شهد المغرب العديد من الانتفاضات والتمردات في تاريخه الطويل فلم تكن تخلو أي مرحلة من تاريخه من بروز بعض الحركات وبعض القوى التي تتخذ من الانتفاض والتمرد وسيلة لرفع الظلم والحيف أو سبيلاً لبلوغ السلطة والوصول إلى الحكم.
و هكذا عانت كل الدول والسلالات التي تعاقبت على حكم المغرب من هذه المعضلة، وقد تسببت بعض هذه التمردات والانتفاضات - وذلك نتيجة بلوغها مرحلة متقدمة يمكن أن نصفها بالثورة - في سقوط بعض من هذه الدول والسلالات، فهكذا ثار بن تومرت على حكم المرابطين وظلت حركته في صراع معهم إلى أن قضت على وجودهم في المغرب والأندلس .
ورغم سيطرة الموحدين على الحكم إلا أنهم عانوا أيضا من العديد من الانتفاضات والحركات لعل أبرزها حركة ابن غانية. إضافة إلى العديد من التمردات الأخرى.
ويمكن قول الأمر نفسه مع الدولة السعدية والشيء نفسه ينطبق على السلالة العلوية التي لازالت إلى حد الآن في الحكم فهي الأخرى عانت من العديد من التمردات و الانتفاضات في تاريخها الذي يقارب أربعة قرون، فمن تمرد سلطان على أخيه وقيامه ضده إلى شق عصا الطاعة من بعض أبناء السلاطين، إلى انتفاضة بعض القبائل. وغيرها كثير من أوجه الصراع على السيطرة على المجال المغربي .
في هذا السياق إذن جاءت حركة الجيلالي الزرهوني الملقب ببوحمارة، هذا الأخير الذي يعتبره إبراهيم حركات بقيامه بهذه المغامرة أثار أخطر حركة مناهضة للدولة العلوية في العقد الأول من القرن العشرين .
فمن هو الجيلالي الزهوني ؟ وكيف نشأت حركته ؟ وما هي أسباب ودوافع قيامها؟
وكيف زعزعت حركة الجيلالي الزرهوني المخزن العلوي وهزت أركان دولته ؟
وماهي الوسائل التي وظفها المخزن للقضاء عليها ؟
وهل حركة الجيلالي الزرهوني حركة ثورية أم تمرد عابر ؟
صاحب الحركة
الجيلالي بن عبد السلام بن ادريس الزرهوني الملقب ببوحمارة ولد في منطقة جبل زرهون قرب مدينة فاس . و تتضارب الروايات في تحديد تاريخ ولادته بين 1865م و 1868. درس في البداية العلوم الدينية على يد والده تم انتقل إلى مدينة فاس للاستكمال الدراسة .
كان الجيلالي الزرهوني ضمن فريق الطلبة الذين وجهوا في عهد الحسن الأول إلى دراسة الهندسة العسكرية، وقد استفاد من هذه التجربة حيث صار يمتلك رصيداً ثقافياً مهما، إلى جانب إلمامه باللغة الفرنسية، كل هذا بالإضافة إلى تكوينه الديني والفقهي .
شغل الجيلالي الزرهوني منصب كاتب بديوان الأمير عمر بن الحسن الأول، وعلى إثر محاولة عمر هذا، الإستيلاء على الحكم وفي خضم الأحداث التي صاحبت ذلك اعتقل الجيلالي الزرهوني مدة سنتين ثم أطلق سراحه بعد ذلك.
بعد هذه الحادثة توجه الجيلالي الزرهوني إلى الجزائر واستقر بها مدة من الزمن حيث أقام في مدينة مستغانم و تتلمذ هناك على يد الشيخ محمد بن عبد القادر وهو شيخ من شيوخ الطريقة الدرقاوية. كما تردد على بعض الرباطات والزوايا، وعايش المشاكل التي كانت على الحدود الجزائرية المغربية .
ويذكر الباحث محمد الصغير الخلوفي : صاحب كتاب : بوحمارة من الجهاد إلى التأمر أن الجيلالي الزرهوني كان شيخ زاوية وله طريقة عرفت بإسم الطريقة النورانية . وربما هذا ما يفسر المكانة والنفود اللذان صارا له عند العامة والخاصة، حيث نجده – حسب الخلوفي – في بداية القرن العشرين يحتل مكانة إجتماعية مرموقة ، ويجمع حوله العديد من الآراء و تقف إلى جانبه بعض القبائل والعصبيات.
لست ربوت