الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وأصلي واسلم على من بعثه الله بالحق بشيرا ونذيرا وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد موضوع اليوم اشراط الساعة وأحاديث الفتن .ايها الناس إنه ليس القصد من ذكر هذه الأحاديث الدعوة إلى الخنوع والاستسلام لليأس كما يتبادر إلى ذهن البعض ولكن التذكير بها ليتوقى المؤمن الشر ويسارع إلى الخير ويحذر من بيع إيمانه ببخس قليل فإن المصيبة في الدين لاتعدلها مصيبة فأحاديث الفتن هامة جدا للمؤمن الذي يريد الله والدار الآخرة فكم نرى اليوم من أناس يتساقطون في أحضان الفتن مريدين مهيئين لها رغبة في لعاع الحياة .إن من أشهر سيفه ليقتل به البراءاء نصرة لباطل وحمية لأشخاص قد شارك في الفتنة وأصابه من لهيبها. وإن من يلوي النصوص الشرعية خدمة لأشخاص يبرر بها الباطل قد اقتحم أوارها وساهم في إيقادها .وإن من أصيب ببلوى الدفاع عن الرجال بحق وبباطل نصرة لرأيهم وخدمة لأفكارهم ولو على حساب قضم النصوص او تأويلها لممن ساهم في الفتنة واكتوى بنارها .
إن جل هذه الفتن التي تعصف بالعالم الإسلامي خاصة منذ قدوم المستعمر ليعد بحق من الابتلاء الذي ابتلى الله به الأمة ليعلم من صادق ممن على حافة الهاوية لايثبت على هدي النبوة ونور القرآن وإنما يشارك الناس المفتونين كلما فتحوا بابا منها تحقيقا لنزواتهم وإرضاء لشهواتهم . فهذه المغارات التي يبيت فيها اللهون سكارى وهذا العري المفضوح وهذه الهرولة والمنافسة الشديدة نحوالنيل من مال الآخرين والبحث عنه بشتى الطرق وذالكم القتال المستميت على الكراسي وهذا التمرد العجيب لنور الوحي والإعلان الصراح لترك الدين كل هذا وذاك مما نتاوله من خلال ما سنسرده من كلام الحبيب الذي لاينطق عن الهوى ولا يقول بالظن فقد أخبر عن المراحل التي ستجتازها أمته عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلًا يَكُفُّ حَدِيثَهُ فَجَاءَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ فَقَالَ يَا بَشِيرُ بْنَ سَعْدٍ أَتَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُمَرَاءِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنَا أَحْفَظُ خُطْبَتَهُ فَجَلَسَ أَبُو ثَعْلَبَةَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ . وروى البخاري :عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ
كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ
{2217}
قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ>.قال النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دُعَاة عَلَى أَبْوَاب جَهَنَّم مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا )قَالَ الْعُلَمَاء : هَؤُلَاءِ مَنْ كَانَ مِنْ الْأُمَرَاء يَدْعُو إِلَى بِدْعَة أَوْ ضَلَال آخَر كَالْخَوَارِجِ وَالْقَرَامِطَة وَأَصْحَاب الْمِحْنَة .وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة هَذَا : لُزُوم جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامهمْ ، وَوُجُوب طَاعَته ، وَإِنْ فَسَقَ وَعَمِلَ الْمَعَاصِي مِنْ أَخْذ الْأَمْوَال وَغَيْر ذَلِكَ ، فَتَجِب طَاعَته فِي غَيْر مَعْصِيَة .وَفِيهِ : مُعْجِزَات لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ هَذِهِ الْأُمُور الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا وَقَدْ وَقَعَتْ كُلّهَا .
أيها الناس " إن العلماء قسموا علامات الساعات إلى كبرى ، وصغرى ، وقسمها آخرون إلى ثلاثة أقسام ، وجعلوا بينهما " وسطى " ، ويمثلون له بخروج " المهدي " .وعلامات الساعة الصغرى يصلح تقسيمها إلى ثلاثة أقسام : قسم منها انقضى ، وقسم لا يزال يتكرر ، وقسم لم يحدث بعدُ . وقد حصر هذه الأقسام بأحاديثها : الشيخ عمر سليمان الأشقر حفظه الله في كتابه القيِّم " القيامة الصغرى "
والعلامات الصغرى يمكن تقسيمها إلى قسمين : قسم وقع ، وقسم لم يقع بعدُ ، والذي وقع قد يكون مضى وانقضى ، وقد يكون ظهوره ليس مرة واحدة ، بل يبدو شيئاً فشيئاً ، وقد يتكرر وقوعه وحصوله ، وقد يقع منه في المستقبل أكثر مما وقع في الماضي .والآن فإلى الموضوع :
أولا>>>ـ . علامات الساعة التي وقعت :
ونعني بها العلامات التي وقعت وانقضت ، ولن يتكرر وقوعها ، وهي كثيرة ، وسنذكر بعضاً منها :
1.> بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته .روى البخاري عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ أَوْ كَهَاتَيْنِ وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى... في صحيح البخري عن عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ....الخ>
2. انشقاق القمر .في المعجم الكبير للطبراني عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ، قَالَ:مَضَى خَمْسُ آيَاتٍ، وَبَقِيَ خَمْسٌ مِنْهَا: انْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَمَضَى الدُّخَانُ، وَمَضَتِ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى، وَمَضَى الْيَوْمُ الْعَقِيمُ، وَمَضَى اللِّزَامُ.> في مشكل الآثار : باب بيان مشكل ما روي في انشقاق القمر في زمن رسول الله عليه السلام تصديقا لقول الله عز وجل : اقتربت الساعة وانشق القمر
3. نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببُصرى – بلدة في الشام - .روى مسلم عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى> في الفتح : قَوْله ( حَتَّى تَخْرُج نَار مِنْ أَرْض الْحِجَاز )قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " التَّذْكِرَة " : قَدْ خَرَجَتْ نَار بِالْحِجَازِ بِالْمَدِينَةِ ، وَكَانَ
{2218}
بَدْؤُهَا زَلْزَلَة عَظِيمَة فِي لَيْلَة الْأَرْبِعَاء بَعْدَ الْعَتَمَة الثَّالِث مِنْ جُمَادَى الْآخِرَة سَنَة أَرْبَع وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَاسْتَمَرَّتْ إِلَى ضُحَى النَّهَار يَوْمَ الْجُمُعَة فَسَكَنَتْ ، وَظَهَرَتْ النَّار بِقُرَيْظَةَ بِطَرَفِ الْحِرَّة تَرَى فِي صُورَة الْبَلَد الْعَظِيم عَلَيْهَا سُوَر مُحِيط عَلَيْهِ شَرَارِيف وَأَبْرَاج وَمَآذِن ، وَتَرَى رِجَال يَقُودُونَهَا ، لَا تَمُرّ عَلَى جَبَل إِلَّا دَكَّتْهُ وَأَذَابَتْهُ ، وَيَخْرُج مِنْ مَجْمُوع ذَلِكَ مِثْل النَّهَر أَحْمَر وَأَزْرَق لَهُ دَوِيّ كَدَوِيِّ الرَّعْد يَأْخُذ الصُّخُور بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَنْتَهِي إِلَى مَحَطّ الرَّكْب الْعِرَاقِيّ ، وَاجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ رَدْم صَارَ كَالْجَبَلِ الْعَظِيم ، فَانْتَهَتْ النَّار إِلَى قُرْب الْمَدِينَة ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يَأْتِي الْمَدِينَة نَسِيم بَارِد ، وَشُوهِدَ لِهَذِهِ النَّار غَلَيَان كَغَلَيَانِ الْبَحْر ، وَقَالَ لِي بَعْض أَصْحَابنَا : رَأَيْتهَا صَاعِدَة فِي الْهَوَاء مِنْ نَحْو خَمْسَة أَيَّام ، وَسَمِعْت أَنَّهَا رُؤِيَتْ مِنْ مَكَّة وَمِنْ جِبَال بُصْرَى . وَقَالَ النَّوَوِيّ : تَوَاتَرَ الْعِلْم بِخُرُوجِ هَذِهِ النَّار عِنْدَ جَمِيع أَهْل الشَّام . وَقَالَ أَبُو شَامَة فِي " ذَيْل الرَّوْضَتَيْنِ " : وَرَدَتْ فِي أَوَائِل شَعْبَان سَنَة أَرْبَع وَخَمْسِينَ كَتَبَ مِنْ الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فِيهَا شَرْح أَمْر عَظِيم حَدَثَ بِهَا فِيهِ تَصْدِيق لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيث ، قَالَ : فَأَخْبَرَنِي بَعْض مَنْ أَثِق بِهِ مِمَّنْ شَاهَدَهَا أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَتَبَ بِتَيْمَاء عَلَى ضَوْئِهَا الْكُتُب ، فَمِنْ الْكُتُب . . فَذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْض الْكُتُب : ظَهَرَ فِي أَوَّل جُمْعَة مِنْ جُمَادَى الْآخِرَة فِي شَرْقَيْ الْمَدِينَة نَار عَظِيمَة بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَة نِصْف يَوْم اِنْفَجَرَتْ مِنْ الْأَرْض وَسَالَ مِنْهَا وَادٍ مِنْ نَار حَتَّى حَاذَى جَبَل أُحُد . وَفِي كِتَاب آخَر : اِنْبَجَسَتْ الْأَرْض مِنْ الْحِرَّة بِنَارٍ عَظِيمَة يَكُون قَدْرهَا مِثْل مَسْجِد الْمَدِينَة وَهِيَ بِرَأْيِ الْعَيْن مِنْ الْمَدِينَة ، وَسَالَ مِنْهَا وَادٍ يَكُون مِقْدَاره أَرْبَع فَرَاسِخ وَعَرْضه أَرْبَع أَمْيَال يَجْرِي عَلَى وَجْه الْأَرْض وَيَخْرُج مِنْهُ مِهَاد وَجِبَال صِغَار .
4. توقف الجزيَة والخراج .في صحيح مسلم . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا وَمَنَعَتْ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ>... في شرح النووي :: أَمَّا ( الْقَفِيز ) فَمِكْيَال مَعْرُوف لِأَهْلِ الْعِرَاق . قَالَ الْأَزْهَرِيّ : هُوَ ثَمَانِيَة مَكَاكِيك ، وَالْمَكُّوك صَاع وَنِصْف ، وَهُوَ خَمْس كَيْلَجَات . وَأَمَّا ( الْمُدْي ) فَبِضَمِّ الْمِيم عَلَى وَزْن ( قُفْل ) ، وَهُوَ مِكْيَال مَعْرُوف لِأَهْلِ الشَّام . قَالَ الْعُلَمَاء : يَسَع خَمْسَة عَشَر مَكُّوكًا . وَأَمَّا الْإِرْدَبّ فَمِكْيَال مَعْرُوف لِأَهْلِ مِصْر ، قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَآخَرُونَ : يَسَع أَرْبَعَة وَعِشْرِينَ صَاعًا . وَفِي مَعْنَى مَنَعَتْ الْعِرَاق وَغَيْرهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ : أَحَدهمَا لِإِسْلَامِهِمْ ، فَتَسْقُط عَنْهُمْ الْجِزْيَة ، وَهَذَا قَدْ وُجِدَ . وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَشْهَر أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَجَم وَالرُّوم يَسْتَوْلُونَ عَلَى الْبِلَاد فِي آخِر الزَّمَان ، فَيَمْنَعُونَ حُصُول ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ... وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ "
فَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيث الْآخَر " بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ " وَقَدْ سَبَقَ شَرْحه فِي كِتَاب الْإِيمَان .
