زمنُ بروز النجوم في فرق الكرة، كان ظاهرة عامة ارتبطت بزمن الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات حتى نهايتها، حيث لم يكن فريق مغربي من مختلف الدرجات والأقسام، يخلو من وجود اسم أو أكثر ممن يسطع نجمهم أكثر من غيرهم ممن يجاورونهم داخل الفريق نفسه.
ولا حاجة للتذكير بعدد من الأسماء التي تميزت داخل فرق البطولة الوطنية، والتي كانت إلى وقت ما تشكل الركائز الأساسية للمنتخبات وفي مقدمتها منتخب المغرب الأول الذي كانت مواهب لاعبيه المحلية ، تمثله في عديد من المحافل العالمية ومنها على وجه التحديد نهائيات كأس العالم كما كان عليه الشأن في ميكسيكو 70 ومكسيكو 86 وأمريكا 94 وفرنسا 1998، وكما كان عليه الأمر في نهائيات كأس الأمم الإفريقية بدءا من الكامرون 72 مرورا بأديس ابابا 76 إلى ما تلاها بعد ذلك قبل أن يجف معين النجوم المحلية، وصرنا ننام ونصحو على منتخبات ب "زيرو" نجم محلي.
في دوري الصداقة كما أسلفنا في منشور سابق، كان مناسبة مفيدة كشفت عن كثير من اللاعبين الذين نالوا الإعجاب بما يتوفرون عليه من طاقات إبداعية ومهارات فنية في تقديم عروض كروية غاية في الإبداع على ركح الملعب المتحجر. وكان عبد اللطيف المنصوري واحدا من هؤلاء الذين جلبوا الأنظار وحظوا باستحسان الجمهور والمتتبعين، بما قدمه من خلال مباريات الدوري ال 24، ما استحق عليه أن يكون نجم فريق "البشريين" الأول، الذي يروض الكرة من كل المواقع ويراوغ من كل المواقع، ويسجل من كل المواقع وبكل الكيفيات التي يترجمها مهاجم يمتلك حس التهديف والتواجد في الموضع الذي يتيح دحرجة الكرة إلى الشباك لإسعاد الزملاء والأنصار.
عبد اللطيف المنصوري كغيره من اللاعبين المميزين داخل فرقهم، كانت تقع على كتفيه مسؤولية مضاعفة، ليكون دائما في أحسن حال، وليقدم في كل مباراة ما يساعد فريقه على الفوز اعتبارا لإمكانياته التي لا تتوفر في غيره. ومن هذا الوضع المحرج، كان لزاما عليه أن يبذل قصارى الجهود، وكان عليه أن يتحمل هذا الضغط النفسي الذي يلازمه ضغط المدافعين الخصوم في عزله أحيانا وإبطال مفعول كل محاولاته أحيانا، واستعمال القوة المفرطة أحيانا أخرى.
وإذا كان فريق البشريين واحدا من الفرق التي كان يحسب لها حساب، وتكون المباريات التي يخوضها مناسبة للندية والاحتكاك والرغبة في الفوز، فإن عبد اللطيف المنصوري كان له دور ونصيب لا يمكن إنكاره في أن يعطي الخصوم والجمهور كثيرا من الاعتبار لفريق يضم عديدا من اللاعبين الذين لا يكتفون بتبليل القميص بالعرق، بل بالاستماتة في الدفاع عن لونيه الأسود والبرتقالي، ليعود الفريق وأنصاره إلى مرابعه قرب دار الضو وجوار السي الهلالي وبلكملات للاستمتاع بمذاق الفوز بطرقه وطقوسه الخاصة مع حسن القاسمي وعبد الوهاب بلفقير (الكوشي) وعبد العالي بلقايد وادريس الكريني ومحمد متصدق وحكيم ومحمد المنصوري وادريس زيزي ونور الدين ايت ماضي والخالدي فرس والعوادة ومحمد الماحي والمغامرات التي لا تنتهي للسي محمد أقصبي، وطبعا تحضر كل مستلزمات الفرح المعروفة عند شباب أحياء ذلك الزمن البدوي المدرح ببعض مظاهر التمدن المتسللة إلى ابن جرير التي كانت ساعتها لم تبرح طابعها القروي إداريا وعمرانيا وثقافيا بمعنى من المعاني.
زمن عبد اللطيف المنصوري الكروي وغيره ممن برزت مواهبه، يمكن اعتباره زمنا غير منصف أو لنقل كان ذلك الزمن يتساوق مع زمنه وسياقه وإمكانياته، ليس على مستوى ابن جرير فحسب، ولكن على المستوى الوطني الذي لم تكن الشروط سانحة ليرتقي كثير من اللاعبين الذين برزوا بشكل لافت، إلى مستوى غير المستوى والحدود التي بلغوها. فكما توقف الكثيرون عند حدود الهواية مع فرقهم المحلية، ضاع الكثيرون وسط الطريق وتبخرت مؤهلاتهم، وابتعد آخرون بعد أن انطفأ نجمهم بشكل سريع.
تلك الرموز التي ألهمت شباب وصغار ابن جرير من النهضة والمشعل والبشريين وDJA و الأشبال ونجوم الزاوية والمولودية والترجي وغيرها، إذا كان بإمكانها أن تعود من خلال استحضار ذاكرتها، فبإمكانها أيضا أن تعود في شكل احتفالي كبير يخلد الذكرى وأحداثها ورجالها ولحظاتها الجميلة أحيانا والمنفعلة أحيانا. (خاص غير اللي يفكر ف المبادرة، لأن التاريخ يمكنه أحيانا أن نراه يمشي ولو على عكازين. يا الله أ السي عبد العالي، فكر عمانا).
( في الصورة الجماعية، عبد اللطيف المنصوري الأول من يسارها من صف المقرفصين وهو الماسك بالكرة )
لست ربوت