حمزة الضيفي//
ولدت سعيدة المنبهي وسط عائلة بسيطة بأحد الأحياء الشعبية، بحي رياض الزيتون بمراكش، درست بمراكش، والرباط في المرحلة الجامعية، وتخرجت أستاذة للغة الإنجليزية، ناضلت في سن صغير في صفوف الحركة التلاميذية والطلابية ثم داخل نقابة الاتحاد المغربي للشغل، تم التحقت بالمنظمة الماركسية اللينينية إلى الأمام.
في سياق المدّ الثوري في العالم وتصاعد حركات التحرر الأممي، وفي عز الثورة الفلسطينية، تشكل وعي سعيدة المنبهي في منظمة إلى الأمام، إلى جانب عدد من الشباب الشيوعي التواق للتحرر وبناء مغرب عادل.
قاد النضال السري في منظمة إلى الأمام جل نشطائها إلى المعتقل السري درب مولاي الشريف بالدار البيضاء. سعيدة المنبهي كانت واحدة منهم. بمعية ثلاث مناضلات بالمنظمة، “اختطفن” يوم 16 يناير 1976، وتمت قيادتهن إلى درب مولاي الشريف، ثم مكثن هناك لثلاثة أشهر حسب بعض الشهادات، تعرضن خلالها لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، ثم نقلن بعد ذلك إلى السجن المدني بالدار البيضاء.
حُكم على سعيدة المنبهي بخمس سنوات سجنا نافذة بتهمة الضلوع في أنشطة معادية للدولة، إضافة إلى سنتين بتهمة الإساءة للقضاء الجالس. أثناء محاكمتها، لم تتوان عن الدفاع عن حق تقرير المصير، كما أدانت الوضع المأساوي للمرأة في المغرب.
إسوة برفاقها ورفيقاتها دخلت سعيدة المنبهي في إضراب عن الطعام لفرض تعيين تاريخ المحاكمة في ظرف اختاره المناضلون رغم أنف المخزن، وخرجت منه سالمة بعد تحقيق الانتصار، ثم خاضت إضرابا ثانيا لا محدودا ابتداء من يوم 8 نوفمبر 1977 وبلغت يومه الـ 34 للمطالبة بالاعتراف بصفة المعتقلين السياسيين وتحسين ظروف الاعتقال وفك العزلة، وهو الإضراب الذي دام 45 يوما.
نقلت في يومه الرابع بعد الثلاثين إلى مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء يوم 11 دجنبر 1977 لتفارق الحياة بسبب الإهمال، سيما وأن الظرف تزامن مع عيد الأضحى. لقد استشهدت سعيدة المنبهي في سن الزهور وعمرها لا يتجاوز 25 ربيعا لتصبح رمز المرأة المغربية المناضلة للحفاظ على الكرامة، من أجل غد أفضل.
في ليلة 10 دجنبر 1977 الباردة، كانت سعيدة المنبهي تحترق من أجل كرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم، رغم أن المخزن زج بها في غياهب السجن.
من وراء القضبان الحديدية الصدئة وخلف الأسوار الإسمنتية العالية استرخصت الشهيدة سعيدة المنبهي حياتها ضريبة لقناعتها بضرورة جلاء الظلم والاستبداد إلى الأبد عن الوطن.
تقول والدة الشهيدة، السيدة الهيلالي: “كنت أحاول لقاء سعيدة بالمستشفى طيلة وجودها هناك، لكن دون جدوى، رغم ذلك أصررت على لقائها.. استعطفت المسؤولين إلى أن سمح لي بعضهم برؤيتها عبر شباك صغير.. لازلت أذكر لقاءها الأخير ليلة استشهادها.. قالت لي: “تشجعي يا أمي، إنني لن أتنازل عن إيماني وقناعاتي.. لقد اتفقت مع رفاقي على حل الإضراب لأن وضعيتي الصحية لا تسمح لي الآن بالاستمرار فيه..” فقبلت يدي وقلت لها: “سأحاول رؤيتك غدا.. عدت صباح يوم الغد ومعي بعض الطعام والملابس لكني وجدت أمامي نَغْيَ الاستشهاد..”.
سعيدة المنبهي لم تكن مناضلةً عادية، بل أديبة رومانسية وثورية تحلم بـ”الثورة الشعبية”، كتبت أشعاراً من داخل زنزانتها بأظافرها على الجدران ورسائل إلى عائلتها، جمعها رفيقها فيما بعد عبد اللطيف اللعبي في إصدار سنة 1982.
يقول الأديب المغربي اللعبي عن تجربة سعيدة المنبهي في كتابة الشعر: “بدأت سعيدة تكتب الشعر بأظافرها على حائط الزنزانة. كان ذلك في سنة 1976 بالسجن المدني بالبيضاء. كانت تكتب ولا تنقح لأنها لم تكن تفكر في أضواء الشهرة ولا في المخبرين وجواسيس اللغة”.
كتابة الشعر لم تكن فعلا تفريغيا بالنسبة لسعيدة، بل أكثر من ذلك بكثير، فهو في عينيها، تأريخ للمرحلة. يضيف عبد اللطيف اللعبي في تقديمه لأشعار سعيدة، بعدما قام بترجمتها إلى العربية، ونشرها بمجلة البديل سنة 1982:
“كانت تؤرخ المحنة العادية وتفتح قلبها على مصراعيه للطيور المطاردة، للأطفال الموشومين بالفاجعة، للنساء الثكالى اللواتي جردهن الاستغلال والقهر من أثداء العطاء، لرفيق العمر المفصول عنها بكيلومترات الأسوار والعسس، للأنجم المسافرة من قلعة منفى على طول وعرض الوطن الكبير”.
كلما حلت ذكرى رحيل سعيدة المنبهي، ظل اسمها يتردد في آذان وقلوب وعلى لسان رفاقها الذين لم ينسوها… كيف لا، وهكذا تكلمت سعيدة، قبل رحيلها في إحدى قصائدها من داخل السجن:
“تذكروني بفرح، فأنا وإن كان جسدي بين القضبان الموحشة فإن روحي العاتية مخترقة لأسوار السجن العالية وبواباته الموصدة وأصفاده وسياط الجلادين الذين أهدوني إلى الموت. أما جراحي، فباسمة، محلقة بحرية، بحب متناه، تضحية فريدة، وبذل مستميت”
https://noumedia24.com/
لست ربوت