ثانيا >>ـ . العَلامَات التي وقعت ، وهي مستمرة ، أو وقعت مَرة وَيمكن أن يتكرّر وقوعُها :
{2219}
1. الفتوحَات والحروب .وقد فتحت فارس والروم وزال ملك كسرى وقيصر ، وغزا المسلمون الهند ، وفتحوا القسطنطينية ، وسيكون للمسلمين في مقبل الزمان ملك عظيم ينتشر فيه الإسلام ويذل الشرك ، وتفتح روما مصداقاً ؛ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل : ( لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ ) – رواه أحمد ( 28 / 154 ) وصححه محققو المسند - .روى أحمد يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي أَبُو قَبِيلٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي وَسُئِلَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ قَالَ فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَقال الشيخ شاكر إسناده صحيح وصححه أيضا الألباني رحمه الله
تحقق الجزء الأول من هذا الحديث وهو فتح<استنابول> عاصمة الأتراك الآن في التاسع الهجري على يد محمد الفاتح ابن الثالثة والعشرين يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى سنة 897 هـ الموافق <29>مايو سنة 1453م وبقي الجزء الثاني من البشرى وهو فتح رومية عاصمة إيطاليا وبه يدخل الإسلام أوربا مرة أخرى بعد أن طرد منها مرتين مرة من الأندلس ومرة من البلقان إذن :تحقق شق من الحديث على يد محمد الفاتح ابن الثالثة والعشرين في القرن التاسع الهجري وذلك أنه فتح على يديه القسطنيطينية وهي ما يسمى الآن {استانبول}وما زلنا ننتظر الشق الآخر وهو فتح عاصمة إيطاليا {روما}
2. قتال الترك والتتر .في صحيح البخاريي [بَاب قِتَالِ التُّرْكِ "عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الْأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الْأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ وَالنَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وروى ايضا عن عَمْرو بن تَغْلِبَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعَرِ وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ.> وروى أيضا
3. إسناد الأمر إلى غيَر أهله ...روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ
{2220}
السَّاعَةِ قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ
4. فسَاد المسلمين . فِي اَلْمُسْنَدِ: « عَنْ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: يُوشِكُ أَنْ تَرَى اَلرَّجُلَ قَدْ قَرَأَ اَلْقُرْآنَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَأَعَادَهُ, وَأَبْدَاهُ, فَأَحَلَّ حَلَالَهُ, وَحَرَّمَ حَرَامَهُ, وَنَزَلَ عِنْدَ مَنَازِلِهِ, لَا يَحُورُ فِيكُمْ, إِلَّا كَمَا يَحُورُ رَأْسُ اَلْحِمَارِ اَلْمَيِّتِ » . هذا من كلام عبادة ولعله مما يقال: إنه ليس مما للرأي فيه مجال أو إخبار عن ما سيكون يوشك أن يكون الرجل قد قرأ القرآن وتلقاه على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحل حلاله، وحرم حرامه، ونزل منازله، يكون كرأس الحمار الميت، يوشك أن يكون من هذه حاله، يتحول إلى أن يصير لا خير فيه. تتغير الحال؛ يوشك أن تتغير حال الناس حتى يكون الرجل في هذه المسافة يتغير حتى يصير لا خير فيه كرأس الحمار الميت. وذلك لا يكون إلا بالإعراض عما كان عليه بالتفريط؛ إما بالردة ولا بالجفاء الشديد الذي يغير من حاله، وهذا كله -يعني- من شواهد الموضوع الأول من شواهد غربة الدين فغربة الدين تكون بتغير الأحوال وتغير الناس، وهذا يشهده الناس في كل زمان سبحان الله في زماننا هذا من عمره كذا من الستين والسبعين والثمانين يشاهد من التغيرات كم من خلق الله -يعني- تغيرت حاله من حسن إلى قبيح من استقامة إلى انحراف ربما وجد من الناس من كان صالحا ومستقيما وبصيرا وعالما، ثم صار إما زنديقا وإلا فاجرا ظاهر الفجور. هذا كثير يدرك ويعرفه من يعرف -يعني- الناس ويعرف أحوالهم، ويعرف واقعهم الحاضر والماضي. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ اَلزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: « أَتَيْنَا أَنَسًا فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ اَلْحَجَّاجِ فَقَالَ: اِصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ؛ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم »2 . اهـ منتدى جامع شيخ الإسلام بن تيمية
5. ولادَة الأمّة ربتها ، وَتطاول الحفَاة العراة رعَاة الشاة في البنيان .روى مسلم عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا قَالَ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ
{2221}
6. تداعي الأمم عَلى الأمَّة الإسلاميَّة .روى أحمد : عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ
7. الخسف والقذف وَالمسخ الذي يعَاقب اللَّه به أقواماً من هَذه الأمّة .روى ابن ماجه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ
8. استفاضة المَال . في صحيح البخري عن عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا
9. تسليم الخاصَّة ، وفشو التجَارة ، وقطع الأرحََام .في مسند أحمد : عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ جُلُوسًا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ قَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ رَأَيْنَا النَّاسَ رُكُوعًا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَكَبَّرَ وَرَكَعَ وَرَكَعْنَا ثُمَّ مَشَيْنَا وَصَنَعْنَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ فَمَرَّ رَجُلٌ يُسْرِعُ فَقَالَ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَمَّا صَلَّيْنَا وَرَجَعْنَا دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ جَلَسْنَا فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ أَمَا سَمِعْتُمْ رَدَّهُ عَلَى الرَّجُلِ صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَتْ رُسُلُهُ أَيُّكُمْ يَسْأَلُهُ فَقَالَ طَارِقٌ أَنَا أَسْأَلُهُ فَسَأَلَهُ حِينَ خَرَجَ فَذَكَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ وَظُهُورَ الْقَلَمِ
10. اختلال المقاييس :
أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن المقاييس التي يُقَوَّم بها الرجال تختل قبل قيام الساعة ، فيقبل قول الكذبة ويصدق ، ويرد على الصادق خبره ، ويؤتمن الخونة على الأموال والأعراض ، ويخون الأمناء ويتهمون ، ويتكلم التافهون من الرجال في القضايا التي تهم عامة الناس ، فلا يقدمون إلا الآراء الفجّة ، ولا يهدون إلا للأمور المُعْوجة ، فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ) ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : ( الرَّجُلُ التَّافِهُ يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ) – رواه ابن ماجه ( 4036 ) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " - .
11. شرطة آخر الزمَان الذين يجلدون الناس .في صحيح مسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ
{2222}
رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا
12>>مساندة أمراء الجور الديكتاتوريين والتقرب إليهم .روى الطبراني في المعجم الكبير عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:"خُذُوا الْعَطَاءَ مَا دَامَ عَطَاءً، فَإِذَا صَارَ رِشْوَةً فِي الدِّينِ فَلا تَأْخُذُوهُ، وَلَسْتُمْ بِتَارِكِيهِ، يَمْنَعْكُمُ الْفَقْرَ وَالْحَاجَةَ، أَلا إِنَّ رَحَى الإِسْلامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لأَنْفُسِهِمْ مَا لا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ:"كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرَ، وَحُمِلُوا عَلَى الْخَشَبِ، مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ" .قوله\العطاء : الهبة أو نصيب الفرد من بيت المال ...قوله\العطاء : نصيب الفرد من بيت المال ...قوله\الرحى : الأداة التي يطحن بها والمراد استقامة أمر الدين واستمراره أو الحرب والقتال ...قوله\القَضاء في اللغة على وجوه : مَرْجعها إلى انقطاع الشيء وتَمامه. وكلُّ ما أُحكِم عَملُه، أو أتمّ، أو خُتِم، أو أُدِّي، أو أُوجِبَ، أو أُعْلِم، أو أُنفِذَ، أو أُمْضيَ فقد قُضِيَ. ...قوله \الضلال : بُطْلاَنَ العمَل وضَياعه ، والميل عن الحق.إن هذا الحديث من معجزات النبوة قد تحق في زماننا فمن ساير الحكام الآن ناله من عطائهم ومن خالفهم أو زهد فيهم ناله من مكرهم وضيق عليه ولقب بالخائن والإرهابي ...وإن تعجب فاعجب الآن من علماء السلطة كيف أصبحوا أداة طيعة في يد الأخطوب المسير يؤذون الصالحين من العلماء والدعاة وينالون منهم ويضيقون عليهم ويمنعونهم حقهم المشروع بحجة أنهم في نظر " الأخطبوت " من المنبوذين في القائمة السوداء فكم قام رؤساء المجالس العلمية بتوقيف وإبعاد الصالحين عن مهام الخطابة والإرشاد والإمامة إلى الله الشكوى .
وليس في الحديث دعوة إلى الخروج عن الحاكم الجائرعلما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ولكن فيه دعوة صريحة من الهروب والفرار بالدين من حكام الجور والأهواء الذين سيسوا الدين وأرادوه كما اشتهوا وعللوا النصوص وللوو صريحها على ما تستهويه أنفسهم وذالك بمباركة علماء السوء .روى أبو داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مَرَّةً سُفْيَانُ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا وَمَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ .وفي مصنف ابن أبي شيبة : عن أبي غيلان قال : كان مطرف بن الشخير يقول : اللهم إني أعوذ بك من شر السلطان ومن شر ما تجري به أقلامهم ، وأعوذ بك أن أقول بحق أطلب به غير طاعتك ، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشئ يشينني عندك ، وأعوذ بك أن. أستغيث بشئ من معاصيك على ضر نزل بي ، وأعوذ بك أن تجعلني عبرة لأحد من خلقك ، وأعوذ بك أن تجعل أحدا أسعد بما علمته مني ، اللهم لا تخزني فإنك بي عالم ، اللهم لا تعذبني فإنك علي قادر.
{2223}
ثالثا>>ـ العلامَات التي لم تقع بَعدُ :
1. عودَة جزيرة العَرب جنَّات وَأنهاراً : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا ) رواه مسلم ( 157 ) .وعودتها جنات وأنهاراً إما بسبب ما يقوم أهلها به من حفر الآبار ، وزراعة الأرض ونحو ذلك مما هو حاصل في زماننا ، وإما بسبب تغير المناخ ، فيتحول مناخها الحار إلى جو لطيف جميل ، ويفجر خالقها فيها من الأنهار والعيون ما يحول جدبها خصباً ، ويحيل سهولها الجرداء إلى سهول مخضرة فيحاء ، وهذا هو الأظهر ، فإنه يحكي حالة ترجع فيها الجزيرة إلى ما كانت عليه من قبل .
2. انتفَاخ الأهلّة :من الأدلة على اقتراب الساعة أن يرى الهلال عند بدو ظهوره كبيراً حتى يقال ساعة خروجه إنه لليلتين أو ثلاثة ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مِن اقْتِرابِ السَّاعَةِ انتِفَاخُ الأهِلَّةِ ) – رواه الطبراني في " الكبير " ( 10 / 198 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " ( 5898 ) .وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مِنَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلاَلُ قَبَلاً فَيُقَالُ : لِلَيْلَتَيْنِ ، وَأَنْ تُتخذَ المَسَاجِدُ طُرُقاً ) - رواه الطبراني في " الأوسط " ( 9 / 147 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 5899 ) .
3. تكليم السّبَاع والجمَاد الإنسَ :
روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري ، قال : " عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ ، قَالَ :: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ يَا عَجَبِي ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ فَقَالَ الذِّئْبُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ قَالَ فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي : ( أَخْبِرْهُمْ ) ، فَأَخْبَرَهُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَدَقَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ ) رواه أحمد ( 18 / 315 ) وصححه محققو المسند .
4. انحسَار الفرات عَن جَبل من ذهَب :
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا ) ، وفي رواية : ( يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ ) .
وفي رواية عند مسلم : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا
{2224}
الَّذِي أَنْجُو ) . ورواه مسلم عن أبي بن كعب بلفظ : ( يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إِلَيْهِ فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ لَئِنْ تَرَكْنَا النَّاسَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ لَيُذْهَبَنَّ بِهِ كُلِّهِ قَالَ فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ) .
ومعنى انحساره : انكشافه لذهاب مائه ، كما يقول النووي ، وقد يكون ذلك بسبب تحول مجراه ، فإن هذا الكنز أو هذا الجبل مطمور بالتراب وهو غير معروف ، فإذا ما تحول مجرى النهر لسبب من الأسباب ومرّ قريباً من هذا الجبل كشفه ، والله أعلم بالصواب .والسبب في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم من حضره عن الأخذ منه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والاقتتال وسفك الدماء .
5. إخراجُ الأرضِ كنوزَهَا المخبوءة :
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قَتَلْتُ وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ ، فَيَقُولُ فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي ، وَيَجِيءُ السَّارِقُ ، فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا ) .وهذه آية من آيات الله ، حيث يأمر الحقُّ الأرض أن تخرج كنوزها المخبوءة في جوفها ، وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الكنوز ( بأفلاذ الكبد ) ، وأصل الفلذ : " القطعة من كبد البعير " ، وقال غيره : هي القطعة من اللحم ، ومعنى الحديث : التشبيه ، أي : تخرج ما في جوفها من القطع المدفونة فيها ، والأسطوان جمع أسطوانة ، وهي السارية والعمود ، وشبهه بالأسطوان لعظمته وكثرته " .وعندما يرى الناس كثرة الذهب والفضة يزهدون فيه ، ويألمون لأنهم ارتكبوا الذنوب والمعاصي في سبيل الحصول على هذا العرض التافه .
6. محاصَرة المسلمين إلى المدينَة :
من أشراط الساعة أن يهزم المسلمون ، وينحسر ظلهم ، ويحيط بهم أعداؤهم ويحاصروهم في المدينة المنورة .عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يُوشِكُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُحَاصَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مَسَالِحِهِمْ سَلَاحِ ) – رواه أبو داود ( 4250 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " - .والمسالح ، جمع مَسْلَحة ، وهي الثغر ، والمراد أبعد مواضع المخافة من العدو .وسَلاَح ، موضع قريبٌ من خيبر .
7. إحراز " الجهجَاه " الملك :
الجهجاه رجل من قحطان سيصير إليه الملك ، وهو شديد القوة والبطش ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ ) رواه البخاري ( 3329 ) ومسلم ( 2910 ) .وفي رواية لمسلم ( 2911 ) : ( لاَ تَذْهَبُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِى حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ " الْجَهْجَاهُ " ) .ويحتمل أن يكون هذا الذي في الرواية الأخيرة غير الأول ، فقد صَحَّ في سنن الترمذي عن أبي هريرة أن هذا الجهجاه من الموالي ، ففي سنن الترمذي ( 2228 ) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ الْمَوَالِي يُقَالُ لَهُ " جَهْجَاهُ " ) .والمراد بكونه يسوق
{2225}
الناس بعصاه أنه يغلب الناس فينقادون له ويطيعونه ، والتعبير بالسوق بالعصا للدلالة على غلظته وشدته ، وأصل الجهجاه الصيَّاح ، وهي صفة تناسب العصا كما يقول ابن حجر ، وهل يسوق هذا الرجل الناس إلى الخير أم الشر ؟ ليس عندنا بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك .
8. فتنَة الأحلاس وَفتنَة الدَهماء ، وفتنَة الدهيماء :
عن عبدِ الله بنِ عُمَر قالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُعُودًا فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ ذِكْرَهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ ؟ قَالَ : ( هِيَ فِتْنَةُ هَرَبٍ وَحَرَبٍ ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ ، دَخَلُهَا - أَوْ : دَخَنُهَا - مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي إِنَّمَا وَلِيِّيَ الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَطَعَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطُ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطُ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ إِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ ) – رواه أبو داود ( 4242 ) وأحمد ( 10 / 309 ) – واللفظ له - ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " - .
والأحلاس : جمع حلس ، وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب ، شبهت به الفتنة لملازمتها للناس حين تنزل بهم كما يلازم الحلس ظهر البعير ، وقد قال الخطابي : يحتمل أن تكون هذه الفتنة شبهت بالأحلاس لسواد لونها وظلمتها .
