الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد :موضوع اليوم" بين الكيس والعاجزالمفرط "
أيها الناس إن الناس في هذه الحياة اثنان إما كيس حادقأوعاجز مفرط .فأما الأول الكيس فهو من كان دائم المحاسبة للنفس كالشريك الشحيح لايتوانى في إرغامها للحق وإنزالها على محاب الشرع كما أنه لايغيب عنه هول المطلع ذالك اليوم الذي يشيب لهوله الولدان كما أنه بين نصب عينيه تلكم اللحظة الأليمة الشاقة على النفس لحظة النزع لحظة وداع الأهل والخلان لقد دخل الحسن البصري على رجل وهو يجود بنفسه فقال:إن أمرا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله >
ولما حضرت إبراهيم النخعي الوفاة بكى فقيل له في ذلك فقال: انتظر رسولا ياتيني من ربي هل يبشرني بالجنة أو بالنار}.....لقي سفيان الثوري:هارون الرشيد راكبا على فرسه فقال له يا هارون اتق الله فنزل هارون عن فرسه وخر ساجدا لله فلما رفع رأسه سأله أحد الناس فقال سجدت لأني تذكرت قوله تعالى:{وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم}فأردت بسجودي أن ألقن نفسي درسا في معرفة الله حتى إذا غرتني قوتي على ظلم الناس تذكرت قوة العزيز الجبار من فوقي ولما مرض قال لهم(احملوني لأرى قبري الذي سوف أدفن فيه فلما وصل إلى هناك توجه إلى السماء وقد فاضت عيناه من الدمع وقال يا رافع السماء بلا عمد يا من لا يزول ملكه إرحم من زال ملكه}.
وأما الثاني العاجز المفرط فهو ذالكم الأحمق المقصر الذي لبى لنفسه كل رغبة وقادته لكل خطئة وزلة وأعماه الهوى وأضناه وكبله عن العمل والجد والاستعداد وسوفته نفسه بالأمنيات ووعدته بالرغبات وما فتئ يسوف بالتوبة حتى أذاقه هادم اللذات ومفرق الجماعات كأس المنيات .
والحاصل أن عيوب النفس كثيرة جدا اعتنى بها العلماء خاصة علماء السلوك فأفردوها بالتصنيف ولقد فصل لنا المولى خطوطها فيما بين أمارة وأخرى لوامة وثالثة مطمئنة وقد تحدث القرءان عن النفس في غيرما موضع واستعمل النفس بمعنى الإنسان في كثير من السور مثل البقرة =والأنعام وغيرهما فقال : [ لاتجزي نفس عن نفس شيئا ] وقال [ ولاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ].....أما النفس بالمعنى العلمي الحديث فأفصح القرءان عنها أيضا مبينا النفس الدنيا التي تحمل الحقد وتسر اللوم والبغضاء وسماها الأمارة بالسوء فقال : عن النفس لأمارة بالسوء] :{وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء =وبين التي تقف بين الأمارة والمثالية وسماها :[ اللوامة ]فقال [ولا أقسم بالنفس اللوامة ] وأما المطمئنة فقال تعالى :[يا أيتها النفس المطمئنة ] وقد وردت نصوص في خصوص النفس الإنسانية فقد قال المولى [وفي أنفسكم أفلا تبصرون] =هو الذي خلقكم من نفس واحدة =ونفس وما سواها =كل نفس ذائقة الموت = ودخل جنته وهو ظالم لنفسه =ظالمي أنفسهم =وقد تحدث القرءان عن أشكال كثيرة من ظلم الإنسان لنفسه.
.
< 2321>
روى الترمذي عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ يَقُولُ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا وَيُرْوَى عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ تَقِيًّا حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ كَمَا يُحَاسِبُ شَرِيكَهُ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ.
