إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونصلي ونسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وبعد" موضوعنا<< نعم الله علينا وأسباب سلبها "
أيها الناس إن نعم الله كثيرةُ من الناسِ يمنحُهم اللهُ الشبابَ فيفسدونَ ويستغلونَه فيما يبعدُهم من الله عز وجل فيسلبَ اللهُ الشبابَ منهم.وكثيرُ منهم يرزُقهم اللهُ الصحةَ في الأجسام فلا يرون اللهَ عز وجل ثمرةَ هذه الصحةَ والعافيةَ فيأخذُهم اللهُ عز وجل بهذا.
وكثيرُ يمنحُهم اللهُ الأموالَ فلا يؤدونَ حق اللهَ في الأموال بل يجعلونَها سلما إلى المعاصي، وسببا إلى المناكرِ والفواحش فيأخذُهم اللهُ عز وجل ويحاسبُهم بأموالِهم.
وقد ضربَ اللهُ في القرآنِ مثلا للأممِ والشعوبِ يوم تنحرفُعن منهجِ الله عز وجل، يومَ تتركُ طرقَ المساجد وتميلُ إلى الخمارات، يومَ تتركُ سماعَ كتابِ الله عز وجل وتميلُ إلى استماعِ الغنى.يومَ تتجهُ من منهجِ محمدٍ (صلى اللهُ عليه وسلم) والسنةُ المطهرة وتميلُ إلى كتبِ الشياطين من الإنس والجن.يومَ تعكفُ وتسهرُ على الأفلامِ وعلى الأغاني الماجنة.يومَ تُرخصُ قيمَها ودينَها ومبادَئها وأخلاقَها وسنةَ نبيَها (صلى اللهُ عليه وسلم) ماذا يصنعُ اللهُ عز وجل بها؟يدمرُ شبابَها، ويبعدُ سبحانَه وتعالى علمَاءها، ويبتلى نسائَها فتبقى أمةً مظلومةً مهضومةً متأخرة، يبتليَها عز وجل بالخوفِ والجوع، يقولُ عز من قائل: <<وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ>>.
قال أهلُ العلم: لا تزالُ كلُ قريةٍ في أمنِ الله ما أقامت فروضَ اللهِ وما نهت عن المعاصي التي تغضبِ اللهَ عز وجل، فإذا انحرفت أخذها اللهُ كما يأخذُ الظالمَ ثم لا يفلتُها أبدا: قال تعالى "وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً *أعد الله لهم عذابا شديدا >، فما كفاها عذابَ الدنيا بل أعد اللهُ سبحانَه وتعالى لها الخزيَ والعارَ والدمار والنار لأنها انحرفت عن منهجِ الله.
فتشوا واسألوا كل مدينةٍ وكل قرية أخذها اللهُ في هذا العصرِ أو قبل هذا العصر، وأسالوا جيرانَها، أسالوا في من حولنا وفي ما دونَنا ما لهم ابتلوا بالحروب، ما لهم ابتلوا بالمناكرِ، بالزنى، بالربى بالفواحشِ بالبعد عن الله، إنما ابتلوا بذلك لأنهم عصوا اللهَ وخرجوا عن طاعةِ اللهِ سبحانَه وتعالى. : إن نعم الله كثيرة على كل إنسان لا يمكن أن تعد، يقول تعالى: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّه لَغَفُور رَحِيم " سورة النحل (18) قال الامام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : ثُمَّ نَبَّهَهُمْ عَلَى كَثْرَة نِعَمه عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانه إِلَيْهِمْ فَقَالَ" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّه لَغَفُور رَحِيم "أَيْ يَتَجَاوَز عَنْكُمْ وَلَوْ طَالَبَكُمْ بِشُكْرِ نِعَمه لَعَجَزْتُمْ عَنْ الْقِيَام بِذَلِكَ وَلَوْ أَمَرَكُمْ بِهِ لَضَعُفْتُمْ وَتَرَكْتُمْ وَلَوْ عَذَّبَكُمْ لَعَذَّبَكُمْ وَهُوَ غَيْر ظَالِم لَكُمْ وَلَكِنَّهُ غَفُور رَحِيم يَغْفِر الْكَثِير وَيُجَازِي عَلَى الْيَسِير .
شكا رجل ضيق حاله ومعاشه... فقال له عالم حكيم:أتبيع بصرك بمئة ألف؟قال:
<1892>
لا.قال الحكيم: أتبيع سمعك بمئة ألف؟قال: لا.قال الحكيم: فأنت الغني بما لا يباع بثمن.
إن النعم ابتلاء وامتحان كلها، حتى ما كان ظاهره الجزاء والإكرام فهو في الحقيقة ابتلاء جديد، يقول تعالى: "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمنِ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهاننِ، كلا" سورة الفجر: 15-17 .ولو كانت النعمة إكراما لكان الرسل أغنى الناس وأكثرهم أموالا ولما كان للكفار شيء من الدنيا إطلاقا.
إن النجاح في التعامل مع النعم إنما يكون بشكر الله تعالى على هذه النعم، والشكر أقسام: القسم الأول / الشكر بالقلب:ويتحقق بالاعتقاد الجازم بأن كل النعم من الله وحده لا شريك له، قال تعالى: "وما بكم من نعمة فمن الله" سورة النحل: 53
القسم الثاني / الشكر باللسان: هو إظهار الشكر لله بالتحميد ، و إظهار الرضا عن الله تعالى و التحدث بالنعم .عن النعمان بن بشير قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر : ( من لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، و التحدث بنعمة الله شكر و تركها كفر ، والجماعة رحمة ، و الفرقة عذاب ) – أخرجه الإمام احمد في المسند و سنده حسن الشكر بالعمل:والشكر العملي يختلف من نعمة إلى أخرى، فمن رزقه الله الهداية دعا الناس إليها، ومن رزقه الله رجاحة العقل تعلم وعلم، واستخدمه في حل المشكلات خاصة كانت أم عامة ، ومن آتاه الله مالا سخره للإنفاق في سبيل الله سرا وعلانية ، وحافظ عليه فلم يسرف فيه ولم يقتر على نفسه وعياله ، ولم يضع ماله مع من يتلفه بسوء استخدام أو نحوه ، ومن آتاه الله ولداً أحسن تربيته وإصلاحه ، فالشكر العملي أن تستخدم هذه النعم جميعا في طاعة الله لا في معصيته قال تعالى : ( اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ) .
إنناأيها الناس نتقلب دائما بين نعم الله الظاهرة و الباطنة ، قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) (20) لقمان .قال الامام ابن كثير رحمه الله : يَقُول تَعَالَى مُنَبِّهًا خَلْقه عَلَى نِعَمه عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِأَنَّهُ سَخَّرَ لَهُمْ مَا فِي السَّمَاوَات مِنْ نُجُوم يَسْتَضِيئُونَ بِهَا فِي لَيْلهمْ وَنَهَارهمْ وَمَا يَخْلُق فِيهَا مِنْ سَحَاب وَأَمْطَار وَثَلْج وَبَرَد وَجَعْله إِيَّاهَا لَهُمْ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَمَا خَلَقَ لَهُمْ فِي الْأَرْض مِنْ قَرَار وَأَنْهَار وَأَشْجَار وَزُرُوع وَثِمَار وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعَمه الظَّاهِرَة وَالْبَاطِنَة مِنْ إِرْسَال الرُّسُل وَإِنْزَال الْكُتُب .
*إن إعظم نعمة امتن الله بها علينا أن هدانا لتوحيده جل جلاله :قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ) فاطر 3
ثم من أعظم نعم الله علينا أن جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي آتاه ربه الكتاب ( وهو القرآن العظيم ) والحكمة ( وهي السنة النبوية ) قال ربنا سبحانه ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ) البقرة..وبعد هذا الموجز العام أفصل لكم الموضوع لتتحفز القلوب للشكر .
<1893>
أولا>> من نعم الله نعمة النوم قال تعالى فى كتابة الكريم :
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) سورة الفرقان
تفكر فى قولة تعالى <<أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) سورة النمل
إذن: هذه النعمة لا يمر يوما أبدا إلا ونكون تحت تأثيرها وقليل منا من يشكر الله عليها وقليل منا من لا يشكر الله على أي من نعمه إنها نعمه مجهول قدرها ومنفعتها ولم يتخيل أو يفكر أبدا أحد منا إنها من نعم الله سبحانه وتعالى إنها نعمة النوم فما ألذ النوم بعد الإعياء والتعب .. فتخيل نفسك وأنت فى حالة أرق أو أعياء تتألم ولا تستطيع النوم ماذا تقول ؟؟؟....... إن النوم أية من آيات الله تعالى
ألا ترى الخالق جل جلاله يغشى الليل النهار ويظلم الكون وتسكن الحياة وتقل الحركات فتسكن الأعضاء بعد تعب يوم كامل وصدق الله إذ قال:
<<قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) سورة القصص إن هذه رحمة واحدة من رحماته تعالى علينا تستوجب الشكر.
ثانيا>>نعمة الهداية إن أجلّ نِعَم الله، وأعظم مِنَنِه على عباده هدايته - تبارك وتعالى - من شاء من عباده إلى هذا الدين الحنيف إلى دين الإسلام، دين الله - تبارك وتعالى - الذي رضيه لعباده دينًا، فهذه النعمة العظمى، والعطية الأجل - عباد الله - يقول الله - تعالى - في التنويه بهذه النعمة وبيان عِظَم مكانتها، وأنها مِنَّتُه - سبحانه - على من شاء من عباده؛ يقول - جلَّ وعلا -: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17]، ويقول - جلَّ وعلا -: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7]، ويقول - جلَّ وعلا -: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.وقال تعالى : < ورضيت لكم الإسلام دينا >
فإن نعمة الإسلام نعمة من أجل النعم وأوفاها وأعلاها , ويجب على المسلم أن يحمد الله تعالى ليل نهار على تلك النعمة الكبرى والمنة العظمى , إذ جعله من أهل التوحيد الخالص والدين الحق ؛ فهو دائم الشكر على نعمة الإسلام لما لهذا الدين .
<1894>
ثالثا>> من نعم الله على الإنسان السمع و البصر و الفؤاد و صحة الجسد من الحواس الخمس وغيرها، والماء البارد.لذا يحاسب الإنسان علته النعمة روى الترمذي : هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي الْعَبْدَ مِنْ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنُرْوِيَكَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ >قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ قوله ( أَلَمْ نُصِحَّ )مِنْ الْإِصْحَاحِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الصِّحَّةِ قوله( جِسْمَك )أَيْ بَدَنَك وَصِحَّتُهُ أَعْظَمُ النِّعَمِ بَعْدَ الْإِيمَانِ قوله ( وَنُرْوِيك ) وَهُوَ مِنْ التَّرْوِيَةِ أَوْ مِنْ الْإِرْوَاءِ مِنْ الرَّيِّ بِالْكَسْرِ وَهُوَ عِنْدَ الْعَطَشِ
قوله ( مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ )أ] َيْ الَّذِي هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَائِك وَلَوْلَاهُ لَفَنِيَتْ بَلْ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ .
رابعا>> نعمة ـ نعمة الأمن
لقد اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بحق الفرد وحق المجتمع في الاستمتاع بهذه النعمة العظيمة التي يطمئن بها الناس على دينهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم، ويتجه تفكيرهم ونشاطهم إلى ما يُعْلِي قدرَهم ويرفع شأنَهم في الدنيا والآخرة. وإذا كان الأمن بهذه الأهمية وهذه المنـزلة في دين الله ودنيا الناس فمعاذ الله أن يكون العبث بالأمن جهاداً في سبيل الله كما يزعم الغالون المتطرفون! ومعاذ الله أن يكون ترويع الآمنين بأعمال التخريب والتدمير والتفجير التي تريق الدماء المعصومة، وتزهق الأرواح البريئة، وتتلف الأموال المحترمة، وتثير مزيداً من الفوضى والفتنة والاضطراب، معاذ الله أن يكون ذلك الحقد الأعمى جهاداً في سبيل الله!. ومعاذ الله أن يكون الخروجُ على طاعة من ولاَّهُ الله، وزعزعةُ الأمنِ، وضَرْبُ الاستقرارِ وخاصةً في هذا الوقت الحَرِجِ الذي يتربَّصُ فيه المتربِّصون جهاداً أو استشهاداً في سبيل الله! .
إن حرمة الدماء والأموال والأعراض ثابتة بنصوص قطعية لا يجوز لأحد أن يتطاول عليها بتأويل أو تحريف أو غير ذلك من ألوان الغلو التي لا تحمد عقباها. ولقد جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يبين لنا أن القتل من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب وأشد الآثام بعد الإشراك بالله. قال تعالى: ( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) .وقال تعالى: ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لن يزالَ المؤمنُ في فُسْحَةٍ من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً“ .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعظم أيام الإسلام في حجة الوداع: ” عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
<1895>
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ بَلَدٌ حَرَامٌ أَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا
> البخاري ...وفي صحيح مسلم عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ>
.قوله "رَايَة عِمِّيَّة )هِيَ بِضَمِّ الْعَيْن وَكَسْرهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، وَالْمِيم مَكْسُورَة مُشَدَّدَة ، وَالْيَاء مُشَدَّدَة أَيْضًا ، قَالُوا : هِيَ الْأَمْر الْأَعْمَى لَا يَسْتَبِين وَجْهه.اهـ
ولقد رهَّب النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّر وأنذر من ترويع الآمنين وتخويف المسالمينعَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنًا بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُؤَمِّنَهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَلَمَةَ إِلا مُحَمَّدٌ>> المعجم الكبير للطبراني
وفي صحيح مسلم : عَنْ ابْنِ سِيرِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ>قال النووي : فِيهِ تَأْكِيد حُرْمَة الْمُسْلِم ، وَالنَّهْي الشَّدِيد عَنْ تَرْوِيعه وَتَخْوِيفه وَالتَّعَرُّض لَهُ بِمَا قَدْ يُؤْذِيه . وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمّه ) مُبَالَغَة فِي إِيضَاح عُمُوم النَّهْي فِي كُلّ أَحَد ، سَوَاء مَنْ يُتَّهَم فِيهِ ، وَمَنْ لَا يُتَّهَم ، وَسَوَاء كَانَ هَذَا هَزْلًا وَلَعِبًا ، أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ تَرْوِيع الْمُسْلِم حَرَام بِكُلِّ حَال ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقهُ السِّلَاح كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ، وَلَعْن الْمَلَائِكَة لَهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ حَرَام
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينادي مُناديه بأمره يوم فتح مكة في أهل مكة الذين أخرجوه وقاتلوهكما في صحيح مسلم << قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ>> .وقد أجمع الفقهاء على أن من دخل دار الإسلام بعقد أمانٍ فهو آمِنٌ، والأصل في هذا قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) .
وقال رسول صلى الله عليه وسلم لأُمِّ هانِئ التي أجارتْ رجلين من المشركين يوم الفتح: ”قد أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يا أُمَّ هانِئ“ 1>>وأوَّلُ دعامةٍ من دعائم الأمن :
التضرعُ والدعاءُ إلى الله تعالى بأن يُسْبِغَ علينا نعمةَ الأمنِ والأمانِ والسلامةِ والإسلامِ، لأنه جلَّ جلالَه هو السلامُ المُؤمنُ ، الذي يُسَلِّم عبادَه من المهالِك ويُهيئُ لهم أسبابَ الأمنَ، فلا أمَنَ في العالَم إلا وهو مستَفادٌ بأسباب هو جلَّ جلاله متفرِّدٌ بخلقها والهداية إلى استعمالها، فهو الذي أعطَى كُلَّ شيءٍ خَلْقَهُ ثم هَدَىَ!.
دعاهُ سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام أن يجعل البلد الحرام آمناً، فلا يتسلَّط عليه الجبارون، ولا يعكِّرُ صفوه المجرمون الآثمون، فاستجيب دعاؤه. قال تعالى: (وَإِذْ
<1896>
قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) .
وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) .
وكان من هَدْيِ خاتم النبيين سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أن يقول إذا رأى الهلال: ”اللهم أَهِلَّهُ علينا بالأَمْنِ والإيمانِ، والسلامةِ والإسلامِ، ربِّي وربُّك الله“ ..
خامسا>> نعمة الماء .من النعم العظيمة التي من الله تعالى بها على الإنسان نعمة الماء العذب، فالماء العذب أفضل شراب، وأعظم صدقة، ورحمة الله على خلقه، وحيث وجد الماء وجدت الحياة: فالبلاد التي لا ماء فيها تهجر.
وبين الله لنا الآداب وكيفية التعامل مع هذه النعمة، وذلك كما يلي:
1>>: وجوب شكر نعمة الماء العذب:2>>: عدم الإسراف.فلا يجوز للإنسان أن يسرف في أي شيء، ومن ذلك الإسراف في استعمال الماء، ولو في العبادة، فلا تشرع الزيادة على ثلاث غسلات لكل عضو من أعضاء الوضوء، وكان النبي - - يتوضأ في مد (ربع لتر)، ويغتسل في صاع (اي: لتر تقريبا).3>> التصدق بسقي الماء إذ هو أفضل الصدقة:وأفضل الأعمال وأعظم القربات، قد سئل ابن عباس أي الصدقة أفضل فقال الماء الم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة أن افيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله، " قال تعالى " وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ . الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ." وروى أبو داود أن سعدا أتى النبي فقال أي الصدقة أعجب إليك قال الماء.
4>>:- الناس شركاء فيه:روى ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ .قَالَ أَبُو سَعِيدٍ يَعْنِي الْمَاءَ الْجَارِيَ.قال الألباني في إرواء الغليل : ( ضعيف بهذا اللفظ والزيادة.5>>- لا يجوز تلويثه،روى مسلم عَنْ جَابِرٍعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ.>
6>>- ولا يجوز التعذيب بالحرمان من الماء.روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْر>وعكس هذا ما رواه مسلم والبخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ قَالَ فَقَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ>وفي حديث عائشة عن النبي «من سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما اعتق رقبة ومن سقى مسلما شربة من ماء
<1897>
حيث لا يوجد الماء فكأنما احياها (خرجه ابن ماجة في السنن الثالثة) وقد استدل بذلك من قال ان صاحب الحوض والقربة احق بمائه وان له منعه ممن اراده لان معنى قول اهل الجنة ان الله حرمهما على الكافرين لا حق لكم فيها وقد بوب البخاري رحمه الله على هذا المعنى باب من راى ان صاحب الحوض والقربة احق بمائه وادخل في الباب عن ابي هريرة عن النبي قال والذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض قال المهلب لا خلاف ان صاحب الحوض احق بمائه لقوله عليه السلام لآذودن رجالا عن حوضي.
سادسا>> ـ نعمة الأولاد ..في صحيح مسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ> قال النووي : قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ عَمَل الْمَيِّت يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ ، وَيَنْقَطِع تَجَدُّد الْجَوَاب لَهُ ، إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبهَا ؛ فَإِنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبه ، وَكَذَلِكَ الْعِلْم الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيم أَوْ تَصْنِيف ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة الْجَارِيَة ، وَهِيَ الْوَقْف .
وَفِيهِ فَضِيلَة الزَّوَاج لِرَجَاءِ وَلَد صَالِح ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان اِخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس فِيهِ ، وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي كِتَاب النِّكَاح . وَفِيهِ دَلِيل لِصِحَّةِ أَصْل الْوَقْف ، وَعَظِيم ثَوَابه ، وَبَيَان فَضِيلَة الْعِلْم ، وَالْحَثّ عَلَى الِاسْتِكْثَار مِنْهُ . وَالتَّرْغِيب فِي تَوْرِيثه بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّصْنِيف وَالْإِيضَاح ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَار مِنْ الْعُلُوم الْأَنْفَع فَالْأَنْفَع . وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاء يَصِل ثَوَابه إِلَى الْمَيِّت ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة ، وَهُمَا مُجْمَع عَلَيْهِمَا ، وَكَذَلِكَ قَضَاء الدَّيْن كَمَا سَبَقَ .وَأَمَّا الْحَجّ فَيَجْزِي عَنْ الْمَيِّت عِنْد الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ ، وَهَذَا دَاخِل فِي قَضَاء الدَّيْن إِنْ كَانَ حَجًّا وَاجِبًا ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا وَصَّى بِهِ وَهُوَ مِنْ بَاب الْوَصَايَا ، وَأَمَّا إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَام فَالصَّحِيح أَنَّ الْوَلِيّ يَصُوم عَنْهُ ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الصِّيَام .
وَأَمَّا قِرَاءَة الْقُرْآن وَجَعْل ثَوَابهَا لِلْمَيِّتِ وَالصَّلَاة عَنْهُ وَنَحْوهمَا فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور أَنَّهَا لَا تَلْحَق الْمَيِّت ، وَفِيهَا خِلَاف ، وَسَبَقَ إِيضَاحه فِي أَوَّل هَذَا الشَّرْح فِي شَرْح مُقَدِّمَة صَحِيح مُسْلِم
.الولد نعمة قال الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ} الشورى49 الولد هبة وعطاء وفضل رباني خالص. هو الذي يخلق وهو الذي يرزق وهو الذي يوجِد وهو الذي يُمِد. {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} الأعراف 54، ذكر الإمام الطبري في تفسيره (جامع البيان في تفسير القرآن) والحافظ ابن كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ لَمْ يَحْمَدِ اللّهَ على ما عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، وحَمِدَ نَفْسَهُ، قَلَّ شُكْرُهُ وَحَبِطَ عَمَلُهُ. وَمَنْ زَعَمَ أنَّ اللّهَ جَعَلَ للعِبادِ مِنَ الأمْرِ شَيْئاً فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ على أنْبِيائِهِ لقوله: ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ العالَمِينَ".
الله وحده بلا شريك هو الذي خلق ورزق وأنعم على الإنسان بالولد، فمطلوب للوالد شكر المُنعم الذي له الخلق والأمر..والنعمة تستوجب الشكر لله تعالى {إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} البقرة 243، والحق سبحانه لا يريد
<1898>
منا سوى شكره على كرمه ومَنِّه وأفضاله {ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة 6.
، وفي الدعاء المأثور عن أبي الدرداء، وروي مرفوعاً: "اللهم لك المُلك كله، ولك الحمد كله، وإليك يرجع الأمر كله، أسألك من الخير كله، وأعوذ بك من الشر كله".
وجدير بالتذكير أيضا أن نعمة الولد والنعمة عموما تُنسب حقيقة إلى المُنعِم لا إلى المُنعَم عليه {وما بكم من نعمةٍ فمن الله} و من أوتي نعمة ولم يشكر ذهبت منه وهو لا يشعر. فاللهم ذكِّرنا النِّعم بدوامها لا بزوالها.