والحَرَب بفتح الراء : ذهاب المال والأهل ، يقال : حَرِب الرجل فهو حريب فلان إذا سلب ماله وأهله .والسراء النعمة التي تسر الناس من وفرة المال والعافية ، وأضيفت الفتنة إليها لأن النعمة سببها ، إذ إن الإنسان يرتكب الآثام والمعاصي بسبب ما يتوفر له من الخير .وقوله : " كورك على ضلع " هذا مثل للأمر الذي لا يستقيم ولا يثبت ، لأن الورك لا يتركب على الضلع ولا يستقيم معه .والدهيماء : الداهية التي تدهم الناس بشرها .
9. خروُج المَهدي :
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الله تبارك وتعالى يبعث في آخر الزمان خليفة يكون حكماً عدلاً ، يلي أمر هذه الأمة من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم من سلالة فاطمة ، يوافق اسمه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم ، واسم أبيه اسم أبي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد وصفته الأحاديث بأنه أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض عدلاً ، بعد أن ملئت جوراً وظلماً ، ومن الأحاديث التي وردت في هذا :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ) رواه الترمذي ( 2230 ) وأبو داود ، وفي رواية لأبي داود ( 4282 ) قال : ( لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّى - أَوْ : مِنْ أَهْلِ بَيْتِى - يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِى وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِى يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا ) ." القيامة الصغرى " ( 137 – 206 ) باختصار ، وتهذيب .وبه يتبين أنه ثمة تسع علامات للساعة الصغرى لم تظهر بعدُ ، ويتبين أن ما يتكرر من كلام كثير
{2226}
من الناس أن علامات الساعة الصغرى قد ظهرت كلها ولم يبق إلا " المهدي " قول عارٍ عن الصحة .والله أعلم الإسلام سؤال وجواب...اهـ منقول من منتدى نور الرحمن.وغيره ككتب الحديث والآثار
**رابعا جملى أحاديث في الفتن وهي :
1> حديث: وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين
زَادَ أَبُو دَاوُدَ: « وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي اَلْأَئِمَّةَ اَلْمُضِلِّينَ , وَإِذَا وُضِعَ اَلسَّيْفُ فِي أُمَّتِي, لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ, وَلَا تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ, وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي اَلْأَوْثَانَ, وَأَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ, كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ, وَأَنَا خَاتَمُ اَلنَّبِيِّينَ, لَا نَبِيَّ بَعْدِي, وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى اَلْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اَللَّهِ> أبوداود وغيره
قوله: « وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين. » يخافهم النبي عليه الصلاة والسلام على أمته أئمة قادة؛ إما بالسلطان وإما بالعلم باسم العلم الأئمة يشمل الأئمة من الولاة والحكام والأئمة بالدعوة والعلم. لا شك أن الأئمة في هذا، وهذا لهم الأثر العظيم على أحوال الناس. « وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين. »2 لأن خطرهم وتأثيرهم على العامة كبير « وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع السيف على أمتي لم يرفع إلى يوم القيامة »3 وقع السيف -يعني- السيف عبر به عن القتل إذا حدث القتل في هذه الأمة قتل الظلم والعدوان لم يرفع إلى يوم القيامة هذا -يعني- شاهد لما تقدم أن الحروب لا تنقطع؛ لكن تكون هناك فترات تكون هناك من مكان إلى مكان لكن القتل والقتيل والتقتيل هذا جار عبر الزمان. قال العلماء: إن وقوع السيف بدأ في فتنة علي عندما قتل يعني عثمان رضي الله وقوع السيف على هذه الأمة بقتل الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- فإنه من ذلك التاريخ والفتن لم تنقطع من ذلك التاريخ الفتن لم تنقطع تتالت بظلم ظاهر أو بتأويل وشبهات « وإذا وقع السيف على أمتي لم يرفع إلى يوم القيامة »4 . وفي هذه الحروب ابتلاء وامتحان تكون هذه الحروب -يعني- ابتلاء لقوم وممن يقع عليهم من آثار هذه الحروب وعقوبة على آخرين. العقوبة هذه الحروب، وهذه الفتن تكون عقوبة لبعض الناس وابتلاء لآخرين فهي من جملة المصائب التي تجري في هذه الحياة « ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان. »5 وهذا هو الذي قصد إليه الشيخ في كتاب التوحيد دليلا على أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان.
وهذا أيضا واقع فقد فشا الشرك في هذه الأمة في المنتسبين للإسلام. المنتسبون للإسلام قد وقعوا في الشرك، وهو شرك القبور ونحوه القبورية. الآن العالم الإسلامي يزخر بالأوثان؛ بالأضرحة التي تشيد عليها القباب والمساجد، ويحج إليها كما في ديار الروافض هذا النجف الأشرف كما يسمونه؛ النجف الأشرف مرقد يقولون: الإمام علي -رضي الله عنه- وعندهم مشاهد هذا مرقد فلان، وهذا مرقد فلان فالرافضة هم الأصل في حدوث هذا النوع من الشرك في الأمة، وفي فشوه في الأمة فدينهم يقوم على الشرك على عبادة القبور وتأليه الأئمة.
{2227}
=« وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي. »6 هذا فيه الإخبار عن أنه يظهر في الناس في الأمة الإسلامية؛ يظهر فيهم من يدعي النبوة وأنهم ثلاثون. قال العلماء: إن الذين ظهروا كثير أكثر من ثلاثين؛ لكن لعل المراد الذين يكون لهم شأن ويكون لهم أتباع، ويكون لهم شوكة، ومنهم من ظهر في حياة النبي عليه الصلاة والسلام؛ كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي، وظهر بعد ذلك متنبئون قال العلماء: وآخرهم هو الدجال فإنه يدعي النبوة أولا ثم يدعي الربوبية. « وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون؛ كلهم يزعم أنه نبي، ولا نبي بعدي. ».اهـ منتدى شيخ الإسلام بن تيمية .ـ شرح أحاديث في الفتن والحوادث (الجزء الثاني) لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك
2>ـ حديث إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم
وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اَللَّيْلِ اَلْمُظْلِمِ, يُصْبِحُ اَلرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا, وَيُمْسِي مُؤْمِنًا, وَيُصْبِحُ كَافِرًا. اَلْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ اَلْقَائِمِ, وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ اَلسَّاعِي. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اَللَّه؟ قَالَ: كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُم>
قال: " إن بين أيديكم ". يعني في المستقبل، فيما تستقبلونه من هذه الدنيا. وعبر بهذا اللفظ عما يكون أمام الإنسان؛ أمامه. أمام الشيء؛ ما كان أمامه فهو بين يديه.
« إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اَللَّيْلِ اَلْمُظْلِم »1 تصوير لهولها وظلمتها؛ مما يدل على عظم خطرها، وعظم اللبس فيها. فتن مظلمة. يقول: « يُصْبِحُ اَلرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا, وَيُمْسِي كَافِرًا »1 .يقول الحديث: « تكون فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا »1 .
جاء في صحيح مسلم قريب من هذا اللفظ: « بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصالحة فِتَنًا كَقِطَعِ اَللَّيْلِ اَلْمُظْلِمِ, يُصْبِحُ اَلرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا, وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا, يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ اَلدُّنْيَا »2 كناية عن تأثيرها على الناس في دينهم؛ وأنها تؤدي ببعضهم إلى التحول: « يصبح مؤمنا ويمسي كافرا »3 يحتمل الله أعلم قوله: « يمسي كافرا »4 يحتمل أنه الكفر الأكبر، وأنه قد تسبب له هذه الفتن ردة؛ الردة عن الإسلام. يكون مؤمنا فيرتد ويصير كافرا « ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا »5 .يحتمل عندي أنه ربما كان الكفر هنا كفر دون كفر فيشمل الحديث هذا وهذا. فمن الناس من توجب له هذه الفتنة الردة عن الإسلام؛ باستحلال ما حرم الله، بالإجابة إلى شيء من ملل الكفر، وتوجب لبعض الناس يعني معصية بالإقدام على ما حرم الله؛ كما في الحديث « لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض »6 فأطلق على القتل؛ قتل القتال المحرم قتال الفتنة؛ سماه كفرا. فاللفظ يحتمل هذا وهذا. وأقول: لعله يشمل هذا وهذا؛ لأن هذه الفتن قد توجب لبعض الناس الكفر الأكبر، وتوجب لبعضهم الكفر
القاعد في هذه الفتن خير من القائم، والقائم خير من الساعي ومعنى هذا أن المشاركين في هذه الفتن على مراتب. منهم المشارك لكنه يعني بقدر يسير بمثابة
{2228}
القاعد في السير القاعد، وآخر أرفع منه قائم، أما من لم يشارك أصلا فليس من الفتنة في شيء لا قاعد ولا قائم ولا ماش ولا ساع. والمقصود أن كل من كان يعني أقل أثرا في هذه الفتنة فهو خير ممن فوقه في المشاركة والتأثير. وهذا حال الناس في كل باطل، على مراتب: منهم من -والعياذ بالله- يعني يكون يشارك فيها لكن ليس بقدر يسير ولا يكون له كبير أثر فيها. وآخر لا. يسير فيها بقوة، يعني مثل الدعاة يدعو للفتنة، يعني أئمة. يكون إماما في الفتن ومسرعا فيها ومبادرا إليها.
« كونوا أحلاس بيوتكم »10 ؛ يعني الزموا بيوتكم. وهذا فيه نوع من التشبيه؛ فالحلس يقولون: إنه هو الكساء الذي يكون تحت القتب على ظهر البعير، لاصق ما يبرح المكان ما يبرحه ...الزموا بيوتكم، واعتزلوا هذه الفتن وأهلها، لا تشاركوا فيها إلا مشاركة في حق يعني من حيث الدعوة والإصلاح. .اهـ البراك
3>>ـ حديث إذا كانت فتنة بين المسلمين
في مسندأحمد "عَنْ عُدَيْسَةَ ابْنَةِ أُهْبَانَ بْنِ صَيْفِيٍّ أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ أَبِيهَا فِي مَنْزِلِهِ فَمَرِضَ فَأَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْبَصْرَةِ فَأَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهِ فَسَلَّمَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ السَّلَامَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا مُسْلِمٍ قَالَ بِخَيْرٍ فَقَالَ عَلِيٌّ أَلَا تَخْرُجُ مَعِي إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَتُعِينَنِي قَالَ بَلَى إِنْ رَضِيتَ بِمَا أُعْطِيكَ قَالَ عَلِيٌّ وَمَا هُوَ فَقَالَ الشَّيْخُ يَا جَارِيَةُ هَاتِ سَيْفِي فَأَخْرَجَتْ إِلَيْهِ غِمْدًا فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهِ فَاسْتَلَّ مِنْهُ طَائِفَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ إِنَّ خَلِيلِي عَلَيْهِ السَّلَام وَابْنَ عَمِّكَ عَهِدَ إِلَيَّ إِذَا كَانَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ اتَّخِذْ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ فَهَذَا سَيْفِي فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ بِهِ مَعَكَ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيكَ وَلَا فِي سَيْفِكَ فَرَجَعَ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ وَلَمْ يَدْخُلْ>هذا كله يشهد لما تقدم من اعتزال الفتنة التي تكون بين المسلمين؛ بالكف عن القتال، وعدم اقتناء السلاح الذي يجرئ. اقتناء السلاح يجرئ على الدماء. قد يكون عند الإنسان تثور عنده حمية. يمكن يؤثر عليه بعض الناس؛ لكن لا يكن لك سيف أصلا، لا يكن عندك سلاح يجرئك على القتال. كن معتزلا وأعزل، كن أعزل من السلاح. إن كان عندك سيف فأتلفه نعم بعده.اهـ البراك
4>>ـ حديث كيف بكم وبزمان يغربل الناس فيه غربلة
روى أبوداود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ أَوْ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَقَالُوا وَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ
يغربل الناس : أي يذهب خيارهم ويبقى أراذلهم ، والمغربل المنتقى....الحثالة : الرديء من كل شيء.. إذا جاء هذا الزمان الذي يغربل الناس فيه غربلة. الغربلة هو، يعني تصفية الشيء بالغربال. الغربال هو المنخل، لعله الكبير، غربال. يُغَربل الناس. وهذا الزمان يصفي، يعني ما يجري فيه يصفي الناس، يتبين الطيب فيه من الخبيث، وهكذا الشدائد. الشدائد يتبين فيها،
{2229}
فيه غربلة. الأحداث تغربل الناس تميز، و ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾4 فيها فحص. الابتلاء فيه. يبتلى الناس، يغربل الناس فيه غربلة.. وقد تكون الغربلة لها معنى آخر لعله يأتي ما يشهد له. يغربل الناس يعني يطلع الصالح بحيث يذهبون ويموتون. يذهب الصالحون الأول فالأول كما سيأتي، وتبقى حثالة من الناس « قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا »6 .هذه صفة أولئك الحثالة « مرجت عهودهم ». يعني أنها فسدت. كأنها فسدت عهودهم بالنقص والخيانة بالنقص والخيانة؛ فلا عهود ولا أمانات.. يقول: « فكانوا هكذا »
هذا تعبير عن الاختلاف. واختلفوا حتى صاروا -يعني مشتبكين، ولعل هذا كناية عن شدة الاختلاف وشدة يعني اللبس والقتال الذي يكون بينهم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾10 « واختلفوا حتى كانوا هكذا وشبك بين أصابعه »11 وكثيرا ما يصور الرسول عليه الصلاة والسلام الأمر ويمثله يعني لتقريب الحقائق المعقولة بصورة محسوسة
يعني اعتصموا بالحق في عندما تعصف الفتن ويختلف الناس اعتصموا بالحق. خذوا من أعمال الناس وأقوالهم واقبلوا منهم ما تعرفون بما آتاكم الله من العلم والبصيرة. خذوا ما تعرفون ودعوا ما تنكرون. وهذا لا يتأتى إلا بالعلم؛ ولهذا العلم بكتاب الله وسنة رسوله هو عصمة من الفتن؛ فكتاب الله هو المعتصم كما تقدم « خذوا ما تعرفون ودعوا ما تنكرون »12 من الذي يستطيع ذلك؟. لا يستطيعه إلا من كان على نور ومعه نور يمشي به في الناس يمشي به في الناس.