...( الْكَيِّسُ )أَيْ الْعَاقِلُ الْمُتَبَصِّرُ فِي الْأُمُورِ النَّاظِرُ فِي الْعَوَاقِبِ...( مَنْ دَانَ نَفْسَهُ )أَيْ حَاسَبَهَا وَأَذَلَّهَا وَاسْتَعْبَدَهَا وَقَهَرَهَا حَتَّى صَارَتْ مُطِيعَةً مُنْقَادَةً( وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ )قَبْلَ نُزُولِهِ لِيَصِيرَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَالْمَوْتُ عَاقِبَةُ أَمْرِ الدُّنْيَا ، فَالْكَيِّسُ مَنْ أَبْصَرَ الْعَاقِبَةَفي الفتخ : قَالَ صَاحِب " الْأَفْعَال " : كَاسَ الرَّجُل فِي عَمَله حَذَقَ ، وَكَاسَ وَلَد وَلَدًا كَيِّسًا . وَقَالَ الْكِسَائِيُّ : كَاسَ الرَّجُل وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ كَيِّس ا ه مُجَرَّدِهِ . وَأَصْل الْكَيْس الْعَقْل كَمَا ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ،..وَالْعَاجِزُ )الْمُقَصِّرُ فِي الْأُمُورِ( مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا )مِنْ الْإِتْبَاعِ أَيْ جَعَلَهَا تَابِعَةً لِهَوَاهَا فَلَمْ يَكُفَّهَا عَنْ الشَّهَوَاتِ وَلَمْ يَمْنَعْهَا عَنْ مُقَارَنَةِ الْمُحَرَّمَاتِ( وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ )وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ فَهُوَ مَعَ تَفْرِيطِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَاتِّبَاعِ شَهَوَاتِهِ لَا يَعْتَذِرُ بَلْ يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ . قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْعَاجِزُ الَّذِي غَلَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَعَمِلَ مَا أَمَرَتْهُ بِهِ نَفْسُهُ فَصَارَ عَاجِزًا لِنَفْسِهِ فَأَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَأَعْطَاهَا مَا اِشْتَهَتْهُ ، قُوبِلَ الْكَيِّسُ بِالْعَاجِزِ وَالْمُقَابِلُ الْحَقِيقِيُّ لِلْكَيِّسِ السَّفِيهُ الرَّأْيِ وَلِلْعَاجِزِ الْقَادِرُ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّ الْكَيِّسَ هُوَ الْقَادِرُ ، وَالْعَاجِزَ هُوَ السَّفِيهُ وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ أَيْ يُذْنِبُ وَيَتَمَنَّى الْجَنَّةَ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ .قَوْلُهُ :( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ )وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ، وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَرَدَّهُ الذَّهَبِيُّ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ( حَاسِبُوا )بِكَسْرِ السِّينِ أَمْرٌ مِنْ الْمُحَاسَبَةِ( قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا )بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ( وَتَزَيَّنُوا )الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اِسْتَعِدُّوا وَتَهَيَّئُوا( لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ )أَيْ يَوْمَ تُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ لِلْحِسَابِ( وَإِنَّمَا يَخِفُّ )بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ أَيْ يَصِيرُ خَفِيفًا وَيَسِيرًا( وَيُرْوَى عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ )قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ الْجَزَرِيُّ أَبُو أَيُّوبَ أَصْلُهُ كُوفِيٌّ نَزَلَ الرَّقَّةَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ ، وَلِيَ الْجَزِيرَةَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ يُرْسِلُ مِنْ الرَّابِعَةِ .اهـ عون المعبود . وانطلاقا من هذا الحديث نذكركم بالأمور التالية :
أولا>>ـ الكيس العاقل هو المتصف بالشيئين التاليين :
1>>ـ محاسبة النفس ويأتي الكلام عليها من خلال ما يلي \
أولا>>ـ أقوال في المحاسبة:نوردها على الشكل الآتي:1)كتب عمر (ض)إلى بعض عماله:{حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضا والغبطة ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة .2)وقال الحسن إن العبد لا يزال بخير
< 2322>
ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة همه 3)وقال ميمون بن مهران :لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ولهذا قيل:النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك4)وكان الأحنف بن قيس يجئ إلى المصباح فيضع أصبعه ثم يقول حس يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا ما حملك على ما صنعت يوم كذا 5)وقال الحسن البصري:المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة .4)وروى البخاري : بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ 7)وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:{ومن تأمل أحوال الصحابة (ض)عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن}اهـ من الجواب الكافي هكذا يقول هذا الإمام عن نفسه وعصره فماذا نقول نحن عن أنفسنا وعصرنا.
