أيها الناس في ظل هذا الصخب المفرط والهرولة المشينه والعض على التراب والتشبث باعتناقه والحفاظ عليه والتخطيط لاكتسابه بشتى الوسل يغلب على كثير منها الحيف والظلم والاغتصاب رغم دوام الاستمتاع وتحديد الإقامة نذكر الناس بالمصير المحتوم واليوم الذي ينتظر كل أحد كائنا ما كان " لايستاخرون ساعة ولا يستقدمون ففي التذكير به إلجام للنفس الجموح وتقصير للأمل الذي لاينجو المصابون به من تباعته ونتائجه المفضية إلى التسويف بالتوبة وتأخير رد المظالم حتى يباغثهم هاذم اللذات ومفرق الجماعات وفي إطار الاستعداد لهذه الرحلة المفاجئة نقدم للمسافرين الوثائق المطلوبة وبيان الرحلة ومكان الإقامة والأمتعة المسموح باتخاذها استنهاضا للهمم وتذكيرا بشد الحيازم استعدادا للسفر الطويل والعقبة الكئود واليوم المصيف . إخوة الإيمان والعقيدة: إننا نرى في هذا الزمان أمرًا عجبًا .. نرى تهافت كثير من الناس على الدنيا والفرح بها والجري وراء حطامِها، هل هذا منتهى الآمال، ومبتغى الآجال!! كأنهم ما خُلقوا إلا للدنيا، ونسوا يومًا يرجعون فيه إلى الله. قال الله تعالى في وصف الدنيا إِنَّمَا هَاذِهِ الْحياةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الاْخِرَةَ هِىَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39].
وها هو الحبيب المصطفى يرتسم على لسانه نظرتَه إلى الدنيا فقال: ((مالي وللدنيا! إنما مثلي ومثل الدنيا : كمثل راكب قال في ظل شجرة، ثم راح وتركها)) ولكثرة مشاغل الدنيا وأعمال الحياة حثَّ على الاستعداد ليوم الرحيل، والتزود للدار الآخرة فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)).
عباد الله: إن التعلق بالدنيا الزائفة والجري خلفها يصرف العبد عن الطاعة. عن العبادة .. كلما ازداد حرصه على الدنيا، ازداد بُعدُه عن الله، قال رسول الله: ((اقتربت الساعة، ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصًا، ولا يزدادون من الله إلا بُعدًا)).
الإنسان محب للمال، جامع للذهب والفضة، يجري من مولده حتى موته خلف الدرهم والدينار، ولكن ماذا يبلغ!! وإلى أين ينتهي!!
أيها الأخوة: الدنيا مُقبلة ومُدبرة، فمن غنىً إلى فقرٍ، ومن فرح إلى ترح، لا تبقى على حال، ولا تستمر على منوال، فهذه سنة الله في خلقه، والناس يَجْرون خلف سراب .. سنوات معدودة، وأيام معلومة ثم تنقضي، فلا ينبغي للمؤمن أن يتخذ الدنيا وطنًا ومسكنًا يطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه فيها على جناح سفر ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)).
أيها الناس: إن سهام الموت صُوِّبت إليكم فانظروها، وحِبالةُ الأمل قد نُصِبت بين أيديكم فاحذروها، وفتن الدنيا قد أحاطت بكم من كل جانب فاتقوها، ولا تغتروا بما أنتم فيه من حسن الحال فإنه إلى زوال، ومقيمه إلى ارتحال، وممتده إلى تقلُّص واضمحلال. تمر بنا الأيامُ تترى ... ... وإنما نُساقُ إلى الآجال والعينُ تنظر
{2703}
فلا عائدٌ ذاك الشبابُ الذي مضى ... ... ولا زائلٌ هذا المشيبُ المكدَّرُ
عجبًا لحالِنا .. الدنيا مولية عنَّا، والآخرة مقبلة علينا، ونشتغل بالمدبرة، ونعرض عن المقبلة، والناس تتصارع وتتكالب على هذه الدنيا، يفقد البعض دينِه، وينسى الكثير أبناءه، انتشرت الأحقاد، وزُرعت الضغائن، وعمَّت البغضاء.
أخي الحبيب: إن عمر الدنيا - والله - قصير، وأغنى غني فيها فقير، فكن من أبناء الآخرة، ولا تكن من أبناء الدنيا .. إذا استغنى الناس بالدنيا، فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، .روى أحمد عَنِ الْحَسَنِ قَالَ لَمَّا احْتُضِرَ سَلْمَانُ بَكَى وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْنَا عَهْدًا فَتَرَكْنَا مَا عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ يَكُونَ بُلْغَةُ أَحَدِنَا مِنْ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ قَالَ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا تَرَكَ فَإِذَا قِيمَةُ مَا تَرَكَ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا أَوْ بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا>
أين من مات وحسابته مكدسة بحقوق الآخرين ولم يبك ندما على ظلم أصاب الآخرين بسببه
والآن إلى التفاصيل
أولا>>البطاقة الشخصية:
هذه البطاقة تتضمن ما يلي :1ـ الإسم : ابن آدم.2ـ الجنسية من تراب .3ـ العنوان :دار الفناء .4ـ السن : لا تؤخر نفس إذا جاء آجلها .
