم الغار بصخرة سقطت من الجبل، فقالوا: (إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم) فكلٌّ دعا بصالح عمله فانفرجت الصخرة وخرجوا جميعاً، وهذا الحديث رواه البخاري
<<1563>>
ومسلم.وقد جاء في الحديث من صحيح الجامع الصغير: (صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء).وجاء في الدعاء من صحيح الجامع الصغير: (لا يرد القضاء إلا الدعاء،ولا يزيد في العمر إلا البر).فليثق بالله كل مؤمن ومؤمنة لهما عند الله رصيد من أعمال الخير، فليثق كل منهما أن الله لن يخذل من يفعل الخير خالصاً لوجهه الكريم وأنه سيرعاه ويتولاه.فكما قالت خديجة - رضي الله عنها - للرسول -صلى الله عليه وسلم - عندما عاد إليها من غار حراء وهو خائف بعد نزول جبريل - عليه السلام - مذكِّرة له بسجاياه الطيبة، وأعماله الكريمة وأن مَن تكون هذه سجاياه وأعماله فلن يضيعه الله وسيرعاه ويتولاه بحفظه.قالت له: (كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك تصل الرحم،وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق).
ومن أمثلة أثر الدعاء في رفع البلاء قبل وقوعه: قصة قوم يونس. قال -تعالى-: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إيمَانُهَا إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ومَتَّعْنَاهُمْ إلَى حِينٍ} [يونس: 98]. وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية: أنه عندما عاين قوم يونس أسباب العذاب الذي أنذرهم به يونس خرجوا يجأرون إلى الله ويستغيثونه، ويتضرعون إليه وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم وسألوا الله أن يرفع عنهم العذاب ؛ فرحمهم الله وكشف عنهم العذاب.
وتحدث ابن قيم الجوزية في كتابه (الجواب الكافي) عن الدعاء قائلاً: والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله،ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وله مع البلاء ثلاث مقامات:أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد،ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً.الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منها صاحبه)
وقال أيضاً: (ولما كان الصحابة - رضي الله عنهم - أعلم الأمة بالله ورسوله، وأفقههم في دينهم، كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم،وكان عمر - رضي الله عنه - يستنصر به على عدوه وكان يقول للصحابة: لست متنصرون بكثرة، وإنما تُنصرون من السماء).اهـ مقال لعلي الدسوقي .منتدى ماجدة.
.أما أسباب دفع العقوبات العامة في الدنيا والآخرة فيعرب عنها شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله :إن المؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع بنحو عشرة أسباب
أحدها:أن يتوب توبة نصوحا ليتوب الله عليه فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له
الثاني:أن يستغفر الله فيغفر الله تعالى له. الثالث:أن يعمل حسنات يمحو بها تلك السيئة لقوله تعالى :<إن الحسنات يذهبن السيئات>هود:.114.. الرابع:أن يدعو له إخوانه المؤمنون ويشفعوا له حيا وميتا...الخامس:أن يهدي له إخوانه المؤمنون من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به ...السادس:أن يشفع فيه نبينا محمد<ص>....السابع:أن يبتليه الله في الدنيا بمصائب في نفسه وماله وأولاده وأقاربه ومن يحب ونحو ذلك .الثامن:أن يبتليه في البرزخ بالفتنة والضغطة وهي عصر القبر فيكفر بها عنه.التاسع:أن يبتليه الله في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه..العاشر:أن يرحمه أرحم الراحمين........أما أسباب العقوبات العامة: 1ـ من أسباب العقوبات
<<1564>>
العامة: كفر النعم]قال الله تعالى:{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)}[النحل]فكيف يكون كفر النعم؟يكون كفر النعم على صور منها:الأولى :إغفال شكر المنعم – سبحانه وتعالى - , وكيف لنا أن نغفل عن شكر المنعم والله يقول:{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}[الضحى]والثانية: استخدام النعم في معصية الله -سبحانه وتعالى -.ومن السنن الثابتة أن شكر الله على نعمه مؤذن بالمزيد , والكفر مؤذن بالزوال …قال الله تعالى:{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)}[إبراهيم]
[2ـ من أسباب العقوبات العامة: الاستماع إلى الموسيقي وآلات اللهو]
أخرج الترمذي في سننه عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ  ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:«فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: «إِذَا ظَهَرَتِ القَيْنَاتُ وَالمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الخُمُورُ»
[3ـ من أسباب العقوبات العامة: سكوت الصالحين عن المنكرات والمعاصي التي تحدث في المجتمع]قال الله تعالى:{ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)}[الأنفال]فما هو المقصود بقوله تعالى: { لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}؟أي: تصيب فاعل الظلم والساكت عنه , وذلك إذا ظهر الظلم فلم يُغير ، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره ، والنجاة من هذه الفتنة يكون بالنهي عن المنكر ، وقمع أهل الشر والفساد ، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن.وأخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَوْمٍ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ وَهُوَ يَقُولُ:«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ _ يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ _وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَعَقَدَ عَشْرًا» ،قَالَتْ زَيْنَبُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ:«نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخُبْثُ»وجاء عند الحميدي أن عمر بن عبد العزيز – رحمه الله - قال:« إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة , ولكن إذا ظهرت المعاصي فلم تُغير , عُذب العامة والخاصة »
[4ـ من أسباب العقوبات العامة: خذلان المظلوم والسكوت عن الظالم]أخرج الترمذي في سننه عن أَبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، قَالَ : يَا أيّها النَّاس ، إنّكم لتَقرؤُون هذِهِ الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [ المائدة : 105 ] وإني سمعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول:
« إنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يأخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أوشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ »
قال عرقوب بن عتريس الشيباني – رحمه الله -:<< إذا رأيت المنكر فلم تستطع له تغييرا بيدك ولا بلسانك , فليس أقل من أن تعبس في وجه صاحبه>>أخرج البخاري عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- :« انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا » , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ :«