.ثانيا>>ـ الأسباب المعينة على محاسبة النفس:1)زيارة القبور فإنها مفيدة في محاسبة النفس والتوبة والإنابة لقوله(ص){زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة.وكان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة ألفقهاء يتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة .وكان الربيع بن خيثم قد حفر في داره قبرا فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فاضطجع ومكث ما شاء الله ثم يقول:{رب راجعون لعلي أعمل صلحا فيما تركت}يرددها ثم يرد على نفسه يا ربيع قد رجعت فاعمل وقال ميمون بن مهران:خرجت مع عمر بن عبد العزيز إلى المقبرة فلما نظر إلى القبور بكى ثم أقبل علي فقال:يا ميمون هذه قبور آبائي بني أمية كأنهم لم يشاركوا الدنيا في لذاتهم وعيشهم أما تراهم صرعى قد خلت بهم المثلات أي العقوبات واستحكم بهم البلى وأصابت الهوام مقيلا ـ من القيلولة أي سكنت الهوام و استراحت في أجسامهم ـــ في أبدانهم ثم بكى وقال:والله ما أعلم أحدا نعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله}.وعن عبد الرحمان بن سابط عن جابر قال:قال رسول الله(ص){حدثوا عن بني إسرائيل فإنه قد كان فيهم الأعاجيب }ثم أنشأ يحدث قال:{خرجت رفقة مرة يسيرون في الأرض فمروا بمقبرة فقال بعضهم لبعض لو صلينا ركعتين ثم دعونا الله عز وجل لعله أن يخرج لنا بعض أهل هذه المقبرة فيخرجنا عن الموت قال:فصلوا ركعتين ثم دعوا الله فإذا برجل خلاشي أي بين السواد والبياض قد خرج من قبره ينفض رأسه . بين عينيه أثرالسجود فقال:يا هؤلاء ما أردتم إلى هذا لقد مت منذ مائة سنة فما سكنت عني حرارة الموت إلى ساعتي هذه فادعوا الله أن يعيدني كما كنت}أخرجه ابن رجب وعزاه لأبي يعلي وقال هذا إسناد جيد وأخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب {من عاش بعد الموت}
< 2323>
.ثالثا>> كيفية محاسبة النفس:وعلى أي شيء يحاسب نفسه يحاسبها على ما يلي:1)البدء بالفرائض فإذا رءا فيها نقصا تداركه 2)أذكار اليوم والصباح 3)الصلاة في المسجد جماعة4)الصلاة على النبي (ص)5)حفظ الجوارح السبع6)النصيحة في الله 7)الابتعاد عن رفقاء السوء 8)تعويد النفس على العادات الطيبة من حلم وصبر وتوكل وإخلاص9)تذكر الموت والقبر واليوم الآخرة10)تحاسب نفسك عند النوم هل ختمت يومك بتوبة نصوح واستغفار وخشوع
رابعا>>ـفوائد محاسبة النفس:فمن فوائدها : التوبة والندم وتدارك ما فات في زمن الإمكان... ومنها الإطلاع على عيوب النفس ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته... ومنها معرفة حق الله فإن أصل محاسبة النفس هو محاسبتها على تفريطها في حق الله تعالى ...ومنها انكسار العبد بين يدي ربه تبارك وتعالى ...ومنها معرفة كرم الله سبحانه وتعالى وعفوه ورحمته بعباده في أنه لم يعجل عقوبتهم مع ماهم عليه من المعاصي والمخالفات ...ومنها مقت النفس . والتخلص من العجب ورؤية العمل ...ومنها الاجتهاد في الطاعة وترك العصيان لتسهل عليه المحاسبة فيما بعد ....ومنها رد الحقوق إلى أهلها وسل السخائم وحسن الخلق وهذه من أعظم ثمرات محاسبة النفس ثم بالتالي ينتصر على نفسه فيفوز برضا الله.