ثانيا>>مكان الإقامةالحالي :
بيت له أربع حدود .الحد الأول ينتهي إلى الموت .الحد الثاني ينتهي إلى القبر الحد الثالث ينتهي إلى الحساب .الحد الرابع ينهي إما إلى الجنة وإما إلى النار .
ثالثا>>بيانات حول الرحلة :
1ـ محطة المغادرة :الدنيا دار الفناء.2ـ محطة الوصول : الآخرة دار البقاء.3ـ موعد السفر : لاتأتيكم إلا بغثة 4ـ حجز التذكير : كل نفس ذائقة الموت 5ـ واجبات التأمين " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.
رابعا>>ـ الأمتعة المسموح بحملها .
1ـ كفن ..حنوط ..عمل صالح ..صدقة جارية ..عمل صالح..علم ينتفع ..ولد صالح يدعو.2ـ الوزنالزائد المسموح به : قول الله " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى "
خامسا>>الحث على الاستعداد للآخرة\\
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله بمنكبي فقال: { كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل }. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. [رواه البخاري].
هذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطناً ومسكناً، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر: يهيء جهازه للرحيل، قال تعالى: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39]. وكان النبي يقول: { مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل
{2704}
راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها } [رواه أحمد من حديث ابن مسعود 1/391، والترمذي (2377)، وقال: حسن صحيح].
وكان علي بن أبي طالب يقول: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولاتكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغذاً حساب ولا عمل.
قال بعض الحكماء: عجب ممن الدنيا مولية عنة، والآخرة مقبلة إليه بالمدبرة، ويعرض عن المقبلة.
وقال عمر ابن عبدالعزيز في خطبته: إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فاحسنوا - رحمكم الله - منها الرحلة بأحسن ما بحضراتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى [الحلية: 5/292]. كان عطاء السليمي يقول في دعائه: اللهم ارحم في الدنيا غربتي، وارحم في القبر وحشتي، وارحم موقفي غذاً بين يديك [الحلية 6/217].وما أحسن قول يحيى بن معاذ الرازي: الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموتى نادماً مع الخاسرين.
روى أحمد. عن أبي عثمان قال: قلت: يا أبا هريرة، سمعت من إخواني بالبصرة أنك تقول: سمعت نبي الله يقول: "إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة" قال أبو هريرة: بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة" ثم تلا هذه الآية: { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ } >ورواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن مردويه في تفسيره كما في الدر المنثور.فالدنيا ما مضى منها وما بقي منها عند الله قليل. وقال [سفيان] (3) الثوري، عن الأعمش في الآية: { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ } قال: كزاد الراكب.وقال عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه: لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاةُ قال: ائتوني بكفني الذي أكفن فيه، أنظر إليه فلما وضع بين يديه نَظَر إليه فقال: أمَا لي من كَبِير ما أخلف من الدنيا إلا هذا؟ ثم ولى ظهره فبكى وهو يقول أفٍّ لك من دار. إن كان كثيرُك لقليل، وإن كان قليلك لقصير، وإن كنا منك لفي غرور.اهـ ولقد دخل الحسن البصري على رجل وهو يجود بنفسه فقال: إن أمرا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله >
ولما مرض هارون الرشيد قال لهم (احملوني لأرى قبري الذي سوف أدفن فيه فلما وصل إلى هناك توجه إلى السماء وقد فاضت عيناه من الدمع وقال يا رافع السماء بلا عمد يا من لا يزول ملكه إرحم من زال ملكه}.
سادسا>> الحث على اغتنام أوقات العمر\\
وقال الحسن: إنما أنت أيام مجموعة، كلما مضى يوم مضى بعضك. وقال: ابن آدم إنما أنت بين مطيتين يوضهانك، يوضعك النهار إلى الليل، و الليل إلى النهار، وحتى يسلمانك إلى الآخرة.
قال داود الطائي: إنما الليل و النهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها،
{2705}
فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو، والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك.
وكتب بعض السلف إلى أخ له: يا أخي يخيل لك أنك مقيم، بل أنت دائب السير، تساق مه ذلك سوقاً حثيثاً، الموت موجه إليك، والدنيا تطوى من ورائك، وما مضى من عمرك، فليس بكار عليك.
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر *** ولا بد من زاد لكل مسافر
ولا بد للإنسان من حمل عدة *** ولا سيما إن خاف صولة قاهر
قال بعض الحكماء: كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره، وكيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله، وتقوده حياته إلى موته.
و قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقى، أخذت بما مضى وبما بقي.
قال بعض الحكماء: من كانت الليالي و الأيام مطياه، سارت به وإن لم يسر، وفي هذا قال بعضهم:
وما هذه الأيام إلا مراحل *** يحث بها داع إلى الموت قاصد
وأعجب شيء - لو تأملت - أنها *** منزل تطوى والمسافر قاعد
قال الحسن: لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار، وتقريب اللآجال. وكتب الأوزاعي إلى أخ له: أما بعد، فقد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يسلر بك في كل يوم وليية، فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به، والسلام.
