من ذاكرة جماعة العدل والإحسان بابن جرير: بقلم عبد الكريم التابي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من ذاكرة جماعة العدل والإحسان بابن جرير: بقلم عبد الكريم التابي

من ذاكرة جماعة العدل والإحسان بابن جرير: بقلم عبد الكريم التابي

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏من يكتب عن ذاكرة ابن جرير أو يتحدث عنها ماضيا أو حاضرا، دون أن يستحضر كل تعبير سياسي أو جمعوي أو ثقافي أو سياسي بلبوس ديني، فإنه لاشك سيكون كمن يترك تجويفا في تاريخ المنطقة ومساحة مقتطعة من زمنها بالتعسف أو ما يدخل في عداده، وهو ما لا يليق بأي قارئ ومستقرئ للذاكرة خاصة إذا كان للأمر علاقة بخلفية سياسية أو عقدية تنتصر للمزاج الشخصي ولزاوية نظر ضيقة تخوصص التاريخ والذاكرة لحسابها الخاص.
في ابن جرير التي ننبش في بعض من قشور ذاكرتها المتأخرة، تفاعلت فيها تعبيرات سياسية ونقابية وثقافية وجمعوية وإعلامية خاصة مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، وذلك بعد التحول الذي وسم البلدة بتوسع مجال بعض القطاعات الحيوية كالتربية والتعليم الذي لم يعد مقتصرا على إعدادية "الكوليج" ولا على مدرستين ابتدائيتين أو ثلاثة، كما كان لظهور دار الشباب وبعض المصالح الأخرى أثر في ذلك التحول الذي كان من علاماته ظهور عدد من الموارد البشرية التي وفدت في إطار العمل من مناطق أخرى، وبالطبع سيكون لبعضها اهتمام بالشأن السياسي والنقابي والثقافي وغيره، بل أن بعضها سيتحمل مسؤولية القيادة فيها.
وكان ظهور قطاع الفوسفاط عاملا مهما ساهم في إنعاش الحركة الثقافية والنقابية بشكل خاص من خلال عديد من المناضلين النقابيين الذي وفدوا على ابن جرير من مراكز فوسفاطية أخرى ك(اخريبكة واليوسفية) التي كانت لها تقاليد في العمل النقابي من خلال النقابة الوطنية لعمال الفوسفاط التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في عز قوتها، والتي كان لها دور فيما مضى لتكون القرية الفوسفاطية بابن جرير قلعة اتحادية منحت أصواتها في انتخابات 1983 للاتحاد الاشتراكي كما منحته مقعدين في مجلس بلدية ابن جرير في انتخابات 1992 على عهد الهمة ومقعدين آخرين خلال انتخابات 1997 على عهد الشعيبي.
وبعد منتصف الثمانينيات سيلتحق عمال قادمون من اليوسفية، وسيساهمون في تأسيس الأنوية الأولى لجماعة العدل والإحسان بالقرية الفوسفاطية بابن جرير. وغير خاف على كثير من الناس أن جماعة العدل والإحسان هي جماعة إسلامية مغربية من أكبر التنظيمات الإسلامية بالمغرب. مؤسسها هو المرحوم عبد السلام ياسين وكان مرشدها إلى غاية وفاته سنة 2012، وبعده خلفه السيد محمد عبّادي الذي يلقب اليوم بالأمين العام للجماعة.
قبل ترسيم اسمها الحالي (العدل والإحسان) سنة 1987 اتخذت الجماعة أسماء متعددة من أسرة الجماعة إلى جمعية الجماعة إلى الجماعة الخيرية.
ستشتغل جماعة العدل والإحسان في ابن جرير على غرار نفس النهج الذي تسير عليه في المغرب جميعه، بحيث يتركز نشاطها الداخلي على الجانب التربوي الدعوي المخصص لأعضائها من خلال المجالس المغلقة، وفي المقابل ستصرف مواقفها ميدانيا عبر انخراط أعضائها في بعض التعبيرات النقابية والمدنية وفيها تحديدا النقابة الوطنية لعمال الفوسفاط التي كان عدد من كوادرها يترددون على مقر النقابة، وكانت بعض مظاهر التنسيق الميداني تبرز من خلال انخراط الجماعة في تظاهرات فاتح ماي، وكذلك في المسيرات والوقفات التي تنظم تضامنا ودعما لبعض القضايا التي كانت تستأثر باهتمام الرأي العام كقضية فلسطين والعراق.
وبعد تأسيس الدائرة السياسية سنة 1998، عملت الجماعة على تأسيس بعض الجمعيات كجمعية "فتح" التي كان أحد ممثليها يحضر في كل اللقاءات التنسيقية التي كانت تعقد حينما تثار أية قضية محلية أو ذات طبيعة "قومية"، كما انخرطت في جمعيات مهنية أخرى كجمعية "الفرّاشة" وجمعية "التجار" وكذا في جمعية "الساقية الحمراء"، ولم تتخلف عن التواجد في المركز المغربي لحقوق الإنسان. كما اقتحمت الجماعة بعض المصالح من خلال بعض الموظفين كالبريد والسكك الحديدية.