**ذكر الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} أنه "يحصل الولد يوم القيامة في ميزان أبيه ويُشفع الله تعالى الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء يدل على ذلك قوله تعالى: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا}... وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن وأعتقت عنه وروي أن سعد بن عبادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي توفيت أفأتصدق عنها قال نعم قال فأي الصدقة أفضل قال سقي الماء. و قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم" رواه الإمام البخاري رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الولد الصالح من ريحان الجنة".ومن دعاء عباد الرحمن:{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}
سابعا>> نعمة العافية أو الصحة عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا> الطبراني . سربه : نفسه وقلبه ، أو ما له من أهل ومال.. حيزت : جمعت .
أنعم الله تعالى علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، قال عز وجل:( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ومن أكبر هذه النعم نعمة العافية، وهي أن يسلم الإنسان من الأسقام والبلايا في عقله وبدنه وأهله وولده، وهي من أسباب سعادة المرء في دنياه، فمن أدركها فقد أدرك خيرا كثيرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا»
ونعمة الصحة هي من أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة - يعنى العبد- من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد ».
ولعظم نعمة العافية كان النبي صلى الله عليه وسلم يسألها لنفسه كل يوم، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح:« اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عورتي»
<1899>
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يسألوها، وكان الرجل إذا أسلم علمه النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات:« اللهم اغفر لي وارحمني واهدني، وعافني وارزقني»
ومن الأذكار الواردة قبل النوم أن يقول الإنسان:« اللهم خلقت نفسي وأنت توفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية».
عباد الله: وللمحافظة على نعمة الصحة والعافية شرع الإسلام جملة من الآداب الصحية التي تدفع عن الإنسان أسباب المرض، وتديم عليه العافية، فشرع الطهارة والنظافة والاغتسال، والوضوء والسواك والمضمضة والاستنشاق وإزالة النجاسة، وغير ذلك من الوسائل الوقائية، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحسن استثمار هذه النعمة، قال صلى الله عليه وسلم :« اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك». وإن من حسن استثمارها أن يجعل منها عونا له على طاعة الله تعالى، وأن يسعى بها في خدمة مجتمعه ووطنه، فخير الناس أنفعهم للناس.
أيها المؤمنون: إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، فاشكروا الله على نعمة العافية، وحافظوا عليها، واعتبروا بمن ابتلي بالأمراض والأسقام، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم مبتلين، فقال:« أما كان هؤلاء يسألون الله العافية ؟»
فالعافية مطلب كل مؤمن، فإن ابتلي فليطلب العلاج والدواء، فقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على التداوي التماسا للعافية فقال:« تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد، الهرم» وعليه أن يصبر ويرضى بقضاء الله تعالى، ويسأل الله تعالى أن يكشف عنه، ويعلم أن في الابتلاء تكفيرا للسيئات، وزيادة في الحسنات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما من شىء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة».
من رزق العافية فقد أفلح، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أى الدعاء أفضل؟ قال:« سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة». ثم أتاه فى اليوم الثاني فقال: يا رسول الله أى الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك، ثم أتاه فى اليوم الثالث فقال له مثل ذلك. قال صلى الله عليه وسلم :« فإذا أعطيت العافية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت».
سادسا>> نعمة العقل .العقل تلك النعمه التي انعم الله بها علينا وميزينا بها عن سائر مخلوقاته و تلك النعمه بالطبع لا يوازيه شئ لأنها هي اساس حياتنا ومن غير العقل( واسمحولي علي هذا التعبير) نصبح عباره عن قطيع من البهائم لا نعي شئ و لا نستفيد)
إن الناس في اختلاف ألوانهم وأجناسهم ايضا هم مختلفون في طريقه استخدام هذا العقل فهناك من يستخدم من هذا العقل الجزء اليسير منه وهؤلاء يستخدمون منه ما يجعلهم يعيشون فقط لا غير أي بنسبه لا تتعدا 10% من هذا العقل وهناك من يستخدم من هذا العقل الجزء البسيط بنسبه لا تتعدا الي20الي30% منه وهؤلاء بطبع
<1900>
هم الناس الطبيعين وهناك من يستخدم من هذا العقل الجزء الجيد منه بنسبه لا تتعدا 50% منه وهؤلاء هم طبقه المثقفين وهناك من يستخدم من هذا العقل الجزء الممتاز منه بنسبه تصل الي 95% منه وهؤلاء بطبع هم طبقه العلماء والمفكرين الذين تعتمد عليهم الدول في مسيرتها التقدميه
إن العقل من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان فبالعقل يكون الإدراك والتمييز وبالعقل يكون الفهم والاستنباط وبه تكون الهداية والرشاد وبه ساد الإنسان على الحيوان وإذا استعمل العقل ينتج الابتكارات .والله لا يخاطب إلا العقلاء فان زال العقل أو تغيب سقط عنه التكليف حتى يعود إليه العقل 0قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن
المجنون حتى يعقل ) صحيح أبو داود عن على 0
ومقاصد الشريعة الضرورية خمسه وهى حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال
العقل أحد مقاصد الشريعة الاسلاميه ونحن نعتدي على العقل الذي تحفظه الشريعة0
العقل وصفه أبو حامد الغزالي بأنه أنموذج من نور الله وعرفه الجاحظ بأنه وكيل الله عند الإنسان فإن عطل الناس عقولهم صاروا أضل من الأنعام قال الله تعالى ( ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والأنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) 179 الأعراف .ويقول أهل النار يوم القيامة قال الله تعالى ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير)11،12 الملك
وتظهر أهمية العقل من القرآن الكريم حيث وردت كلمة العقل في القرآن 49 مره وسماه الله ( النهى) في آيتين وسماه اللب أي حقيقة الشيء .16 آية .وسماه الحجر في قوله تعالى ( هل في ذلك قسم لذي حجر)أي لذي عقل ودعا الله إلى التفكير الذي هو نتيجة العقل في 18 آية ودعا إلى التدبر والاعتبار في 11 آية
والسؤال الذي نطرحه الآن ما هي الأشياء التي فعلتها الشريعة الاسلاميه لحفظ العقل
والجواب يتلخص في ثلاثة أشياء وهى
1) حرمت ا لشريعة الإسلامية التبعية الفكرية والتقليد الأعمى قال الله تعالى ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اللهقالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون)170 البقرة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تكونوا أمعه تقولون إن أحسن الناس أحسنا وان ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وان اساؤا فلا تظلموا ) رواه الترمذي وحسنه عن حذيفه رضي الله عنه وقال الألباني ضعيف مرفوعا وصححه موقوفا 0ولأن التبعية والتقليد الأعمى تعطيل للعقل عن التأمل والتفكر الذي أراده الله للعقل
2) حرمت الشريعة الدجل والشعوذة والاعتقاد في الخرافات والأوهام لأن المشعوذ والدجال استخدم عقله فيما لم يخلق له .ولا يزال كثير من المسلمين يعتقدون أن الجن
<1901>
يعلمون الغيب ويسألون أولياؤهم من الأنس عن المستقبل أو عما خفي عنهم وهم لا يعلمون الغيب
3) حرمت الشريعة كل مسكر وكل مخدر وكل مفتر لأنه يستر العقل ويغطيه وكل ما غيب العقل فهو حرام أيما كان نوعه أو اسمه0
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام) متفق عليه
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر وكل مفتر)رواه أحمد وأبو داود وصححه السيوطى والعراقي وضعفه الألباني
وذلك لأن المسكر والمخدر والمفتر يضر بأحد ضروريات الشريعة الخمسة مثل العقل والمال والعرض ويؤثر علي النسل لأنه مضر جدا علي الصحة
وهكذا حفظت الشريعة الإسلامية العقل من كل ما يشوبه أو يعطله وكم من مسلم يعتدي على الشريعة ومقاصدها في اعتدائه على عقله والله الهادي إلى سواء السبيل
فإنَّ مِنْ أفضل نِعَم الله على عباده، نعْمةَ العقل، فلولا العقل لما عرَف الإنسان دينَ الإسلام والنبوة، والخيرَ والشر، والحقَّ والباطل، والمعروفَ والمنكر، قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70]، فالله - تعالى - فضَّل بني آدم على غيرِهم منَ الجمادات، والحيوانات، والنباتات بهذا العقْل.
قال - تعالى - مادحًا عبادَه أصحاب العقول السليمة: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، قال ابن كثير: أي العقول التامة الزكية، التي تُدرك الأشياء بحقائقِها على جلياتها، وليسوا كالصمِّ البكم الذين لا يعقلون، الذين قال الله فيهم: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 105- 106][1].
وقد ذمَّ الله - تعالى - أصحابَ العقول الغافلة عن دينه؛ فقال: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾[الأنفال: 22].
فإذا فَقَدَ الإنسان العقلَ السليم الذي يقوده إلى الخير، ويُبعده عن الشر، فقد أصبح كالبهيمة التي تأكل وتشرب ولا تعقل شيئًا؛ بل إنها خيْرٌ منه، كما في الآية الكريمة السابقة؛ روى الحاكم في "المستدرك"، من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافَها))[2]؛ أي: دنيئها وخسيسها.
**العقل: اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب، والعلم باجتناب الخطأ، فإذا كان المرء في أول درجاته يسمَّى أديبًا، ثم أريبًا، ثم لبيبًا، ثم عاقلاً[4]، قال ابن كثير في تفسير قوله - تعالى -: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ [الأحقاف: 15]: أي: تناهى عقله، وكمل فهمُه وحلمه، ويقال: إنه لا يتغير غالبًا عما يكون عليه ابن الأربعين[5].
<1902>
قال ابن حزم: وحدُّ العقل ينطوي فيه فعل الطاعات والفضائل، واجتناب المعاصي والرذائل، وقد نصَّ الله - تعالى - في كتابه على أن مَن عصاه لا يعقل، قال - تعالى -: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]، وحد الحُمْق: استعمال المعاصي والرذائل، وهو ضد العقل، ولا واسطة بين الحمق والعقل إلا السخف[6]. اهـ.
قيل لابن المبارك: ما خير ما أُعطي الرجل؟ قال: غريزة عقل، قيل: فإن لَم يكن؟ قال: أدب حسن، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ صالح يستشيره، قيل: فإن لم يكن؟ قال: صمت طويل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجِل[7].
وحُكي أن جماعة منَ النصارى تحدَّثوا فيما بينهم، فقال قائل منهم: ما أقل عقول المسلمين، يزعمون أن نبيَّهم كان راعيًا للغنم، فكيف يصلح راعي الغنم للنبوَّة؟! فقال له آخر من بينهم: أما هم، فوالله أعقل منَّا؛ فإن الله بحكمته يسترعي النبي الحيوان البهيم، فإذا أحسن رعايته والقيام عليه، نقله منه إلى رعاية الحيوان الناطق؛ حكمة من الله وتدريجًا لعبده، ولكن نحن جئنا إلى مولود خرج من امرأة، يأكُل ويشرب، ويبول ويبكي، فقلنا: هذا إلهنا الذي خلق السموات والأرض، فأمسك القوم عنه[9].
هناك بعض التنْبيهات:
أولاً: أن محل العقل القلبُ، وهو صريح قولِ الله - تعالى -: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، قال الشيخ محمد الشنقيطي - رحمه الله -: ومن الخطأ قول الفلاسفة: إنَّ محل العقل الدماغ، وقد تبعهم في ذلك قليلٌ من المسلمين، وعامةُ علماء المسلمين أن محل العقل القلب، فمن ذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]، فعابهم الله بأنهم لا يفقهون، والفِقه - الذي هو الفهْم - لا يكون إلا بالعقل، فدلَّ على أن محلَّ العقْل القلب، وقال - تعالى -: ﴿ وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات: 14].
وفي الصحيحَيْن من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -: ((ألا وإن في الجسد مُضغة، إذا صلَحتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدتْ فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب))[10]، فإذا آمن القلْبُ، آمنت الجوارح بفِعْل المأمورات وترْك المنهيَّات؛ لأنَّ القلب أمير البَدَن، وذلك يدلُّ دلالة واضحة على أن القلب ما كان كذلك، إلا لأنه محل العقل الذي به الإدراك والفَهْم[11].
ثانيًا: ليس كل مَن ادَّعى العقل يُعتبر عاقلاً، فقد يدَّعيه مَنْ هو سفيه أو أحمق، فالعاقل - كما تقدَّم - مَنْ ترفَّع عن السفاهات والمعاصي وخوارم المروءة كلها، وسَمَا بنفسه إلى الطاعات ومكارم الأخلاق.
قال ابن حبان - بعدما ذكر أقوال العلماء في تعريف المروءة -: والمروءة عندي خصلتان: اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال، واستعمال ما يحب الله
<1903>
والمسلمون من الخصال، واستعمالهما هو العقل نفسه، وقد ورد في الأثر: إن مروءة المرْء عقلُه[12].
ثالثًا: قد يكون الإنسان ذكيًّا، ولكنه ليس بعاقل؛ فالذكاء: هو سرعة البديهة والفهم، والعقل: ما حجز الإنسان عنْ فعل ما لا ينبغي.
رابعًا: العقل نوعان، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: العقل هو مناط التكليف، وهو إدراك الأشياء وفهْمها، وهو الذي تكلَّم عليه الفقهاء في العبادات والمعاملات وغيرها.وعقل الرشد: وهو أن يحسن الإنسان التصرُّف، وسمِّي إحسان التصرُّف عقلاً؛ لأنَّ الإنسان عقل تصرفه بما ينفعه[13].
قال - تعالى -: ﴿ كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 73]، وقال - تعالى -: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، أفلا يكون لكم عقول تدركون بها خطأكم وضلالكم؟!
خامسًا: قد يُعطى الإنسان القوة والذكاء والعقل، ولكن لا يوفَّق للهداية، وأمثلة هذا كثيرة، فأصحابُ المخترعات العظيمة؛ كالكهرباء، والطائرات، والقنابل النووية، وغيرها، كثيرٌ منهم من غير المسلمين؛ كاليهود والنصارى والملاحدة؛ بل ذكر الله عن قوم عاد أنهم كانوا أصحاب قوة وذكاء، بنوا حضارةً من أحسن الحضارات، قال - تعالى - عنها: ﴿ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ [الفجر: 7 - 8]، لكنهم لما جحدوا بآيات الله ما نفعتْهم عقولُهم ولا قوَّتهم؛ بل صارت وبالاً عليهم، قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأحقاف: 26].
وكثيرُ يمنحُهم اللهُ الأموالَ فلا يؤدونَ حق اللهَ في الأموال بل يجعلونَها سلما إلى المعاصي، وسببا إلى المناكرِ والفواحش فيأخذُهم اللهُ عز وجل ويحاسبُهم بأموالِهم.
وقد ضربَ اللهُ في القرآنِ مثلا للأممِ والشعوبِ يوم تنحرفُعن منهجِ الله عز وجل، يومَ تتركُ طرقَ المساجد وتميلُ إلى الخمارات، يومَ تتركُ سماعَ كتابِ الله عز وجل وتميلُ إلى استماعِ الغنى.يومَ تتجهُ من منهجِ محمدٍ (صلى اللهُ عليه وسلم) والسنةُ المطهرة وتميلُ إلى كتبِ الشياطين من الإنس والجن.يومَ تعكفُ وتسهرُ على الأفلامِ وعلى الأغاني الماجنة.يومَ تُرخصُ قيمَها ودينَها ومبادَئها وأخلاقَها وسنةَ نبيَها (صلى اللهُ عليه وسلم) ماذا يصنعُ اللهُ عز وجل بها؟يدمرُ شبابَها، ويبعدُ سبحانَه وتعالى علمَاءها، ويبتلى نسائَها فتبقى أمةً مظلومةً مهضومةً متأخرة، يبتليَها عز وجل بالخوفِ والجوع، يقولُ عز من قائل: <<وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ>>.
قال أهلُ العلم: لا تزالُ كلُ قريةٍ في أمنِ الله ما أقامت فروضَ اللهِ وما نهت عن المعاصي التي تغضبِ اللهَ عز وجل، فإذا انحرفت أخذها اللهُ كما يأخذُ الظالمَ ثم لا يفلتُها أبدا: قال تعالى "وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً *أعد الله لهم عذابا شديدا >، فما كفاها عذابَ الدنيا بل أعد اللهُ سبحانَه وتعالى لها الخزيَ والعارَ والدمار والنار لأنها انحرفت عن منهجِ الله.
فتشوا واسألوا كل مدينةٍ وكل قرية أخذها اللهُ في هذا العصرِ أو قبل هذا العصر، وأسالوا جيرانَها، أسالوا في من حولنا وفي ما دونَنا ما لهم ابتلوا بالحروب، ما لهم ابتلوا بالمناكرِ، بالزنى، بالربى بالفواحشِ بالبعد عن الله، إنما ابتلوا بذلك لأنهم عصوا اللهَ وخرجوا عن طاعةِ اللهِ سبحانَه وتعالى. : إن نعم الله كثيرة على كل إنسان لا يمكن أن تعد، يقول تعالى: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّه لَغَفُور رَحِيم " سورة النحل (18) قال الامام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : ثُمَّ نَبَّهَهُمْ عَلَى كَثْرَة نِعَمه عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانه إِلَيْهِمْ فَقَالَ" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّه لَغَفُور رَحِيم "أَيْ يَتَجَاوَز عَنْكُمْ وَلَوْ طَالَبَكُمْ بِشُكْرِ نِعَمه لَعَجَزْتُمْ عَنْ الْقِيَام بِذَلِكَ وَلَوْ أَمَرَكُمْ بِهِ لَضَعُفْتُمْ وَتَرَكْتُمْ وَلَوْ عَذَّبَكُمْ لَعَذَّبَكُمْ وَهُوَ غَيْر ظَالِم لَكُمْ وَلَكِنَّهُ غَفُور رَحِيم يَغْفِر الْكَثِير وَيُجَازِي عَلَى الْيَسِير .
شكا رجل ضيق حاله ومعاشه... فقال له عالم حكيم:أتبيع بصرك بمئة ألف؟قال:
<1892>
لا.قال الحكيم: أتبيع سمعك بمئة ألف؟قال: لا.قال الحكيم: فأنت الغني بما لا يباع بثمن.
إن النعم ابتلاء وامتحان كلها، حتى ما كان ظاهره الجزاء والإكرام فهو في الحقيقة ابتلاء جديد، يقول تعالى: "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمنِ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهاننِ، كلا" سورة الفجر: 15-17 .ولو كانت النعمة إكراما لكان الرسل أغنى الناس وأكثرهم أموالا ولما كان للكفار شيء من الدنيا إطلاقا.
إن النجاح في التعامل مع النعم إنما يكون بشكر الله تعالى على هذه النعم، والشكر أقسام: القسم الأول / الشكر بالقلب:ويتحقق بالاعتقاد الجازم بأن كل النعم من الله وحده لا شريك له، قال تعالى: "وما بكم من نعمة فمن الله" سورة النحل: 53
القسم الثاني / الشكر باللسان: هو إظهار الشكر لله بالتحميد ، و إظهار الرضا عن الله تعالى و التحدث بالنعم .عن النعمان بن بشير قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر : ( من لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، و التحدث بنعمة الله شكر و تركها كفر ، والجماعة رحمة ، و الفرقة عذاب ) – أخرجه الإمام احمد في المسند و سنده حسن الشكر بالعمل:والشكر العملي يختلف من نعمة إلى أخرى، فمن رزقه الله الهداية دعا الناس إليها، ومن رزقه الله رجاحة العقل تعلم وعلم، واستخدمه في حل المشكلات خاصة كانت أم عامة ، ومن آتاه الله مالا سخره للإنفاق في سبيل الله سرا وعلانية ، وحافظ عليه فلم يسرف فيه ولم يقتر على نفسه وعياله ، ولم يضع ماله مع من يتلفه بسوء استخدام أو نحوه ، ومن آتاه الله ولداً أحسن تربيته وإصلاحه ، فالشكر العملي أن تستخدم هذه النعم جميعا في طاعة الله لا في معصيته قال تعالى : ( اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ) .
إنناأيها الناس نتقلب دائما بين نعم الله الظاهرة و الباطنة ، قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) (20) لقمان .قال الامام ابن كثير رحمه الله : يَقُول تَعَالَى مُنَبِّهًا خَلْقه عَلَى نِعَمه عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِأَنَّهُ سَخَّرَ لَهُمْ مَا فِي السَّمَاوَات مِنْ نُجُوم يَسْتَضِيئُونَ بِهَا فِي لَيْلهمْ وَنَهَارهمْ وَمَا يَخْلُق فِيهَا مِنْ سَحَاب وَأَمْطَار وَثَلْج وَبَرَد وَجَعْله إِيَّاهَا لَهُمْ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَمَا خَلَقَ لَهُمْ فِي الْأَرْض مِنْ قَرَار وَأَنْهَار وَأَشْجَار وَزُرُوع وَثِمَار وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعَمه الظَّاهِرَة وَالْبَاطِنَة مِنْ إِرْسَال الرُّسُل وَإِنْزَال الْكُتُب .
*إن إعظم نعمة امتن الله بها علينا أن هدانا لتوحيده جل جلاله :قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ) فاطر 3
ثم من أعظم نعم الله علينا أن جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي آتاه ربه الكتاب ( وهو القرآن العظيم ) والحكمة ( وهي السنة النبوية ) قال ربنا سبحانه ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ) البقرة..وبعد هذا الموجز العام أفصل لكم الموضوع لتتحفز القلوب للشكر .
<1893>
أولا>> من نعم الله نعمة النوم قال تعالى فى كتابة الكريم :
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) سورة الفرقان
تفكر فى قولة تعالى <<أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) سورة النمل
إذن: هذه النعمة لا يمر يوما أبدا إلا ونكون تحت تأثيرها وقليل منا من يشكر الله عليها وقليل منا من لا يشكر الله على أي من نعمه إنها نعمه مجهول قدرها ومنفعتها ولم يتخيل أو يفكر أبدا أحد منا إنها من نعم الله سبحانه وتعالى إنها نعمة النوم فما ألذ النوم بعد الإعياء والتعب .. فتخيل نفسك وأنت فى حالة أرق أو أعياء تتألم ولا تستطيع النوم ماذا تقول ؟؟؟....... إن النوم أية من آيات الله تعالى
ألا ترى الخالق جل جلاله يغشى الليل النهار ويظلم الكون وتسكن الحياة وتقل الحركات فتسكن الأعضاء بعد تعب يوم كامل وصدق الله إذ قال:
<<قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) سورة القصص إن هذه رحمة واحدة من رحماته تعالى علينا تستوجب الشكر.