« تقبلون على خاصتكم »14 يشير إلى العزلة تقبلون على شأنكم وتدعون أمر العامة؛ أولئك المختلفين أولئك الأقوام الذين مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا، والتبس بعضهم ببعض والتبس الأمر عليهم. وأقبلوا على خاصتكم ودعوا عامتكم أو أمر عامتكم. هذا فيه التعبير عن الاعتزال، عن اعتزال أولئك الحثالة نعم.
اهـ البراك
5>>ـ حديث إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك
روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ
في هذا الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حسن غريب في التحقيق عندكم تنبيه على أن الترمذي لم يحسنه، وإنما قال فيه: غريب، وضعفه بعض أهل العلم. والحديث له وجه. معناه « إنكم في زمان من ترك فيه عشر ما أمر به هلك، ويأتي على الناس زمان من عمل فيه بعشر ما أمر به نجا »2 معناه إنكم في زمان قد ظهر فيه الحق، وقامت فيه الحجة. يأتي على الناس زمان يخفى فيه يدرس الإسلام، وتخفى المعالم ويقل المعين ويكثر الأعداء..اهـ البراك
{2230}
5>>ـ حديث يذهب الصالحون الأول فالأول
وَلِلْبُخَارِيِّ: عَنْ مِرْدَاسٍ اَلْأَسْلَمِيِّ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ- صلى الله عليه وسلم: « يَذْهَبُ اَلصَّالِحُونَ اَلْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ , وَتَبْقَى حُفَالَةٌ, كَحُفَالَةِ اَلشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ, لَا يُبَالِيهِمْ اَللَّه بَالَهُ » وَفِي رِوَايَةٍ: « لَا يَعْبَأُ اَللَّهُ بِهِمْ
هذا الحديث في البخاري وهو متوافق مع ما تقدم من الحديثين « يَذْهَبُ اَلصَّالِحُونَ اَلْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ »1 ؛ يذهب الصالحون وينقرضون الأول فالأول. الأظهر عندي أن "الأول فالأول" يعني الأفضل فالأفضل، أو يذهب الصالحون حسب ما قدر الله من آجالهم كل بحسبه « يذهب الصالحون الأول فالأول ويبقى حفالة أو حثالة من الناس كحثالة الشعير والتمر الرديء لا يباليهم الله باله »1 أو لا يعبأ بهم كما في الرواية الأخرى. لا يبالي الله بهم؛ فلا يلطف بهم ولا يرحمهم.
ومن كان كذلك هلك. وهذا التعبير يعني أنه لا وزن لهم عند الله، لا يقيم الله لهم وزنا لأنهم بغضاء إليه أعوذ بالله بغضاء أشرار. الله تعالى إنما يكرم أولياءه؛ يكرم الصالحين؛ يكرم عباده المؤمنين، يحفظهم يلطف بهم؛ يقيهم شرور أعدائهم، ينجيهم كما هي سنة الله في خلقه مع رسله وأتباعهم أبدا. يعني الصورة متكررة، وكان ﴿ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾3 الله تعالى ضمن النجاة والنصر والرحمة للمؤمنين. فهؤلاء الحثالة من الناس لا يعبأ الله بهم ولا يبالي بهم؛ لأنهم شرار الخلق نعم.
6>>ـ بَابُ اَلتَّعَرُّبِ فِي اَلْفِتْنَة
روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ اَلْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتبع بِهاِ شعف اَلْجِبَالِ, وَمَوَاقِعَ اَلْقَطْرِ, يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ اَلْفِتَنِ
". التعرب يعني الصيرورة إلى البدو. الأعرابي هو البدوي، والتعرب التبدي في الفتنة، يعني النزوح والخروج إلى البادية وإلى منازل الأعراب، ولا يلزم من ذلك أن يكون الإنسان أعرابيا؛ لأنها أمر عارض.
وذكر حديث أبي سعيد في الصحيحين النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « يوشك أي يقرب أن يكون خير مال الرجل غنما يتبع بها شعف الجبال -جمع شعفة وهي رأس الجبل- ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن »2 هذا يتضمن أنه قد تأتي أيام يغلب فيها الشر وتعظم الفتنة؛ بحيث يخشى الإنسان على نفسه، يُدعى إلى الباطل ويحمل عليه ويجبر عليه. يجبر أن يتكلم بالباطل، يجبر أن يفعل الحرام، يعني سواء كان من فتن القتال، أو فتن البدع والمحدثات « يفر بدينه »3 .
قال: يريد سلامة دينه ليسلم دينه « يفر بدينه »3 ؛ لأنه بسبب ما حل من الفتنة يخاف على دينه من الزوال أو النقص، وذلك بالعزلة، وهنا تختلف أحوال الناس فمن الناس من تكون العزلة أصلح له؛ لأن وجوده بين الناس ضرر عليه. وجوده بين الناس ضرر؛ لأنه لا يستطيع أن يقاوم هذا الباطل بالإنكار والبيان والتبصير؛ فهذا خير له العزلة. ومن الناس لا، من يكون عنده من القوة في علمه وبيانه وعزيمته وشجاعته ما يقاوم ويقارع فيه الباطل وأهله؛ فهنا الخلطة خير له. إذن فقوله: « يوشك أن يكون خير مال الرجل » ما يلزم أن يكون ذلك لكل رجل فالذي كما جاء في الأثر الذي
{2231}
يخالط الناس ويصبر على أذاهم، يخالطهم ويصبر على أذاهم، ولا يتضرر بذلك في دينه بقطع النظر عن ضرره الشخصي؛ لأنهم يؤذونه ويصبر على أذاهم. الرسل صبروا ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾.
7>>ـ حديث لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ اَلزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: « أَتَيْنَا أَنَسًا فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ اَلْحَجَّاجِ فَقَالَ: اِصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ؛ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم » . هذا الحديث من شواهد الباب (باب الغربة) عن الزبير بن عدي قال: « أتينا أنسا رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج »1 -يعني- من ظلمه وتسلطه على الناس بالقتل والأذى والسجن وما أشبه ذلك « فقال أنس رضي الله عنه: اصبروا »2 وهذا هو علاج كل المصائب التي تجري في هذه الحياة الصبر تقابل بالصبر والاحتساب تسلط -يعني- الظلمة سواء كانوا من الولاة، أو من سائر الناس كقطاع الطريق ونحوهم. من البلاء ومن المصائب التي تجري على الناس فتقابل بالصبر وعدم الجزع. وإن ذلك كله جار بقدر الله فقال: اصبروا. هذه الوصية؛ فاصبروا لا يحملنكم ما تلقون من ظلم على تعدي حدود الله وارتكاب ما حرم الله، فإن ذلك من قلة الصبر فإنه يقول: « اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ». « لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر؛ حتى تلقوا ربكم »4 -يعني- حتى تموتوا أو إلى يوم القيامة. فهذا يدل على أن الناس دائما في نقص كلما تقدم الزمان كان النقص أشد؛ فخير هذه الأمة القرن الأول ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم تأتي قرون تتغير فيها الأحوال ويكثر فيها الشر. يأتي قوم يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون وينذرون ولا يوفون؛ يشهدون ولا يستشهدون وما أشبه ذلك « لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه »5 هذا اللفظ يقتضي أن كلما تقدم الزمان كان الزمان الثاني أو المتأخر شرا من الذي قبله. وهكذا ما يحصل في ثنايا الزمان من صلاح واستقامة ورجوع بعد أن كان تفريط وانجراف وانطماس معالم الدين وفشو البدع -يعني- التجديد التجديد؛ كما جاء في حديث التجديد « أن الله تعالى يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها »6 معناه أن إذا جاء التجديد يكون عهد التجديد خيرا من الذي قبله.
في الجملة كل ما كان الزمان أقرب إلى عهد النبوة فالخير الموجود من علم ودين وإيمان، ولا يقتصر هذا على أمر الولاية، ومسألة العدل -يعني- العدل في الولاية هذا جانب من جوانب الدين، فعهد عمر بن عبد العزيز نعم هو في أمر الولاية خير من الذي قبله قريب لكن حال الناس قبل ذلك خير من حيث العلم والدين والإيمان، ويستشهد بهذا بأنه قبل عهد عمر كان الصحابة. فعهد عمر قد انقرض فيه الصحابة لم يبق منهم وجود البقية من صحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير عظيم هذا والله أعلم بمراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. اهـ البراك
8>>ـ حديث يتقارب الزمان وينقص العمل
{2232}
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « يَتَقَارَبُ اَلزَّمَانُ وَيَنْقُصُ اَلْعَمَلُ، وَيُلْقَى اَلشُّحُّ وَتَظْهَرُ اَلْفِتَنُ, وَيَكْثُرُ اَلْهَرْجُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اَللَّهِ: مَا هُوَ؟ قَالَ: اَلْقَتْلُ اَلْقَتْلُ.
هذا الحديث أيضا اشتمل على جملة أمور مما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يكون بعده هذه هي الخصال أربع. تقارب الزمان هذا مشكل عند كثير من الشراح. مما قيل فيه: يتقارب بمعنى أنه يتسارع الزمان بسبب الغفلة غفلة الناس تسرع الأيام؛ تذهب بسرعة كما يشغل الناس الآن في هذا الوقت مع -يعني- توافر اللذات والشهوات والمتع تذهب الليالي والأيام بسرعة الآن الناس يشكون، وفي أزمان ماضية أيضا يحدث هذا فبعض الأمور التي نسميها أو يقال عنها: إنها أشراط الساعة بعضها يتكرر مثل: « وترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان »3 -يعني- تحضر البادي حدث ويحدث ويتكرر رعاء الشاة يحلون المدن ويتطور أمرهم فيتنافسون في البنيان يتطاولون؛ فبعض الأمارات تتكرر تقارب الزمان -يعني- تسارع الزمان فيصبح -يعني- السنة كأنها شهر الشهر كأنه أسبوع الأسبوع كأنه يوم؛ اليوم كأنه ساعة هذا مما لعله من أقرب ما قيل فيه. بعض المعاصرين قال: لعل هذا كناية عن تقارب المكان بسبب وجود هذه المواصلات المكان الذي كان الناس يقطعونه المسافات التي كانت تقطع بشهر صارت تقطع بساعة لا إله إلا الله أمور عجيبة قال: « وينقص العمل »4 ينقص العمل بماذا؟ العمل بدين الله -يعني- يكثر هذا الأمر، وهذا في الجملة في جملة الناس وفي عموم الناس ينقص العمل ينقص ويكثر التقصير فيما أوجب الله وينقص العمل. « ويلقى الشح »5 "الشح": هو شدة البخل ﴿
« وتظهر الفتنة »8 هذا شاهد لما تقدم أنها ستكون فتن، والأحاديث التي فيها الإخبار عن كثرة الفتن كثيرة، وهذا منها تظهر الفتن فتن -يعني- فتن الشهوات فتن الشبهات البدع تظهر. ظهرت فتن عظيمة وبدع، ويتفرع عنها أيضا فتن أخرى ومنها « ويكثر الهرج »8 وكثرة الهرج من الفتن فربما قلنا: إن عطف الفتن الهرج على الفتن من عطف الخاص على العام « قيل: وما الهرج؟ قال: القتل القتل. »9 يكثر القتل -يعني- يكثر القتل بغير حق بأشكال من ظلم المتسلطين من كفار ومسلمين يكثر، وكذلك المعتدين يكثر القتل بغير حق ظلما وعدوانا. أما القتل الذي هو بحق هذا ليس من الأمور التي تذكر -يعني- هذه الأمور المذكورة كلها مذمومة، وكلها شرور قيل الهرج -يعني- ليست هذه الكلمة عربية الأصل؛ بل هي من لغة الحبشة. الهرج في لغتهم القتل في لغتهم يقال له: الهرج وهناك كلمات يقال: إنها معربة وأن أصلها يعني بعضها حبشية وبعضها فارسية دخلت وتداولها -يعني- العرب، وكأنها غير مشهورة كأنها غير مشهورة هذه الكلمة ولهذا قالوا: « ما الهرج يا رسول الله؟ ».اهـ البراك .
9>>ـ بَابُ: إِذَا اِلْتَقَى اَلْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ اَلْأَحْنَفِ قَالَ: خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ هَذَا اَلرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَحْنَفُ فَقُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ اِبْنِ عَمِّ اَلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم -يعني- عَلِيًّا -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ لِي: يَا أَحْنَفُ اِرْجِعْ, فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه
{2233}
وسلم يَقُولُ: « إِذَا تَوَاجَهَ اَلْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي اَلنَّارِ فَقُلْتُ, أَوْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ هَذَا اَلْقَاتِلُ فَمَا بَالُ اَلْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ>
فهذا يدل على تحريم القتال الذي لم يتبين وجهه الشرعي.