ولعل أهم اللحظات التي تحس فيها الجمعية بنوع من الارتياح، هي التي تلك تتاح لها الفرصة للظهور في الشارع إلى جانب تعبيرات سياسية أخرى مادامت لازالت في وضعية قانونية لا تسمح لها بالخروج منفردة اعتبارا للواقف المتباينة بينها وبين الدولة.
وشكلت لحظة تأسيس لجنة للتنسيق المحلية في سنوات 2005 أو 2006، فرصة انخرطت فيها الجماعة من خلال تمثيلية واحد من أعضائها ، وذلك للدفاع عن عدد من القضايا الحيوية المرتبطة بالماء والكهرباء، إلى جانب ترافعها حول جملة الملفات الساخنة التي كان مصدرها المجلس البلدي خلال التجربة الجماعية 2003/ 2009، والتي عقدت لجنة التنسيق بشأنها لقاءات مع عامل الإقليم وبعثت رسائلإلى عدد من الجهات المعنية ونظمت ندوة صحفية بنادي المحامين بالرباط. ونفس الأمر كان مع ملف اعتقالات ما سمي بالثلاثاء الأسود ( 30 ماي 2006) والذي تم فيه اعتقال بعض النشطاء ومنهم بعض أعضاء الجماعة الذين تم الحكم عليهم بشهرين من السجن النافذ.
وكشأن الجماعة في مجموع أنحاء المغرب خلال حراك 20 فبراير، انخرط (فرعها) المحلي بقوة في دينامية ذلك الحراك بشريا بالحضور في اللقاءات التنسيقية والوقفات والمسيرات الأسبوعية ولوجيستيكيا بالمساهمة في توفير اللوازم الخاصة بالمسيرات، إلى أن أعلنت الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة يوم 18 دجنبر 2011 في بيانها الشهير " عن توقيف انخراط شبابها في حراك 20 فبراير.
من ذلك التاريخ إلى يومه تأثرت الجماعة ـ على صعيد ابن جرير الذي يعنينا على الأقل ـ بالوضع العام والتحولات التي عرفته المنطقة على صعيدين: صعيد له علاقة بسيادة مناخ طغت عليه كثير من أساليب خلط الأوراق التي غدت استراتيجية تدبير الشأن العام عبر تعاقب المسؤولين الإقليميين، وصعيد آخر مرتبط بتراجع أدوار بعض القوى التي كانت قاطرة الاحتجاجات المدنية وبالتالي كانت الجماعة بحكم وضعها تجد فيها المجال الأنسب للتعبير عن رأيها في الشارع العام، إضافة ـ وهذا هو المهم ـ إلى كون أحزاب فدرالية اليسار على الصعيد الوطني، حسمت في أنه لا يمكن التنسيق مع جماعة العدل والإحسان وذلك بسبب التباين في المرجعية من جهة وفي سؤال الديمقراطية من جهة ثانية وفي سؤال المشروع المجتمعي لكل طرف على حدة.
في ابن جرير، كانت حدثت بعض الطرائف مع عمال الإقليم حول جماعة العدل والإحسان، ففي لقاء للعامل محمد كلموس بالحاضرة الفوسفاطية سنة 2005، كان هذا الأخير يعدد محاسن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي اعتبرها حسب قوله "إلهاما من الله لسيدنا"، وفي معرض حديثه كان يحذر الحاضرين من وجود فاعل مستتر وقال لهم: ( آه يوينا، جمعو روسكم، راه معانا الحنش كيدور لينا ف جنابنا، نوضو ديرو جمعيات وديرو مشاريع )، وطبعا كان المقصود من الحنش هو الجماعة.
وعشية حراك 20 فبراير، استدعى العامل فريد شوراق بعض نشطاء ابن جرير وفيهم على الخصوص فعاليات اليسار وممثل عن العدل والإحسان وبحضور كل المسؤولين الأمنيين من شرطة ودرك وقوات مساعدة ووكيل الملك وقائد الحامية العسكرية وغيرهم، وذلك لتحذيرنا من مغبة الخروج في الحراك وتهديدنا بأوخم العواقب، وحين تناول ممثل العدل والإحسان الكلمة، أجابه العامل بما معناه: نت َ كاع ما معتارفة بيك الدولة وحنا مخليينك كالس معانا". (بحال هاد الجواب إذا ما صحت ذاكرتي).

لم نول تهديد العامل في حضرة ذلك الجمع من المسؤولين أي اهتمام، وخرجنا كما خرج جزء من الشعب في ذلك الهدير الصاخب الذي أجهضته كثير من العوامل المتفرقة بين المخزن وأنصاره من جهة، ومكونات حركة 20 فبراير من جهة أخرى.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button