ثانيا>>نعمة الهداية إن أجلّ نِعَم الله، وأعظم مِنَنِه على عباده هدايته - تبارك وتعالى - من شاء من عباده إلى هذا الدين الحنيف إلى دين الإسلام، دين الله - تبارك وتعالى - الذي رضيه لعباده دينًا، فهذه النعمة العظمى، والعطية الأجل - عباد الله - يقول الله - تعالى - في التنويه بهذه النعمة وبيان عِظَم مكانتها، وأنها مِنَّتُه - سبحانه - على من شاء من عباده؛ يقول - جلَّ وعلا -: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17]، ويقول - جلَّ وعلا -: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7]، ويقول - جلَّ وعلا -: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.وقال تعالى : < ورضيت لكم الإسلام دينا >
فإن نعمة الإسلام نعمة من أجل النعم وأوفاها وأعلاها , ويجب على المسلم أن يحمد الله تعالى ليل نهار على تلك النعمة الكبرى والمنة العظمى , إذ جعله من أهل التوحيد الخالص والدين الحق ؛ فهو دائم الشكر على نعمة الإسلام لما لهذا الدين .
<1894>
ثالثا>> من نعم الله على الإنسان السمع و البصر و الفؤاد و صحة الجسد من الحواس الخمس وغيرها، والماء البارد.لذا يحاسب الإنسان علته النعمة روى الترمذي : هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي الْعَبْدَ مِنْ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنُرْوِيَكَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ >قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ قوله ( أَلَمْ نُصِحَّ )مِنْ الْإِصْحَاحِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الصِّحَّةِ قوله( جِسْمَك )أَيْ بَدَنَك وَصِحَّتُهُ أَعْظَمُ النِّعَمِ بَعْدَ الْإِيمَانِ قوله ( وَنُرْوِيك ) وَهُوَ مِنْ التَّرْوِيَةِ أَوْ مِنْ الْإِرْوَاءِ مِنْ الرَّيِّ بِالْكَسْرِ وَهُوَ عِنْدَ الْعَطَشِ
قوله ( مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ )أ] َيْ الَّذِي هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَائِك وَلَوْلَاهُ لَفَنِيَتْ بَلْ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ .
رابعا>> نعمة ـ نعمة الأمن
لقد اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بحق الفرد وحق المجتمع في الاستمتاع بهذه النعمة العظيمة التي يطمئن بها الناس على دينهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم، ويتجه تفكيرهم ونشاطهم إلى ما يُعْلِي قدرَهم ويرفع شأنَهم في الدنيا والآخرة. وإذا كان الأمن بهذه الأهمية وهذه المنـزلة في دين الله ودنيا الناس فمعاذ الله أن يكون العبث بالأمن جهاداً في سبيل الله كما يزعم الغالون المتطرفون! ومعاذ الله أن يكون ترويع الآمنين بأعمال التخريب والتدمير والتفجير التي تريق الدماء المعصومة، وتزهق الأرواح البريئة، وتتلف الأموال المحترمة، وتثير مزيداً من الفوضى والفتنة والاضطراب، معاذ الله أن يكون ذلك الحقد الأعمى جهاداً في سبيل الله!. ومعاذ الله أن يكون الخروجُ على طاعة من ولاَّهُ الله، وزعزعةُ الأمنِ، وضَرْبُ الاستقرارِ وخاصةً في هذا الوقت الحَرِجِ الذي يتربَّصُ فيه المتربِّصون جهاداً أو استشهاداً في سبيل الله! .
إن حرمة الدماء والأموال والأعراض ثابتة بنصوص قطعية لا يجوز لأحد أن يتطاول عليها بتأويل أو تحريف أو غير ذلك من ألوان الغلو التي لا تحمد عقباها. ولقد جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يبين لنا أن القتل من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب وأشد الآثام بعد الإشراك بالله. قال تعالى: ( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) .وقال تعالى: ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لن يزالَ المؤمنُ في فُسْحَةٍ من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً“ .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعظم أيام الإسلام في حجة الوداع: ” عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
<1895>
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ بَلَدٌ حَرَامٌ أَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا
> البخاري ...وفي صحيح مسلم عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ>
.قوله "رَايَة عِمِّيَّة )هِيَ بِضَمِّ الْعَيْن وَكَسْرهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، وَالْمِيم مَكْسُورَة مُشَدَّدَة ، وَالْيَاء مُشَدَّدَة أَيْضًا ، قَالُوا : هِيَ الْأَمْر الْأَعْمَى لَا يَسْتَبِين وَجْهه.اهـ
ولقد رهَّب النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّر وأنذر من ترويع الآمنين وتخويف المسالمينعَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنًا بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُؤَمِّنَهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَلَمَةَ إِلا مُحَمَّدٌ>> المعجم الكبير للطبراني
وفي صحيح مسلم : عَنْ ابْنِ سِيرِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ>قال النووي : فِيهِ تَأْكِيد حُرْمَة الْمُسْلِم ، وَالنَّهْي الشَّدِيد عَنْ تَرْوِيعه وَتَخْوِيفه وَالتَّعَرُّض لَهُ بِمَا قَدْ يُؤْذِيه . وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمّه ) مُبَالَغَة فِي إِيضَاح عُمُوم النَّهْي فِي كُلّ أَحَد ، سَوَاء مَنْ يُتَّهَم فِيهِ ، وَمَنْ لَا يُتَّهَم ، وَسَوَاء كَانَ هَذَا هَزْلًا وَلَعِبًا ، أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ تَرْوِيع الْمُسْلِم حَرَام بِكُلِّ حَال ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقهُ السِّلَاح كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ، وَلَعْن الْمَلَائِكَة لَهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ حَرَام
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينادي مُناديه بأمره يوم فتح مكة في أهل مكة الذين أخرجوه وقاتلوهكما في صحيح مسلم << قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ>> .وقد أجمع الفقهاء على أن من دخل دار الإسلام بعقد أمانٍ فهو آمِنٌ، والأصل في هذا قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) .
وقال رسول صلى الله عليه وسلم لأُمِّ هانِئ التي أجارتْ رجلين من المشركين يوم الفتح: ”قد أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يا أُمَّ هانِئ“ 1>>وأوَّلُ دعامةٍ من دعائم الأمن :
التضرعُ والدعاءُ إلى الله تعالى بأن يُسْبِغَ علينا نعمةَ الأمنِ والأمانِ والسلامةِ والإسلامِ، لأنه جلَّ جلالَه هو السلامُ المُؤمنُ ، الذي يُسَلِّم عبادَه من المهالِك ويُهيئُ لهم أسبابَ الأمنَ، فلا أمَنَ في العالَم إلا وهو مستَفادٌ بأسباب هو جلَّ جلاله متفرِّدٌ بخلقها والهداية إلى استعمالها، فهو الذي أعطَى كُلَّ شيءٍ خَلْقَهُ ثم هَدَىَ!.
دعاهُ سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام أن يجعل البلد الحرام آمناً، فلا يتسلَّط عليه الجبارون، ولا يعكِّرُ صفوه المجرمون الآثمون، فاستجيب دعاؤه. قال تعالى: (وَإِذْ
<1896>
قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) .
وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) .
وكان من هَدْيِ خاتم النبيين سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أن يقول إذا رأى الهلال: ”اللهم أَهِلَّهُ علينا بالأَمْنِ والإيمانِ، والسلامةِ والإسلامِ، ربِّي وربُّك الله“ ..
خامسا>> نعمة الماء .من النعم العظيمة التي من الله تعالى بها على الإنسان نعمة الماء العذب، فالماء العذب أفضل شراب، وأعظم صدقة، ورحمة الله على خلقه، وحيث وجد الماء وجدت الحياة: فالبلاد التي لا ماء فيها تهجر.
وبين الله لنا الآداب وكيفية التعامل مع هذه النعمة، وذلك كما يلي:
1>>: وجوب شكر نعمة الماء العذب:2>>: عدم الإسراف.فلا يجوز للإنسان أن يسرف في أي شيء، ومن ذلك الإسراف في استعمال الماء، ولو في العبادة، فلا تشرع الزيادة على ثلاث غسلات لكل عضو من أعضاء الوضوء، وكان النبي - - يتوضأ في مد (ربع لتر)، ويغتسل في صاع (اي: لتر تقريبا).3>> التصدق بسقي الماء إذ هو أفضل الصدقة:وأفضل الأعمال وأعظم القربات، قد سئل ابن عباس أي الصدقة أفضل فقال الماء الم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة أن افيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله، " قال تعالى " وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ . الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ." وروى أبو داود أن سعدا أتى النبي فقال أي الصدقة أعجب إليك قال الماء.
4>>:- الناس شركاء فيه:روى ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ .قَالَ أَبُو سَعِيدٍ يَعْنِي الْمَاءَ الْجَارِيَ.قال الألباني في إرواء الغليل : ( ضعيف بهذا اللفظ والزيادة.5>>- لا يجوز تلويثه،روى مسلم عَنْ جَابِرٍعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ.>
6>>- ولا يجوز التعذيب بالحرمان من الماء.روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْر>وعكس هذا ما رواه مسلم والبخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ قَالَ فَقَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ>وفي حديث عائشة عن النبي «من سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما اعتق رقبة ومن سقى مسلما شربة من ماء
<1897>
حيث لا يوجد الماء فكأنما احياها (خرجه ابن ماجة في السنن الثالثة) وقد استدل بذلك من قال ان صاحب الحوض والقربة احق بمائه وان له منعه ممن اراده لان معنى قول اهل الجنة ان الله حرمهما على الكافرين لا حق لكم فيها وقد بوب البخاري رحمه الله على هذا المعنى باب من راى ان صاحب الحوض والقربة احق بمائه وادخل في الباب عن ابي هريرة عن النبي قال والذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض قال المهلب لا خلاف ان صاحب الحوض احق بمائه لقوله عليه السلام لآذودن رجالا عن حوضي.
سادسا>> ـ نعمة الأولاد ..في صحيح مسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ> قال النووي : قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ عَمَل الْمَيِّت يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ ، وَيَنْقَطِع تَجَدُّد الْجَوَاب لَهُ ، إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبهَا ؛ فَإِنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبه ، وَكَذَلِكَ الْعِلْم الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيم أَوْ تَصْنِيف ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة الْجَارِيَة ، وَهِيَ الْوَقْف .
وَفِيهِ فَضِيلَة الزَّوَاج لِرَجَاءِ وَلَد صَالِح ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان اِخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس فِيهِ ، وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي كِتَاب النِّكَاح . وَفِيهِ دَلِيل لِصِحَّةِ أَصْل الْوَقْف ، وَعَظِيم ثَوَابه ، وَبَيَان فَضِيلَة الْعِلْم ، وَالْحَثّ عَلَى الِاسْتِكْثَار مِنْهُ . وَالتَّرْغِيب فِي تَوْرِيثه بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّصْنِيف وَالْإِيضَاح ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَار مِنْ الْعُلُوم الْأَنْفَع فَالْأَنْفَع . وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاء يَصِل ثَوَابه إِلَى الْمَيِّت ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة ، وَهُمَا مُجْمَع عَلَيْهِمَا ، وَكَذَلِكَ قَضَاء الدَّيْن كَمَا سَبَقَ .وَأَمَّا الْحَجّ فَيَجْزِي عَنْ الْمَيِّت عِنْد الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ ، وَهَذَا دَاخِل فِي قَضَاء الدَّيْن إِنْ كَانَ حَجًّا وَاجِبًا ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا وَصَّى بِهِ وَهُوَ مِنْ بَاب الْوَصَايَا ، وَأَمَّا إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَام فَالصَّحِيح أَنَّ الْوَلِيّ يَصُوم عَنْهُ ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الصِّيَام .
وَأَمَّا قِرَاءَة الْقُرْآن وَجَعْل ثَوَابهَا لِلْمَيِّتِ وَالصَّلَاة عَنْهُ وَنَحْوهمَا فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور أَنَّهَا لَا تَلْحَق الْمَيِّت ، وَفِيهَا خِلَاف ، وَسَبَقَ إِيضَاحه فِي أَوَّل هَذَا الشَّرْح فِي شَرْح مُقَدِّمَة صَحِيح مُسْلِم
.الولد نعمة قال الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ} الشورى49 الولد هبة وعطاء وفضل رباني خالص. هو الذي يخلق وهو الذي يرزق وهو الذي يوجِد وهو الذي يُمِد. {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} الأعراف 54، ذكر الإمام الطبري في تفسيره (جامع البيان في تفسير القرآن) والحافظ ابن كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ لَمْ يَحْمَدِ اللّهَ على ما عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، وحَمِدَ نَفْسَهُ، قَلَّ شُكْرُهُ وَحَبِطَ عَمَلُهُ. وَمَنْ زَعَمَ أنَّ اللّهَ جَعَلَ للعِبادِ مِنَ الأمْرِ شَيْئاً فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ على أنْبِيائِهِ لقوله: ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ العالَمِينَ".
الله وحده بلا شريك هو الذي خلق ورزق وأنعم على الإنسان بالولد، فمطلوب للوالد شكر المُنعم الذي له الخلق والأمر..والنعمة تستوجب الشكر لله تعالى {إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} البقرة 243، والحق سبحانه لا يريد
<1898>
منا سوى شكره على كرمه ومَنِّه وأفضاله {ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة 6.
، وفي الدعاء المأثور عن أبي الدرداء، وروي مرفوعاً: "اللهم لك المُلك كله، ولك الحمد كله، وإليك يرجع الأمر كله، أسألك من الخير كله، وأعوذ بك من الشر كله".
وجدير بالتذكير أيضا أن نعمة الولد والنعمة عموما تُنسب حقيقة إلى المُنعِم لا إلى المُنعَم عليه {وما بكم من نعمةٍ فمن الله} و من أوتي نعمة ولم يشكر ذهبت منه وهو لا يشعر. فاللهم ذكِّرنا النِّعم بدوامها لا بزوالها.
**ذكر الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} أنه "يحصل الولد يوم القيامة في ميزان أبيه ويُشفع الله تعالى الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء يدل على ذلك قوله تعالى: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا}... وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن وأعتقت عنه وروي أن سعد بن عبادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي توفيت أفأتصدق عنها قال نعم قال فأي الصدقة أفضل قال سقي الماء. و قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم" رواه الإمام البخاري رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الولد الصالح من ريحان الجنة".ومن دعاء عباد الرحمن:{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}
سابعا>> نعمة العافية أو الصحة عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا> الطبراني . سربه : نفسه وقلبه ، أو ما له من أهل ومال.. حيزت : جمعت .
أنعم الله تعالى علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، قال عز وجل:( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ومن أكبر هذه النعم نعمة العافية، وهي أن يسلم الإنسان من الأسقام والبلايا في عقله وبدنه وأهله وولده، وهي من أسباب سعادة المرء في دنياه، فمن أدركها فقد أدرك خيرا كثيرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا»
ونعمة الصحة هي من أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة - يعنى العبد- من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد ».
ولعظم نعمة العافية كان النبي صلى الله عليه وسلم يسألها لنفسه كل يوم، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح:« اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عورتي»
<1899>
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يسألوها، وكان الرجل إذا أسلم علمه النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات:« اللهم اغفر لي وارحمني واهدني، وعافني وارزقني»
ومن الأذكار الواردة قبل النوم أن يقول الإنسان:« اللهم خلقت نفسي وأنت توفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية».
عباد الله: وللمحافظة على نعمة الصحة والعافية شرع الإسلام جملة من الآداب الصحية التي تدفع عن الإنسان أسباب المرض، وتديم عليه العافية، فشرع الطهارة والنظافة والاغتسال، والوضوء والسواك والمضمضة والاستنشاق وإزالة النجاسة، وغير ذلك من الوسائل الوقائية، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحسن استثمار هذه النعمة، قال صلى الله عليه وسلم :« اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك». وإن من حسن استثمارها أن يجعل منها عونا له على طاعة الله تعالى، وأن يسعى بها في خدمة مجتمعه ووطنه، فخير الناس أنفعهم للناس.
أيها المؤمنون: إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، فاشكروا الله على نعمة العافية، وحافظوا عليها، واعتبروا بمن ابتلي بالأمراض والأسقام، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم مبتلين، فقال:« أما كان هؤلاء يسألون الله العافية ؟»
فالعافية مطلب كل مؤمن، فإن ابتلي فليطلب العلاج والدواء، فقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على التداوي التماسا للعافية فقال:« تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد، الهرم» وعليه أن يصبر ويرضى بقضاء الله تعالى، ويسأل الله تعالى أن يكشف عنه، ويعلم أن في الابتلاء تكفيرا للسيئات، وزيادة في الحسنات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما من شىء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة».
من رزق العافية فقد أفلح، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أى الدعاء أفضل؟ قال:« سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة». ثم أتاه فى اليوم الثاني فقال: يا رسول الله أى الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك، ثم أتاه فى اليوم الثالث فقال له مثل ذلك. قال صلى الله عليه وسلم :« فإذا أعطيت العافية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت».
سادسا>> نعمة العقل .العقل تلك النعمه التي انعم الله بها علينا وميزينا بها عن سائر مخلوقاته و تلك النعمه بالطبع لا يوازيه شئ لأنها هي اساس حياتنا ومن غير العقل( واسمحولي علي هذا التعبير) نصبح عباره عن قطيع من البهائم لا نعي شئ و لا نستفيد)
إن الناس في اختلاف ألوانهم وأجناسهم ايضا هم مختلفون في طريقه استخدام هذا العقل فهناك من يستخدم من هذا العقل الجزء اليسير منه وهؤلاء يستخدمون منه ما يجعلهم يعيشون فقط لا غير أي بنسبه لا تتعدا 10% من هذا العقل وهناك من يستخدم من هذا العقل الجزء البسيط بنسبه لا تتعدا الي20الي30% منه وهؤلاء بطبع
<1900>
هم الناس الطبيعين وهناك من يستخدم من هذا العقل الجزء الجيد منه بنسبه لا تتعدا 50% منه وهؤلاء هم طبقه المثقفين وهناك من يستخدم من هذا العقل الجزء الممتاز منه بنسبه تصل الي 95% منه وهؤلاء بطبع هم طبقه العلماء والمفكرين الذين تعتمد عليهم الدول في مسيرتها التقدميه
إن العقل من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان فبالعقل يكون الإدراك والتمييز وبالعقل يكون الفهم والاستنباط وبه تكون الهداية والرشاد وبه ساد الإنسان على الحيوان وإذا استعمل العقل ينتج الابتكارات .والله لا يخاطب إلا العقلاء فان زال العقل أو تغيب سقط عنه التكليف حتى يعود إليه العقل 0قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن
المجنون حتى يعقل ) صحيح أبو داود عن على 0
ومقاصد الشريعة الضرورية خمسه وهى حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال
العقل أحد مقاصد الشريعة الاسلاميه ونحن نعتدي على العقل الذي تحفظه الشريعة0
العقل وصفه أبو حامد الغزالي بأنه أنموذج من نور الله وعرفه الجاحظ بأنه وكيل الله عند الإنسان فإن عطل الناس عقولهم صاروا أضل من الأنعام قال الله تعالى ( ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والأنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) 179 الأعراف .ويقول أهل النار يوم القيامة قال الله تعالى ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير)11،12 الملك
وتظهر أهمية العقل من القرآن الكريم حيث وردت كلمة العقل في القرآن 49 مره وسماه الله ( النهى) في آيتين وسماه اللب أي حقيقة الشيء .16 آية .وسماه الحجر في قوله تعالى ( هل في ذلك قسم لذي حجر)أي لذي عقل ودعا الله إلى التفكير الذي هو نتيجة العقل في 18 آية ودعا إلى التدبر والاعتبار في 11 آية
والسؤال الذي نطرحه الآن ما هي الأشياء التي فعلتها الشريعة الاسلاميه لحفظ العقل
والجواب يتلخص في ثلاثة أشياء وهى
1) حرمت ا لشريعة الإسلامية التبعية الفكرية والتقليد الأعمى قال الله تعالى ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اللهقالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون)170 البقرة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تكونوا أمعه تقولون إن أحسن الناس أحسنا وان ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وان اساؤا فلا تظلموا ) رواه الترمذي وحسنه عن حذيفه رضي الله عنه وقال الألباني ضعيف مرفوعا وصححه موقوفا 0ولأن التبعية والتقليد الأعمى تعطيل للعقل عن التأمل والتفكر الذي أراده الله للعقل
2) حرمت الشريعة الدجل والشعوذة والاعتقاد في الخرافات والأوهام لأن المشعوذ والدجال استخدم عقله فيما لم يخلق له .ولا يزال كثير من المسلمين يعتقدون أن الجن
<1901>
يعلمون الغيب ويسألون أولياؤهم من الأنس عن المستقبل أو عما خفي عنهم وهم لا يعلمون الغيب
3) حرمت الشريعة كل مسكر وكل مخدر وكل مفتر لأنه يستر العقل ويغطيه وكل ما غيب العقل فهو حرام أيما كان نوعه أو اسمه0
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام) متفق عليه
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر وكل مفتر)رواه أحمد وأبو داود وصححه السيوطى والعراقي وضعفه الألباني
وذلك لأن المسكر والمخدر والمفتر يضر بأحد ضروريات الشريعة الخمسة مثل العقل والمال والعرض ويؤثر علي النسل لأنه مضر جدا علي الصحة
وهكذا حفظت الشريعة الإسلامية العقل من كل ما يشوبه أو يعطله وكم من مسلم يعتدي على الشريعة ومقاصدها في اعتدائه على عقله والله الهادي إلى سواء السبيل
فإنَّ مِنْ أفضل نِعَم الله على عباده، نعْمةَ العقل، فلولا العقل لما عرَف الإنسان دينَ الإسلام والنبوة، والخيرَ والشر، والحقَّ والباطل، والمعروفَ والمنكر، قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70]، فالله - تعالى - فضَّل بني آدم على غيرِهم منَ الجمادات، والحيوانات، والنباتات بهذا العقْل.
قال - تعالى - مادحًا عبادَه أصحاب العقول السليمة: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، قال ابن كثير: أي العقول التامة الزكية، التي تُدرك الأشياء بحقائقِها على جلياتها، وليسوا كالصمِّ البكم الذين لا يعقلون، الذين قال الله فيهم: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 105- 106][1].
وقد ذمَّ الله - تعالى - أصحابَ العقول الغافلة عن دينه؛ فقال: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾[الأنفال: 22].
فإذا فَقَدَ الإنسان العقلَ السليم الذي يقوده إلى الخير، ويُبعده عن الشر، فقد أصبح كالبهيمة التي تأكل وتشرب ولا تعقل شيئًا؛ بل إنها خيْرٌ منه، كما في الآية الكريمة السابقة؛ روى الحاكم في "المستدرك"، من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافَها))[2]؛ أي: دنيئها وخسيسها.
**العقل: اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب، والعلم باجتناب الخطأ، فإذا كان المرء في أول درجاته يسمَّى أديبًا، ثم أريبًا، ثم لبيبًا، ثم عاقلاً[4]، قال ابن كثير في تفسير قوله - تعالى -: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ [الأحقاف: 15]: أي: تناهى عقله، وكمل فهمُه وحلمه، ويقال: إنه لا يتغير غالبًا عما يكون عليه ابن الأربعين[5].
