من ذاكرة فريق للحي كان يقاطع دوريات احتفالات عيد عرش الحسن الثاني وعيد شبابه: "المشعل": حكاية تمرد رياضي بخلفية سياسية.بقلم عبد الكريم التابي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من ذاكرة فريق للحي كان يقاطع دوريات احتفالات عيد عرش الحسن الثاني وعيد شبابه: "المشعل": حكاية تمرد رياضي بخلفية سياسية.بقلم عبد الكريم التابي

من ذاكرة فريق للحي كان يقاطع دوريات احتفالات عيد عرش الحسن الثاني وعيد شبابه: "المشعل": حكاية تمرد رياضي بخلفية سياسية.بقلم عبد الكريم التابي

لا يتوفر وصف للصورة.
















( إذا كان من شيء يحسب للعهد "الجديد" على مستوى المظهر على الأقل، هو إلغاؤه لتلك

المظاهر المقززة المكلفة للاحتفال بالإكراه بأعياد العرش والشباب).
قد يبدو غريبا أن فريقا لحي هامشي في ابن جرير، سيقدم يوما ما على اتخاذ قرار كروي بخلفية سياسية، لمقاطعة أو قل عدم المشاركة الإرادية في دوريات لكرة القدم نظمت في ابن جرير بمناسبة الاحتفالات التي كانت تقام تخليدا لأعياد العرش أو أعياد الشباب على عهد الملك المرحوم الحسن الثاني.
كما قد يبدو مستحيلا أو شبه مستحيل أن يتجرأ أحد في ذلك الزمن الحديدي المضمخ بالجمر والرصاص، على التعبير عن غضبه الرافض لتلك الطقوس المفرطة التي تصاحب ذينك العيدين بالخصوص في كل الفضاءات العامة والخاصة حتى، وخصوصا في المؤسسات التعليمية التي كانت تتفرغ شهرا قبل حلول العيد، للتحضير والتمرين على كثير من الأنشطة والفقرات الفنية المتنوعة، لتكون جاهزة يوم الذكرى.
في تلك السياقات التي يتذكرها من عاشها حية أمام ناظريه، أو سمع عنها من لم يعشها من الجيل الحالي، أقدم فريق المشعل بحي افريقيا بابن جرير، زمن بداية الثمانينيات على مقاطعة كل دوري له علاقة بتلك الاحتفالات سواء كان ينظم باسم دار الشباب، أو تحت أي مسمى آخر، وذلك انسجاما مع تصور أو تقدير سياسي لبعض فعاليات الفريق التي كانت ذات نزوع يساري يميل إلى حركات اليسار الجديد، التي كانت تحمل شحنات من الرفض والتذمر من تلك الأجواء التي ترى من خلالها الاستبداد المخزني يمشي على الأرض ممتشقا سيفه في الأسواق الأسبوعية وفي الدواوير والمؤسسات التعليمية ورياض الاطفال الصغار والإذاعة والتلفزيون والمساجد وحتى في ملاعب الكرة، حيث كان مفروضا على الناس أن يفرحوا بالرغم من معاناتهم وجوعهم ومرضهم وعطالتهم، بل كان مفروضا في كثير من الأحيان أن يجبروا على المساهمة من قوت أولادهم في تمويل الاحتفالات التي كانت السلطات تضيف اجتهادات أخرى لقهر الناس وإرغامهم بطرق مختلفة على أداء تلك المساهمة أو يتعرضوا في المقابل للملاحقة والتهديد من طرف أعوان السلطة، بل أحيانا بحرمانهم من بعض حقوقهم كالحصول على بعض الوثائق كشهادة السكنى وغيرها في حالة الامتناع عن الدفع.
كان فريق "المشعل" ساعتها فريقا للكرة يمارس بعض السياسة، أو كان مجموعة سياسية متعاطفة أكثر منها منظمة، تمارس الكرة وفقا لما تعتقده طريقا لما ينبغي أن تكون عليه الكرة. كما أن مظاهر الانشغال المبكر ببعض السياسة، كانت بادية في كثير مما كان الفريق يحييه في اجتماعاته من خلال نوعية الأغاني التي كان يرددها، أو من خلال النقاشات التي كانت تتخلل حتى ما له ارتباط صرف بالشأن الكروي، تاريخه وأحداثه ومعوقات تطوره.
