الأسعار الملتهبة التي تعيشها الأسواق المغربية عامة وأسواق الرحامنة بصفة خاصة تطرح أسئلة عميقة تستلزم الإستقصاء المبكر ورفع التقارير الحقيقية من طرف مختلف الأجهزة التي لها إرتباط وثيق بالإستعلامات العامة قبل وقوع الكارثة نظرا لتوفر كل المؤشرات الدالة على الإنفجار الوشيك وبعده لاينفع الندم إن كنا فعلا نحب هذا البلد الذي ولدنا ونموت عشقا فيه
قادتني خرجة اليوم لمهمة التبضع من السوق الأسبوعي شمال دوار إبن جرير أو ما يسمى بسوق الملايير وما إن إقتربت من بابه الرئيسي حتى أثار إنتباهي شاحنة وحدة العمليات الطبية الميدانية التي إعتدت رؤيتها بنفس المكان وهي تقدم جرعات كوفيد 19 إلا أن مهمتها اليوم تخص الفحص المجاني للسكري وكذا التوثر العصبي لم أعطي الأمر أهمية كوني والحمد أتمتع بالصحة والعافية وهناك طابور نساء مسنات هم أولى بالعملية راسلت سيري وسط أوتاد وخيام السوق المتناثرة التي حكمت عليها أمطار الخير بتمثيلية محتشمة لم تتعدى نصف المساحة الإجمالية لهذا المزار الأسبوعي الذي صورته لنا أبواق السخافة المرقية سابقا بجزيرة "الروكفيلير" أو "الفردوس المفقود" بينما الحقيقة المرة على حد تعبير أحد الحبحابة " كان عندنا السوق أيامات الثلاث القديم أما دابا قج على مضاربة" في إشارة إلى نقص مهول لمرتادي السوق نتيجة الموقع الغير الموفق والنفي الذي لحق أكبر سوق بالرحامنة سابقا دون إدراج إسمه بلائحة المقاومين والرسالة هنا مشفرة للعقول الراقية التي "تطأ زبيب العنب وتستشعر حلاوته" ومن غريب الصدف أن تتزامن حملة الطاقم الطبي السالفة الذكر مع الإرتفاع الصاروخي لأسعار كل من الطماطم والفلافل الملونة والبازلاء التي كانت تواليا 240 ريال و560 ريال و300 ريال بإستثناء البطاطس والجزر وهما ليسا إعتباطيا التحكم في ثمنهما حيث الأولى مرتبطة بالذكاء والثاني بالغباء والفاهم تكفيه إشارة المشهد صادم جدا والصبر في طريقه للنفاذ وأنا مختبأ تحت أحد الخيام أنتظر إنفراجات الجو العاصفية المطيرة لم أستطع إيقاف و كفكفة دموعي بعد رؤيتي جحافل النسوان وهن عائدات بأكياس فارغات تلاعبهن الريح يمينا وشمالا في مشاهد لن أتمناها لا للعدو ولا للصديق
لحظات خاطفة مسحت فيها الأثر للمائة وستون درهما بعدما إكتفيت بإختزال كل الإحتياجات الزائدة عن أسعارها المعتادة إمتطيت وسيلة النقل النموذجية بالدوار والتي أصبحت ماركة مسجلة بإسم الرحامنة (عربات الدواب) وحتى لا أخفيكم سرا فهي الأرحم بجيوب الفقراء في ظل غلاء المحروقات والجشع الزائد لبعض السائقين الإنتهازيين وكذا غياب الجهات الوصية حاولت إيجاد المبررات المنطقية لهذه الزيادات الخيالية لكنني عجزت حتى عن التخمينات لأحاصر برزمانة التساؤلات مكرها خاضعا لإستنطاقات الأبحاث المبنية على جرائم الصمت القاتل
كيف تركنا نيران الأسعار تحرق جيوبنا ؟ أين الأجهزة الوصية المكلفة برفع تقارير المحافظة على السلم الغذائي ؟ هل أصبح الأمن الغذائي بمعزل عن الأمن في معناه الشمولي؟ ما العلاقة الرابطة بين القمح الأوكراني والبترول الروسي وضيعات أولاد تايمة حيث الطماطم والفلافل الملونة ؟ بناءا على أية عمليات ونسب رياضية تم تحديد أثمنة الخضروات؟ من أخرس ألسنة المنابر الإعلامية الحرة وحولها لمقابر موسمية ؟ كلها تساؤلات تتبث الإدانة ولو كان الإنكار تصريحنا الأخير في كل الإجابات لكن قبل أن تغلقوا المحاضر ياسادة إمنحونا فرصة المواجهات وأجيبوا عن تساؤلاتنا المشروعة إحتراما لمبادئ تكافؤ الفرص هل إفتقدتم الثقة في أجهزة الإستعلامات التي كانت و لازالت تزودكم بنبض المواطنين ؟ ألم تدركوا بأن يمين أبقراط أصبح مهددا بفقدان هيبته المهنية؟ كيف لمندوبية الصحة بالرحامنة الترافع عن إحصائيات حملة كشف المصابين بالسكري وإرتفاع الضغط العصبي ؟ ماذا لو أقامت المندوبية السامية للتخطيط دراساتها المستقبلية على هكذا نتائج وهي المأخودة من نساء ضغطهن كان مرتفعا بأسعار الطماطم والبازلاء وفلافل البيتزا؟
ختاما وليس أخيرا بين الإرهاق في التفكير وعدم إطالتي في التحرير فلن تلهينا وطنيا فضائح التازي بمصحات التجميل ولا حملات كشف السكري والضغط المجانية بإبن جرير فلازال في جعبتنا الكثير وكل التفاصيل من الدوار الكبير مخيرون جميعا بين العذب الزلال أو إرتشاف مياه الغدير
تحرير عبد الغني رشيق
لست ربوت