<1902>
قال ابن حزم: وحدُّ العقل ينطوي فيه فعل الطاعات والفضائل، واجتناب المعاصي والرذائل، وقد نصَّ الله - تعالى - في كتابه على أن مَن عصاه لا يعقل، قال - تعالى -: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]، وحد الحُمْق: استعمال المعاصي والرذائل، وهو ضد العقل، ولا واسطة بين الحمق والعقل إلا السخف[6]. اهـ.
قيل لابن المبارك: ما خير ما أُعطي الرجل؟ قال: غريزة عقل، قيل: فإن لَم يكن؟ قال: أدب حسن، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ صالح يستشيره، قيل: فإن لم يكن؟ قال: صمت طويل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجِل[7].
وحُكي أن جماعة منَ النصارى تحدَّثوا فيما بينهم، فقال قائل منهم: ما أقل عقول المسلمين، يزعمون أن نبيَّهم كان راعيًا للغنم، فكيف يصلح راعي الغنم للنبوَّة؟! فقال له آخر من بينهم: أما هم، فوالله أعقل منَّا؛ فإن الله بحكمته يسترعي النبي الحيوان البهيم، فإذا أحسن رعايته والقيام عليه، نقله منه إلى رعاية الحيوان الناطق؛ حكمة من الله وتدريجًا لعبده، ولكن نحن جئنا إلى مولود خرج من امرأة، يأكُل ويشرب، ويبول ويبكي، فقلنا: هذا إلهنا الذي خلق السموات والأرض، فأمسك القوم عنه[9].
هناك بعض التنْبيهات:
أولاً: أن محل العقل القلبُ، وهو صريح قولِ الله - تعالى -: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، قال الشيخ محمد الشنقيطي - رحمه الله -: ومن الخطأ قول الفلاسفة: إنَّ محل العقل الدماغ، وقد تبعهم في ذلك قليلٌ من المسلمين، وعامةُ علماء المسلمين أن محل العقل القلب، فمن ذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]، فعابهم الله بأنهم لا يفقهون، والفِقه - الذي هو الفهْم - لا يكون إلا بالعقل، فدلَّ على أن محلَّ العقْل القلب، وقال - تعالى -: ﴿ وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات: 14].
وفي الصحيحَيْن من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -: ((ألا وإن في الجسد مُضغة، إذا صلَحتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدتْ فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب))[10]، فإذا آمن القلْبُ، آمنت الجوارح بفِعْل المأمورات وترْك المنهيَّات؛ لأنَّ القلب أمير البَدَن، وذلك يدلُّ دلالة واضحة على أن القلب ما كان كذلك، إلا لأنه محل العقل الذي به الإدراك والفَهْم[11].
ثانيًا: ليس كل مَن ادَّعى العقل يُعتبر عاقلاً، فقد يدَّعيه مَنْ هو سفيه أو أحمق، فالعاقل - كما تقدَّم - مَنْ ترفَّع عن السفاهات والمعاصي وخوارم المروءة كلها، وسَمَا بنفسه إلى الطاعات ومكارم الأخلاق.
قال ابن حبان - بعدما ذكر أقوال العلماء في تعريف المروءة -: والمروءة عندي خصلتان: اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال، واستعمال ما يحب الله
<1903>
والمسلمون من الخصال، واستعمالهما هو العقل نفسه، وقد ورد في الأثر: إن مروءة المرْء عقلُه[12].
ثالثًا: قد يكون الإنسان ذكيًّا، ولكنه ليس بعاقل؛ فالذكاء: هو سرعة البديهة والفهم، والعقل: ما حجز الإنسان عنْ فعل ما لا ينبغي.
رابعًا: العقل نوعان، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: العقل هو مناط التكليف، وهو إدراك الأشياء وفهْمها، وهو الذي تكلَّم عليه الفقهاء في العبادات والمعاملات وغيرها.وعقل الرشد: وهو أن يحسن الإنسان التصرُّف، وسمِّي إحسان التصرُّف عقلاً؛ لأنَّ الإنسان عقل تصرفه بما ينفعه[13].
قال - تعالى -: ﴿ كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 73]، وقال - تعالى -: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، أفلا يكون لكم عقول تدركون بها خطأكم وضلالكم؟!
خامسًا: قد يُعطى الإنسان القوة والذكاء والعقل، ولكن لا يوفَّق للهداية، وأمثلة هذا كثيرة، فأصحابُ المخترعات العظيمة؛ كالكهرباء، والطائرات، والقنابل النووية، وغيرها، كثيرٌ منهم من غير المسلمين؛ كاليهود والنصارى والملاحدة؛ بل ذكر الله عن قوم عاد أنهم كانوا أصحاب قوة وذكاء، بنوا حضارةً من أحسن الحضارات، قال - تعالى - عنها: ﴿ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ [الفجر: 7 - 8]، لكنهم لما جحدوا بآيات الله ما نفعتْهم عقولُهم ولا قوَّتهم؛ بل صارت وبالاً عليهم، قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأحقاف: 26].
سابعا>>ـ نعمة البصر نعم الله على عباده كثيرة، وألآئه عليهم عظيمة، مختلفة الأشكال، متنوعة الأحوال، لا يُقدر على إحصائها، ولا يُستطاع شكرها، ولا يَستغني أحد عنها، ومن أجل هذه النعم وأشرفها نعمة البصر، التي يبصر بها الإنسان ماحوله، ويمارس بها حياته، قال تعالى: "والله أخرجكم من بطون أُمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئده لعلكم تشكرون" وقال سبحانه: "قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والبصر والافئدة قليلا ماتشكرون " فَحقُّ هذه النعمة شكر المولى عليها، بإستعمالها في طاعته ومرضاته، وإمتثال إمره فيها، ومن فرط في ذلك حوسب يوم العرض عليها، وسُئل يوم القيامة عنها، قال تعالى: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا".
العين التي نبصر بها أمانة حدد الله لها طريقا ترتسمه، وجعل لها مسارا تسلكه، وصرفها عن هذا الطريق خيانة، قال تعالى: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" وفَقْدُ البصر يكون عقوبة من الله على ما أحدث العبد، قال تعالى: "قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به أنظر كيف نصرف الأيات ثم هم يصدفون" وقد يكون فَقْدُ البصر إبتلاء من الله، ليرى صبر عبده قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: "إن ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر
<1904>
عوضته منهما الجنة" فهي أحب أعضاء الإنسان إليه، ويحصل لها بفقدها من الأسى على رؤية ما يحب من الخير، وتجنب ما يضر من الشر الشئ الكثيرا.
العين التي نُبصر بها تبدو صغيرة الحجم، ضئيلة الجِرم، لكنها في الحقيقة خلق عجيب، معقدة التركيب، لا تستطيع قوى البشر في هذا العصر الذي بلغت فيه الحضارة مبلغا عظيما، وأغتر الناس بمخترعاتهم واكتشافتهم أن يخلقوا مثلها، أو يوجدوا ما هو قريب منها "صنع الله الذي أتقن كل شيء" نعم. لقد أخترعوا ما يُفسد العين والأُذن، ويَصُدُّها عن طاعة الله، لكنهم وقفوا عاجزين عن وصفها، وكيفية عملية الإبصار بها، يقول أحد المختصين: في العين ثلاثون شريانا مغذيَّا، وثلاثة أعصاب محركة، وعصب ينقل الحس، وعصب آخر ينقل المُبْصرات عبر شريط يضُم نصف مليون ليف، وهذه الألياف تنقل المبصرات من مائة وأربعين مليون عُصاة، وسبعة ملايين مخروط، ملايين من الأعصاب والخلايا في عينك وأنت ماتشعر!!! قال تعالى : "هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين" سبحان من خلق فأبدع، وصور فأحسن "فتبارك الله أحسن الخالقين" وقال تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون".
العين مما يشهد عليك بما كسبت يوم القيامة قال تعالى: "ويومَ يُحشرُ أعداءُ الله إلى النار فهم يُوزعون. حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعُهُم أبصارهم جُلُدُهم بما كانوا يعملون".
البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأهم طُرق الحواس إليه، به يتأجج لهيب الشهوة، وتقوى في النفس الرغبة، ولذلك أمر الله عز وجل المؤمنين بغضِّ أبصارهم قال تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم" فبدأ بغض البصر قبل حفظ الفرج، لأن البصر سبيل للقلب، وطريق إليه:
ألم تر أن العين للقلب رائد*فما تألف العينانِ فالقلب آلف
فقدم غض البصر على حفظ الفرج، لأن النظر بريد الزنا،روى البخاري ومسلم : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ>
فبدأ بزنا العين لأنه أصل زنا اليد والرجل والقلب والفرج، وهذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن العين تعصي بالنظر، وأن ذلك زناها.
ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغض البصر عما حرم الله، قال جرير بن عبدالله: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفُجأة فأمرني أن أصرف بصري، ونظر الفُجأه أن يقع النظر على امرآة أجنبية، أو غلام أمرد، بغير قصد، فإذا جاءت فجأة أمام عينيه فعليه أن يغض بصره، ولا يديم النظر إليها، لأن ذلك يؤثر على القلب، ويفتح باب الشهوة المحرمة، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه: "يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية" يقولها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه مع علم
<1905>
النبي صلى الله عليه وسلم بكمال زهد علي، وورعه وعفة ظاهره وباطنه، فكيف بمن دونه؟؟ وكيف بمن إذا قلت له أغضض بصرك؟؟ غضب من قولك، وعد ذلك تدخلا في
هذه الآداب الكريمة من غض البصر، والتحذير من إطلاقه، إنما هي لعلل سامية، وأهداف رفيعة، وحصانة سابقة، ترجع في مجموعها إلى إقامة مجتمع نظيف عفيف، النظر سهم مسموم، وفعل مذموم، هو رأسُ كل بلية، وأساس كل رزية، في مبدئه يمكن إستدراكه، وأسيره يُرجى فكاكه، فإذا تكرر أدى إلى الهلاك، وصعب منه الخلاص والفكاك.
ثامنا>>>> نعمة النسيان
النسيان صفة أودعها الله في النفس البشرية ,, وقد سُمِّي الإنسانُ إنساناً لكثرة نسيانه ..وبعضهم يسميها ""نعمة النسيان"" أجل هي نعمة من عند الله ... بها نستطيع أن نتعدى همومنا وأحزاننا ..وننسى بعضاً من تلك الجراح التي أحدثتها نوائب الدنيا ومنغصاتها ..ولكن النسيان من جهة أخرى قد يكون صفة مذمومة يلام عليها الإنسان..وبالتالي فالنسيان قد يكون جميلاً أو قبيحاً....ومن النسيان الجميل الذي ينطوي على خير كثيروحكمة بالغة ما وقع لنبينا مما فيه خير للأمةروى مسلم والبخاري وغيرهما : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي فَنُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ> وفي البخاري ايضا عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ
تاسعا>>ـ من النعم التأمل في تركيب جسم ابن آدم قال تعالى ::>>وفي أنفسكم أفلا تبصرون > ماذا حدث حينما حاول العلماء إطالة العمر بتغيير الجينات ..؟؟؟احتار كبار علماء أوروبا وأمريكا أمام أسرار "الخلية" التي تعتبر اللبنة الأساسية في جسم الإنسان.. فالخلية هي أول ما يتشكل في جسم الانسان بعد إتمام عملية التلقيح ثم تقسم الخلية إلي مجموعة من الخلايا ثم إلي مجاميع عديدة تتضافر ويكون كل منها عضوا من أعضاء الجسم إلي ان يصبح إنساناً كامل النمو به جميع الأجهزة التي تسيِّر دولاب حياته... !!
وعن اكتشافات العلماء التي أثارت دهشتهم معلومات بالغة الأهمية عن سر الحياة والموت في هذه الخلية.. بل عما يجري للانسان من عمليات تتم في جسمه علي مدي سنين العمر يؤكد الدكتور محمد نبيل موصوف أستاذ علاج الألم ورئيس وحدة العلاج بالأوزون في المعهد القومي للأوزون ضيفنا اليوم ما يجري في هذه الحلقة اكتشافات العلماء لبعض أسرار الاعجاز الالهي في أجسامنا وما الجديد الذي يُحيِّر العلماء وزيدهم دهشة واصرارا علي بذل أقصي الجهود لاكتشاف وسائل وأدوات جديدة تساعدهم علي معرفة أسرار جديدة في أجسامنا خلقها الله.
الحيـــاة .... والمــوت
<1906>
العلماء تبين لهم ان الله كما خلق الحياة في الخلية خلق فيها الموت وجعلها محكومة به فبعد تجارب كثيرة وأبحاث عديدة تبين لهم ان داخل كل خلية برنامج دقيق جدا يختفي بالموت يشبه برنامج الكمبيوتر فكل واحد منا في جسمه ملايين ملايين الخلايا وقد أودع الله فيها نظاما يتحكم في تطور هذه الخلية منذ خلقها حتي لحظة موتها وقد اكتشف العلماء مؤخراً ان داخل كل خلية من خلايا الجسم "ساعة بيولوجية" خاصة بهذه الخلية تكشف عن خلق الموت في الخلية مثلما تكشف عن خلق الحياة أيضاً رغم ان عدد هذه الخلايا 60 مليون مليون خلية.. الخلاصة ان كل خلية محكومة بالحياة هي أيضاً محكومة بالموت ولقد حاول العلماء تأخير "الموت" فأجروا تجارب وأبحاث للتدخل في الجينات والشريط الوراثي D.n.a لاطالة العمر فأصاب السرطان الخلايا التي أجريت عليها التجارب وماتت بدلاً من أن يطول عمرها!!
يتوقف الدكتور محمد نبيل موصوف قليلاً ثم يعود فيقول: تبارك الله أحسن الخالقين لقد علمنا أنه جل شأنه خلق الحياة والموت بما حملته لنا سورة الملك "تبارك الذي بيده الملك وهو علي كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" هذا عن الموت.. لكن للخلية إنجازات عظيمة طوال حياة الإنسان يحدثنا عنها الدكتور نبيل موصوف طبقاً لاكتشافات العلماء ويذكر أمثلة لما وضعوا أيديهم عليه من إنجاز لهذه الخلايا بعد ان تحولت إلي أجهزة مختلفة في أجسامنا
فيقول: - بالأرقام اكتشف العلماء الإعجاز الالهي في أجسامنا علي الصور التالية: 1>>. 3000 مليون مرة يزداد حجم الجنين من بداية التلقيح حتي الولادة 2>> ـ 6500 لتر من الدم يضخها القلب إلي الجسم يوميا 3>>ــ في حالة الحمل يضخ القلب يومياً 15 ألف لتر من الدم.4>> ــ في دم الإنسان الواحد 25 مليون كرية حمراء ويستهلك الإنسان في الثانية 2 مليون كرية حمراء.5>> ــ تصل دقات القلب إلي ألفي مليون دقة في متوسط العمر دون توقف ودون أن يحصل علي قسط من الراحة6>> ــ 400 مليار خلية في الكبد وتقوم بأكثر من 50 وظيفة.7>> ــ يستهلك الجسم 7500 مليون خلية في الدقيقة 8>>ــ يوجد بالمعدة 35 مليون غدة لإفراز ما يهضم لنا الطعام 9>>ــ في الرئة 750 مليون حويصلة رئوية و يتنفس الإنسان في اليوم الواحد 23 ألف مرة بمعدل يصل علي مدى العمر قرابة 2040 مليون مرة. 10>>ــ في جسم الإنسان من 3- 4 مليون جهاز يشعره بالألم 11>>ــ وفي جسمه أيضاً خلق الله 500 ألف جهاز للمس والضغط. ــ 200 ألف جهاز حساس للحرارة
12>>ــ كل ثانية تتم 660 مليون إشارة من الأعضاء الحسية يتلقفها الجهاز العصبي يُتقيها إلي 100 آشارة ويصدرها إلي الدماغ. 13>>ــ نصف مليون صورة يتم تخزينها في الدماغ يوميا 14>>ــ من عظمة الله وفضله انه لكي يمكن الإنسان من استعادة المعلومات التي درسها واستوعبها طيلة حياته أن خلق فينا 9 مليارات من الخلايا العصبية في الدماغ تتوزع علي 64 منطقة من مناطق الدماغ ثم جعل
<1907>
خلايا الجهاز العصبي هذه لا تتكاثر ولا تتغير ولو تغيرت لاحتاج الإنسان لتعلم اللغة كل ستة أشهر.
هذا ما يقوله الطب عما اكتشفه العلماء من انجازات الخلية الأولي في أجسامنا بعد أن انقسمت وتحولت إلي أجهزة عديدة في كائن حي وفي القرآن الكريم
سألت الدكتور عبدالفتاح أبوالفتوح أستاذ اللغة بكلية الدراسات الاسلامية بجامعة الأزهر عن انطباعه عن اكتشافات العلم الحديث عبر الأربعمائة سنة الأخيرة هي كل عمر العلوم الحديثة وما قدمناه منه في هذه السطور ..
قال أخرِّ لله ساجداً وأنا أقرأ قرآنه الكريم الذي صور لنا هذا الإعجاز الالهي منذ أربعة عشر قرنا في الآيات التالية:
"يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلي أجل مسمي ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفي ومنكم من يرد إلي أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً وتري الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" آية 5 سورة الحج.
وحول اكتشاف العلماء بأن الله جل شأنه خلق الحياة في الخلية خلق فيها الموت أيضاً أجد القرآن الكريم يعلمنا بذلك في الآية الكريمة "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" وقوله تبارك وتعالي في آية أخري "كل شيء هالك إلا وجهه" ثم هذه الآية "وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون". اهـ كتبــــه د. محمد موصوف .. بجريدة عقيدتى استاذ بقسم التخدير والإنعاش وعلاج الألم ورئيس وحدة العلاج بالأوزون بالمعهد القومي للأورام جامعة القاهرة ..
وصدق الله العظيم إذ قال ربنا في محكم كتابه الكريم:( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها).(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم).صدق الله الكريم.
بعض نعم الله على خلقه,التي منها ماهو ظاهر ومنها ماهو باطن مجهول
قال أحدهم :وبما أني طبيب ومن خلال ثقافتي المتواضعة,توصلت لمعرفته تعالى,أرجو من الله أن يكون بالتذكير به ثوابا وأجرا لنا جميعا.
1- وجود جهاز مناعي قوي للدفاع عن المخاطر ومنه( الكريات البيضاء,العقد اللمفاوية,انزيمات بالجلد, الدموع,اللعاب,الصماخ بالأذن(الشمع)).2-نعمة النسيان
3-النوم والأحلام.4-عوامل تخثر الدم,لإيقاف النزف.5-قدرة السمع بترددات وذبذبات محدودة لتلافي الأصوات الضارة.6-ليونة ومرونة العظام عند الأطفال, وسماكة الطبقة الخارجية للعظم (السمحاق) تجعل من الأطفال المعرضين للكسور أكثر من غيرهم ,امتصاص للصدمات وعدم التأذي الشديد بالكسور الخطرة.7-القدرة على الترميم, وإعادة البناء لخلايا الجسم المتضررة, مثال الحروق بالجلد, 8-إفراز هرمونات تحمي الجسم بحالة شعور الخطر مثل الأدرينالين,الذي يقوم بمجموعة تأثيرات, على بعض الأعضاء الهامة, لحماية الجسم, منها رفع الضغط واحتباس السوائل بالجسم لتلافي الصدمة
9
<1908>
-إفراز هرمون, أو مركب كيماوي ناقل, مسكن للألم له قوة شديدة, بحيث يتم لجم الألم, بحالة الكسور أو الإصابات أو الأمراض الخبيثة الشديدة الألم, لأن قدرة تحمل الألم لها عتبة محددة10-الحواس (السمع والبصر, واللمس ,والشم والتذوق,وحس الارتجاجات وحس الحرارة, والبرودة والألم والضغط), كلها بغاية الأهمية والتعقيد وهي وسيلة دفاعية للإنسان.مثال شم رائحة الدخان إنذار لحريق.والألم وشعور الترفع الحروري أو البرودة أيضا إنذار لخلل ما أو تقوم بوقاية الجسم.
11-إن الأعضاء الهامة للإنسان مثل الدماغ, والحبل الشوكي,العيون ,والقلب ,والرئتين والكبد والطحال والبنكرياس وكذلك الشرايين الهامة,موجودة ومحاطة بعناية وبمكان أمين, داخل أجواف متينة مثل الجمجمة للدماغ وجوف الحجاج للعيون, أو المآقي,وجوف الصدر المتشكل من الأضلاع وعظم القص القوي بالأمام والذي يحمي القلب والرئتين, كما أن جوف البطن له وسيلة دفاعية متعددة,مثل القلعة أي خط أول وخط ثاني وثالث,مثال من الخارج طبقات الجلد ثم النسيج الشحمي ثم الصفاق العضلي ثم العضلات التي تتكون من طبقات,ثم البريتوان أو الثرب وله وظيفة دفاعية بغاية الأهمية ,مثال في حالات البطن الحادة الجراحي , مثال التهاب الزائدة الدودية أو انفجارها بالبطن, فإن البريتوان يقوم بحصار لمكان الالتهاب والانكماش لمنع انتشار الجراثيم والأضرار بجوف البطن.وإن الشرايين الهامة بالجسم مثل الوتين,أو الأبهر بالصدر والبطن,الشريان الفخذي الذي يوجد بأخدود محفور له خصيصا داخل عظم الفخذ وبعمق, وهو للحماية أيضا.12-غريزة الحنان والحب والعطاء والرحمة بشكل عام عند الأم.14-الأهداب بالجهاز التنفسي التي تقوم بفلترة لتنقية الهواء قبل دخوله للجهاز التنفسي,والزغابات المعوية بالأمعاء التي تقوم بوظيفة امتصاص للطعام.15-طريقة التكوين للأمعاء من حيث الألتفافات والطي, لأن مساحتها واسعة لو مدت. وكذلك التلافيف الدماغية التي تقدر بالكيلومترات لو مدت, مطوية وملفوفة, داخل الدماغ ضمن القحف.16-وجود قوس بالقدم لتوزيع القوة النازلة من وزن الجسم على محصلتين أو محورين للأمام وللخلف.لإنقاص التحميل من توزيعه.17-التعرق له وظيفة دفاعية لتبريد الجسم من الترفع الحروري الضار.18-وظائف المفاصل المقدرة من عطف وبسط ودوران وفتل....الخ لتساعد الإنسان بالحركة والنشاط.19-ذاكرة الإنسان التي هي بقدر.20-غريزة المخالطة والمعاشرة لدى الإنسان ويقال أن الله عز وجل حين خلق آدم عليه السلام بالجنة قبل
حواء ,شعر بالوحشة, ثم بعدها خلق الله له من ضلعه أمنا حواء لتؤنسه ولحكمة التكاثر أيضا.21- مادة الميلانين(الصباغ) بالجلد لها دور حماية للجسم من أشعة الشمس ويسمر الإنسان بالتعرض الشديد للشمس ولذلك الزنوج يتأقلمون بالحرارة العالية بالمناطق الاستوائية.