<<1565>>
تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ ».فماذا عسانا سنقول لربنا عن إخواننا الذين خذلناهم في أفغانستا نوالعراق والشيشان والصومال وسوريا وفلسطين ولبنان وغيرها من البلدان؟
[5ـ من أسباب العقوبات العامة الانشغال بالدنيا وزخرفها , والغفلة عن الآخرة والعمل له]أخرج أحمد في مسنده عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ  عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:«إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ , فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ , ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }»
وأخرج البخاري ومسلم عن عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- :«فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ.»
وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:«إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ.»وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ: «لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ»أخرج البخاري عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ :«أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ , أُتِىَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ : قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ , وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّى , وَكُفِّنَ فِى بُرْدَةٍ , إِنْ غُطِّىَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ ، وَإِنْ غُطِّىَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ , وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّى ، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا , أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا , وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا وَجَعَلَ يَبْكِى حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ

1>:ـ الحكم بغير ما أنزل الله.2> ـ منع الزكاة.3> نقض عهد الله وعهد رسول الله.
4ـ الغش في المعاملات التجارية , أو نقص المكيال والميزان.5ـ انتشار الزنا والفواحش.أخرج ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن عمر t قال أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال:((يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن:ـ لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها , إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ,ـ ولم ينقصوا المكيال والميزان , إلا أخذوا بالسنين , وشدة المئونة , وجور السلطان عليهم ,ـ ولم يمنعوا زكاة أموالهم , إلا منعوا القطر من السماء , ولولا البهائم لم يمطروا , ـ ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله , إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم , فأخذوا بعض ما في أيديهم ,ـ وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله , ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم.))وفي المحصلة:فإن ارتكاب الذنوب والمعاصي من أهم أسباب العقوبات العامة …قال الله تعالى:{ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}[العنكبوت]
وقال أيضا:{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)}[الشورى]
<<1566>>
[الحكم الإلهية من العقوبات العامة]والعقوبات والبلاء الذي يبتلي الله به عباده لهحكم كثيرة , فالله لا يعاقب بغية في العقاب , ولا يعذب بهدف العذاب فقط , بل لحكم , وغايات رفيعات منها:1ـ >يعاقب الله عباده ليتوبوا إليه ويؤبوا ويرجعوا إليه I ….
قال الله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}[الروم]وقال أيضا:{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)}[الزخرف]
2ـ> يعاقب الله I عباده تكفيرا لسيئاتهم …ففي الصحيحين عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ
« مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ سَقَمٍ وَلاَ حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلاَّ كُفِّرَ عَنْهُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ ».3ـ >يعاقب الله عباده رفعة لدرجاتهم …أخرج مسلم في صحيحه عن أبي يحيى صهيب بن سنانٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - :(( عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ للمُؤْمِن : إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ )) 4ـ >ويعاقب الله عباده للتمييز بين من يصبر على البلاء ممن لا يصبر ….
قال الله تعالى:{ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) }[آل عمران] اهـ مقال لأسد القسام .منتدى المحور الشرعي .ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين نعوذ بكربنا أن تعاقبنا بخطايا نجهلها أو مساوئ نصر عليها فاللائق بالرحيم الكريم أن يعذر المخطئ في أمثال هذه المثالب <إلهي حجتي :حاجتي وعدتي :فاقتي ووسيلتي إليك:نعمتك علي وشفيعي عندك :إحسانك إلي:إلهي أعلم أنه لا سبيل إليك إلا بفضلك ولا انقطاع عنك إلا بعدلك إلهي لي ذنوب كالسراب وقلب من الخوف خراب وأنواع من المشكلات بعدد الرمل والتراب ومع هذا فأرجوا أن أكون من الأحباب فلا تخيب رجائي يا كريم يا وهاب إلهي تجاوز عني برحمتك وطولك يا ذا الجود يا مفيض الوجود.سبحانك الله اللهم

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button