فالقتال إما أن يكون ظاهر التحريم، وإما أن يكون مشتبها ملتبسا فهذا لا يجوز الدخول فيه الأول: قتال -يعني- ظلم وعدوان وقتال الباطل والثاني: قتال فتنة قتال فتنة. أما القتال المشروع فهو قتال جهادا في سبيل الله؛ قتال الكفار لإعلاء كلمة الله. « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله. »7 ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾8 لكن هناك قتال بين المسلمين. ففي هذا وعيد شديد يدل على لفظ تحريم القتال بين المسلمين. فإذا التقى المسلمان بسيفيهما وتقاتل المسلمان بسيفيهما فكل منهما سواء القاتل والمقتول؛ كلاهما مستوجب لذلك الوعيد القاتل والمقتول في النار. أما القاتل فقد قتل وأما الآخر فإنه كان حريصا على؛ لو تمكن لقتل صاحبه. « إنه كان حريصا على قتل صاحبه. »6 وهذا يدل على أن التصميم والعزم وفعل المقدور بمنزلة الفعل في الخير والشر. إذا الإنسان عزم على فعل، وأراد وفعل ما يقدر عليه للوصول إلى مراده فإنه بمنزلة الفاعل. فالمقتول هذا مثل القاتل كلاهما متوعد بوعيد واحد؛ لأن ذاك قتل والثاني كان حريص ما منعه من القتل إلا أن ذاك إنه غلب غلبه الآخر وإلا هو يريد أن يقتل صاحبه. « إنه كان حريصا على قتل صاحبه. »6 . ولكن قد يكون الإنسان متأولا يظن أنه مصيب، وأنه مجاهد مجتهد في هذا القتال فيدرأ ذلك التأويل يدرأ عنه ذلك الوعيد فلا نقول: إن الذين اقتتلوا في الجمل وصفين من الصحابة والأخيار من التابعين؛ إنهم مستوجبون لهذا الوعيد؛ لأنهم مجتهدون متأولون؛ منهم المصيب ومنهم المخطأ وكلهم ترجى له المغفرة، ولا يجوز -يعني- سبهم بذلك والتشنيع عليهم هذا مما يجب الإمساك عنه وعدم الخوض فيه. أما من كان في هذه الصفوف -يعني- قاصدا للشر ومريدا للشر فهو على ما نوى. « إنما الأعمال بالنيات »9 لكن هذا هو خاص في علي -رضي الله عنه- ومن معه من الصحابة وخيار التابعين ومعاوية ومن معه، ولكنه خطر الدخول في مثل ذلك خطر يخشى من أن يدخل على الإنسان الهوى، ويدخل عليه التعصب فيستوجب هذا الوعيد ويكون من أهل ذلك الوعيد، ومن هذا القبيل القتال الذي يكون بين أهل السلطة الذين يتنازعون على الملك وعلى مالهم كله نزاع، أو قبائل تتقاتل قتال ظلم وعدوان؛ كل واحدة تريد أن تنهب الأخرى وتستولي على حقوقها، وتأخذ مالها كلهم فهؤلاء أحق بهذا الوعيد.اهـ البراك
10>>ـ حديث: لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قتل
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- « قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى اَلنَّاسِ يَوْمٌ, لَا يَدْرِي اَلْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ , وَلَا اَلْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَالَ: اَلْهَرْجُ اَلْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي اَلنَّارِ>
-يعني- حتى يتقاتل الناس فلا يدري القاتل والمقتول لماذا قتل وهذا لماذا قتل قتال -يعني- عصبية وجهل وظلم -يعني- الذي يدخل في قتال لا بد يعرف أنه سيقتل إلا أن يقتل ويغلب. فهو يقاتل ليقتل خصمه؛ كل طائفة تريد أن تقتل الطائفة الأخرى.
{2234}
وهذا وقع كثيرا في كل زمان، والآن كل ذلك يجري وهذا الوعيد يقال على الإطلاق وعلى العموم، ولا يحكم فيه على معين لا يحكم فيه على معين بل يذكر هذا على إطلاقه إ ن المسلمين إذا اقتتلوا فإن القاتل والمقتول في النار كما في الحديث الصحيح المتقدم. اهـ البراك
11>>ـ بَابُ هَلَاكِ اَلْأُمَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ:
وَلِمُسْلِمٍ: عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « إِنَّ اَللَّهَ زَوَى لِي اَلْأَرْضَ, فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا, وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا, وَأُعْطِيتُ اَلْكَنْزَيْنِ اَلْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ »1 . (قَالَ اِبْنُ مَاجَهْ: -يعني- اَلذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) « وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَلَّا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ, وَأَلَّا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ, فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ, وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إني إذا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ, وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَلَّا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ, وَأَلَّا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ, فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ, وَلَوْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا, أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا , وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا>
المهم أن الرسول أخبر بأن الله قرب له الأرض وأطلعه على مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما في يدي منها، وقد امتدت الدولة الإسلامية شرقا وغربا بالفتوح. « وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وإني أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض »4 فسرا الكنزان بكنوز كسرى وقيصر والأحمر الذهب والأبيض الفضة « وإني أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض »5 ولهذا جاء في الحديث في شأن فارس والروم: « ولتنفقن كنوز فارس والروم في سبيل الله »6 يعني يغنمها المسلمون ويفتحون بلادهم وينفقون أموالهم في سبيل الله « أعطيت الكنزين »7 يقول: « وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكهم بسنة بعامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال: إني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم »8 -يعني- أن الله أجاب دعاءه في هاتين =؛ الشاهد من الحديث أن هذه الأمة يجري بينها القتال قتال الفتنة القتال بغير حق ظلما وعدونا وتأويلا. هذا هو الشاهد من الحديث « حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا »10 .
ولهذا المعنى شواهد كثيرة =، ومن شواهده الحديث الثابت في الصحيح أنه « لما أنزل على النبي عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ. »11 قال -صلى الله عليه وسلم:- أعوذ بوجهك ﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾12 قال أعوذ بوجهك ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ. ﴾12 قال هذا أهون لأن الأول والثاني يتضمن -يعني- هو من نوع عذاب الإستئصال الذي قد رفع عن هذه الأمة عذاب الإستئصال الذي هو إهلاك الجميع كما أهلك الله قوم نوح بالغرق وقوم عاد بالريح العاتية وقوم صالح بالصيحة إلى آخره نعم.
12>>ـ حديث: وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين
{2235}
زَادَ أَبُو دَاوُدَ: « وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي اَلْأَئِمَّةَ اَلْمُضِلِّينَ , وَإِذَا وُضِعَ اَلسَّيْفُ فِي أُمَّتِي, لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ, وَلَا تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ, وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي اَلْأَوْثَانَ, وَأَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ, كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ, وَأَنَا خَاتَمُ اَلنَّبِيِّينَ, لَا نَبِيَّ بَعْدِي, وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى اَلْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اَللَّهِ>
يخافهم النبي عليه الصلاة والسلام على أمته أئمة قادة؛ إما بالسلطان وإما بالعلم باسم العلم الأئمة يشمل الأئمة من الولاة والحكام والأئمة بالدعوة والعلم.
لا شك أن الأئمة في هذا، وهذا لهم الأثر العظيم على أحوال الناس. لأن خطرهم وتأثيرهم على العامة كبير ..وقع السيف -يعني- السيف عبر به عن القتل إذا حدث القتل في هذه الأمة قتل الظلم والعدوان لم يرفع إلى يوم القيامة هذا -يعني- شاهد لما تقدم أن الحروب لا تنقطع؛ لكن تكون هناك فترات تكون هناك من مكان إلى مكان لكن القتل والقتيل والتقتيل هذا جار عبر الزمان.
قال العلماء: إن وقوع السيف بدأ في فتنة علي عندما قتل يعني عثمان رضي الله وقوع السيف على هذه الأمة بقتل الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- فإنه من ذلك التاريخ والفتن لم تنقطع
قوله "، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان. »وهذا أيضا واقع فقد فشا الشرك في هذه الأمة في المنتسبين للإسلام. المنتسبون للإسلام قد وقعوا في الشرك، وهو شرك القبور ونحوه القبورية. الآن العالم الإسلامي يذخر بالأوثان؛ بالأضرحة التي تشيد عليها القباب والمساجد، ويحج إليها كما في ديار الروافض هذا النجف الأشرف كما يسمونه؛ مرقد الإمام علي -رضي الله عنه كما يقولون.
« وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي. »6 هذا فيه الإخبار عن أنه يظهر في الناس في الأمة الإسلامية؛ يظهر فيهم من يدعي النبوة وأنهم ثلاثون. قال العلماء: إن الذين ظهروا كثير أكثر من ثلاثين؛ لكن لعل المراد الذين يكون لهم شأن ويكون لهم أتباع، ويكون لهم شوكة، ومنهم من ظهر في حياة النبي عليه الصلاة والسلام؛ كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي، وظهر بعد ذلك متنبئون قال العلماء: وآخرهم هو الدجال فإنه يدعي النبوة أولا ثم يدعي الربوبية.
اهـ البراك
13>>ـ حديث: سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ سَعْدٍ: « أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ اَلْعَالِيَةِ؛ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ؛ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ, وَصَلَّيْنَا مَعَهُ, وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلاً, ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ , وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَأَلْتُ رَبِّي أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا, وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ, فَأَعْطَانِيهَا, وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ, فَمَنَعَنِيهَا>
هذا شاهد للذي قبله تماما؛ أن الرسول دعا ثلاث دعوات استجيب له في اثنتين ومنع الثالثة يقول: « دعوت ربي ألا يهلك أمتي بسنة »2 السنة المراد الجدب يعبر عن
{2236}
الجدب بالسنين ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾3 « ألا يهلكهم بسنة عامة ». « ودعوت ربي ألا يهلكهم بالغرق »5 -يعني- بعذاب الإستئصال بغرق أو نحوه أو باجتياح عدو لهم كما جاء في الحديث المتقدم « وأن لا يسلط عليهم عدوا من سواهم فيستبيح بيضهم، وإن اجتمع عليهم من بأقطارها »6 .
« وإني سألت ربي ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها »7 فهذا مع ما قبله وما بعده كله يؤيد أن هذا القتال لا بد أن يجري، ولكن كون الرسول أخبر هذا لا يدل على الشرعية لا يدل على الشرعية. إن هذا إخبار عن واقع؛ أن هذا سيكون فهو من أنباء الغيب كقوله عليه الصلاة والسلام: « لتتبعن سنن من كان قبلكم »8 اتباع سنن الجاهلية هذا ضلال لكن الرسول أخبر بأنه واقع وفي الإخبار به تحذير من الدخول فيه فهو إن كان واقعا، وإن أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بوقوعه فهذا لا يسوغ الدخول فيه؛ فعلى المسلم ألا يكون طرفا في هذه الحروب ألا يكون طرفا، بل عليه أن يتجنب هذه الفتن ألا يجعل بأسهم بينهم يقول: « وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ». نعم. اهـ البراك .
14>>حديث: ستكون فتنة تستنظف العرب
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ اِبْنِ عُمَرَ « قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ اَلْعَرَبَ, قَتْلَاهَا فِي اَلنَّارِ, اَللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ اَلسَّيْفِ. »1 قَالَ اَلتِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ, سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: لَا يَعْرِفُ لِزِيَادِ بْنِ سِيْمِينَ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ غَيْرُ هَذَا. " : الترمذي : الفتن (2178) , وأبو داود : الفتن والملاحم (4265) , وابن ماجه : الفتن (3967) , وأحمد (2/211).
في هذا الحديث على ما فيها خبر عن أنها « ستكون فتنة تستنظف العرب »1 -يعني- تفني العرب ويقتل من العرب فيها ما شاء الله، ولا يلزم من ذلك -يعني- ذهابهم لكن عبر عنها بتعبير بالاستنظاف يقتضي كثرة من يقتل في هذه الفتنة، والشاهد قوله -يعني- « اللسان فيها أشد من وقع السيف »2 الكلام وهو كما قيل فإن الحرب أولها كلام. فربما كلمة واحدة أضرمت نار الحرب, فيجب ترك اللسان في أيام الفتن, فلا يعين الإنسان في هذه الفتن لا يعين بالكلام؛ فإنه ربما تكلم بكلمة يعني: أججت نار الحرب وأثارت الفتنة, وصارت هذه الكلمة هي الشرارة. نعم.
15>>حديث: ستكون فتنة صماء بكماء عمياء
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَال:َ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « سَتَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ بَكْمَاءُ عَمْيَاءُ, اَللِّسَانُ فِيهَا كَوَقْعِ اَلسَّيْفِ » . : أبو داود : الفتن والملاحم (4264).
هذا من جنس ما قبله, ستكون فتنة صماء, بكماء, عمياء؛ هذه الكلمات عبارة عن أنها فتنة مظلمة, ما لا يعنى لا يتبين فيها وجه الحق, مظلمة من كل وجه؛ يعني: ليس فيها منفذ لهدى, صماء, بكماء, عمياء؛ تعبير يفهمه المخاطب. إنها فتنة مظلمة من كل وجه, لا يهتدى فيها إلى خير ولا صواب, اللسان فيها كوقع السيف, -يعني- كما تقدم أن المشاركة فيها بالكلام يعني: أثره كوقع السيف, فالحذر.. الحذر. في هذا تحذير من الإعانة في هذه الفتن بالكلام. نعم.
{2237}
16>>حديث: إياكم والفتن فإن اللسان فيها مثل وقع السيف
وَلِابْنِ مَاجَهْ: عَنْ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا: « إِيَّاكُمْ وَالْفِتَنَ, فَإِنَّ اَللِّسَانَ فِيهَا مِثْلُ وَقْعِ اَلسَّيْفِ »1 .
هذا من جنس ما قبله, كلها المقصود منها: التحذير من المشاركة في هذه الفتن بالكلام؛ سعي الإنسان, كما كف يده عليه أن يكف لسانه, كما قال بعض السلف في الفتن التي جرت: إنها فتن طهر الله منها أيدينا فلنطهر منها ألسنتنا, فلا نخوض فيها. نعم. اهـ البرك من أحاديث النهي عن السعي في الفتنة.