***عاشرا>> بماذا يكون شكر النعم… يكون:
1-الايمان بالله:قال الله تعالى: (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) النحل: الآية 72
2
<1909>
-عبادة الله:قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) سورة البقرة, الآية 172
3-الاعتراف بأن الله هو الذي ينعم:قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) النحل: الآية53.وقوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) النحل: الآية 112.
4-عدم نكران النعمة:قال تعالى: (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) النحل: الآية 83.
5-عدم جحود النعمة:قال تعالى: (أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) النحل: الآية 71
6-عمل الصالحات:قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً ) المؤمنون: الآية 51
فشكر النعم، موجب للمزيد (لئن شكرتم لأزدنكم) وكفرها بترك الواجبات وفعل المحرمات، فيسلب من النعم وأسبابها ما يكون جزاءه (ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)
يخبر تعالى عن عجز العباد عن تعداد النعم فضلاً عن القيام بشكرهاقال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:18).
قال طلق بن حبيب: إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد، وإن نعم الله أكثر من أن تحصى، ولكن أصبحوا تائبين، وأمسوا تائبين". اهـ منتدى منتـدى علـوم القـرآن الكــريم كيف يكون شكر العبد ربَّه على نعمه الجليلة ؟ يكون الشكر بتحقيق أركانه ، وهي شكر القلب ، وشكر اللسان ، وشكر الجوارح .
قال ابن القيم - رحمه الله - : الشكر يكون : بالقلب : خضوعاً واستكانةً ، وباللسان : ثناءً واعترافاً ، وبالجوارح : طاعةً وانقياداً ." مدارج السالكين " ( 2 / 246 ) .
وتفصيل ذلك :
1.>> أما شكر القلب : فمعناه : أن يستشعر القلب قيمة النعم التي أنعمها الله على عبده ، وأن ينعقد على الاعتراف بأن المنعم بهذه النعَم الجليلة هو الله وحده لا شريك له ، قال تعالى : ( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ) النحل/ 53 .
وليس هذا الاعتراف من باب الاستحباب ، بل هو واجب ، ومن نسب هذه النعم لغيره تعالى : كفر .قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :الواجب على الخلق إضافة النعم إلى الله قولاً ، واعترافاً ، وبذلك يتم التوحيد ، فمن أنكر نعَم الله بقلبه ، ولسانه : فذلك كافر ، ليس معه من الدين شيء. ومَن أقر بقلبه أن النعَم كلها من الله وحده ، وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله ، وتارة يضيفها إلى نفسه ، وعمله ، وإلى سعي غيره - كما هو جارٍ على ألسنة كثير من الناس - : فهذا يجب على العبد أن يتوب منه ، وأن لا يضيف النعم إلا إلى موليها ، وأن يجاهد نفسه على ذلك ، ولا يتحقق الإيمان ، والتوحيد إلا بإضافة النعَم إلى الله ، قولاً ، واعترافاً .فإن الشكر الذي هو رأس الإيمان مبني على ثلاثة أركان : اعتراف القلب بنعَم الله كلها عليه ، وعلى غيره ، والتحدث بها ، والثناء على الله بها ، والاستعانة بها على طاعة المنعم ،
<1910>
وعبادته .اهـ القول السديد .وقال تعالى مبيناً حال من يجحد نسبة النعم لله تعالى : ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) النحل/ 83 .
قال ابن كثير - رحمه الله - : أي : يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك ، وهو المتفضل به عليهم ، ومع هذا ينكرون ذلك ، ويعبدون معه غيره ، ويسندون النصر والرزق إلى غيره ." تفسير ابن كثير " ( 4 / 592 ) .
2>>. وأما شكر اللسان : فهو الاعتراف لفظاً – بعد عقد القلب اعتقاداً – بأن المنعَم على الحقيقة هو الله تعالى ، واشتغال اللسان بالثناء على الله عز وجل .
قال تعالى في سياق بيان نعمه على عبد محمد صلى الله عليه وسلم : ( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ) الضحى/ 8 ، ثم أمره في مقابل ذلك بقوله : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى/ 11 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :أي : وكما كنت عائلا فقيراً فأغناك الله : فحدِّث بنعمة الله عليك ." تفسير ابن كثير " ( 8 / 427 ) . وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ) .رواه مسلم ( 2734 ) .قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله - :والحمد هنا بمعنى الشكر و الحمد يوضع موضع الشكر ، ولا يوضع الشكر موضع الحمد ، وفيه دلالة على أن شكر النعمة - وإن قلَّت - : سببُ نيل رضا الله تعالى ، الذي هو أشرف أحوال أهل الجنة ، وسيأتي قول الله عز وجل لأهل الجنة حين يقولون : " أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ، فيقول : ( ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ ) فيقولون : ما هو ؟ ألم تبيض وجوهنا ، وتدخلنا الجنة ، وتزحزحنا عن النار ؟ ، فيقول : ( أحلُّ عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم بعده أبداً ) .
وإنما كان الشكر سبباً لذلك الإكرام العظيم لأنَّه يتضمَّن معرفة المنْعِم ، وانفراده بخلق تلك النعمة ، وبإيصالها إلى المنعَم عليه ، تفضلاًّ من المنعِم ، وكرماً ، ومنَّة ، وأن المنعَم عليه فقيرٌ ، محتاجٌ إلى تلك النعَم ، ولا غنى به عنها ، فقد تضمَّن ذلك معرفة حق الله وفضله ، وحقّ العبد وفاقته ، وفقره ، فجعل الله تعالى جزاء تلك المعرفة : تلك الكرامة الشريفة .اهـ " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " ( 7 / 60 ، 61 ) .
ومن هنا قال بعض السلف : " مَن كتم النعمة : فقد كفَرها ، ومن أظهرها ونشرها : فقد شكرها " .قال ابن القيم – تعليقاً على هذا - :وهذا مأخوذ من قوله : ( إن الله إذا أنعم على عبد بنعمة : أحب أن يَرى أثر نعمته على عبده ) ." مدارج السالكين " ( 2 / 246 ) .ويروى عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله : تذاكروا النِّعَم ، فإنَّ ذِكرها شكرٌ .
>>3. وأما شكر الجوارح : فهو أن يسخِّر جوارحه في طاعة الله ، ويجنبها ارتكاب ما نهى الله عنه من المعاصي والآثام .وقد قال الله تعالى : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً ) سـبأ/ من الآية 13 .عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ : ( يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) .رواه البخاري ( 4557
<1911>
) ومسلم ( 2820 ) .قال ابن بطَّال – رحمه الله - :قال الطبري : والصّواب في ذلك : أن شكر العبد هو : إقراره بأن ذلك من الله دون غيره ، وإقرار الحقيقة : الفعل ، ويصدقه العمل ، فأما الإقرار الذي يكذبه العمل ، فإن صاحبه لا يستحق اسم الشاكر بالإطلاق ، ولكنه يقال شكر باللسان ، والدليل على صحة ذلك : قوله تعالى : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ) سبأ/ 13 ، ومعلوم أنه لم يأمرهم ، إذ قال لهم ذلك ، بالإقرار بنعمه ؛ لأنهم كانوا لا يجحدون أن يكون ذلك تفضلاًّ منه عليهم ، وإنما أمرهم بالشكر على نعمه بالطاعة له بالعمل ، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم حين تفطرت قدماه في قيام الليل : ( أفلا أكون عبدًا شكوراً ) ." شرح صحيح البخارى " ( 10 / 183 ، 184 ) . وقال أبو هارون : دخلتُ على أبي حازم ، فقلت له : يرحمك الله ، ما شكرُ العينين ؟ قال : إذا رأيتَ بهما خيراً : ذكرته ، وإذا رأيتَ بهما شرّاً : سترته ، قلت : فما شكر الأذنين ؟ قال : إذا سمعتَ بهما خيراً : حفظته ، وإذا سمعتَ بهما شرّاً : نسيتَه . قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :
الشكر على درجتين : إحداهما واجب ، وهو أن يأتي بالواجبات ، ويتجنب المحرمات ، فهذا لا بد منه ، ويكفي في شكر هذه النعم ، ... .ومن هنا قال بعض السلف :
" الشكر : ترك المعاصي " .وقال بعضهم : " الشكر أن لا يُستعان بشيءٍ من النعَم على معصيته " .وذكر أبو حازم الزاهد شكرَ الجوارح كلها : " أن تكف عن المعاصي ، وتستعمل في الطاعات " ، ثم قال : " وأما مَن شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه : فمثَلُه كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ، فلم يلبسه ، فلم ينفعه ذلك من البرد ، والحر ، والثلج ، والمطر " .الدرجة الثانية من الشكر : الشكر المستحب ، وهو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض ، واجتناب المحارم : بنوافل الطاعات ، وهذه درجة السابقين المقربين ... ." جامع العلوم والحكم " ( ص 245 ، 246 ) .
والخلاصة :
أنه حتى تكون شاكراً لربك تعالى على ما أنعم عليك : فإنه يجب عليك الاعتراف بقلبك أن واهب هذه النعم ، ومسديها هو الله تعالى ، فتعظمه ، وتنسبها إليه ، وأن تعترف بذلك بلسانك ، فتشكره بعد الاستيقاظ من النوم أن وهب لك الحياة ، وبعد الطعام والشراب أن رزقك إياهما وتفضل بهما عليك ، وهكذا في كل نعمة تراها على نفسك .
وتشكره بجوارك بأن لا تجعلها ترى ، ولا تسمع ، معصية ، أو منكراً ، كغناء ، أو غيبة ، ولا تمش برجليك إلى أماكن محرَّمة ، ولا تستعمل يديك في منكر ، ككتابة محرمة في علاقة مع نساء أجنبيات ، أو كتابة عقود محرمة ، أو القيام بصنعة أو عمل محرَّم ،
ومن شكر النعم بالجوارح : تسخيرها في طاعة الله تعالى ، بقراءة القرآن ، وكتب العلم ، وسماع النافع والمفيد ، وهكذا باقي الجوارح تسخرها في الطاعات المختلفة .
واعلم أن شكر النعَم نعمة تحتاج لشكر ، وهكذا يبقى العبد العبد متقلباً في نعَم ربِّه ، وهو يشكر ربه على تلك النعم ، ويحمده أن وفقه إلى أن يكون من الشاكرين .
أركــان الشـكر : الشكر من العبد لربه يدور حول ثلاثة أشياء :
<1912>
(1) إعتراف العبد بنعمة الله عليه على وجه الخضوع .
(2) الثناء عليه سبحانه وتعالى بهذه النعم ، أى الثناء على المحسن بذكر إحسانه .
(3) الإستعانة بهذه النعم على مرضاة الله وأن لا يستعملها فيما يكره .
فالشكر هو الإعتراف بإنعام الله عليك على وجه الخضوع ، فمن لم يعرف النعمة لا يشكرها ، ومن عرف النعمة ولم يعرف المُنعم كيف يشكره ؟ ومن عرف النعمة والمُنعم لكن جحدها فقد كفرها ، ومن عرف النعمة والمُنعم وخضع للمُنعم وأحبه وأستعمل النعمة فى طاعته فهذا هو الشاكر حقاً .. وهذا هو التعريف الشامل لشكر الله .
والشكر هو الغاية التى خلق الله الخلق لها ، قال تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } فلأى شئ أخرجهم من بطون أمهاتهم ؟ لعلهم يشكرون .
والله قسّـم الناس الى قسمين : إما شاكر وإما كافر ، قال تعالى { فاذكرونى أذكركم وأشكروا لى ولا تكفرون } وهو أول وصية وصّى الله بها الإنسان قال تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أُمه وهناً على وهن وفصالُه فى عامين أن اشكر لى ولوالديك إلىّ المصير } ، وقال تعالى { ولقد ءاتينا لقمان الحِكمة أن اشكر لله } وكان النبى صلى الله عليه وسلم سيد الشاكرين وإمامهم ، كان يعبد الله ليكون شكوراً كما جاء فى الحديث الصحيح عن المغيرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قام حتى تورمت قدماه ، فقيل : غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر . قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " . وجاء مثله أيضاً فى صحيح البخارى عن عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطّـر قدماه . فقالت عائشة : لِمَ تصنع هذا يارسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً "..
سؤال : كيف تكون عبداً شكوراً ؟
الإجابة :(1)>> بهذه العبادة التى دلنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى قيام الليل . مَن مِنا يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ؟ بل مَن مِنا يقوم الليل أصلاً ؟!! إنّا لله وإنّا إليه راجعون . (2)>> الدعاء : وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول :" اللهم أعنّى ولا تُعن علىّ وأنصرنى ولا تنصر علىّ وأمكر لى ولا تمكر بي وأهدنى ويسر الهُدى لي وأنصرنى على من بغى علىّ وأجعلنى شاكراً – وفى رواية شكّاراً – لك ذكّاراً لك رهّاباً لك مطاوعاً لك مُخبتاً إليك أواهاً مُنيباً ، رب تقبل توبتى وأغسل حوبتى وأجب دعوتى وثبّت حُجتى وأهدِ قلبى وسدد لسانى وأسلل سخيمة صدرى ( فى المسند والترمذى ) ، وعلّم صلى الله عليه وسلم معاذاً دعاءً عظيماً فقال : يا مُعاذ إنى أحبك فلا تنسى أن تقول فى دبر كل صلاة :" اللهم أعنّى على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك " .. قال سليمان عليه السلام " رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدىّ "
(3)>> العلم بأن الشكر يحفظ النعم ويزيدها ، قال تعالى { ولئن شكرتم لأزيدنكم } ولذلك يسمون الشاكر ( الحافظ ) أى الحافظ للنعمة ، فهو ( الحافظ للنعم الموجودة
<1913>
والجالب للنِعَم المفقودة ) قيل) الشكر قيد الموجود وصيد المفقود ) قال عمر بن عبد العزيز ( طيِّب نِعَم الله بشكر الله ) وقال ( الشكر قيد النِعَم ) وقال مطرف بن عبد الله ( لئن أعافى فأشكر أحب إلىّ من أن أُبتلى فأصبر ) .
(4)>> التحدث بنعم الله ، قال تعالى { وأما بنعمة ربك فحدّث } وذلك بأن يرى أثر نعمة الله عليك بغير مخيلة ولا سرف . قال صلى الله عليه وسلم " إن الله إذا أنعم على عبدٍ بنعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده " جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم وهو قشف الهيئة فقال له : هل لك من مال ؟ قال : نعم . قال : من أى المال ؟ قال : من كل المال قد ءاتانى الله من الإبل والخيل والرقيق والغنم . قال : فإذا أتاك الله مالاً فليُـرَ عليك .
قال السلف : [ لا تضركم دنيا شكرتموها ] فإذا أظهرت نعم الله عليك وأنت شاكر فلن يضرك بإذن الله . وقد ذمّ الله الإنسان الكنود قال تعالى { إن الإنسان لربه لكنود } قال المفسرون : هو الذى لا يشكر نعم الله . قال الحسن : إنه الذى يعد المصائب وينسى النعم ، وقيل : من كتم النعمة فقد كفرها ومن أظهرها ونشرها فقد شكرها .
(5)>> أن تراعى هذا المشهد ، فهذه نعمة تستوجب شكراً آخر . دخل رجل على عمر رضى الله عنه فسلم عليه [ فقال : كيف أنت ؟ فقال : أحمد إليك الله . قال : هذا أردت منك ] وقال رجل لشهل بن عبد الله [ دخل لص بيتى وأخذ متاعى . فقال له : اشكر الله تعالى ، لو دخل الشيطان قلبك فأفسد إيمانك ماذا كنت تصنع ؟ ] وعن ابن عمر قال : [ لعلنا نلتقى فى اليوم مراراً يسأل بعضنا عن بعض ولم يُرد بذلك إلا أن يحمد الله ] أى أن غرض السؤال الدفع لحمد الله . قال أحد السلف [ يارب كيف أطيق شكرك وأنت الذى تُنعم علىّ ثم ترزقنى على النعمة شكر ثم تزيدنى نعمة بعد نعمة ] وقال ابن القيم فى تهذيب مدارج السالكين [ ومن تمام نعمته سبحانه وعظيم بره وكرمه وجوده محبته له على هذا الشكر ورضاه منه به وثناؤه عليه به ومنفعته وفائدته مختصة بالعبد لا تعود منفعته على الله وهذا غاية الكرم الذى لا كرم فوقه يُنعم عليك ثم يُوزعك شكر النعمة ويرضى عنك ثم يُعيد إليك منفعة شكرك ويجعله سبباً لتوالى نعمه وإتصالها إليك والزيادة على ذلك مها .. ]
(6)>> نسبة النعمة للمُنعم : فلا يقول حصلت عليها بذكائى أو بعملى أو بجهدى ، فلا بد من رد الأمر الى الله ومن هذا وقوع المطر فنجد البعض يقول : هذا لنوة كذا ، فى الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألم تروا ما قال ربكم ؟ قال : ما أنعمت على عبادى من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون الكواكب وبالكواكب " رواه أحمد ومسلم وغيرهما . قال تعالى { وما بكم من نعمةٍ فمن الله } .
(7)>> أن يسجد لله شكراً عند تجدد النِعَم ، وهذه عبادة عظيمة يشترك فيها الأعضاء السبعة ، وفى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر يسُره خرَّ لله ساجداً شاكراً له عز وجل ، ولما جاء الى أبى بكر خبر قتل مُسيلمة : سجد لله شكراً ، فإن سجود الشكر فيه تعبير عن حمد العبد لربه .
<1914>
سؤال : نحن نعيش فى نعم كثيرة : لنا أعين نُبصر بها وآذان نسمع بها وأصوات نتكلم بها وغير ذلك كثير . فهل يُشرع لنا أن نسجد دائماً ؟
الإجابة : لا بالطبع ، وذلك لأننا نتبع السُنة فى أعمالنا ، والسُنة السجود عند حدوث نعمة متجددة ، فالمشروع السجود بتجدد النعم مثل إذا أتاك خبر يسُرك أو نجّاك الله من عدو أو مصيبة .. إلخ ، فالسجود للنعمة المتجددة يُذكّر بالنعمة المستدامة ، والنعمة المتجددة تستوجب عبادة متجددة ، ولأن طروء النعمة يُسبب بطر وأشر ، فلذلك شرع السجود وهو أن تجعل رأسك ( أعلى ما فى جسدك ) تحت وأسفل إظهاراً للخضوع والذل لرب العالمين وكسر النفس فلا تبطر بالنعم ، ولذلك فإنك تجد أهل الجهل عند حدوث فرحة أو نعمة يصيحون ويفعلون المعاصى ويشعرون بالخيلاء والعُجب ، ومثال ذلك ما يحدث عند الزواج فهذه نعمة عظيمة لكن عند حدوثها تجد الكثير لا يشكرون بل يفعلون المعاصى بإسم الفرح وأنها ليلة العُمر فكل شئ مُباح ، ونسوا قول رصول الله صلى الله عليه وسلم :" صوتان ملعونان فى الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ، ورنة عند مصيبة " حديث حسن ، وهو من أدلة تحريم المعازف .
(8)>> تذكر أن هذه المصيبة أخف من أعظم منها ، قال عبد العزيز بن أبى رواد : رأيت فى يد محمد بن واسع قرحة ، وكأنه رأى ما شق علىّ منها ، فقال لى : أتدرى ماذا لله علىّ فى هذه القرحة من نعمة ؟ لم يجعلها فى حدقتى ولم يجعلها فى طرف لسانى أهون أنها صارت فى يدى فهذه نعمة تستدعى الشكر عليها وينبغى السجود شكراً لله .
(9)>> الإعتناء بالنعمة والمحافظة عليها : وخاصةً مافيه رفعة للدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحسن الرمى ثم تركه فقد ترك نعمة من النعم " ، وفى رواية " من ترك الرمى بعد أن علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها " حديث صحيح ، فهذه نعمة لأنه يُعين على الجهاد ويرفع به الدين . .
ومن ذلك الإعتناء بفضلات الطعام وإطعامها للدواب أو الطيور ، فإن من كفران النعمة أن تُلقيها فلا يستفيد منها أحد وإن كان ولابد فأجعلها فى لفافة بعيداً عن القمامة لعلّ أحد يستفيد منها .
(10)>> أن تشكر الناس على إحسانهم إليك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لم يشكر الناس لم يشكر الله " صحيح ، وحديث " أشكر الناس لله أشكرهم للناس " .
(11)>> النظر الى النعمة والتفكر فى وجود ضدها الذى كان موجوداً من قبل ، مثال النظر إذا كان ذاكراً لله على الدوام أيام كان غافلاً لاهياً ، وإذا كان قارئاً أيام كان لا يقرأ ، وإذا كان له أبناء صالحين أيام أن لم يكن له أولاد ... إلخ
..سؤال : ماهى أسباب تقصير العباد عن شكر نعم الله ؟
الإجابة : لم يُقصّـر الخلق شكر نعم الله إلا بسبب الجهل والغفلة ، فلا يُتصور شكر نعمة بدون معرفتها ، وإن عرفوا ظنوا أن الشكر عليها هو أن يقول بلسانه ( الشكر لله ) ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن تستعمل النعمة فى إتمام الحِكَـم التى أُريدت بها
<1915>
وهى : طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولغفلة الناس وجهلهم لا يعدون ما يَعُـم الخلق فى جميع أحوالهم نعمة ، لذلك لا يشكرون على جملة ما يجدون من نعم الله التى تفضل بها على خلقه لأنها عامة للخلق مبذولة لهم فى جميع الأحوال
كما أنه من الغفلة التى جعلت الناس لا يشكرون هو إعتقادهم أن المال هو النعمة التى تستوجب الشكر وما عداه ينسونه ، كما رُوى أن بعضهم شكا فقره إلى بعض أرباب البصيرة وأظهر شدة إغتمامه بذلك فقال له : [ أيسـرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفاً ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أما تستحى أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفاً ؟ !! ]
ودخل ابن السماك على الرشيد فى عِظَـة فبكى ودعا بماء فى قدح ، فقال : [ يا أمير المؤمنين لو مُنِعْتَ هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفديها ؟ قال : نعم . قال : فأشرب ريّـاً بارك الله فيك ، فلما شرب قال له : يا أمير المؤمنين أرأيت لو مُنِعْتَ إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتدى ذلك ؟ قال : نعم .. قال : فما تصنع بشئٍ شربة ماءٍ خير منه ؟ ] وهذا يُبين أن شربة ماءٍ عند العطش أعظم من مُلك الأرض ، ثم تسهيل خروجها من أعظم النعم ، وفى هذا إشارة الى النعم التى يغفل عنها الكثير .
*****أسباب الشكر ومنابعه كثيرة:
فحياء العبد من تتابع نعم الله عليه شكر.. والعلم بأن الشكر نعمة من نعم الله شكر.. والعلم بعظيم حلم الله شكر.. والعلم بأن النعم ابتداء من الله بغير استحقاق شكر.. وقلة الاعتراض على قسمة الأرزاق شكر.. وحسن الأدب بين يدي المنعم شكر.. واستعظام صغيرها شكر.. ووضعها في مكانها شكر.. وصرفها في طاعة الله شكر.