خامسا>>نماذج من الذين حاسبوا أنفسهم:وهابوا الله خشية منه وتعظيما بما ينتظرهم. فأولهم\\:نبينا صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا .فعن عبد الله بن الشخير قال:{أتيت رسول الله وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء }أبو داود وغيره وعن عائشة عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ رَحْمَةٌ} مسلم.
ثانيهم\\\ عباد مدحهم الله بقوله:{إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ماءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}وعن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ }
ثالثهم \\:{علي ض}فقد كان كثير البكاء والخوف والمحاسبة لنفسه وكان يشتد خوفه من اثنين طول الأمل واتباع الهوى قال:{فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما ابتاع الهوى فيصد عن الحق}.
رابعهم\\\:{توبة بن الصمة}قتيل المحاسبة كان رحمه الله من المحاسبين لأنفسهم فحسب يوما فإذا هو ابن الستين سنة فحسب أيامها فإذا أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم فصرخ وقال:يا ويلتي أألقى ربي بأحد وعشرين ألف ذنب كيف وفي كل يوم آلاف من الذنوب ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت فسمعوا قائلا يقول:{يالك ركضة إلى الفردوس الأعلى}
2>>ـ الاستعداد ليوم المعاد\\< 2324>
ذلك اليوم الذي تشيب لهوله الولدان فهو يوم يتحسر فيه المفرط جزاء ما قدمت يداه قال تعالى:وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون>>ــ وهو يوم تشخص فيه الأبصار ولا تتحرك فيه الأجفان لهول ما يرى قال تعالى:ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار>>وهو يوم التغابن والغبن النقص فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة لقوله(ص)ما منكم من أحد إلا وله منزلان في الجنة ومنزل في النار فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله((أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس))رواه ابن أبي حاتم هو يوم يشيب لهوله الولدان قال تعالى:<<فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيئا))هو يوم تسلب فيه العقول لقوله تعالى :[إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد]
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ{ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ قَالَ أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا فَقَالَ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا فَقَالَ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا فَقَالَ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ> البخاري . وقال تعالى ؛ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) >أي : كيف يحصلُ لكم أمان من يوم هذا الفزع العظيم إن كفرتم؟ الذي يشيب فيه الولدان الصغار; مِن شدة هوله وكربه؟قال ابن كثير : ومعنى قوله: <يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا > أي: من شدة أهواله وزلازله وبلابله، وذلك حين يقول الله لآدم: ابعث بعث النار.
أما الاستعداد لهذا اليوم فيكون بالأمور التي يجمعها الحديث الآتي
روى الحافظ أبو موسى المديني من حديث الفرج ابن فضالة عن عبد الرحمان ابن سمرة قال : { خرج علينا رسول الله ص} ونحن في صفه ــ أي مكان مظلل في المسجد يأوي إليه الفقراء وهم أصحاب الصفة ــ بالمدينة فقام علينا فقال :
. { إني رأيت البارحة عجبا رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه .. { ورأيت رجلا من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوء فاستنفذه من ذلك .
. { ورأيت رجلا من أمتي قد احتو شته ــ أي أحاطوا به وجعلوه وسطهم ــ الشياطين فجاءه ذكر الله عز وجل فطرد الشيطان عنه .. { ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا كلما دنا من حوض منع وطرد فجاءه صيام شهر رمضان فأسقاه وأرواه .
. { ورأيت رجلا من أمتي ورأيت النبيئين جلوسا حلقاحلقا كلما دنا إلى حلقة طرد ومنع فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي .. { ورأيت رجلا من أمتي
< 2325>
بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فيها . فجاءه حجه وعمرته فاستخرجه من الظلمة وأدخلا ه في النور .
{ ورأيت رجلا من أمتي يتقي بيده وهج النار وشررها فجاءته صدقته فصارت سترا بينه وبين النار وظلا على رأسه .. { ورأيت رجلا من أمتي يكلم المومنين ولا يكلمونه فجاءته صلته لرحمه فقالت : يا معشر المؤمنين إنه كان وصولا لرحمه فكلموه فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم .. { ورأيت رجلا من أمتي قد احتو شته الزبانية فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة .. { ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين الله حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله.