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخَذَ اَلنَّاسَ مَوْتٌ, تَكُونُ اَلْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ , يَعْنِي: اَلْقَبْرَ: قُلْتُ: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, أَوْ قَالَ: مَا يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ أَوْ قَالَ: تَصْبِرُ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ! إِذَا رَأَيْتَ أَحْجَارَ اَلزَّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بِالدَّمِ قُلْتُ: مَا يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: عَلَيْكَ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلَا آخُذُ سَيْفِي فَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِي قَالَ: شَارَكْتَ اَلْقَوْمَ إِذًا قَالَ: قُلْتُ: فَمَاذَا تَأْمُرُنِي قَالَ: تَلْزَمُ بَيْتَكَ قُلْتُ: فَإِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي قُالْ: فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يُبْهِرَكَ شُعَاعُ اَلسَّيْفِ, فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ, يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وإثمه »1 .
زَادَ اِبْنُ مَاجَهْ: « كَيْفَ أَنْتَ وَجَوَائِحُ تُصِيبُ اَلنَّاسَ, حَتَّى تَأْتِيَ مَسْجِدَكَ, فَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى فِرَاشِكَ, وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ قُلْتُ: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, أَوْ يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: عَلَيْكَ بِالْعِفَّةِ »
مضمون هذا الحديث قد تقدم؛ وهو النهي عن السعي في الفتنة, والمشاركة في الفتنة.
قال: دعه أو كما قال: « يبوء بإثمه وإثمك »10 حتى قال: « فإن بهرك شعاع السيف فألقي ثوبك على وجهك »11 يعني: أصبر ولا تقاتل ولا تقاوم, وتقدمت الإشارة إلى أن هذا -يعني- يشرع في الفتنة. أما في الفتنة فإنه يجوز للإنسان أن يدفع عن نفسه كما جاء في الحديث الصحيح « قلت: يا رسول الله.. أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: لا تعطه مالك. قال: إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: إن قتلته؟ قال: هو في النار »12 أما في الفتنة فالأفضل هو الكف وعدم الدفع, والمعروف عند أهل العلم إن هذه الأوامر يعني محمولة على الاستحباب والأفضلية؛ وإلا فمن دفع وإلا فيجوز أن يدفع الإنسان عن نفسه يجوز؛ لكن الأفضل في الفتنة ألا يدافع ويسلم ويصبر. نعم. اهـ البراك
17>>ـ حديث لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق
:في صحيح ابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَة-رضي الله عنهَ- أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « لَا تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى تَنْزِلَ اَلرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ , أَوْ بِدَابِقٍ, فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ اَلْمَدِينَةِ, مِنْ خِيَارِ أَهْلِ اَلْأَرْضِ يَوْمئِذٍ, فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ: اَلرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اَلَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا, نُقَاتِلُهُمْ فَيَقُولُ اَلْمُسْلِمُونَ: لَا, وَاَللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا, وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ اَلشُّهَدَاءِ عِنْدَ اَللَّهِ
{2238}
وَيَفْتَحُ اَلثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا, فَيَفْتَحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ اَلْغَنَائِمَ, قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمْ اَلشَّيْطَانُ:إن الشيطان قد خلفكم في أهليكم فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ, فَإِذَا جَاءُوا اَلشَّامَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ اَلصُّفُوفَ؛ إِذْ أُقِيمَتْ اَلصَّلَاةُ, فَنَزَلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّهُمْ, فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اَللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ اَلْمِلْحُ فِي اَلْمَاءِ, فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ, وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ بِيَدِهِ, فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ
هذا الحديث يشتمل على حدث يكون في آخر الزمان, وواضح من الحديث أنه -يعني- عند خروج الدجال ونزول المسيح, + من هذا الحدث لم يقع, وأن وقوعه متأخر, وهذا الخبر فيه أن جيش يخرج من المدينة ينزل بموضع يقال له: دابق, أو الأعماق, أو دابق, مقصود فإذا نزلوا وتصافوا مع عدوهم يقول في الحديث: إن هذا الجيش إنهم خير جيش على وجه الأرض -يعني- في ذلك الوقت, في ذلك الزمان, فإذا تصاف الجيشان: المسلمون, والعدو الكفار. قال الكفار للمسلمين: خلوا بينا وبين الذين سبوا منا. وهذا كأنه يشير إلى إما أنه في تلك الموقعة، أو أنه في موقعة سابقة للمسلمين قاتلوهم وسبوا منهم، خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا. في الحديث: « فبينما هم كذلك قد علقوا سيوفهم وأسلحتهم بالزيتون »4 شجر الزيتون، وهذا أيضا مما يؤخذ منه، والله أعلم. إن هذه الوسائل الحديثة للحرب ستذهب وتنضب، وتتغير الأحوال، وتعود حياة الناس ووسائل الحياة إلى ما كانت عليه. يقاتلون، يعني: بالسيوف ونحوها، يعني: الأسلحة يعلقونها في شجر الزيتون، الله المستعان. فكما تقدم في الحديث الآخر: إن المسلمين يبعثون طليعة عشرة فوارس، يقول: « فبينما هم كذلك إذ صاح فيهم الشيطان: إن الدجال قد خلفكم في أهليكم »5 وهذا باطل، يعني: الدجال، يعني: لم يخرج، ولم يخلفهم في ديارهم، وفي أهلهم، فيفزعون، وينهضون، ويتركون ما هم فيه، ويعودون إلى الشام، " فبينما هم يعدون أيضا للحرب وللقتال حانت الصلاة، فأقيمت الصلاة، فينزل المسيح ابن مريم فيؤم الناس" سبحان الذي يعلم متى ذلك، وكيف يكون ذلك؟! فالحديث فيه الدلالة على، يعني: أمر المسيح، ونزوله، والأحاديث في هذا مستفيضة، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بهذه الآيات ـ الآيات العشر الذي سيأتي ذكرها في حديث واحد ـ: ومنها نزول المسيح ابن مريم حكما قسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية. وفي هذا الحديث: أن المسيح، أن مسيح الهدى ـ المسيح ابن مريم ـ يقتل المسيح الضلالة الدجال، وهذا فيه إشارة صغيرة إلى خروج؛ لأن لو أخذت بهذا الحديث وحده، قلت: إنه يخرج، وفور خروجه يعمد إليه المسيح ابن مريم، فيقتله لكن لا. ما يقتله إلا بعد أن يعيث المسيح الدجال في الأرض فسادا، ويذهب شمالا وجنوبا، ويمر بمواضع بما شاء الله من البلاد، وتكون له أحوال، ويتبعه كذا من اليهود، ولعل هذا الخروج المشار إليه في هذه الإشارة الصغيرة، لعله خروجه في ذلك الموضع الذي فيه المسلمون يعدون لقتال عدوهم؛ لأن هذا أول خروج له، فيخرج، ويقتله. لا بد من رد النصوص بعضها إلى بعض: يخوض ويدعو لنفسه، ويأتي بما معه من آيات. في هذا الحديث: صفة لقتل المسيح ابن مريم للمسيح الدجال، "وأنه إذا رآه ـ الدجال رأى المسيح ـ يذوب كما يذوب الملح في الماء، ولكنه لا يتركه حتى يهلك". بل يباشره،
{2239}
ويبادره بالقتل، " فيقتله بيديه " ـ المسيح ابن مريم يقتل الدجال بيديه ـ " فيُري الناسَ دمه في حربته". قتل حسي مباشر، وهذا فيه تناسب؛ فمسيح الهدى يقتل مسيح الضلالة، فسبحان الذي قضى بذلك وقدره لحكم بالغة. فأهل السنة، والجماعة، والمسلمون ينتظرون المسيح ابن مريم، واليهود ينتظرون مسيح الضلالة؛ فهم أتباعه اليهود: أتباعه يتبعه من يهود أصفهان كذا وكذا سبعون ألفا، المقصود، الحاصل: إن هذا الحدث، يعني: إجمال ما في هذا الحديث لم يقع؛ لاقترانه، واشتماله على ذكر الدجال، وذكر ابن مريم عليه السلام. نعم. اهـ شرح أحاديث الفتن للبراك .هذا والله أعلم .جمعت هذا الموضوع من عدة مراجع اسأل الله أن ينفع به ويجعله خالصا لوجهه الكريم إنه ولي ذالك والقادر عليه .
إن جل هذه الفتن التي تعصف بالعالم الإسلامي خاصة منذ قدوم المستعمر ليعد بحق من الابتلاء الذي ابتلى الله به الأمة ليعلم من صادق ممن على حافة الهاوية لايثبت على هدي النبوة ونور القرآن وإنما يشارك الناس المفتونين كلما فتحوا بابا منها تحقيقا لنزواتهم وإرضاء لشهواتهم . فهذه المغارات التي يبيت فيها اللهون سكارى وهذا العري المفضوح وهذه الهرولة والمنافسة الشديدة نحوالنيل من مال الآخرين والبحث عنه بشتى الطرق وذالكم القتال المستميت على الكراسي وهذا التمرد العجيب لنور الوحي والإعلان الصراح لترك الدين كل هذا وذاك مما نتاوله من خلال ما سنسرده من كلام الحبيب الذي لاينطق عن الهوى ولا يقول بالظن فقد أخبر عن المراحل التي ستجتازها أمته عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلًا يَكُفُّ حَدِيثَهُ فَجَاءَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ فَقَالَ يَا بَشِيرُ بْنَ سَعْدٍ أَتَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُمَرَاءِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنَا أَحْفَظُ خُطْبَتَهُ فَجَلَسَ أَبُو ثَعْلَبَةَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ . وروى البخاري :عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ
كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ
{2217}
قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ>.قال النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دُعَاة عَلَى أَبْوَاب جَهَنَّم مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا )قَالَ الْعُلَمَاء : هَؤُلَاءِ مَنْ كَانَ مِنْ الْأُمَرَاء يَدْعُو إِلَى بِدْعَة أَوْ ضَلَال آخَر كَالْخَوَارِجِ وَالْقَرَامِطَة وَأَصْحَاب الْمِحْنَة .وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة هَذَا : لُزُوم جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامهمْ ، وَوُجُوب طَاعَته ، وَإِنْ فَسَقَ وَعَمِلَ الْمَعَاصِي مِنْ أَخْذ الْأَمْوَال وَغَيْر ذَلِكَ ، فَتَجِب طَاعَته فِي غَيْر مَعْصِيَة .وَفِيهِ : مُعْجِزَات لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ هَذِهِ الْأُمُور الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا وَقَدْ وَقَعَتْ كُلّهَا .
أيها الناس " إن العلماء قسموا علامات الساعات إلى كبرى ، وصغرى ، وقسمها آخرون إلى ثلاثة أقسام ، وجعلوا بينهما " وسطى " ، ويمثلون له بخروج " المهدي " .وعلامات الساعة الصغرى يصلح تقسيمها إلى ثلاثة أقسام : قسم منها انقضى ، وقسم لا يزال يتكرر ، وقسم لم يحدث بعدُ . وقد حصر هذه الأقسام بأحاديثها : الشيخ عمر سليمان الأشقر حفظه الله في كتابه القيِّم " القيامة الصغرى "
والعلامات الصغرى يمكن تقسيمها إلى قسمين : قسم وقع ، وقسم لم يقع بعدُ ، والذي وقع قد يكون مضى وانقضى ، وقد يكون ظهوره ليس مرة واحدة ، بل يبدو شيئاً فشيئاً ، وقد يتكرر وقوعه وحصوله ، وقد يقع منه في المستقبل أكثر مما وقع في الماضي .والآن فإلى الموضوع :
أولا>>>ـ . علامات الساعة التي وقعت :
ونعني بها العلامات التي وقعت وانقضت ، ولن يتكرر وقوعها ، وهي كثيرة ، وسنذكر بعضاً منها :
1.> بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته .روى البخاري عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ أَوْ كَهَاتَيْنِ وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى... في صحيح البخري عن عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ....الخ>
2. انشقاق القمر .في المعجم الكبير للطبراني عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ، قَالَ:مَضَى خَمْسُ آيَاتٍ، وَبَقِيَ خَمْسٌ مِنْهَا: انْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَمَضَى الدُّخَانُ، وَمَضَتِ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى، وَمَضَى الْيَوْمُ الْعَقِيمُ، وَمَضَى اللِّزَامُ.> في مشكل الآثار : باب بيان مشكل ما روي في انشقاق القمر في زمن رسول الله عليه السلام تصديقا لقول الله عز وجل : اقتربت الساعة وانشق القمر
3. نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببُصرى – بلدة في الشام - .روى مسلم عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى> في الفتح : قَوْله ( حَتَّى تَخْرُج نَار مِنْ أَرْض الْحِجَاز )قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " التَّذْكِرَة " : قَدْ خَرَجَتْ نَار بِالْحِجَازِ بِالْمَدِينَةِ ، وَكَانَ
{2218}
بَدْؤُهَا زَلْزَلَة عَظِيمَة فِي لَيْلَة الْأَرْبِعَاء بَعْدَ الْعَتَمَة الثَّالِث مِنْ جُمَادَى الْآخِرَة سَنَة أَرْبَع وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَاسْتَمَرَّتْ إِلَى ضُحَى النَّهَار يَوْمَ الْجُمُعَة فَسَكَنَتْ ، وَظَهَرَتْ النَّار بِقُرَيْظَةَ بِطَرَفِ الْحِرَّة تَرَى فِي صُورَة الْبَلَد الْعَظِيم عَلَيْهَا سُوَر مُحِيط عَلَيْهِ شَرَارِيف وَأَبْرَاج وَمَآذِن ، وَتَرَى رِجَال يَقُودُونَهَا ، لَا تَمُرّ عَلَى جَبَل إِلَّا دَكَّتْهُ وَأَذَابَتْهُ ، وَيَخْرُج مِنْ مَجْمُوع ذَلِكَ مِثْل النَّهَر أَحْمَر وَأَزْرَق لَهُ دَوِيّ كَدَوِيِّ الرَّعْد يَأْخُذ الصُّخُور بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَنْتَهِي إِلَى مَحَطّ الرَّكْب الْعِرَاقِيّ ، وَاجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ رَدْم صَارَ كَالْجَبَلِ الْعَظِيم ، فَانْتَهَتْ النَّار إِلَى قُرْب الْمَدِينَة ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يَأْتِي الْمَدِينَة نَسِيم بَارِد ، وَشُوهِدَ لِهَذِهِ النَّار غَلَيَان كَغَلَيَانِ الْبَحْر ، وَقَالَ لِي بَعْض أَصْحَابنَا : رَأَيْتهَا صَاعِدَة فِي الْهَوَاء مِنْ نَحْو خَمْسَة أَيَّام ، وَسَمِعْت أَنَّهَا رُؤِيَتْ مِنْ مَكَّة وَمِنْ جِبَال بُصْرَى . وَقَالَ النَّوَوِيّ : تَوَاتَرَ الْعِلْم بِخُرُوجِ هَذِهِ النَّار عِنْدَ جَمِيع أَهْل الشَّام . وَقَالَ أَبُو شَامَة فِي " ذَيْل الرَّوْضَتَيْنِ " : وَرَدَتْ فِي أَوَائِل شَعْبَان سَنَة أَرْبَع وَخَمْسِينَ كَتَبَ مِنْ الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فِيهَا شَرْح أَمْر عَظِيم حَدَثَ بِهَا فِيهِ تَصْدِيق لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيث ، قَالَ : فَأَخْبَرَنِي بَعْض مَنْ أَثِق بِهِ مِمَّنْ شَاهَدَهَا أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَتَبَ بِتَيْمَاء عَلَى ضَوْئِهَا الْكُتُب ، فَمِنْ الْكُتُب . . فَذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْض الْكُتُب : ظَهَرَ فِي أَوَّل جُمْعَة مِنْ جُمَادَى الْآخِرَة فِي شَرْقَيْ الْمَدِينَة نَار عَظِيمَة بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَة نِصْف يَوْم اِنْفَجَرَتْ مِنْ الْأَرْض وَسَالَ مِنْهَا وَادٍ مِنْ نَار حَتَّى حَاذَى جَبَل أُحُد . وَفِي كِتَاب آخَر : اِنْبَجَسَتْ الْأَرْض مِنْ الْحِرَّة بِنَارٍ عَظِيمَة يَكُون قَدْرهَا مِثْل مَسْجِد الْمَدِينَة وَهِيَ بِرَأْيِ الْعَيْن مِنْ الْمَدِينَة ، وَسَالَ مِنْهَا وَادٍ يَكُون مِقْدَاره أَرْبَع فَرَاسِخ وَعَرْضه أَرْبَع أَمْيَال يَجْرِي عَلَى وَجْه الْأَرْض وَيَخْرُج مِنْهُ مِهَاد وَجِبَال صِغَار .