1- قال الله تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [34]} [إبراهيم: 34].
2- وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [12]} [لقمان: 12].
*حادي عشر >> أسباب سلب النعم .أسباب ذالك المعاصي والذنوب أي : أنها تزيل النعم وتحل النقم، قال علي رضي الله عنه: (ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة).
قال سبحانه: وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30].
<1916>
وما منع قطر السماء، ولا غابت بركة الأرض إلا لسبب ذنوب العباد، وما حلت الهموم والغموم، والأكدار والأحزان إلا بذنوب العباد، فالذنوب هي أساس البلاء وأصل الوباء. قال بعض السلف: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي.
ومن أعظم آثار الذنوب وأضرارها أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، فإن العبد العاصي إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له..
فلا ينجذب قلبه للتوكل على الله والإنابة إليه، والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه، فإن دعا أو ذكر فبقلب غافل ساهٍ، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة لم تنقد له ولم تطاوعه، كمن له جند تدفع عنه الأعداء، فأهمل جنده وضيعهم وأضعفهم، وقطع أقواتهم، ثم أراد منهم عند هجوم العدو عليه أن يستفرغوا وسعهم في الدفع عنه بغير قوة.
والأعظم من هذا والأنكى، والأمرّ والأدهى، أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تبارك وتعالى، فيتلعثم لسانه، ويعجم بيانه عن أن ينطق بكلمة التوحيد وشهادة الحق ..
قال ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي: مما ينبغي أن يُعلم أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا بدّ أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداءٌ إلا بسبب الذنوب والمعاصي؟
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعمة والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح صورة وأشنع، وبُدل بالقرب بعدًا، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحًا، وبالجنة نارًا تلظى، وبالإيمان كفرًا؟
وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟.
وما الذي سلّط الريح على قوم عادٍ حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودّمرت ما مرّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابّهم حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم القيامة؟
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟.
وما الذي رفع اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم أجمعين؟
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارًا تلظّى؟
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نُقلت أرواحهم إلى جهنّم، والأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟
<1917>
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمّرها تدميرًا؟
وما الذي أهلك قوم صاحب قصة سورة يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم؟
وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بأسٍ شديد، فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال، وسبوا الذرية والنساء، وأحرقوا الدّيار، ونهبوا الأموال، ثم بعثهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبَّروا ما علو تتبيرًا؟
السبب الأول:تغيير الطاعة بالمعصية والشكر بالكفر وأسباب الرضا بأسباب السخط قال تعالى :
((ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))
فالآية تتناول كفار قريش بدلوا نعمة الله من الخصب والأمن بالكفر والصدعن سبيل الله ومحاربة المؤمنين
السبب الثاني:انتشار الظلم بين الناس في الأعراض والأموال قال تعالى:
((فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات))أي بسبب ظلم اليهود وما ارتبكوه من الذنوب العظيمة حرمنا عليهم أنواعا من الطيبات التي كانت حلالا لهم.
وقال تعالى:((وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا)) وعن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم يقرأ ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة )
الآية . متفق عليه.اهـ مشكاة المصابيح للألباني
وقال تعالى:((ألم تر كيف ربك بعاد ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوثاد الذي طغوا في لا البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب)) .والحمد لله وصلى الله على عبده محمد خاتم الأنبياء والمرسلين والحمد لله رب العالمين..... ـ حرمان النعم من اعظم عواقب الظلم الوخيمة
حرمان النعم: فإن من أعظم أسبابه وقوع الظلم والله جل وعلا قال: { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [النساء : 160]. ليس المقصود حرمان المال والجاه، فقد تحرم نعمة الطمأنينة، أو نعمة الصحة أو غيرها من النعم.(4)
تعليق إبن كثير علي ماجاء في هاتين الايتين الكريمتين
(يخبر تعالى أنه بسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة حرم عليهم طيبات كان أحلها لهم .صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه ولهذا كانوا أعداء الرسل وقتلوا خلقا من الأنبياء وكذبوا عيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهما
السبب الثالث >من أسباب سلب النعم الإعراض عن أوامر الله وإبداء المعاصي وإشهارها من أعرض عن الله؛ فقد أغتر أكبر الغِرَّة، وأعوز أشد العوز، ومن عصى الله وخالف أمره وشرعه؛ سلَّط الله عليه من مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها وشدتها
<1918>
جزاءً وِفاقاً بما كسبت يداه، ولا يظلم ربك أحداً، قال بعض السلف: "كلما أحدثتم ذنباً؛ أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة".
والله من تمام عدله وقسطه في حكمه لا يغيِّر نعمة أنعمها على أحد إلاَّ بسبب ذنب أرتكبه، كما قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ الّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال: 53]، وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، أي: بان النقص في الموال والأنفس والزروع والثمرات بسبب المعاصي؛ إبتلاءً من الله واختباراً، ومجازاة على ما أحدث الناس من المنكرات لعلهم يتعظون.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 130]، ابتلاهم الله بالجدب سنة بعد سنة، وحبس عنهم المطر، فنقصت ثمارهم، وغَلَت أسعارهم لعلهم يذكرون.
وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وقال تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النساء: 79]، قال القرطبي -رحمه الله تعالى-: "أي: ما أصابكم يا معشر الناس من خِصب وإتساع رزق؛ فمن تفضُّل الله عليكم، وما أصابكم من جدب وضيق رزق؛ فمن أنفسكم، أي: من أجل ذنوبكم وقع ذلك بكم".
وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صَلَّى الَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (ما من رجل يكون في قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيِّروا عليه، فلا يغيِّروا إلاَّ أصابهم الله بعذاب من قبل أن يتوبوا)[1].
وعن عدي بن عَمِيرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى الَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنَّ الله لا يعذِّب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك؛ عذَّب الله الخاصة والعامة)[2].
وعن ابن عباس -رضي الله عنه- عن النبي- صَلَّى الَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية؛ فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله"[3].
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى الَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما أحدٌ أكثر من الربا إلاَّ كان عاقبة أمره إلى قلة)[4].
ياعبد الله : لا تأمن سوء عاقبة ما اقترفت من الخطايا والآثام، يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنَّها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال به هكذا، فطار"[5].
ويقول الحسن البصري -رحمه الله-: "المؤمن يعمل الطاعات وهو مشفق وَجِل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن".
{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ الّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الإسراء: 45-
<1919>
وقال تعالى" وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ "الشورى:30
فالحذر.. الحذر من سلب النعم .قال تعالى ( وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم ) محمد:38.
قال القرطبي رحمه الله: "وفي الآية تخويف وتنبيه لجميع من كانت له ولاية وإمارة ورياسة، فلا يقوم بحقها ولا يؤديها ، أن يذهبه ويأتي بغيره وكان الله على ذلك قديراً".
السبب الرابع>>ـ من أساب سلب النعم ارتكاب الذنوب الآتية أقول : أسباب حرمان النعم .قد نحرم أحيانا من نعمة ما و دائما ما نربط ذلك الحرمان بالسحر
أو بالعين أو بالعجز البشري أحيانا. و لكننا و للأسف لا نربط ذلك الحرمان بتقصيرنا في أمور الدين أو بتقصيرنا في الدعاء أو بفعلنا لأحد المعاصي أو الكبائر التي نستصغرها و لكنها كبيرة عند الله عز وجل.
1. كالغيبة و النميمة.2. ترك الصلاة. 3>. الزنا بأنواعه. 4>. عقوق الوالدين.
4. سوء معاملة أم الزوج أو أهله. 5. عدم طاعة الزوج. 6. الاختلاط بغير المحارم.
7. التزين و التبرج و التعطر عند الخروج من المنزل8. عدم المبالاة في الحجاب و إخراج ناصية الشعر أي (مقدمته ). 9. نمص الحواجب ( و هي من أكثر أنواع ألذنوب المنتشرة و التي تطرد المرء من رحمة الله عز وجل ). 10. التواصل مع غير المحارم من النساء و الرجال 11>. كشف العورات. 12>. الكذب و النفاق. 14>. هجر القرأن. 15 التكبر. 15. سوء معاملة الخدم16 . سلب الحقوق. 17. الربا. و غيرها من الأفعال التي تجني ألذنوب و تسخط الخالق عز و جل.
نموذج ممن سلبوا النعمة >>
1> أهل سبإ
قال الله تعالى : " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" سبأ{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ }: ما أدرَّ اللّه عليهم من النعم، وصرف عنهم من النقم { جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ } وكان لهم واد عظيم، تأتيه سيول كثيرة، وكانوا بنوا سدا محكما، يكون مجمعا للماء، فكانت السيول تأتيه، فيجتمع هناك ماء عظيم، فيفرقونه على بساتينهم، التي عن يمين ذلك الوادي وشماله
{ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } أن اللّه جعل بلدهم، بلدة طيبة، لحسن هوائها، وقلة وخمها، وحصول الرزق الرغد فيها.و وعدهم - إن شكروه - أن يغفر لهم وَيرحمهم
{ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ } بكفرهم باللّه وبنعمته، عاقبهم اللّه تعالى بهذه النعمة، التي أطغتهم، فأبادها عليهم، فأرسل عليها سيل العرم.أي: السيل
<1920>
المتوعر الشديد، الذي خرب سدهم، وأتلف جناتهم، وخرب بساتينهم، فتبدلت تلك الجنات ذات الحدائق المعجبة، والأشجار المثمرة، الى أشجار لا نفع فيها
{ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ } أي: شيء قليل من الأكل الذي لا يقع منهم موقعا { خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ } وهذا كله شجر معروف، وهذا من جنس عملهم.فكما بدلوا الشكر الحسن، بالكفر القبيح، بدلوا تلك النعمة بما ذكر
{ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ } أي: وهل نجازي جزاء العقوبة إلا من كفر باللّه وبطر النعمة؟{ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ } أن الله هيأ لهم-قبل العقوبة- من الأسباب ما به يتيسر وصولهم إلى الأرض المباركة، بغاية السهولة، من الأمن، وعدم الخوف، وتواصل القرى بينهم وبينها، بحيث لا يكون عليهم مشقة، بحمل الزاد والمزاد.[سيروا فيها لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ }: مطمئنين في السير، في تلك الليالي والأيام، غير خائفين. وهذا من تمام نعمة اللّه عليهم، أن أمنهم من الخوف.فأعرضوا عن المنعم، وعن عبادته، وبطروا النعمة، وطغوا وسئموا الراحة ولم يصبروا على العافية، حتى إنهم طلبوا وتمنوا –قبل أن يصيبهم ما أصابهم- أن تتباعد أسفارهم بين تلك القرى، التي كان السير فيها متيسرا{ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ٍ}فلما أصابهم ما أصابهم بأهلك أشجارهم المثمرة تفرقوا وتمزقوا، بعدما كانوا مجتمعين، وجعلهم اللّه أحاديث يتحدث بها الناس في أسمارا ، فكل أحد يتحدث بما جرى لهم، ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } صبار على المكاره والشدائد، يتحملها لوجه اللّه، ولا يتسخطها بل يصبر عليها. شكور لنعمة اللّه تعالى يُقِرُّ بها، ويعترف، ويثني على من أولاها، ويصرفها في طاعته-------- تفاسير القرطبي والسعدي باختصار
.الخلاصة .أخبرالله أنهم كانوا في نعمة واسعة من اتساع الأرزاق وكثرة الثمار والزروع وبعث الله لهم الرسل ليأمروهم بشكر لله على هذه النعم ويوحدوه فكانوا كذلك ما شاء الله ثم بدلوا وأعرضوا عما أمروا به فعاقبهم الله بسلب هذه النعم وذلك بإرسال السيل عليهم فتفرقوا في البلاد شذر مذر فهل نعتبر بهذا يا قومنا قد حبانا الله بنعم لم ينعم بها على من سبق غير أننا قابلنا هذه بالسخط والمعاصي والفجور فاقترفنا كل الفجور من عري وزنا واختلاط
2>>ــ فرعون وقومه .قال تعالى:{كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين}فبين تعالى كيفية أخذ قوم فرعون وسلبهم تلك النعم من الجنات والزروع فأخرجهم منها للغرق ثم إلى النار وبيس القرار3>>عاقبة أصحاب:الجنة التي ذكرالله قصتها في سورة ن فقال {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم}فبين تعالى أن سبب ذهاب وهلاك نعمتهم من الثمار والفواكه هو قصدهم السيء بمنع الفقراء والمساكين من نصيبهم وحقهم فأذهب الله كل ما في ذلك البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه حيث حلفوا أنهم سيجنونها في الصباح الباكر لئلا يعلم بهم الفقراء فأصابتهم آفة سماوية وهم ما زالوا يغطون في
<1921>
نومهم حتى أصبحت كالصريم أي كالليل الأسود4)عاقبة قصة الرجلين فقال:{ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا فَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34 وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35 }....إلى أن قال .... وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)..........المعنى : وتحَقَّقَ ما قاله المؤمن، ووقع الدمار بالحديقة، فهلك كل ما فيها، فصار الكافر يُقَلِّب كفيه حسرةً وندامة على ما أنفق فيها، وهي خاوية قد سقط بعضها على بعض، ويقول: يا ليتني عرفت نِعَمَ الله وقدرته فلم أشرك به أحدًا. وهذا ندم منه حين لا ينفعه الندم.
5>>عاقبة قارون فقال:{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عليهم وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78 خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) ......المعنى : فخسفنا بقارون وبداره الأرض، فما كان له من جند ينصرونه من دون الله، وما كان ممتنعًا من الله إذا أحلَّ به نقمته.عن كل فرد أو اسرة أو دولة بغت بما لها من قوة فستأتي عليها سنة الأولين مثل عاد وفرعون وقارون وغيرهم وكم رأينا في العصر الحاضر من دول طغت وتجبرت أتاها الله من حيث لاتحتسب فلم يعد لها بقاء كالاتحاد السوفياتي وغيره.يقول حميد بن احمد أمين كان الله وليه هذا الموضوع أصله من عدة مواقع ومنتديات وكتب رتبته كما شئت أسأله أن ينفع به ويجعله خالصا لوجهه.
العين التي نبصر بها أمانة حدد الله لها طريقا ترتسمه، وجعل لها مسارا تسلكه، وصرفها عن هذا الطريق خيانة، قال تعالى: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" وفَقْدُ البصر يكون عقوبة من الله على ما أحدث العبد، قال تعالى: "قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به أنظر كيف نصرف الأيات ثم هم يصدفون" وقد يكون فَقْدُ البصر إبتلاء من الله، ليرى صبر عبده قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: "إن ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر
<1904>
عوضته منهما الجنة" فهي أحب أعضاء الإنسان إليه، ويحصل لها بفقدها من الأسى على رؤية ما يحب من الخير، وتجنب ما يضر من الشر الشئ الكثيرا.
العين التي نُبصر بها تبدو صغيرة الحجم، ضئيلة الجِرم، لكنها في الحقيقة خلق عجيب، معقدة التركيب، لا تستطيع قوى البشر في هذا العصر الذي بلغت فيه الحضارة مبلغا عظيما، وأغتر الناس بمخترعاتهم واكتشافتهم أن يخلقوا مثلها، أو يوجدوا ما هو قريب منها "صنع الله الذي أتقن كل شيء" نعم. لقد أخترعوا ما يُفسد العين والأُذن، ويَصُدُّها عن طاعة الله، لكنهم وقفوا عاجزين عن وصفها، وكيفية عملية الإبصار بها، يقول أحد المختصين: في العين ثلاثون شريانا مغذيَّا، وثلاثة أعصاب محركة، وعصب ينقل الحس، وعصب آخر ينقل المُبْصرات عبر شريط يضُم نصف مليون ليف، وهذه الألياف تنقل المبصرات من مائة وأربعين مليون عُصاة، وسبعة ملايين مخروط، ملايين من الأعصاب والخلايا في عينك وأنت ماتشعر!!! قال تعالى : "هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين" سبحان من خلق فأبدع، وصور فأحسن "فتبارك الله أحسن الخالقين" وقال تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون".
العين مما يشهد عليك بما كسبت يوم القيامة قال تعالى: "ويومَ يُحشرُ أعداءُ الله إلى النار فهم يُوزعون. حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعُهُم أبصارهم جُلُدُهم بما كانوا يعملون".
البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأهم طُرق الحواس إليه، به يتأجج لهيب الشهوة، وتقوى في النفس الرغبة، ولذلك أمر الله عز وجل المؤمنين بغضِّ أبصارهم قال تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم" فبدأ بغض البصر قبل حفظ الفرج، لأن البصر سبيل للقلب، وطريق إليه:
ألم تر أن العين للقلب رائد*فما تألف العينانِ فالقلب آلف
فقدم غض البصر على حفظ الفرج، لأن النظر بريد الزنا،روى البخاري ومسلم : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ>
فبدأ بزنا العين لأنه أصل زنا اليد والرجل والقلب والفرج، وهذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن العين تعصي بالنظر، وأن ذلك زناها.
ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغض البصر عما حرم الله، قال جرير بن عبدالله: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفُجأة فأمرني أن أصرف بصري، ونظر الفُجأه أن يقع النظر على امرآة أجنبية، أو غلام أمرد، بغير قصد، فإذا جاءت فجأة أمام عينيه فعليه أن يغض بصره، ولا يديم النظر إليها، لأن ذلك يؤثر على القلب، ويفتح باب الشهوة المحرمة، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه: "يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية" يقولها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه مع علم
<1905>
النبي صلى الله عليه وسلم بكمال زهد علي، وورعه وعفة ظاهره وباطنه، فكيف بمن دونه؟؟ وكيف بمن إذا قلت له أغضض بصرك؟؟ غضب من قولك، وعد ذلك تدخلا في
هذه الآداب الكريمة من غض البصر، والتحذير من إطلاقه، إنما هي لعلل سامية، وأهداف رفيعة، وحصانة سابقة، ترجع في مجموعها إلى إقامة مجتمع نظيف عفيف، النظر سهم مسموم، وفعل مذموم، هو رأسُ كل بلية، وأساس كل رزية، في مبدئه يمكن إستدراكه، وأسيره يُرجى فكاكه، فإذا تكرر أدى إلى الهلاك، وصعب منه الخلاص والفكاك.
ثامنا>>>> نعمة النسيان
النسيان صفة أودعها الله في النفس البشرية ,, وقد سُمِّي الإنسانُ إنساناً لكثرة نسيانه ..وبعضهم يسميها ""نعمة النسيان"" أجل هي نعمة من عند الله ... بها نستطيع أن نتعدى همومنا وأحزاننا ..وننسى بعضاً من تلك الجراح التي أحدثتها نوائب الدنيا ومنغصاتها ..ولكن النسيان من جهة أخرى قد يكون صفة مذمومة يلام عليها الإنسان..وبالتالي فالنسيان قد يكون جميلاً أو قبيحاً....ومن النسيان الجميل الذي ينطوي على خير كثيروحكمة بالغة ما وقع لنبينا مما فيه خير للأمةروى مسلم والبخاري وغيرهما : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي فَنُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ> وفي البخاري ايضا عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ
تاسعا>>ـ من النعم التأمل في تركيب جسم ابن آدم قال تعالى ::>>وفي أنفسكم أفلا تبصرون > ماذا حدث حينما حاول العلماء إطالة العمر بتغيير الجينات ..؟؟؟احتار كبار علماء أوروبا وأمريكا أمام أسرار "الخلية" التي تعتبر اللبنة الأساسية في جسم الإنسان.. فالخلية هي أول ما يتشكل في جسم الانسان بعد إتمام عملية التلقيح ثم تقسم الخلية إلي مجموعة من الخلايا ثم إلي مجاميع عديدة تتضافر ويكون كل منها عضوا من أعضاء الجسم إلي ان يصبح إنساناً كامل النمو به جميع الأجهزة التي تسيِّر دولاب حياته... !!
وعن اكتشافات العلماء التي أثارت دهشتهم معلومات بالغة الأهمية عن سر الحياة والموت في هذه الخلية.. بل عما يجري للانسان من عمليات تتم في جسمه علي مدي سنين العمر يؤكد الدكتور محمد نبيل موصوف أستاذ علاج الألم ورئيس وحدة العلاج بالأوزون في المعهد القومي للأوزون ضيفنا اليوم ما يجري في هذه الحلقة اكتشافات العلماء لبعض أسرار الاعجاز الالهي في أجسامنا وما الجديد الذي يُحيِّر العلماء وزيدهم دهشة واصرارا علي بذل أقصي الجهود لاكتشاف وسائل وأدوات جديدة تساعدهم علي معرفة أسرار جديدة في أجسامنا خلقها الله.
الحيـــاة .... والمــوت
<1906>
العلماء تبين لهم ان الله كما خلق الحياة في الخلية خلق فيها الموت وجعلها محكومة به فبعد تجارب كثيرة وأبحاث عديدة تبين لهم ان داخل كل خلية برنامج دقيق جدا يختفي بالموت يشبه برنامج الكمبيوتر فكل واحد منا في جسمه ملايين ملايين الخلايا وقد أودع الله فيها نظاما يتحكم في تطور هذه الخلية منذ خلقها حتي لحظة موتها وقد اكتشف العلماء مؤخراً ان داخل كل خلية من خلايا الجسم "ساعة بيولوجية" خاصة بهذه الخلية تكشف عن خلق الموت في الخلية مثلما تكشف عن خلق الحياة أيضاً رغم ان عدد هذه الخلايا 60 مليون مليون خلية.. الخلاصة ان كل خلية محكومة بالحياة هي أيضاً محكومة بالموت ولقد حاول العلماء تأخير "الموت" فأجروا تجارب وأبحاث للتدخل في الجينات والشريط الوراثي D.n.a لاطالة العمر فأصاب السرطان الخلايا التي أجريت عليها التجارب وماتت بدلاً من أن يطول عمرها!!