. { ورأيت رجلا من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه.. { ورأيت رجلا من أمتي خف ميزانه فجاء أفراطه ــ جمع فرط والمراد من مات له من الأطفال فاحتسبه عند الله ــ فثقلوا ميزانه. { ورأيت رجلا من أمتي قائما على شفير جهنم فجاءه رجاؤه من الله عز وجل فاستنقذه من ذلك ومضى .. { ورأيت رجلا من أمتي قد هوى في النار فجاءته دمعته التي تبكي من خشية الله عز وجل فاستنقذته من ذلك .
. { ورأيت رجلا من أمتي قائما على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكن رعدته ومضى .
. { ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط يحبو أحيانا ويتعلق أحيانا فجاءته صلاته علي فأقامته على قدميه وأنقذته .. {ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة .>>> ذكره ابن قيم الجوزية في الروح وقال رواه الحافظ أبو موسى المديني وقال : هذا حديث حسن جدا . وقال : كان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يعظم شأن هذا الحديث وبلغني عنه أنه كان يقول : شواهد الصحة عليه وأصول السنة تشهد له وهو أحسن الأحاديث . اهـ . والحديث أيضا في شعب الإيمان للبيهقي وفي نوادر الأصول للحكيم الترمذي وقد ضعفه المناوي في فيض القدير ووافقه الألباني في ضعيف الجامع قلت : في إسناده الفرج ابن فضالة قال أبو حاتم صدوق يحتج به . وقال ابن معين صالح الحديث . وضعفه النساءي والدار قطني وقال أحمد إذا حدث عن التابعين فليس به بأس لكن إذا حدث عن يحيي بن سعيد أتى بمنا كير وقال سلميان ابن أحمد . سمعت عبد الرحمان ابن مهدي يقول ما رأيت شاميا أثبت من فرج بن فضالة وأنا استخير الله في الحديث عنه . وذكره البخاري في الضعفاء.
والحاصل أن الاستعداد ليوم المعاد يحصل بالتوبة النصوح ورد المظالم على أهلها ولإكثار من الإستغفار والتعوذ بالله من نار جهنم
.
< 2326>
ثانيا>> العاجز المقصر هو المصاب بما يلي :
1>ـ اتباع الأهواء \\
· :الترهيب من اتباع الأهواء وذم وأصحابها لقوله(ص):
((ثلاثة مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء نفسه))رواه الطبراني وهو حديث ضعيف . ولقوله تعالى:
((ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله))وقوله((افرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم))فجعل المولى الهوى من المعبودات التي تعبد من دون الله وأصل الهوى:هو ميل النفس الخاطئ إلى ما تحب وترك الحق ولو ظهر جليا . وقوله :{فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى:وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى))
وقوله تعالى:((وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم)) فقد ذم الله في هذه الآيتان من يتبع الهوى وأخبر بأن هناك قرى قد أهلكهم الله بسبب نزواتهم وأهوائهم الطائشة وقوله:
((ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع على قلوبهم واتبعوا أهواءهم))
فذم الله في هذه الآية أهل الأهواء لأنهم لم يستفيدوا مما يسمعون ولم يتأثرون بما يلقى إليهم والذي حال بينهم وبين سماع الموعظة اتباع أهوائهم لأن الله طبع على قلوبهم وطمس على معرفتهم حيث اتبعوا أهواءهم فلم يستفيدوا.....إذا رأيت الذين يهربون من مجالس الذكر فقل:((إنهم اتبعوا أهواءهم))
وقال(ص):((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جيئت به))
صححه النووي رحمه الله .
وإنما وقع الذم على أهل الأهواء لأنهم لم يأخذوا بالأدلة الشرعية ما خذ الحاجة إليها والاستنباط منها بل قدموا أهواءهم واعتمدوا على آرائهم ثم جعلوا الأدلة الشرعية تبعا لذالك فإن شاءوا حرفوا معناها لتوافق أهواءهم .
