حاولت أن أذهب لمكان آمن لا يعرفه أحد لفحص مجال الطاقة من حولي، فلا بد أن به عطب ما وإلا فكيف اخترقه الحجر ؟! لا بد أن أجعله أقوى.
بعد خروجنا المسائي من مدرسة إفريقيا بنين، في شهر أبريل كنا نختار طريق العودة للمنزل عبر جنبات واد بوشان المحادي لبستان بن قدور الذي يفصل حي البشريين عن دوار اسحيتة ( حي التقدم ). كان ضرڭ بن قدور سدا منيعا من التين الشوكي يحجب ويحمي محاصيل البستان من المتطفلين، ونحن نستمتع بصوت (شاكمة) محرك البئر وهي تزأر قبل غروب الشمس و طقطقة ( الصمطة ) في دورانها السريع. نتسابق نحو الزهور المتفتحة التي ستتكون منها ثمار التين الشوكي لاحقا ( الكرموس ) لننتزع من وسطها غصنا طريا جدا يشبه الفطر في شكله نسميه ( المصاصة ) لحلاوة مذاقها الرائع. كان هذا قبل أن تزحف الحشرة القرمزية على محاصيل الصبار وتحول فاكهتها إلى عملة نادرة.
فوق ( البدوزة ) المقابلة لمنزل لحريرية دفعني أحدهم بقوة فجأة لأسقط، اعتدلت لأجد طفلين آخرين يبتسمان في سخرية ابتسامة مليئة بالشر وأمسكا بمحفظتي وبدأوا في فتحها بعنف، حاولت منعهما ولكن أحدهما دفعني بقوة لأسقط مرة أخرى ثم سرقا مني (لاتروس) وبعض أشيائي وتركاني وانصرفا وهما يضحكان وينظران لي باستهزاء...أمسكت محفظتي واحتضنتها، بكيت من الحڭرة والإهانة. ذهبت إلى مخبئي وفحصت مجال الطاقة مرة أخرى وأصلحت ما به من أعطال.
في قاعة الألعاب ( بيار بوعلام ) الذي يتوسط مقهى الهادف و منزل بن يونس . عرقلني ذلك الشاب الصغير في بداية عمر المراهقة بشاربه الخفيف ونظرات عينيه الشرسة، فقد كان يشبهني في المرحلة العمرية ولكنه لا يشبه تكويني الداخلي إذ لا يملك نفس قلبي، وبجواره ثلاثة آخرون يضحكون لعرقلته لي جميعهم قلوبهم أرضية ليست كقلبي الذهبي فالقلوب في كوكبي الأصلي كلها ذهبية....نهض الشاب وحاول أن يأخذ مني أربعة قطع نقدية صفراء من فئة عشرين سنتيما في يدي، ولأول مرة أضع كفي أمامي لأمنعه من التقدم نحوي فنظر لي بسخرية وأزاح ذراعي بعنف ليكمل ما سيفعله وأمسكني بقوة من ملابسي ليخنقني ويشل حركتي، ولا إراديا رفعت قبضتي سريعا لألكمه بقوة في فكه السفلي ويبدو أنه انغلق على لسانه فتألم الشاب بشدة وتراجع للوراء وسقط أرضا. رأيت الدماء تسيل من فمه فشعرت بالحزن مما حدث ، حاولت الاقتراب منه لأعتذر له وللإطمئنان عليه ولكن الثلاثة الآخرون لم يمهلونني وانقضوا علي، نهض هو أيضا فانهالوا علي جميعا بالركلات واللكمات وسالت دماء من وجهي، ووسط الألم كنت أتفحص وجوههم جيدا وانفعالات ملامحهم التي كانت تمتلئ بخليط عجيب من الجنون والشر والمتعة...جاء ابن بوعلام و جاره الجزار ليفصلوهم عني ثم بدأوا في ضربنا جميعا وكان على وجوههم نفس أعراض الجنون، ولكنني لأول مرة لم أعد أشعر بالألم أو بالخوف فقط كنت أفكر في شيء واحد أدركته فجأة لا يوجد مجال من الطاقة حولي...ليس هناك شيء يحميني كما تصورت في خيالي...أنا لا أنتمي لكوكب آخر أنا أرضي...أرضي جدا .....
في ذلك اليوم ليلا، ومنذ ما يزيد عن عشرين عاما، انتظرت أن أحلق في الحلم ولكنني لم أحلق...ولم أحلق من بعدها أبدا.
لست ربوت