يتوقف الدكتور محمد نبيل موصوف قليلاً ثم يعود فيقول: تبارك الله أحسن الخالقين لقد علمنا أنه جل شأنه خلق الحياة والموت بما حملته لنا سورة الملك "تبارك الذي بيده الملك وهو علي كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" هذا عن الموت.. لكن للخلية إنجازات عظيمة طوال حياة الإنسان يحدثنا عنها الدكتور نبيل موصوف طبقاً لاكتشافات العلماء ويذكر أمثلة لما وضعوا أيديهم عليه من إنجاز لهذه الخلايا بعد ان تحولت إلي أجهزة مختلفة في أجسامنا
فيقول: - بالأرقام اكتشف العلماء الإعجاز الالهي في أجسامنا علي الصور التالية: 1>>. 3000 مليون مرة يزداد حجم الجنين من بداية التلقيح حتي الولادة 2>> ـ 6500 لتر من الدم يضخها القلب إلي الجسم يوميا 3>>ــ في حالة الحمل يضخ القلب يومياً 15 ألف لتر من الدم.4>> ــ في دم الإنسان الواحد 25 مليون كرية حمراء ويستهلك الإنسان في الثانية 2 مليون كرية حمراء.5>> ــ تصل دقات القلب إلي ألفي مليون دقة في متوسط العمر دون توقف ودون أن يحصل علي قسط من الراحة6>> ــ 400 مليار خلية في الكبد وتقوم بأكثر من 50 وظيفة.7>> ــ يستهلك الجسم 7500 مليون خلية في الدقيقة 8>>ــ يوجد بالمعدة 35 مليون غدة لإفراز ما يهضم لنا الطعام 9>>ــ في الرئة 750 مليون حويصلة رئوية و يتنفس الإنسان في اليوم الواحد 23 ألف مرة بمعدل يصل علي مدى العمر قرابة 2040 مليون مرة. 10>>ــ في جسم الإنسان من 3- 4 مليون جهاز يشعره بالألم 11>>ــ وفي جسمه أيضاً خلق الله 500 ألف جهاز للمس والضغط. ــ 200 ألف جهاز حساس للحرارة
12>>ــ كل ثانية تتم 660 مليون إشارة من الأعضاء الحسية يتلقفها الجهاز العصبي يُتقيها إلي 100 آشارة ويصدرها إلي الدماغ. 13>>ــ نصف مليون صورة يتم تخزينها في الدماغ يوميا 14>>ــ من عظمة الله وفضله انه لكي يمكن الإنسان من استعادة المعلومات التي درسها واستوعبها طيلة حياته أن خلق فينا 9 مليارات من الخلايا العصبية في الدماغ تتوزع علي 64 منطقة من مناطق الدماغ ثم جعل
<1907>
خلايا الجهاز العصبي هذه لا تتكاثر ولا تتغير ولو تغيرت لاحتاج الإنسان لتعلم اللغة كل ستة أشهر.
هذا ما يقوله الطب عما اكتشفه العلماء من انجازات الخلية الأولي في أجسامنا بعد أن انقسمت وتحولت إلي أجهزة عديدة في كائن حي وفي القرآن الكريم
سألت الدكتور عبدالفتاح أبوالفتوح أستاذ اللغة بكلية الدراسات الاسلامية بجامعة الأزهر عن انطباعه عن اكتشافات العلم الحديث عبر الأربعمائة سنة الأخيرة هي كل عمر العلوم الحديثة وما قدمناه منه في هذه السطور ..
قال أخرِّ لله ساجداً وأنا أقرأ قرآنه الكريم الذي صور لنا هذا الإعجاز الالهي منذ أربعة عشر قرنا في الآيات التالية:
"يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلي أجل مسمي ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفي ومنكم من يرد إلي أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً وتري الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" آية 5 سورة الحج.
وحول اكتشاف العلماء بأن الله جل شأنه خلق الحياة في الخلية خلق فيها الموت أيضاً أجد القرآن الكريم يعلمنا بذلك في الآية الكريمة "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" وقوله تبارك وتعالي في آية أخري "كل شيء هالك إلا وجهه" ثم هذه الآية "وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون". اهـ كتبــــه د. محمد موصوف .. بجريدة عقيدتى استاذ بقسم التخدير والإنعاش وعلاج الألم ورئيس وحدة العلاج بالأوزون بالمعهد القومي للأورام جامعة القاهرة ..
وصدق الله العظيم إذ قال ربنا في محكم كتابه الكريم:( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها).(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم).صدق الله الكريم.
بعض نعم الله على خلقه,التي منها ماهو ظاهر ومنها ماهو باطن مجهول
قال أحدهم :وبما أني طبيب ومن خلال ثقافتي المتواضعة,توصلت لمعرفته تعالى,أرجو من الله أن يكون بالتذكير به ثوابا وأجرا لنا جميعا.
1- وجود جهاز مناعي قوي للدفاع عن المخاطر ومنه( الكريات البيضاء,العقد اللمفاوية,انزيمات بالجلد, الدموع,اللعاب,الصماخ بالأذن(الشمع)).2-نعمة النسيان
3-النوم والأحلام.4-عوامل تخثر الدم,لإيقاف النزف.5-قدرة السمع بترددات وذبذبات محدودة لتلافي الأصوات الضارة.6-ليونة ومرونة العظام عند الأطفال, وسماكة الطبقة الخارجية للعظم (السمحاق) تجعل من الأطفال المعرضين للكسور أكثر من غيرهم ,امتصاص للصدمات وعدم التأذي الشديد بالكسور الخطرة.7-القدرة على الترميم, وإعادة البناء لخلايا الجسم المتضررة, مثال الحروق بالجلد, 8-إفراز هرمونات تحمي الجسم بحالة شعور الخطر مثل الأدرينالين,الذي يقوم بمجموعة تأثيرات, على بعض الأعضاء الهامة, لحماية الجسم, منها رفع الضغط واحتباس السوائل بالجسم لتلافي الصدمة
9
<1908>
-إفراز هرمون, أو مركب كيماوي ناقل, مسكن للألم له قوة شديدة, بحيث يتم لجم الألم, بحالة الكسور أو الإصابات أو الأمراض الخبيثة الشديدة الألم, لأن قدرة تحمل الألم لها عتبة محددة10-الحواس (السمع والبصر, واللمس ,والشم والتذوق,وحس الارتجاجات وحس الحرارة, والبرودة والألم والضغط), كلها بغاية الأهمية والتعقيد وهي وسيلة دفاعية للإنسان.مثال شم رائحة الدخان إنذار لحريق.والألم وشعور الترفع الحروري أو البرودة أيضا إنذار لخلل ما أو تقوم بوقاية الجسم.
11-إن الأعضاء الهامة للإنسان مثل الدماغ, والحبل الشوكي,العيون ,والقلب ,والرئتين والكبد والطحال والبنكرياس وكذلك الشرايين الهامة,موجودة ومحاطة بعناية وبمكان أمين, داخل أجواف متينة مثل الجمجمة للدماغ وجوف الحجاج للعيون, أو المآقي,وجوف الصدر المتشكل من الأضلاع وعظم القص القوي بالأمام والذي يحمي القلب والرئتين, كما أن جوف البطن له وسيلة دفاعية متعددة,مثل القلعة أي خط أول وخط ثاني وثالث,مثال من الخارج طبقات الجلد ثم النسيج الشحمي ثم الصفاق العضلي ثم العضلات التي تتكون من طبقات,ثم البريتوان أو الثرب وله وظيفة دفاعية بغاية الأهمية ,مثال في حالات البطن الحادة الجراحي , مثال التهاب الزائدة الدودية أو انفجارها بالبطن, فإن البريتوان يقوم بحصار لمكان الالتهاب والانكماش لمنع انتشار الجراثيم والأضرار بجوف البطن.وإن الشرايين الهامة بالجسم مثل الوتين,أو الأبهر بالصدر والبطن,الشريان الفخذي الذي يوجد بأخدود محفور له خصيصا داخل عظم الفخذ وبعمق, وهو للحماية أيضا.12-غريزة الحنان والحب والعطاء والرحمة بشكل عام عند الأم.14-الأهداب بالجهاز التنفسي التي تقوم بفلترة لتنقية الهواء قبل دخوله للجهاز التنفسي,والزغابات المعوية بالأمعاء التي تقوم بوظيفة امتصاص للطعام.15-طريقة التكوين للأمعاء من حيث الألتفافات والطي, لأن مساحتها واسعة لو مدت. وكذلك التلافيف الدماغية التي تقدر بالكيلومترات لو مدت, مطوية وملفوفة, داخل الدماغ ضمن القحف.16-وجود قوس بالقدم لتوزيع القوة النازلة من وزن الجسم على محصلتين أو محورين للأمام وللخلف.لإنقاص التحميل من توزيعه.17-التعرق له وظيفة دفاعية لتبريد الجسم من الترفع الحروري الضار.18-وظائف المفاصل المقدرة من عطف وبسط ودوران وفتل....الخ لتساعد الإنسان بالحركة والنشاط.19-ذاكرة الإنسان التي هي بقدر.20-غريزة المخالطة والمعاشرة لدى الإنسان ويقال أن الله عز وجل حين خلق آدم عليه السلام بالجنة قبل
حواء ,شعر بالوحشة, ثم بعدها خلق الله له من ضلعه أمنا حواء لتؤنسه ولحكمة التكاثر أيضا.21- مادة الميلانين(الصباغ) بالجلد لها دور حماية للجسم من أشعة الشمس ويسمر الإنسان بالتعرض الشديد للشمس ولذلك الزنوج يتأقلمون بالحرارة العالية بالمناطق الاستوائية.
***عاشرا>> بماذا يكون شكر النعم… يكون:
1-الايمان بالله:قال الله تعالى: (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) النحل: الآية 72
2
<1909>
-عبادة الله:قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) سورة البقرة, الآية 172
3-الاعتراف بأن الله هو الذي ينعم:قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) النحل: الآية53.وقوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) النحل: الآية 112.
4-عدم نكران النعمة:قال تعالى: (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) النحل: الآية 83.
5-عدم جحود النعمة:قال تعالى: (أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) النحل: الآية 71
6-عمل الصالحات:قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً ) المؤمنون: الآية 51
فشكر النعم، موجب للمزيد (لئن شكرتم لأزدنكم) وكفرها بترك الواجبات وفعل المحرمات، فيسلب من النعم وأسبابها ما يكون جزاءه (ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)
يخبر تعالى عن عجز العباد عن تعداد النعم فضلاً عن القيام بشكرهاقال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:18).
قال طلق بن حبيب: إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد، وإن نعم الله أكثر من أن تحصى، ولكن أصبحوا تائبين، وأمسوا تائبين". اهـ منتدى منتـدى علـوم القـرآن الكــريم كيف يكون شكر العبد ربَّه على نعمه الجليلة ؟ يكون الشكر بتحقيق أركانه ، وهي شكر القلب ، وشكر اللسان ، وشكر الجوارح .
قال ابن القيم - رحمه الله - : الشكر يكون : بالقلب : خضوعاً واستكانةً ، وباللسان : ثناءً واعترافاً ، وبالجوارح : طاعةً وانقياداً ." مدارج السالكين " ( 2 / 246 ) .
وتفصيل ذلك :
1.>> أما شكر القلب : فمعناه : أن يستشعر القلب قيمة النعم التي أنعمها الله على عبده ، وأن ينعقد على الاعتراف بأن المنعم بهذه النعَم الجليلة هو الله وحده لا شريك له ، قال تعالى : ( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ) النحل/ 53 .
وليس هذا الاعتراف من باب الاستحباب ، بل هو واجب ، ومن نسب هذه النعم لغيره تعالى : كفر .قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :الواجب على الخلق إضافة النعم إلى الله قولاً ، واعترافاً ، وبذلك يتم التوحيد ، فمن أنكر نعَم الله بقلبه ، ولسانه : فذلك كافر ، ليس معه من الدين شيء. ومَن أقر بقلبه أن النعَم كلها من الله وحده ، وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله ، وتارة يضيفها إلى نفسه ، وعمله ، وإلى سعي غيره - كما هو جارٍ على ألسنة كثير من الناس - : فهذا يجب على العبد أن يتوب منه ، وأن لا يضيف النعم إلا إلى موليها ، وأن يجاهد نفسه على ذلك ، ولا يتحقق الإيمان ، والتوحيد إلا بإضافة النعَم إلى الله ، قولاً ، واعترافاً .فإن الشكر الذي هو رأس الإيمان مبني على ثلاثة أركان : اعتراف القلب بنعَم الله كلها عليه ، وعلى غيره ، والتحدث بها ، والثناء على الله بها ، والاستعانة بها على طاعة المنعم ،
<1910>
وعبادته .اهـ القول السديد .وقال تعالى مبيناً حال من يجحد نسبة النعم لله تعالى : ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) النحل/ 83 .
قال ابن كثير - رحمه الله - : أي : يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك ، وهو المتفضل به عليهم ، ومع هذا ينكرون ذلك ، ويعبدون معه غيره ، ويسندون النصر والرزق إلى غيره ." تفسير ابن كثير " ( 4 / 592 ) .
2>>. وأما شكر اللسان : فهو الاعتراف لفظاً – بعد عقد القلب اعتقاداً – بأن المنعَم على الحقيقة هو الله تعالى ، واشتغال اللسان بالثناء على الله عز وجل .
قال تعالى في سياق بيان نعمه على عبد محمد صلى الله عليه وسلم : ( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ) الضحى/ 8 ، ثم أمره في مقابل ذلك بقوله : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى/ 11 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :أي : وكما كنت عائلا فقيراً فأغناك الله : فحدِّث بنعمة الله عليك ." تفسير ابن كثير " ( 8 / 427 ) . وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ) .رواه مسلم ( 2734 ) .قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله - :والحمد هنا بمعنى الشكر و الحمد يوضع موضع الشكر ، ولا يوضع الشكر موضع الحمد ، وفيه دلالة على أن شكر النعمة - وإن قلَّت - : سببُ نيل رضا الله تعالى ، الذي هو أشرف أحوال أهل الجنة ، وسيأتي قول الله عز وجل لأهل الجنة حين يقولون : " أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ، فيقول : ( ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ ) فيقولون : ما هو ؟ ألم تبيض وجوهنا ، وتدخلنا الجنة ، وتزحزحنا عن النار ؟ ، فيقول : ( أحلُّ عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم بعده أبداً ) .
وإنما كان الشكر سبباً لذلك الإكرام العظيم لأنَّه يتضمَّن معرفة المنْعِم ، وانفراده بخلق تلك النعمة ، وبإيصالها إلى المنعَم عليه ، تفضلاًّ من المنعِم ، وكرماً ، ومنَّة ، وأن المنعَم عليه فقيرٌ ، محتاجٌ إلى تلك النعَم ، ولا غنى به عنها ، فقد تضمَّن ذلك معرفة حق الله وفضله ، وحقّ العبد وفاقته ، وفقره ، فجعل الله تعالى جزاء تلك المعرفة : تلك الكرامة الشريفة .اهـ " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " ( 7 / 60 ، 61 ) .
ومن هنا قال بعض السلف : " مَن كتم النعمة : فقد كفَرها ، ومن أظهرها ونشرها : فقد شكرها " .قال ابن القيم – تعليقاً على هذا - :وهذا مأخوذ من قوله : ( إن الله إذا أنعم على عبد بنعمة : أحب أن يَرى أثر نعمته على عبده ) ." مدارج السالكين " ( 2 / 246 ) .ويروى عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله : تذاكروا النِّعَم ، فإنَّ ذِكرها شكرٌ .
>>3. وأما شكر الجوارح : فهو أن يسخِّر جوارحه في طاعة الله ، ويجنبها ارتكاب ما نهى الله عنه من المعاصي والآثام .وقد قال الله تعالى : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً ) سـبأ/ من الآية 13 .عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ : ( يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) .رواه البخاري ( 4557
<1911>
) ومسلم ( 2820 ) .قال ابن بطَّال – رحمه الله - :قال الطبري : والصّواب في ذلك : أن شكر العبد هو : إقراره بأن ذلك من الله دون غيره ، وإقرار الحقيقة : الفعل ، ويصدقه العمل ، فأما الإقرار الذي يكذبه العمل ، فإن صاحبه لا يستحق اسم الشاكر بالإطلاق ، ولكنه يقال شكر باللسان ، والدليل على صحة ذلك : قوله تعالى : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ) سبأ/ 13 ، ومعلوم أنه لم يأمرهم ، إذ قال لهم ذلك ، بالإقرار بنعمه ؛ لأنهم كانوا لا يجحدون أن يكون ذلك تفضلاًّ منه عليهم ، وإنما أمرهم بالشكر على نعمه بالطاعة له بالعمل ، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم حين تفطرت قدماه في قيام الليل : ( أفلا أكون عبدًا شكوراً ) ." شرح صحيح البخارى " ( 10 / 183 ، 184 ) . وقال أبو هارون : دخلتُ على أبي حازم ، فقلت له : يرحمك الله ، ما شكرُ العينين ؟ قال : إذا رأيتَ بهما خيراً : ذكرته ، وإذا رأيتَ بهما شرّاً : سترته ، قلت : فما شكر الأذنين ؟ قال : إذا سمعتَ بهما خيراً : حفظته ، وإذا سمعتَ بهما شرّاً : نسيتَه . قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :
الشكر على درجتين : إحداهما واجب ، وهو أن يأتي بالواجبات ، ويتجنب المحرمات ، فهذا لا بد منه ، ويكفي في شكر هذه النعم ، ... .ومن هنا قال بعض السلف :
" الشكر : ترك المعاصي " .وقال بعضهم : " الشكر أن لا يُستعان بشيءٍ من النعَم على معصيته " .وذكر أبو حازم الزاهد شكرَ الجوارح كلها : " أن تكف عن المعاصي ، وتستعمل في الطاعات " ، ثم قال : " وأما مَن شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه : فمثَلُه كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ، فلم يلبسه ، فلم ينفعه ذلك من البرد ، والحر ، والثلج ، والمطر " .الدرجة الثانية من الشكر : الشكر المستحب ، وهو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض ، واجتناب المحارم : بنوافل الطاعات ، وهذه درجة السابقين المقربين ... ." جامع العلوم والحكم " ( ص 245 ، 246 ) .
والخلاصة :
أنه حتى تكون شاكراً لربك تعالى على ما أنعم عليك : فإنه يجب عليك الاعتراف بقلبك أن واهب هذه النعم ، ومسديها هو الله تعالى ، فتعظمه ، وتنسبها إليه ، وأن تعترف بذلك بلسانك ، فتشكره بعد الاستيقاظ من النوم أن وهب لك الحياة ، وبعد الطعام والشراب أن رزقك إياهما وتفضل بهما عليك ، وهكذا في كل نعمة تراها على نفسك .
وتشكره بجوارك بأن لا تجعلها ترى ، ولا تسمع ، معصية ، أو منكراً ، كغناء ، أو غيبة ، ولا تمش برجليك إلى أماكن محرَّمة ، ولا تستعمل يديك في منكر ، ككتابة محرمة في علاقة مع نساء أجنبيات ، أو كتابة عقود محرمة ، أو القيام بصنعة أو عمل محرَّم ،
ومن شكر النعم بالجوارح : تسخيرها في طاعة الله تعالى ، بقراءة القرآن ، وكتب العلم ، وسماع النافع والمفيد ، وهكذا باقي الجوارح تسخرها في الطاعات المختلفة .
واعلم أن شكر النعَم نعمة تحتاج لشكر ، وهكذا يبقى العبد العبد متقلباً في نعَم ربِّه ، وهو يشكر ربه على تلك النعم ، ويحمده أن وفقه إلى أن يكون من الشاكرين .
أركــان الشـكر : الشكر من العبد لربه يدور حول ثلاثة أشياء :
<1912>
(1) إعتراف العبد بنعمة الله عليه على وجه الخضوع .
(2) الثناء عليه سبحانه وتعالى بهذه النعم ، أى الثناء على المحسن بذكر إحسانه .
(3) الإستعانة بهذه النعم على مرضاة الله وأن لا يستعملها فيما يكره .
فالشكر هو الإعتراف بإنعام الله عليك على وجه الخضوع ، فمن لم يعرف النعمة لا يشكرها ، ومن عرف النعمة ولم يعرف المُنعم كيف يشكره ؟ ومن عرف النعمة والمُنعم لكن جحدها فقد كفرها ، ومن عرف النعمة والمُنعم وخضع للمُنعم وأحبه وأستعمل النعمة فى طاعته فهذا هو الشاكر حقاً .. وهذا هو التعريف الشامل لشكر الله .
والشكر هو الغاية التى خلق الله الخلق لها ، قال تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } فلأى شئ أخرجهم من بطون أمهاتهم ؟ لعلهم يشكرون .
والله قسّـم الناس الى قسمين : إما شاكر وإما كافر ، قال تعالى { فاذكرونى أذكركم وأشكروا لى ولا تكفرون } وهو أول وصية وصّى الله بها الإنسان قال تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أُمه وهناً على وهن وفصالُه فى عامين أن اشكر لى ولوالديك إلىّ المصير } ، وقال تعالى { ولقد ءاتينا لقمان الحِكمة أن اشكر لله } وكان النبى صلى الله عليه وسلم سيد الشاكرين وإمامهم ، كان يعبد الله ليكون شكوراً كما جاء فى الحديث الصحيح عن المغيرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قام حتى تورمت قدماه ، فقيل : غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر . قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " . وجاء مثله أيضاً فى صحيح البخارى عن عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطّـر قدماه . فقالت عائشة : لِمَ تصنع هذا يارسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً "..
سؤال : كيف تكون عبداً شكوراً ؟
الإجابة :(1)>> بهذه العبادة التى دلنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى قيام الليل . مَن مِنا يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ؟ بل مَن مِنا يقوم الليل أصلاً ؟!! إنّا لله وإنّا إليه راجعون . (2)>> الدعاء : وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول :" اللهم أعنّى ولا تُعن علىّ وأنصرنى ولا تنصر علىّ وأمكر لى ولا تمكر بي وأهدنى ويسر الهُدى لي وأنصرنى على من بغى علىّ وأجعلنى شاكراً – وفى رواية شكّاراً – لك ذكّاراً لك رهّاباً لك مطاوعاً لك مُخبتاً إليك أواهاً مُنيباً ، رب تقبل توبتى وأغسل حوبتى وأجب دعوتى وثبّت حُجتى وأهدِ قلبى وسدد لسانى وأسلل سخيمة صدرى ( فى المسند والترمذى ) ، وعلّم صلى الله عليه وسلم معاذاً دعاءً عظيماً فقال : يا مُعاذ إنى أحبك فلا تنسى أن تقول فى دبر كل صلاة :" اللهم أعنّى على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك " .. قال سليمان عليه السلام " رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدىّ "
(3)>> العلم بأن الشكر يحفظ النعم ويزيدها ، قال تعالى { ولئن شكرتم لأزيدنكم } ولذلك يسمون الشاكر ( الحافظ ) أى الحافظ للنعمة ، فهو ( الحافظ للنعم الموجودة
<1913>
والجالب للنِعَم المفقودة ) قيل) الشكر قيد الموجود وصيد المفقود ) قال عمر بن عبد العزيز ( طيِّب نِعَم الله بشكر الله ) وقال ( الشكر قيد النِعَم ) وقال مطرف بن عبد الله ( لئن أعافى فأشكر أحب إلىّ من أن أُبتلى فأصبر ) .
(4)>> التحدث بنعم الله ، قال تعالى { وأما بنعمة ربك فحدّث } وذلك بأن يرى أثر نعمة الله عليك بغير مخيلة ولا سرف . قال صلى الله عليه وسلم " إن الله إذا أنعم على عبدٍ بنعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده " جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم وهو قشف الهيئة فقال له : هل لك من مال ؟ قال : نعم . قال : من أى المال ؟ قال : من كل المال قد ءاتانى الله من الإبل والخيل والرقيق والغنم . قال : فإذا أتاك الله مالاً فليُـرَ عليك .