سابعا>> ذم طول الأمل والحث على تقصيره\\
وأما وصية ابن عمر رضي الله عنهما، فهي مأخوذة من هذا الحديث الذي رواه، وهي متضمنة لنهاية قصر الأمل، وأن الإنسان إذا أمسى لم ينتظر الصباح، وإذا أصبح لم ينتظر المساء، بل يظن أن أجله يدركه قبل ذلك، قال المروذي: قلت لأبي عبدالله - يعني أحمد - أي شيء الزهد بالدنيا؟ قال: قصر الأمل، من إذا أصبح، قال: لا أمسي.
وكان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله: أستودعكم الله، فلعلها أن تكون منيتي التي لا أقوم منها، فكان هذا دأبه إذا أراد النوم، وقال بكر المزني: إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوب، فليفعل، فإنه لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا، ويصبح في أهل الآخرة. وقال عون بن عبدالله: ما أنزل الموت كنه منزلته من عدّ غداً من أجله، وقال بكر المزني: إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل: لعلي لا أصلي غيرها، وهذا مأخوذ مما روي عن النبي أنه قال: { صل صلاة مودع } [حديث حسن]، ومما أنشد بعض السلف.
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران بالعمل
في صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
{2706}
أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ
قوله: "وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك"، يعني: اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك و بينها السقم، وفي الحياة قبل أن يحول بينك وبينها الموت. وقد روي معني هذه الوصية عن النبي : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ }، وعن ابن عباس أن رسول الله قال لرجل وهو يعظه: { اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك }.
وعن أبي هريرة عن النبي : { بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، وخاصة أحدكم، أو العامة }.
وبعض هذه الأمور العامة لا ينفع بعدها عمل، كما قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي ، قال: { لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً } [رواه البخاري ومسلم].
وعنه قال: { ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض }.
فالواجب على المؤمنين المبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن لا يقدر عليها ويحال بينه وبينها، إما بمرض أو موت، أو بأن يدركه بعض هذه الآيات التي لا يقبل معها عمل.
قال أبو حازم: إن بضاعة الآخرة كاسدة و يوشك أن تنفق، فلا يوصل منها إلى قليل ولا كثير. ومتى حيل بين الإنسان والعمل لم يبق له إلا الحسرة والأسف عليها، يتمنى الرجوع إلى حالة يتمكن فيها من العمل، فلا تنفعه الأمنية.
خامسا التزهيدفي الدنيا والتقليل من الرغبة فيها \\
عن وَاثِلَةَ بن الأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ بنيَانٍ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ إِلا مَا كَانَ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِكَفِّهِ، وَكُلُّ عَلْمٍ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا مَنْ عَمِلَ بِهِ.) رواه الطبراني وله شواهد اهـ الترهيب للمنذري. الوبال: الثِّقَلُ والمكْرُوه والمعنى عذاب في الآخرة عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبَّةٍ عَلَى بَابِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ مَا هَذِهِ قَالُوا قُبَّةٌ بَنَاهَا فُلَانٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَالٍ يَكُونُ هَكَذَا فَهُوَ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَبَلَغَ الْأَنْصَارِيَّ ذَلِكَ فَوَضَعَهَا فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ فَلَمْ يَرَهَا فَسَأَلَ عَنْهَا فَأُخْبِرَ أَنَّهُ وَضَعَهَا لِمَا بَلَغَهُ عَنْكَ فَقَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ يَرْحَمُهُ اللَّهُ> ابن ماجه. الطبراني بإسناد جيد ... وقد مر أحدهم على شخص بيني دارا و يحكمهما فأنشد يقول:
{2707}
أتبني بناء الخالدين وإنما ... ... مقامك فيها لو عقلت قليل
لقد كان في ظل الأراك كفاية .... لمن كان يوما يقتفيه رحيل
ومن هنا استنكر العالم المنذر بن سعيد على الملك عبد الرحمان الناصر لدين الله لما أنفق أموال الدولة في تشييد مدينة الزهراء قرب قرطبة سنة 320 هـ وذلك في خطبة الجمعة والملك حاضر قائلا له (أتبنون بكل ريع آية تعبثون) (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى) ثم مضى في ذم الإسراف على البناء ولما علم الملك أنه المقصود بالخطبة بكى وندم على تفريطه ثم قال له أيضا (ما كنت أظن أن الشيطان أخزاه الله يبلغ منك هذا المبلغ المفضح المهتك المهلك لصاحبه في الدنيا والآخرة ولاأنك تمكنه من قيادك مع ما أتاك الله وفضلك به على كثير من الناس حتى أنزلك منازل الكافرين والفاسقين قال الله تعالى (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة الخ} فوجم ـ عجز عن التكلم غيظيا ـ الملك عند ذلك وبكى وقال جزاك الله خيرا وأكثر في المسلمين مثلك اهـ أنظر البداية والنهاية
أسأله الله أن يرزقنا الاعتبار ويجعلنا مقبلين إلى ربنا عاملين لذالك اليوم غير غافلين جمع عبد ربه حميد أمين \
لست ربوت