4. توقف الجزيَة والخراج .في صحيح مسلم . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا وَمَنَعَتْ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ>... في شرح النووي :: أَمَّا ( الْقَفِيز ) فَمِكْيَال مَعْرُوف لِأَهْلِ الْعِرَاق . قَالَ الْأَزْهَرِيّ : هُوَ ثَمَانِيَة مَكَاكِيك ، وَالْمَكُّوك صَاع وَنِصْف ، وَهُوَ خَمْس كَيْلَجَات . وَأَمَّا ( الْمُدْي ) فَبِضَمِّ الْمِيم عَلَى وَزْن ( قُفْل ) ، وَهُوَ مِكْيَال مَعْرُوف لِأَهْلِ الشَّام . قَالَ الْعُلَمَاء : يَسَع خَمْسَة عَشَر مَكُّوكًا . وَأَمَّا الْإِرْدَبّ فَمِكْيَال مَعْرُوف لِأَهْلِ مِصْر ، قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَآخَرُونَ : يَسَع أَرْبَعَة وَعِشْرِينَ صَاعًا . وَفِي مَعْنَى مَنَعَتْ الْعِرَاق وَغَيْرهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ : أَحَدهمَا لِإِسْلَامِهِمْ ، فَتَسْقُط عَنْهُمْ الْجِزْيَة ، وَهَذَا قَدْ وُجِدَ . وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَشْهَر أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَجَم وَالرُّوم يَسْتَوْلُونَ عَلَى الْبِلَاد فِي آخِر الزَّمَان ، فَيَمْنَعُونَ حُصُول ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ... وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ "
فَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيث الْآخَر " بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ " وَقَدْ سَبَقَ شَرْحه فِي كِتَاب الْإِيمَان .
ثانيا >>ـ . العَلامَات التي وقعت ، وهي مستمرة ، أو وقعت مَرة وَيمكن أن يتكرّر وقوعُها :
{2219}
1. الفتوحَات والحروب .وقد فتحت فارس والروم وزال ملك كسرى وقيصر ، وغزا المسلمون الهند ، وفتحوا القسطنطينية ، وسيكون للمسلمين في مقبل الزمان ملك عظيم ينتشر فيه الإسلام ويذل الشرك ، وتفتح روما مصداقاً ؛ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل : ( لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ ) – رواه أحمد ( 28 / 154 ) وصححه محققو المسند - .روى أحمد يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي أَبُو قَبِيلٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي وَسُئِلَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ قَالَ فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَقال الشيخ شاكر إسناده صحيح وصححه أيضا الألباني رحمه الله
تحقق الجزء الأول من هذا الحديث وهو فتح<استنابول> عاصمة الأتراك الآن في التاسع الهجري على يد محمد الفاتح ابن الثالثة والعشرين يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى سنة 897 هـ الموافق <29>مايو سنة 1453م وبقي الجزء الثاني من البشرى وهو فتح رومية عاصمة إيطاليا وبه يدخل الإسلام أوربا مرة أخرى بعد أن طرد منها مرتين مرة من الأندلس ومرة من البلقان إذن :تحقق شق من الحديث على يد محمد الفاتح ابن الثالثة والعشرين في القرن التاسع الهجري وذلك أنه فتح على يديه القسطنيطينية وهي ما يسمى الآن {استانبول}وما زلنا ننتظر الشق الآخر وهو فتح عاصمة إيطاليا {روما}
2. قتال الترك والتتر .في صحيح البخاريي [بَاب قِتَالِ التُّرْكِ "عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الْأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الْأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ وَالنَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وروى ايضا عن عَمْرو بن تَغْلِبَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعَرِ وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ.> وروى أيضا
3. إسناد الأمر إلى غيَر أهله ...روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ
{2220}
السَّاعَةِ قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ
4. فسَاد المسلمين . فِي اَلْمُسْنَدِ: « عَنْ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: يُوشِكُ أَنْ تَرَى اَلرَّجُلَ قَدْ قَرَأَ اَلْقُرْآنَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَأَعَادَهُ, وَأَبْدَاهُ, فَأَحَلَّ حَلَالَهُ, وَحَرَّمَ حَرَامَهُ, وَنَزَلَ عِنْدَ مَنَازِلِهِ, لَا يَحُورُ فِيكُمْ, إِلَّا كَمَا يَحُورُ رَأْسُ اَلْحِمَارِ اَلْمَيِّتِ » . هذا من كلام عبادة ولعله مما يقال: إنه ليس مما للرأي فيه مجال أو إخبار عن ما سيكون يوشك أن يكون الرجل قد قرأ القرآن وتلقاه على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحل حلاله، وحرم حرامه، ونزل منازله، يكون كرأس الحمار الميت، يوشك أن يكون من هذه حاله، يتحول إلى أن يصير لا خير فيه. تتغير الحال؛ يوشك أن تتغير حال الناس حتى يكون الرجل في هذه المسافة يتغير حتى يصير لا خير فيه كرأس الحمار الميت. وذلك لا يكون إلا بالإعراض عما كان عليه بالتفريط؛ إما بالردة ولا بالجفاء الشديد الذي يغير من حاله، وهذا كله -يعني- من شواهد الموضوع الأول من شواهد غربة الدين فغربة الدين تكون بتغير الأحوال وتغير الناس، وهذا يشهده الناس في كل زمان سبحان الله في زماننا هذا من عمره كذا من الستين والسبعين والثمانين يشاهد من التغيرات كم من خلق الله -يعني- تغيرت حاله من حسن إلى قبيح من استقامة إلى انحراف ربما وجد من الناس من كان صالحا ومستقيما وبصيرا وعالما، ثم صار إما زنديقا وإلا فاجرا ظاهر الفجور. هذا كثير يدرك ويعرفه من يعرف -يعني- الناس ويعرف أحوالهم، ويعرف واقعهم الحاضر والماضي. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ اَلزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: « أَتَيْنَا أَنَسًا فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ اَلْحَجَّاجِ فَقَالَ: اِصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ؛ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم »2 . اهـ منتدى جامع شيخ الإسلام بن تيمية
5. ولادَة الأمّة ربتها ، وَتطاول الحفَاة العراة رعَاة الشاة في البنيان .روى مسلم عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا قَالَ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ
{2221}
6. تداعي الأمم عَلى الأمَّة الإسلاميَّة .روى أحمد : عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ
7. الخسف والقذف وَالمسخ الذي يعَاقب اللَّه به أقواماً من هَذه الأمّة .روى ابن ماجه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ
8. استفاضة المَال . في صحيح البخري عن عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا
9. تسليم الخاصَّة ، وفشو التجَارة ، وقطع الأرحََام .في مسند أحمد : عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ جُلُوسًا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ قَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ رَأَيْنَا النَّاسَ رُكُوعًا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَكَبَّرَ وَرَكَعَ وَرَكَعْنَا ثُمَّ مَشَيْنَا وَصَنَعْنَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ فَمَرَّ رَجُلٌ يُسْرِعُ فَقَالَ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَمَّا صَلَّيْنَا وَرَجَعْنَا دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ جَلَسْنَا فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ أَمَا سَمِعْتُمْ رَدَّهُ عَلَى الرَّجُلِ صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَتْ رُسُلُهُ أَيُّكُمْ يَسْأَلُهُ فَقَالَ طَارِقٌ أَنَا أَسْأَلُهُ فَسَأَلَهُ حِينَ خَرَجَ فَذَكَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ وَظُهُورَ الْقَلَمِ
10. اختلال المقاييس :
أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن المقاييس التي يُقَوَّم بها الرجال تختل قبل قيام الساعة ، فيقبل قول الكذبة ويصدق ، ويرد على الصادق خبره ، ويؤتمن الخونة على الأموال والأعراض ، ويخون الأمناء ويتهمون ، ويتكلم التافهون من الرجال في القضايا التي تهم عامة الناس ، فلا يقدمون إلا الآراء الفجّة ، ولا يهدون إلا للأمور المُعْوجة ، فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ) ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : ( الرَّجُلُ التَّافِهُ يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ) – رواه ابن ماجه ( 4036 ) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " - .
11. شرطة آخر الزمَان الذين يجلدون الناس .في صحيح مسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ
{2222}
رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا
12>>مساندة أمراء الجور الديكتاتوريين والتقرب إليهم .روى الطبراني في المعجم الكبير عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:"خُذُوا الْعَطَاءَ مَا دَامَ عَطَاءً، فَإِذَا صَارَ رِشْوَةً فِي الدِّينِ فَلا تَأْخُذُوهُ، وَلَسْتُمْ بِتَارِكِيهِ، يَمْنَعْكُمُ الْفَقْرَ وَالْحَاجَةَ، أَلا إِنَّ رَحَى الإِسْلامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لأَنْفُسِهِمْ مَا لا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ:"كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرَ، وَحُمِلُوا عَلَى الْخَشَبِ، مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ" .قوله\العطاء : الهبة أو نصيب الفرد من بيت المال ...قوله\العطاء : نصيب الفرد من بيت المال ...قوله\الرحى : الأداة التي يطحن بها والمراد استقامة أمر الدين واستمراره أو الحرب والقتال ...قوله\القَضاء في اللغة على وجوه : مَرْجعها إلى انقطاع الشيء وتَمامه. وكلُّ ما أُحكِم عَملُه، أو أتمّ، أو خُتِم، أو أُدِّي، أو أُوجِبَ، أو أُعْلِم، أو أُنفِذَ، أو أُمْضيَ فقد قُضِيَ. ...قوله \الضلال : بُطْلاَنَ العمَل وضَياعه ، والميل عن الحق.إن هذا الحديث من معجزات النبوة قد تحق في زماننا فمن ساير الحكام الآن ناله من عطائهم ومن خالفهم أو زهد فيهم ناله من مكرهم وضيق عليه ولقب بالخائن والإرهابي ...وإن تعجب فاعجب الآن من علماء السلطة كيف أصبحوا أداة طيعة في يد الأخطوب المسير يؤذون الصالحين من العلماء والدعاة وينالون منهم ويضيقون عليهم ويمنعونهم حقهم المشروع بحجة أنهم في نظر " الأخطبوت " من المنبوذين في القائمة السوداء فكم قام رؤساء المجالس العلمية بتوقيف وإبعاد الصالحين عن مهام الخطابة والإرشاد والإمامة إلى الله الشكوى .