· ولقد ذم رب العباد من يتبعون الهوى وأمر باتباع الشرع قال تعالى:
((إن يتبعوا إلا الظن وما تهوى الأنفس))
ولقد تسبب الهوى في صرف الكافرين عن الإيمان وفي تلاعب المنافقين بالإيمان---وفي ضلال الحكام---وتسبب اتباع الهوى في كثرة الفرق الإسلامية كالمعتزلة والشيعة والمرجئة وغيرهم
. وقال صلى الله عليه وسلم : ((سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله))رواه أبو داود في سننه . ففي الحديث الإخبار باتباع الناس اليوم لكل ما يظهر من مذاهب وآراء وأهواء مخالفة لدينهم وتمكن ذلك منهم كما يتمكن داء السعار---الكلب---من المصاب به
· نماذج من اتباع الهوى < 2327>
النموذج1)ـــــ الذين تهوى أنفسهم الغناء واللهو والباطل فتميل إليه وتجد ارتياحا له وإيثارا له على سماع كلام الله وكلام رسوله(ص)والتذكير بالله---والذكر---والدعاء---وما إلى ذلك ولما مالت بهم أهواؤهم إلى سماع تلك الملاهي ذمهم الله بقوله:((ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزؤا أولئك لهم عذاب مهين)).
فقد تجد في هذه الأمة من لا يشغله شيء عن سماع الطرب وأن هوايته حفظ الأغاني وحفظ أسماء الفنانات والمغنيات حتى ينام على الموسيقى والصوت الرخيم ويستفيق عليها بل لا يأكل إلا في ظل صخب آلات اللهو موسيقى الشرق أو الغرب
النموذج2) ــــ الذين يتلهون بالقيل والقال فتميل إليه أهواءهم ونزواتهم فيصدهم ذالك عن سماع القرءان فيعمرون مجالسهم بالغيبة والنميمة والقيل والقال وبأفكار باطلة وبكلمات لا فائدة فيها فتضيع عليهم أوقاتهم فيما لايجدي فأحلى السويعات عندهم هي تلك التي ينهشون فيها لحوم الناس ويقعون في أعراضهم خاصة الطبقة المعطلة التي لاتجد مكانا لقتل الوقت ومن أجل هذا دعت الشريعة إلى الصمت لقوله(ص):((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت))سنده حسن رواه ابن أبي الدنيا ـــــــ
2>>ـ أمنية الجنة مع التباسه بالذنب وعدم استغفاره وتوبته .
أثر عن الحسن البصرى أنه قال : ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل ، وإن قوما خرجوا من الدنيا ولا عمل لهم وقالوا : نحن نحسن الظن بالله وكذبوا ، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل .
إن هذا الأثر ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم كما قال المحققون ، وإنما هو من كلام الحسن البصرى ، ومعناه صحيح ، وهو أن الإيمان الذى يكرم الله به المؤمن وينجيه من النار ليس مجرد كلمة يقولها بلسانه دون عمل ، وليس أمنية يتمناها ترفع بها درجته عند ربه ، فما أهون الكلام المجرد عن عمل يصدقه ، وما أكثر الأمانى عند المفلسين من كنز العمل الصالح وهذا يلتقي مع الحديث "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه الأمانى" رواه الطبرانى وأحمد والترمذى وقال : حسن "الجامع الصغير للسيوطى" .
لو أحسن هؤلاء الظن باللّه لاستعدوا للقائه بالعمل الصالح الذى أمرهم به ، فهو القائل {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون } التوبة :105 ، وقد حدث أن بعض أهل الكتاب تناقشوا مع بعض المؤمنين ،كل يدعى أن الفضل له دون الأخر، فنزل قوله تعالى{ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا . ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} النساء: 123،124 .
