من ذاكرة العطالة والتعطيل والصمود والأنفة: المهدي الروينو: عميد المعطلين الذي لم يبتلع لسانه ولم يقايض بمحنته. عبد الكريم التابي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من ذاكرة العطالة والتعطيل والصمود والأنفة: المهدي الروينو: عميد المعطلين الذي لم يبتلع لسانه ولم يقايض بمحنته. عبد الكريم التابي

من ذاكرة العطالة والتعطيل والصمود والأنفة: المهدي الروينو: عميد المعطلين الذي لم يبتلع لسانه ولم يقايض بمحنته. عبد الكريم التابي

 

 

فاتحة الأقواس: ("إنهم يطلبون منك أن تكون جائعا ورائعا") (أوكتافيو باث).
1 ـ ( أعتذر للسي المهدي في مناسبتين: الأولى أنني تأخرت في إدراجه ضمن قائمة المنبوش فيهم فيما بات يصطلح عليه بالنبش في بعض من ذاكرة ابن جرير، وذلك بسبب سقوط اسمه سهوا لا عمدا وقصدا من ذاكرتي كما سقطت أسماء أشخاص آخرين، والثانية لكوني لأول مرة أعلم المتتبعين بالشخص الذي سيكون لاحقا موضوعا للنشر، وتعترضني بعض العوارض الشخصية الطارئة التي تفسد علي الالتزام بالإعلان الذي ينسحب عليه القول: ( مسبق العرس بليلة).
2 ـ ( يمثل المهدي الروينو حالة شبه استثنائية داخل محيط وفي مسار الجمعية الوطنية للمعطلين حاملي الشهادات بابن جرير. وفي نفس الآن لحالته تلك وجهان متناقضان في الجوهر القيمي:
ــ يحسب له (ليس بالمعنى المعياري) أنه واحد إن لم يكن الأوحد الذي ظل صامدا وعلى هامش توزيع الاستحقاقات المشروعة من جهة، وعلى هامش توزيع الريوع غير المستحقة من جهة أخرى التي منحت بالميمنة والميسرة دون اعتبار، عدا تغيير الجلد والفيستة والقناع والقناعة والاستسلام لغواية الجهات "المانحة" سواء كانت سلطات إدارية أو منتخبة، وذلك على امتداد عقدين من الزمن وخاصة لما انفجرت صنابير الريع بدءا من 2007 إلى يوم العدمية الذي نحن فيه كما تنفجر بالوعات الصرف الصحي وقنواتها المتهالكة.
ـ وعلى النقيض من ذلك، فإن استمرار شخص معطل ظل يطالب بحقه في الشغل لأكثر من عشرين عاما من وسط الوقفات الاحتجاجية ومن مقدمة وهوامش المسيرات ومن نهارات وليالي الاعتصامات في المقرات والشوارع والميادين، يعتبر سبة ووصمة عار على جبين من يفترض فيه أنه يرى بعيون مفتوحة مشاكل الناس ومعاناتهم، ويسمع بآذان مفلترة هتافاتهم ومطالبهم التي لا يمكن إلا أن تكون مشروعة في مغرب يعتبر فيه الحصول على كسرة خبز، إنجازا تاريخيا تتفاخر به الجهات المعنية وكأنه منة وإحسان منها لوجه الله كما تتباهى بتوزيع قفة رمضان المهينة تحت عدسات كاميرات تلفزات القطب المتجمد.
3 ـ (للمهدي كما لبقية المغاربة الحق في الشغل، لأن هذا الوطن للجميع وليس ضيعة مسجلة ومحفظة في اسم أي كان. ولأنه كان يطالب بذلك الحق ولم يقبل يوما أن يطلبه من أحد، فمسؤولية الجهات المسؤولة ثابتة بالأمس في عدم الاكتراث لمطالبه، وثابتة اليوم في تمكينه مما هو مستحق له).
التحق المهدي الروينو بالجمعية الوطنية للمعطلين حاملي الشهادات منتصف التسعينيات من القرن المنقضي، وشغل مسؤولية الكتابة العامة في مكاتبها التنفيذية، ولأنه الروينو المهدي الذي لا يختلف بساطة وهدوءا واحتراما عن شقيقه صديقنا وصديق الجميع الأستاذ محمد الروينو، فإن المهدي كان ولا يزال محط تقدير واحترام أصدقائه ومعارفه، وزادت حالته التي رفض من خلالها أن يبتلعه السم المدسوس في العسل الذي يوزع على الموالين والأقربين بلا حساب في الزمن العادي وفي زمن ارتفاع صبيب الريع في المهرجانات والمواسم وخلافها مما تدبر به السلطات أزماتها، وتعتبره الفئات المستفيدة تدبيرا رشيدا والتفاتة كريمة وجب رد التحية لها بأحسن منها، وهو ما تعبر عنه وتترجمه بولائها غير المشروط ومباركتها المطلقة لكل عطسة يعطسها مسؤول هنا أو مسوؤل هناك.
وبطبيعته بشر كسائر البشر الذي يحس نفسه محروما من حق ناضل لسنوات من أجله بينما هو ظل قابعا يعاني في صمت أمام جسامة المسؤوليات الأسرية ومتطلباتها، فإن الغصة ستعتصر قلبه وهو يرى أفواجا ممن كان جوارهم، اختار غالبيتهم طريقا غير تلك الطريق التي لازال حجرها وحصاها وترابها يردد تلك الشعارات التي كانت ترفض المساومة ولا تقبل عن الحق المشروع في الشغل والكرامة بديلا.
وعلى غير وضع جمعيات وهمية وأشخاص في هيئة جمعيات وهمية، يتم الاعتراف بها والإغداق عليها من المال العام المتدفق في الإقليم كشلال هادر، فإن المهدي كتب عليه أن يناضل داخل إطار كان يعتبر في نظر المخزن غير شرعي، وكتب عليه اليوم أيضا أن يناضل من داخل إطار يرأسه مكتبه التنفيذي (المنظمة المغربية للديمقراطية وحقوق الإنسان) التي تأسست منذ شهور ولم تتسلم بعد وصل الإيداع.

يعز علي كثيرا أن أرى المهدي ومن يشبهه في الوضع الاجتماعي، الذي عشت جزءا غير يسير من نضالات الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين من تأسيسها سنة 1993، ومن نضالاتها الصاخبة بالساحات والميادين والمقرات ومنها وبخاصة مقرات منظمة العمل الديمقراطي الشعبي (الحزب الاشتراكي الموحد حاليا بعد الاندماج)، (يعز) علي أن المغرب الرسمي دخل زمن ما سمي بالتناوب التوافقي والانتقال الديمقراطي المعاق، وانتقل إلى عهد سمي بالعهد الجديد للسلطة، وعرج على الرهان الفاشل للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وحزم حقائبه نحو ما سمي بالنموذج التنموي الذي تبين أنه أكثر فشلا من سابقيه، وتضخم معجم المصطلحات الغليظة من الحكامة إلى المشاريع المهيكلة إلى الجهوية "المتوسّعة عطفا على الكبير أمزازي)، إلى تقديم العون والمدد للكاتدرائية (Notre Dame )، ومازال المهدي بعد كل هذا المسار اللولبي، في مكانه كما هذا الوطن في مكانه عاطلا معطلا وفقيرا ومريضا ومحكورا.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button