قال السلف : [ لا تضركم دنيا شكرتموها ] فإذا أظهرت نعم الله عليك وأنت شاكر فلن يضرك بإذن الله . وقد ذمّ الله الإنسان الكنود قال تعالى { إن الإنسان لربه لكنود } قال المفسرون : هو الذى لا يشكر نعم الله . قال الحسن : إنه الذى يعد المصائب وينسى النعم ، وقيل : من كتم النعمة فقد كفرها ومن أظهرها ونشرها فقد شكرها .
(5)>> أن تراعى هذا المشهد ، فهذه نعمة تستوجب شكراً آخر . دخل رجل على عمر رضى الله عنه فسلم عليه [ فقال : كيف أنت ؟ فقال : أحمد إليك الله . قال : هذا أردت منك ] وقال رجل لشهل بن عبد الله [ دخل لص بيتى وأخذ متاعى . فقال له : اشكر الله تعالى ، لو دخل الشيطان قلبك فأفسد إيمانك ماذا كنت تصنع ؟ ] وعن ابن عمر قال : [ لعلنا نلتقى فى اليوم مراراً يسأل بعضنا عن بعض ولم يُرد بذلك إلا أن يحمد الله ] أى أن غرض السؤال الدفع لحمد الله . قال أحد السلف [ يارب كيف أطيق شكرك وأنت الذى تُنعم علىّ ثم ترزقنى على النعمة شكر ثم تزيدنى نعمة بعد نعمة ] وقال ابن القيم فى تهذيب مدارج السالكين [ ومن تمام نعمته سبحانه وعظيم بره وكرمه وجوده محبته له على هذا الشكر ورضاه منه به وثناؤه عليه به ومنفعته وفائدته مختصة بالعبد لا تعود منفعته على الله وهذا غاية الكرم الذى لا كرم فوقه يُنعم عليك ثم يُوزعك شكر النعمة ويرضى عنك ثم يُعيد إليك منفعة شكرك ويجعله سبباً لتوالى نعمه وإتصالها إليك والزيادة على ذلك مها .. ]
(6)>> نسبة النعمة للمُنعم : فلا يقول حصلت عليها بذكائى أو بعملى أو بجهدى ، فلا بد من رد الأمر الى الله ومن هذا وقوع المطر فنجد البعض يقول : هذا لنوة كذا ، فى الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألم تروا ما قال ربكم ؟ قال : ما أنعمت على عبادى من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون الكواكب وبالكواكب " رواه أحمد ومسلم وغيرهما . قال تعالى { وما بكم من نعمةٍ فمن الله } .
(7)>> أن يسجد لله شكراً عند تجدد النِعَم ، وهذه عبادة عظيمة يشترك فيها الأعضاء السبعة ، وفى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر يسُره خرَّ لله ساجداً شاكراً له عز وجل ، ولما جاء الى أبى بكر خبر قتل مُسيلمة : سجد لله شكراً ، فإن سجود الشكر فيه تعبير عن حمد العبد لربه .
<1914>
سؤال : نحن نعيش فى نعم كثيرة : لنا أعين نُبصر بها وآذان نسمع بها وأصوات نتكلم بها وغير ذلك كثير . فهل يُشرع لنا أن نسجد دائماً ؟
الإجابة : لا بالطبع ، وذلك لأننا نتبع السُنة فى أعمالنا ، والسُنة السجود عند حدوث نعمة متجددة ، فالمشروع السجود بتجدد النعم مثل إذا أتاك خبر يسُرك أو نجّاك الله من عدو أو مصيبة .. إلخ ، فالسجود للنعمة المتجددة يُذكّر بالنعمة المستدامة ، والنعمة المتجددة تستوجب عبادة متجددة ، ولأن طروء النعمة يُسبب بطر وأشر ، فلذلك شرع السجود وهو أن تجعل رأسك ( أعلى ما فى جسدك ) تحت وأسفل إظهاراً للخضوع والذل لرب العالمين وكسر النفس فلا تبطر بالنعم ، ولذلك فإنك تجد أهل الجهل عند حدوث فرحة أو نعمة يصيحون ويفعلون المعاصى ويشعرون بالخيلاء والعُجب ، ومثال ذلك ما يحدث عند الزواج فهذه نعمة عظيمة لكن عند حدوثها تجد الكثير لا يشكرون بل يفعلون المعاصى بإسم الفرح وأنها ليلة العُمر فكل شئ مُباح ، ونسوا قول رصول الله صلى الله عليه وسلم :" صوتان ملعونان فى الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ، ورنة عند مصيبة " حديث حسن ، وهو من أدلة تحريم المعازف .
(8)>> تذكر أن هذه المصيبة أخف من أعظم منها ، قال عبد العزيز بن أبى رواد : رأيت فى يد محمد بن واسع قرحة ، وكأنه رأى ما شق علىّ منها ، فقال لى : أتدرى ماذا لله علىّ فى هذه القرحة من نعمة ؟ لم يجعلها فى حدقتى ولم يجعلها فى طرف لسانى أهون أنها صارت فى يدى فهذه نعمة تستدعى الشكر عليها وينبغى السجود شكراً لله .
(9)>> الإعتناء بالنعمة والمحافظة عليها : وخاصةً مافيه رفعة للدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحسن الرمى ثم تركه فقد ترك نعمة من النعم " ، وفى رواية " من ترك الرمى بعد أن علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها " حديث صحيح ، فهذه نعمة لأنه يُعين على الجهاد ويرفع به الدين . .
ومن ذلك الإعتناء بفضلات الطعام وإطعامها للدواب أو الطيور ، فإن من كفران النعمة أن تُلقيها فلا يستفيد منها أحد وإن كان ولابد فأجعلها فى لفافة بعيداً عن القمامة لعلّ أحد يستفيد منها .
(10)>> أن تشكر الناس على إحسانهم إليك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لم يشكر الناس لم يشكر الله " صحيح ، وحديث " أشكر الناس لله أشكرهم للناس " .
(11)>> النظر الى النعمة والتفكر فى وجود ضدها الذى كان موجوداً من قبل ، مثال النظر إذا كان ذاكراً لله على الدوام أيام كان غافلاً لاهياً ، وإذا كان قارئاً أيام كان لا يقرأ ، وإذا كان له أبناء صالحين أيام أن لم يكن له أولاد ... إلخ
..سؤال : ماهى أسباب تقصير العباد عن شكر نعم الله ؟
الإجابة : لم يُقصّـر الخلق شكر نعم الله إلا بسبب الجهل والغفلة ، فلا يُتصور شكر نعمة بدون معرفتها ، وإن عرفوا ظنوا أن الشكر عليها هو أن يقول بلسانه ( الشكر لله ) ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن تستعمل النعمة فى إتمام الحِكَـم التى أُريدت بها
<1915>
وهى : طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولغفلة الناس وجهلهم لا يعدون ما يَعُـم الخلق فى جميع أحوالهم نعمة ، لذلك لا يشكرون على جملة ما يجدون من نعم الله التى تفضل بها على خلقه لأنها عامة للخلق مبذولة لهم فى جميع الأحوال
كما أنه من الغفلة التى جعلت الناس لا يشكرون هو إعتقادهم أن المال هو النعمة التى تستوجب الشكر وما عداه ينسونه ، كما رُوى أن بعضهم شكا فقره إلى بعض أرباب البصيرة وأظهر شدة إغتمامه بذلك فقال له : [ أيسـرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفاً ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أما تستحى أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفاً ؟ !! ]
ودخل ابن السماك على الرشيد فى عِظَـة فبكى ودعا بماء فى قدح ، فقال : [ يا أمير المؤمنين لو مُنِعْتَ هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفديها ؟ قال : نعم . قال : فأشرب ريّـاً بارك الله فيك ، فلما شرب قال له : يا أمير المؤمنين أرأيت لو مُنِعْتَ إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتدى ذلك ؟ قال : نعم .. قال : فما تصنع بشئٍ شربة ماءٍ خير منه ؟ ] وهذا يُبين أن شربة ماءٍ عند العطش أعظم من مُلك الأرض ، ثم تسهيل خروجها من أعظم النعم ، وفى هذا إشارة الى النعم التى يغفل عنها الكثير .
*****أسباب الشكر ومنابعه كثيرة:
فحياء العبد من تتابع نعم الله عليه شكر.. والعلم بأن الشكر نعمة من نعم الله شكر.. والعلم بعظيم حلم الله شكر.. والعلم بأن النعم ابتداء من الله بغير استحقاق شكر.. وقلة الاعتراض على قسمة الأرزاق شكر.. وحسن الأدب بين يدي المنعم شكر.. واستعظام صغيرها شكر.. ووضعها في مكانها شكر.. وصرفها في طاعة الله شكر.
1- قال الله تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [34]} [إبراهيم: 34].
2- وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [12]} [لقمان: 12].
*حادي عشر >> أسباب سلب النعم .أسباب ذالك المعاصي والذنوب أي : أنها تزيل النعم وتحل النقم، قال علي رضي الله عنه: (ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة).
قال سبحانه: وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30].
<1916>
وما منع قطر السماء، ولا غابت بركة الأرض إلا لسبب ذنوب العباد، وما حلت الهموم والغموم، والأكدار والأحزان إلا بذنوب العباد، فالذنوب هي أساس البلاء وأصل الوباء. قال بعض السلف: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي.
ومن أعظم آثار الذنوب وأضرارها أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، فإن العبد العاصي إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له..
فلا ينجذب قلبه للتوكل على الله والإنابة إليه، والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه، فإن دعا أو ذكر فبقلب غافل ساهٍ، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة لم تنقد له ولم تطاوعه، كمن له جند تدفع عنه الأعداء، فأهمل جنده وضيعهم وأضعفهم، وقطع أقواتهم، ثم أراد منهم عند هجوم العدو عليه أن يستفرغوا وسعهم في الدفع عنه بغير قوة.
والأعظم من هذا والأنكى، والأمرّ والأدهى، أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تبارك وتعالى، فيتلعثم لسانه، ويعجم بيانه عن أن ينطق بكلمة التوحيد وشهادة الحق ..
قال ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي: مما ينبغي أن يُعلم أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا بدّ أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداءٌ إلا بسبب الذنوب والمعاصي؟
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعمة والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح صورة وأشنع، وبُدل بالقرب بعدًا، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحًا، وبالجنة نارًا تلظى، وبالإيمان كفرًا؟
وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟.
وما الذي سلّط الريح على قوم عادٍ حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودّمرت ما مرّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابّهم حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم القيامة؟
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟.
وما الذي رفع اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم أجمعين؟
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارًا تلظّى؟
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نُقلت أرواحهم إلى جهنّم، والأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟
<1917>
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمّرها تدميرًا؟
وما الذي أهلك قوم صاحب قصة سورة يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم؟
وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بأسٍ شديد، فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال، وسبوا الذرية والنساء، وأحرقوا الدّيار، ونهبوا الأموال، ثم بعثهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبَّروا ما علو تتبيرًا؟
السبب الأول:تغيير الطاعة بالمعصية والشكر بالكفر وأسباب الرضا بأسباب السخط قال تعالى :
((ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))
فالآية تتناول كفار قريش بدلوا نعمة الله من الخصب والأمن بالكفر والصدعن سبيل الله ومحاربة المؤمنين
السبب الثاني:انتشار الظلم بين الناس في الأعراض والأموال قال تعالى:
((فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات))أي بسبب ظلم اليهود وما ارتبكوه من الذنوب العظيمة حرمنا عليهم أنواعا من الطيبات التي كانت حلالا لهم.
وقال تعالى:((وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا)) وعن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم يقرأ ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة )
الآية . متفق عليه.اهـ مشكاة المصابيح للألباني
وقال تعالى:((ألم تر كيف ربك بعاد ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوثاد الذي طغوا في لا البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب)) .والحمد لله وصلى الله على عبده محمد خاتم الأنبياء والمرسلين والحمد لله رب العالمين..... ـ حرمان النعم من اعظم عواقب الظلم الوخيمة
حرمان النعم: فإن من أعظم أسبابه وقوع الظلم والله جل وعلا قال: { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [النساء : 160]. ليس المقصود حرمان المال والجاه، فقد تحرم نعمة الطمأنينة، أو نعمة الصحة أو غيرها من النعم.(4)
تعليق إبن كثير علي ماجاء في هاتين الايتين الكريمتين
(يخبر تعالى أنه بسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة حرم عليهم طيبات كان أحلها لهم .صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه ولهذا كانوا أعداء الرسل وقتلوا خلقا من الأنبياء وكذبوا عيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهما
السبب الثالث >من أسباب سلب النعم الإعراض عن أوامر الله وإبداء المعاصي وإشهارها من أعرض عن الله؛ فقد أغتر أكبر الغِرَّة، وأعوز أشد العوز، ومن عصى الله وخالف أمره وشرعه؛ سلَّط الله عليه من مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها وشدتها
<1918>
جزاءً وِفاقاً بما كسبت يداه، ولا يظلم ربك أحداً، قال بعض السلف: "كلما أحدثتم ذنباً؛ أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة".
والله من تمام عدله وقسطه في حكمه لا يغيِّر نعمة أنعمها على أحد إلاَّ بسبب ذنب أرتكبه، كما قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ الّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال: 53]، وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، أي: بان النقص في الموال والأنفس والزروع والثمرات بسبب المعاصي؛ إبتلاءً من الله واختباراً، ومجازاة على ما أحدث الناس من المنكرات لعلهم يتعظون.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 130]، ابتلاهم الله بالجدب سنة بعد سنة، وحبس عنهم المطر، فنقصت ثمارهم، وغَلَت أسعارهم لعلهم يذكرون.
وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وقال تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النساء: 79]، قال القرطبي -رحمه الله تعالى-: "أي: ما أصابكم يا معشر الناس من خِصب وإتساع رزق؛ فمن تفضُّل الله عليكم، وما أصابكم من جدب وضيق رزق؛ فمن أنفسكم، أي: من أجل ذنوبكم وقع ذلك بكم".
وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صَلَّى الَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (ما من رجل يكون في قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيِّروا عليه، فلا يغيِّروا إلاَّ أصابهم الله بعذاب من قبل أن يتوبوا)[1].
وعن عدي بن عَمِيرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى الَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنَّ الله لا يعذِّب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك؛ عذَّب الله الخاصة والعامة)[2].
وعن ابن عباس -رضي الله عنه- عن النبي- صَلَّى الَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية؛ فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله"[3].
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى الَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما أحدٌ أكثر من الربا إلاَّ كان عاقبة أمره إلى قلة)[4].
ياعبد الله : لا تأمن سوء عاقبة ما اقترفت من الخطايا والآثام، يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنَّها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال به هكذا، فطار"[5].
ويقول الحسن البصري -رحمه الله-: "المؤمن يعمل الطاعات وهو مشفق وَجِل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن".
{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ الّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الإسراء: 45-
<1919>
وقال تعالى" وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ "الشورى:30
فالحذر.. الحذر من سلب النعم .قال تعالى ( وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم ) محمد:38.
قال القرطبي رحمه الله: "وفي الآية تخويف وتنبيه لجميع من كانت له ولاية وإمارة ورياسة، فلا يقوم بحقها ولا يؤديها ، أن يذهبه ويأتي بغيره وكان الله على ذلك قديراً".
السبب الرابع>>ـ من أساب سلب النعم ارتكاب الذنوب الآتية أقول : أسباب حرمان النعم .قد نحرم أحيانا من نعمة ما و دائما ما نربط ذلك الحرمان بالسحر
أو بالعين أو بالعجز البشري أحيانا. و لكننا و للأسف لا نربط ذلك الحرمان بتقصيرنا في أمور الدين أو بتقصيرنا في الدعاء أو بفعلنا لأحد المعاصي أو الكبائر التي نستصغرها و لكنها كبيرة عند الله عز وجل.
1. كالغيبة و النميمة.2. ترك الصلاة. 3>. الزنا بأنواعه. 4>. عقوق الوالدين.
4. سوء معاملة أم الزوج أو أهله. 5. عدم طاعة الزوج. 6. الاختلاط بغير المحارم.
7. التزين و التبرج و التعطر عند الخروج من المنزل8. عدم المبالاة في الحجاب و إخراج ناصية الشعر أي (مقدمته ). 9. نمص الحواجب ( و هي من أكثر أنواع ألذنوب المنتشرة و التي تطرد المرء من رحمة الله عز وجل ). 10. التواصل مع غير المحارم من النساء و الرجال 11>. كشف العورات. 12>. الكذب و النفاق. 14>. هجر القرأن. 15 التكبر. 15. سوء معاملة الخدم16 . سلب الحقوق. 17. الربا. و غيرها من الأفعال التي تجني ألذنوب و تسخط الخالق عز و جل.
نموذج ممن سلبوا النعمة >>
1> أهل سبإ
قال الله تعالى : " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" سبأ{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ }: ما أدرَّ اللّه عليهم من النعم، وصرف عنهم من النقم { جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ } وكان لهم واد عظيم، تأتيه سيول كثيرة، وكانوا بنوا سدا محكما، يكون مجمعا للماء، فكانت السيول تأتيه، فيجتمع هناك ماء عظيم، فيفرقونه على بساتينهم، التي عن يمين ذلك الوادي وشماله
{ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } أن اللّه جعل بلدهم، بلدة طيبة، لحسن هوائها، وقلة وخمها، وحصول الرزق الرغد فيها.و وعدهم - إن شكروه - أن يغفر لهم وَيرحمهم
{ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ } بكفرهم باللّه وبنعمته، عاقبهم اللّه تعالى بهذه النعمة، التي أطغتهم، فأبادها عليهم، فأرسل عليها سيل العرم.أي: السيل
<1920>
المتوعر الشديد، الذي خرب سدهم، وأتلف جناتهم، وخرب بساتينهم، فتبدلت تلك الجنات ذات الحدائق المعجبة، والأشجار المثمرة، الى أشجار لا نفع فيها
{ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ } أي: شيء قليل من الأكل الذي لا يقع منهم موقعا { خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ } وهذا كله شجر معروف، وهذا من جنس عملهم.فكما بدلوا الشكر الحسن، بالكفر القبيح، بدلوا تلك النعمة بما ذكر
{ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ } أي: وهل نجازي جزاء العقوبة إلا من كفر باللّه وبطر النعمة؟{ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ } أن الله هيأ لهم-قبل العقوبة- من الأسباب ما به يتيسر وصولهم إلى الأرض المباركة، بغاية السهولة، من الأمن، وعدم الخوف، وتواصل القرى بينهم وبينها، بحيث لا يكون عليهم مشقة، بحمل الزاد والمزاد.[سيروا فيها لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ }: مطمئنين في السير، في تلك الليالي والأيام، غير خائفين. وهذا من تمام نعمة اللّه عليهم، أن أمنهم من الخوف.فأعرضوا عن المنعم، وعن عبادته، وبطروا النعمة، وطغوا وسئموا الراحة ولم يصبروا على العافية، حتى إنهم طلبوا وتمنوا –قبل أن يصيبهم ما أصابهم- أن تتباعد أسفارهم بين تلك القرى، التي كان السير فيها متيسرا{ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ٍ}فلما أصابهم ما أصابهم بأهلك أشجارهم المثمرة تفرقوا وتمزقوا، بعدما كانوا مجتمعين، وجعلهم اللّه أحاديث يتحدث بها الناس في أسمارا ، فكل أحد يتحدث بما جرى لهم، ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } صبار على المكاره والشدائد، يتحملها لوجه اللّه، ولا يتسخطها بل يصبر عليها. شكور لنعمة اللّه تعالى يُقِرُّ بها، ويعترف، ويثني على من أولاها، ويصرفها في طاعته-------- تفاسير القرطبي والسعدي باختصار
.الخلاصة .أخبرالله أنهم كانوا في نعمة واسعة من اتساع الأرزاق وكثرة الثمار والزروع وبعث الله لهم الرسل ليأمروهم بشكر لله على هذه النعم ويوحدوه فكانوا كذلك ما شاء الله ثم بدلوا وأعرضوا عما أمروا به فعاقبهم الله بسلب هذه النعم وذلك بإرسال السيل عليهم فتفرقوا في البلاد شذر مذر فهل نعتبر بهذا يا قومنا قد حبانا الله بنعم لم ينعم بها على من سبق غير أننا قابلنا هذه بالسخط والمعاصي والفجور فاقترفنا كل الفجور من عري وزنا واختلاط
2>>ــ فرعون وقومه .قال تعالى:{كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين}فبين تعالى كيفية أخذ قوم فرعون وسلبهم تلك النعم من الجنات والزروع فأخرجهم منها للغرق ثم إلى النار وبيس القرار3>>عاقبة أصحاب:الجنة التي ذكرالله قصتها في سورة ن فقال {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم}فبين تعالى أن سبب ذهاب وهلاك نعمتهم من الثمار والفواكه هو قصدهم السيء بمنع الفقراء والمساكين من نصيبهم وحقهم فأذهب الله كل ما في ذلك البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه حيث حلفوا أنهم سيجنونها في الصباح الباكر لئلا يعلم بهم الفقراء فأصابتهم آفة سماوية وهم ما زالوا يغطون في
<1921>
نومهم حتى أصبحت كالصريم أي كالليل الأسود4)عاقبة قصة الرجلين فقال:{ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا فَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34 وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35 }....إلى أن قال .... وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)..........المعنى : وتحَقَّقَ ما قاله المؤمن، ووقع الدمار بالحديقة، فهلك كل ما فيها، فصار الكافر يُقَلِّب كفيه حسرةً وندامة على ما أنفق فيها، وهي خاوية قد سقط بعضها على بعض، ويقول: يا ليتني عرفت نِعَمَ الله وقدرته فلم أشرك به أحدًا. وهذا ندم منه حين لا ينفعه الندم.
5>>عاقبة قارون فقال:{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عليهم وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78 خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) ......المعنى : فخسفنا بقارون وبداره الأرض، فما كان له من جند ينصرونه من دون الله، وما كان ممتنعًا من الله إذا أحلَّ به نقمته.عن كل فرد أو اسرة أو دولة بغت بما لها من قوة فستأتي عليها سنة الأولين مثل عاد وفرعون وقارون وغيرهم وكم رأينا في العصر الحاضر من دول طغت وتجبرت أتاها الله من حيث لاتحتسب فلم يعد لها بقاء كالاتحاد السوفياتي وغيره.يقول حميد بن احمد أمين كان الله وليه هذا الموضوع أصله من عدة مواقع ومنتديات وكتب رتبته كما شئت أسأله أن ينفع به ويجعله خالصا لوجهه.
لست ربوت