إلا أن أهم مظهر تمت ترجمته عما كان يدور في بعض الرؤوس، هو ذلك القرار الجريء الذي تم اتخاذه وتنفيذه في سرية تامة، والذي قضى بتأسيس مكتبة بإحدى الدور بدوار "القرع"، والتي ساهم بعض الأعضاء بتزويدها بكل ما يملكون من كتب ومجلات في مختلف التخصصات فكرية وسياسية وتربوية وفلسفية وأدبية وعلمية وغيرها، وتنظيمها بإسناد تسييرها لسكرتارية معينة، تسهر على تدبير أجندة استلام الكتب وإرجاعها، ووضع برنامج للأنشطة والعروض التي كان يكلف مرتادو المكتبة بتحضيرها وعرضها ثم مناقشتها. إضافة إلى تنظيم مالية المكتبة التي كانت تعتمد على اشتراكات أعضائها، وذلك من أجل اقتناء آخر الإصدارات التي تظهر في سوق المكتبات ودور النشر.
كما أن نظام إعارة الكتب بين الأعضاء كانت تتم أيضا خارج المكتبة، حيث كانت تنظم عشاءات قراءة كتاب بشكل جماعي في أحد بيوت الأعضاء، كما كانت الحال مثلا مع بعض المؤلفات التي كانت وقتها تحظى بكثير من الاهتمام، وعلى رأسها كتب الفقيد مهدي عامل (أزمة حضارة أم أزمة البورجوازيات العربية) ومؤلفات الفقيد الشهيد حسين مروة من خلال (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) وغيرها، وفي مجال الشعر كان الاهتمام منصبا بالأساس على أشعار محمود درويش وعبد اللطيف اللعبي وعبد الله ازريقة، وفي الأزجال كان حضور المرحوم عبد الله الوادان ورضوان أفندي، حاضرا بشكل لافت، وفي الأغاني كانت المجموعات الغنائية (الغيوان أساسا) والشيخ الإمام ومارسيل خليفة، هم الذين يستأثرون بالاهتمام الواسع.
لم يكن قرار مقاطعة دوريات عيد العرش وعيد الشباب، أمرا مستساغا عند بعض الشباب اليافع خاصة، لأنه كان هناك من لا يعنيه هذا الأمر، ولا يريد سوى اللعب والاستمتاع كباقي شباب الأحياء الأخرى، إلا أن إحساسه بما يشبه الاعتداد بالنفس أمام الآخرين وهو واحد في فريق يتخذ مثل تلك القرارات الشجاعة ، كان يشعره بأهميته كفرد بإمكانه الانخراط ضمن الجماعة في مواقف لا يأتيها إلا من يملك قلبا من حديد.
كان يرى فينا البعض أننا جنس نشاز يحب التميز ليس إلا. وكان ينظر إلينا أصحاب الكرة القدامى بارتياب، بينما آخرون يروننا كالمصابين بالجربى الذين لا ينبغي الاقتراب منهم.

منتصف الثمانينيات، سينسحب بعض قدامى "المشعل" تاركين المشعل الرياضي الكروي الصرف، في يد شباب آخرين يلعبون الكرة للكرة مع شيء من الاعتداد بالمشعل الذي كان، وسينخرط بعض من ذلك البعض الذي وضع حدا لاهتمامه الكروي المرتبط باللعب ، في تلك الحركة الثقافية التي انبعثت كطائر الفينيق من الرماد والتي سميت بجمعية الإقلاع الثقافي التي شكلت البذرة الأولى للعمل الجمعوي على صعيد منطقة الرحامنة بشكل عام وبلدة ابن جرير على وجه الخصوص. وبعد قليل من الاختمار الثقافي، سيجد ذلك البعض بعضه جنبا إلى جنب داخل إطار سياسي علني اسمه منظمة العمل الديمقراطي الشعبي.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button