فالمدار كله على العمل المبنى على الإيمان وحسن الظن باللّه ، "انظر: فيض القدير على الجامع الصغير للمناوى اهـ فتاوي الزهر
< 2328>
وفي مجال المعتقد أن الإيمان قول وفعل وعمل عند السلف تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقَالَ فِي جَامِعِهِ: كِتَابِ
الْإِيمَانِ بَابَ قَوْلِ النَّبِيِّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ" وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الْفَتْحِ: 4] {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الْكَهْفِ: 13] {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مري: 76] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [مُحَمَّدٍ: 17] {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [الْمُدَّثِّرِ: 31] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الْأَحْزَابِ: 22]1. يقول بن حجر: شرحاً لترجمة البخاري (وهو قول وفعل يزيد وينقص) : "فأما القول فالمراد به النطق بالشهادتين، وأما العمل فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح ليدخل الاعتقادات والعبادات. ومراد من أدخل ذلك في تعريف الإيمان ومن نفاه إنما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى.
فالسلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقص كما سيأتي.
والمرجئة قالوا: هو اعتقاد ونطق فقط.
والكرامية قالوا: هو نطق فقط.
والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته، والسلف جعلوها شرطاً في كماله.
وهذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما عند الله تعالى، أما بالنظر إلى ما عندنا فالإيمان هو الإقرار فقط، فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم بكفره إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم .. " الخ
عقب صاحب ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي سفر بن عبد الرحمن الحوالي على الجافظ قائلا \\
فقارئ كلامه أي الحافظ يفهم منه التناقض بين تعريفي السلف في موضوع العمل، فإنه في التعريف الأول: "قول وعمل" يعتبر ركناً، في حين أنه حسب التعريف الأخير: "اعتقاد وقول وعمل" ليس إلا شرط كمال فقط .
ويفهم منه - كذلك - أن الفرق بين المرجئة والسلف أن السلف زادوا على تعريف المرجئة "العمل" وجعلوه شرط كمال، وعليه فمن ترك العمل بالكلية فهو عند المرجئة مؤمن كامل الإيمان، وعند السلف مؤمن تارك لشرط الكمال فحسب.
ويمكن أن نفهم منه أيضاً أن تعريف المرجئة والمعتزلة أوجه من تعريف السلف، لأن المرجئة عرفوه بركنين و المعتزلة بثلاثة والسلف عرفوه - حسب فهمه - بركنين وشرط كمال، والتعريفات إنما تذكر الأركان لا الشروط ، فضلا عن شروط الكمال. ولما كانت المرجئة - وخاصة الأشاعرة - يفسرون الإيمان بأنه التصديق القلبي - على ما سنوضحه في بابه - وهم يعنون به مجرد التصديق الخبري الذهني، الذي هو نسبة الصدق إلى المخبر أو الخبر من غير إذعان ولا قبول، كما تقول لمن أخبرك إن وراء البحر قارة تسمى أمريكا: صدقت، من هنا وجب إيضاح معنى هذين اللفظين
< 2329>
في استعمال السلف، فنقول: إن السلف الذين استعملوا هذين اللفظين لم يخرجوا عما ورد به الكتاب والسنة من معنى .
1 - فإن التصديق في الكتاب والسنة - بل وفي لغة العرب - ليس محصوراً في التصديق الخبري، وإنما ورد كذلك في التصديق العملي، أي تصديق الخبر بالامتثال والدعوى بالعمل، فهو بمعنى "التحقيق" ومنه قوله تعالى:
«وناديناه أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا» [الصافات: 104- 105]
أي قد امتثلت الأمر وحقيقته بإضجاعك ولدك وهمك بذبحه باستسلام وانقياد، فكأنه قد ذبحه فعلاً لأن المقصود هو عمل القلب وإسلام الوجه لله وإلا فالله غني عن ذلك، قال تعالى:
«لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم» [الحج: 37]
وقريب من ذلك قوله تعالى:
«فمن أظلم ممن كَذَبَ على الله وكَذَّبَ بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوىً للكافرين، والذي جاء بالصدق وصدّق به أولئك هم المتقون» [الزمر: 32- 33]
فإن أحد معانيها - وهو الأظهر - أن الصدق هو شهادة أن لا إله إلا الله - أي الإيمان - فهي التي كذب بها الكفار، ومن جاء بها من المؤمنين مصدقاً بها - أو مصدقاً بمحمد صلى الله عليه وسلم - فهو المتقي (1) .كما فسّر مجاهد الصدق بأنه: القرآن، والذي صدّق به: المؤمنون، قال: "أصحاب القرآن المؤمنون يجيئون يوم القيامة فيقولون: هذا ما أعطيتمونا فعملنا بما أمرتمونا"اهـ
والخلاصة ان الإيمان قول وفعل وعمل عند السلف يقول ابن كثير رحمه الله : والإيمان كلمة جامعةٌ للإقرار بالله وكتبه ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل. قلت: أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن، والمراد به ذلك، كما قال تعالى: { يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [التوبة: 61]، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم: { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [يوسف: 17]، وكذلك إذا استعمل مقرونا مع الأعمال؛ كقوله: { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } [الإنشقاق: 25، والتين: 6]، فأما إذا استعمل مطلقًا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادًا وقولا وعملا.
هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عُبَيد وغير واحد إجماعًا: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أوردنا (1) الكلام فيها في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة.
وقال العثيمين \ ومنها التفاضل بحسب جودة العمل وإتقانه ، كقوله صلى الله عليهوسلم «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة؛ والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران») . أخرجه البخاري ص425، كتاب تفسير القرآن، باب 80: سورة عبس،- ومنها التفاضل بحسب الكيفية ، مثل قوله (ص): «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...»، وذكر منهم: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه») . أخرجه البخاري ص53، كتاب الأذان، .وتفاضل الأعمال يستلزم تفاضل العامل؛ لأن الإنسان يشرف، ويفضل بعمله؛ وتفاضل
< 2330>
الأعمال يستلزم زيادة الإيمان؛ لأن الإيمان قول، وعمل؛ فإذا تفاضلت الأعمال تفاضل الإيمان - أعني زيادة الإيمان، ونقصانه - وهو مذهب أهل السنة، والجماعة. وقال العثيمين:في شرح اللمعة الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان مثال القول:لا إله إلا الله ومثال العمل الركوع ومثال العقد:الإيمان بالله وملائكته والدليل على أن هذا هو الإيمان قوله تعالى:{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة>فجعل الإخلاص والصلاة والزكاة من الدين اهـ
وفي مرهم العلل:وروى البهيقي بسنده إلى الإمام الحافظ محمد بن يحي الذهلي النيسابوري قال السنة عندنا أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص
وهو قول أئمتنا مالك والأوزاعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة اهـ
وقال السعدي\ { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا } .
لما ذكر أنه يمد للظالمين في ضلالهم، ذكر أنه يزيد المهتدين هداية من فضله عليهم ورحمته، والهدى يشمل العلم النافع، والعمل الصالح. فكل من سلك طريقا في العلم والإيمان والعمل الصالح زاده الله منه، وسهله عليه ويسره له، ووهب له أمورا أخر، لا تدخل تحت كسبه، وفي هذا دليل على زيادة الإيمان ونقصه، كما قاله السلف الصالح، ويدل عليه قوله تعالى { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا } { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا }
ويدل عليه أيضا الواقع، فإن الإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، والمؤمنون متفاوتون في هذه الأمور، أعظم تفاوت.
قلت> الإيمان عند الأشاعرة بين المرجئة التي تقول يكفي النطق بالشهادة دون العمل لصحة الإيمان_وبين_الجهمية التي تقول يكفي التصديق القلبي ورجح الشيخ حسن أيوب من المعاصرين :أن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بالشهادتين في {تبسيط العقائد الإسلامية}ومال إليه البوطي في {كبرى اليقينيات}وفي هذا مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون الإيمان قول وعمل واعتقاد ومخالفة لنصوص القرآن الكريم التي منها :{أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم}...وعليه يكون إبليس من الناجين من النار لأنه مصدق بقلبه وكذلك أبو طالب عم النبي (ص)ولم يكن هناك داع لحرص النبي(ص)على قوله له قل لا إله إلا الله محمد رسول الله (ص)انتهى الموسوعة الميسرة لمانع بن حماد الجهني ...قال إبراهيم اللقاني في تعريف الإيمان وهو من الأشاعرة:
وفسر الإيمان بالتصديق **والنطق فيه الخلف بالتحقيق
لست ربوت