وليس في الحديث دعوة إلى الخروج عن الحاكم الجائرعلما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ولكن فيه دعوة صريحة من الهروب والفرار بالدين من حكام الجور والأهواء الذين سيسوا الدين وأرادوه كما اشتهوا وعللوا النصوص وللوو صريحها على ما تستهويه أنفسهم وذالك بمباركة علماء السوء .روى أبو داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مَرَّةً سُفْيَانُ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا وَمَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ .وفي مصنف ابن أبي شيبة : عن أبي غيلان قال : كان مطرف بن الشخير يقول : اللهم إني أعوذ بك من شر السلطان ومن شر ما تجري به أقلامهم ، وأعوذ بك أن أقول بحق أطلب به غير طاعتك ، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشئ يشينني عندك ، وأعوذ بك أن. أستغيث بشئ من معاصيك على ضر نزل بي ، وأعوذ بك أن تجعلني عبرة لأحد من خلقك ، وأعوذ بك أن تجعل أحدا أسعد بما علمته مني ، اللهم لا تخزني فإنك بي عالم ، اللهم لا تعذبني فإنك علي قادر.
{2223}
ثالثا>>ـ العلامَات التي لم تقع بَعدُ :
1. عودَة جزيرة العَرب جنَّات وَأنهاراً : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا ) رواه مسلم ( 157 ) .وعودتها جنات وأنهاراً إما بسبب ما يقوم أهلها به من حفر الآبار ، وزراعة الأرض ونحو ذلك مما هو حاصل في زماننا ، وإما بسبب تغير المناخ ، فيتحول مناخها الحار إلى جو لطيف جميل ، ويفجر خالقها فيها من الأنهار والعيون ما يحول جدبها خصباً ، ويحيل سهولها الجرداء إلى سهول مخضرة فيحاء ، وهذا هو الأظهر ، فإنه يحكي حالة ترجع فيها الجزيرة إلى ما كانت عليه من قبل .
2. انتفَاخ الأهلّة :من الأدلة على اقتراب الساعة أن يرى الهلال عند بدو ظهوره كبيراً حتى يقال ساعة خروجه إنه لليلتين أو ثلاثة ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مِن اقْتِرابِ السَّاعَةِ انتِفَاخُ الأهِلَّةِ ) – رواه الطبراني في " الكبير " ( 10 / 198 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " ( 5898 ) .وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مِنَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلاَلُ قَبَلاً فَيُقَالُ : لِلَيْلَتَيْنِ ، وَأَنْ تُتخذَ المَسَاجِدُ طُرُقاً ) - رواه الطبراني في " الأوسط " ( 9 / 147 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 5899 ) .
3. تكليم السّبَاع والجمَاد الإنسَ :
روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري ، قال : " عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ ، قَالَ :: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ يَا عَجَبِي ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ فَقَالَ الذِّئْبُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ قَالَ فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي : ( أَخْبِرْهُمْ ) ، فَأَخْبَرَهُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَدَقَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ ) رواه أحمد ( 18 / 315 ) وصححه محققو المسند .
4. انحسَار الفرات عَن جَبل من ذهَب :
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا ) ، وفي رواية : ( يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ ) .
وفي رواية عند مسلم : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا
{2224}
الَّذِي أَنْجُو ) . ورواه مسلم عن أبي بن كعب بلفظ : ( يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إِلَيْهِ فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ لَئِنْ تَرَكْنَا النَّاسَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ لَيُذْهَبَنَّ بِهِ كُلِّهِ قَالَ فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ) .
ومعنى انحساره : انكشافه لذهاب مائه ، كما يقول النووي ، وقد يكون ذلك بسبب تحول مجراه ، فإن هذا الكنز أو هذا الجبل مطمور بالتراب وهو غير معروف ، فإذا ما تحول مجرى النهر لسبب من الأسباب ومرّ قريباً من هذا الجبل كشفه ، والله أعلم بالصواب .والسبب في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم من حضره عن الأخذ منه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والاقتتال وسفك الدماء .
5. إخراجُ الأرضِ كنوزَهَا المخبوءة :
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قَتَلْتُ وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ ، فَيَقُولُ فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي ، وَيَجِيءُ السَّارِقُ ، فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا ) .وهذه آية من آيات الله ، حيث يأمر الحقُّ الأرض أن تخرج كنوزها المخبوءة في جوفها ، وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الكنوز ( بأفلاذ الكبد ) ، وأصل الفلذ : " القطعة من كبد البعير " ، وقال غيره : هي القطعة من اللحم ، ومعنى الحديث : التشبيه ، أي : تخرج ما في جوفها من القطع المدفونة فيها ، والأسطوان جمع أسطوانة ، وهي السارية والعمود ، وشبهه بالأسطوان لعظمته وكثرته " .وعندما يرى الناس كثرة الذهب والفضة يزهدون فيه ، ويألمون لأنهم ارتكبوا الذنوب والمعاصي في سبيل الحصول على هذا العرض التافه .
6. محاصَرة المسلمين إلى المدينَة :
من أشراط الساعة أن يهزم المسلمون ، وينحسر ظلهم ، ويحيط بهم أعداؤهم ويحاصروهم في المدينة المنورة .عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يُوشِكُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُحَاصَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مَسَالِحِهِمْ سَلَاحِ ) – رواه أبو داود ( 4250 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " - .والمسالح ، جمع مَسْلَحة ، وهي الثغر ، والمراد أبعد مواضع المخافة من العدو .وسَلاَح ، موضع قريبٌ من خيبر .
7. إحراز " الجهجَاه " الملك :
الجهجاه رجل من قحطان سيصير إليه الملك ، وهو شديد القوة والبطش ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ ) رواه البخاري ( 3329 ) ومسلم ( 2910 ) .وفي رواية لمسلم ( 2911 ) : ( لاَ تَذْهَبُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِى حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ " الْجَهْجَاهُ " ) .ويحتمل أن يكون هذا الذي في الرواية الأخيرة غير الأول ، فقد صَحَّ في سنن الترمذي عن أبي هريرة أن هذا الجهجاه من الموالي ، ففي سنن الترمذي ( 2228 ) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ الْمَوَالِي يُقَالُ لَهُ " جَهْجَاهُ " ) .والمراد بكونه يسوق
{2225}
الناس بعصاه أنه يغلب الناس فينقادون له ويطيعونه ، والتعبير بالسوق بالعصا للدلالة على غلظته وشدته ، وأصل الجهجاه الصيَّاح ، وهي صفة تناسب العصا كما يقول ابن حجر ، وهل يسوق هذا الرجل الناس إلى الخير أم الشر ؟ ليس عندنا بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك .
8. فتنَة الأحلاس وَفتنَة الدَهماء ، وفتنَة الدهيماء :
عن عبدِ الله بنِ عُمَر قالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُعُودًا فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ ذِكْرَهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ ؟ قَالَ : ( هِيَ فِتْنَةُ هَرَبٍ وَحَرَبٍ ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ ، دَخَلُهَا - أَوْ : دَخَنُهَا - مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي إِنَّمَا وَلِيِّيَ الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَطَعَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطُ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطُ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ إِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ ) – رواه أبو داود ( 4242 ) وأحمد ( 10 / 309 ) – واللفظ له - ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " - .
والأحلاس : جمع حلس ، وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب ، شبهت به الفتنة لملازمتها للناس حين تنزل بهم كما يلازم الحلس ظهر البعير ، وقد قال الخطابي : يحتمل أن تكون هذه الفتنة شبهت بالأحلاس لسواد لونها وظلمتها .
والحَرَب بفتح الراء : ذهاب المال والأهل ، يقال : حَرِب الرجل فهو حريب فلان إذا سلب ماله وأهله .والسراء النعمة التي تسر الناس من وفرة المال والعافية ، وأضيفت الفتنة إليها لأن النعمة سببها ، إذ إن الإنسان يرتكب الآثام والمعاصي بسبب ما يتوفر له من الخير .وقوله : " كورك على ضلع " هذا مثل للأمر الذي لا يستقيم ولا يثبت ، لأن الورك لا يتركب على الضلع ولا يستقيم معه .والدهيماء : الداهية التي تدهم الناس بشرها .
9. خروُج المَهدي :
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الله تبارك وتعالى يبعث في آخر الزمان خليفة يكون حكماً عدلاً ، يلي أمر هذه الأمة من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم من سلالة فاطمة ، يوافق اسمه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم ، واسم أبيه اسم أبي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد وصفته الأحاديث بأنه أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض عدلاً ، بعد أن ملئت جوراً وظلماً ، ومن الأحاديث التي وردت في هذا :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ) رواه الترمذي ( 2230 ) وأبو داود ، وفي رواية لأبي داود ( 4282 ) قال : ( لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّى - أَوْ : مِنْ أَهْلِ بَيْتِى - يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِى وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِى يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا ) ." القيامة الصغرى " ( 137 – 206 ) باختصار ، وتهذيب .وبه يتبين أنه ثمة تسع علامات للساعة الصغرى لم تظهر بعدُ ، ويتبين أن ما يتكرر من كلام كثير
{2226}
من الناس أن علامات الساعة الصغرى قد ظهرت كلها ولم يبق إلا " المهدي " قول عارٍ عن الصحة .والله أعلم الإسلام سؤال وجواب...اهـ منقول من منتدى نور الرحمن.وغيره ككتب الحديث والآثار
**رابعا جملى أحاديث في الفتن وهي :
1> حديث: وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين
زَادَ أَبُو دَاوُدَ: « وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي اَلْأَئِمَّةَ اَلْمُضِلِّينَ , وَإِذَا وُضِعَ اَلسَّيْفُ فِي أُمَّتِي, لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ, وَلَا تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ, وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي اَلْأَوْثَانَ, وَأَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ, كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ, وَأَنَا خَاتَمُ اَلنَّبِيِّينَ, لَا نَبِيَّ بَعْدِي, وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى اَلْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اَللَّهِ> أبوداود وغيره
قوله: « وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين. » يخافهم النبي عليه الصلاة والسلام على أمته أئمة قادة؛ إما بالسلطان وإما بالعلم باسم العلم الأئمة يشمل الأئمة من الولاة والحكام والأئمة بالدعوة والعلم. لا شك أن الأئمة في هذا، وهذا لهم الأثر العظيم على أحوال الناس. « وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين. »2 لأن خطرهم وتأثيرهم على العامة كبير « وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع السيف على أمتي لم يرفع إلى يوم القيامة »3 وقع السيف -يعني- السيف عبر به عن القتل إذا حدث القتل في هذه الأمة قتل الظلم والعدوان لم يرفع إلى يوم القيامة هذا -يعني- شاهد لما تقدم أن الحروب لا تنقطع؛ لكن تكون هناك فترات تكون هناك من مكان إلى مكان لكن القتل والقتيل والتقتيل هذا جار عبر الزمان. قال العلماء: إن وقوع السيف بدأ في فتنة علي عندما قتل يعني عثمان رضي الله وقوع السيف على هذه الأمة بقتل الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- فإنه من ذلك التاريخ والفتن لم تنقطع من ذلك التاريخ الفتن لم تنقطع تتالت بظلم ظاهر أو بتأويل وشبهات « وإذا وقع السيف على أمتي لم يرفع إلى يوم القيامة »4 . وفي هذه الحروب ابتلاء وامتحان تكون هذه الحروب -يعني- ابتلاء لقوم وممن يقع عليهم من آثار هذه الحروب وعقوبة على آخرين. العقوبة هذه الحروب، وهذه الفتن تكون عقوبة لبعض الناس وابتلاء لآخرين فهي من جملة المصائب التي تجري في هذه الحياة « ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان. »5 وهذا هو الذي قصد إليه الشيخ في كتاب التوحيد دليلا على أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان.
وهذا أيضا واقع فقد فشا الشرك في هذه الأمة في المنتسبين للإسلام. المنتسبون للإسلام قد وقعوا في الشرك، وهو شرك القبور ونحوه القبورية. الآن العالم الإسلامي يزخر بالأوثان؛ بالأضرحة التي تشيد عليها القباب والمساجد، ويحج إليها كما في ديار الروافض هذا النجف الأشرف كما يسمونه؛ النجف الأشرف مرقد يقولون: الإمام علي -رضي الله عنه- وعندهم مشاهد هذا مرقد فلان، وهذا مرقد فلان فالرافضة هم الأصل في حدوث هذا النوع من الشرك في الأمة، وفي فشوه في الأمة فدينهم يقوم على الشرك على عبادة القبور وتأليه الأئمة.
{2227}
=« وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي. »6 هذا فيه الإخبار عن أنه يظهر في الناس في الأمة الإسلامية؛ يظهر فيهم من يدعي النبوة وأنهم ثلاثون. قال العلماء: إن الذين ظهروا كثير أكثر من ثلاثين؛ لكن لعل المراد الذين يكون لهم شأن ويكون لهم أتباع، ويكون لهم شوكة، ومنهم من ظهر في حياة النبي عليه الصلاة والسلام؛ كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي، وظهر بعد ذلك متنبئون قال العلماء: وآخرهم هو الدجال فإنه يدعي النبوة أولا ثم يدعي الربوبية. « وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون؛ كلهم يزعم أنه نبي، ولا نبي بعدي. ».اهـ منتدى شيخ الإسلام بن تيمية .ـ شرح أحاديث في الفتن والحوادث (الجزء الثاني) لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك
2>ـ حديث إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم
وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اَللَّيْلِ اَلْمُظْلِمِ, يُصْبِحُ اَلرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا, وَيُمْسِي مُؤْمِنًا, وَيُصْبِحُ كَافِرًا. اَلْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ اَلْقَائِمِ, وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ اَلسَّاعِي. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اَللَّه؟ قَالَ: كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُم>
قال: " إن بين أيديكم ". يعني في المستقبل، فيما تستقبلونه من هذه الدنيا. وعبر بهذا اللفظ عما يكون أمام الإنسان؛ أمامه. أمام الشيء؛ ما كان أمامه فهو بين يديه.
« إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اَللَّيْلِ اَلْمُظْلِم »1 تصوير لهولها وظلمتها؛ مما يدل على عظم خطرها، وعظم اللبس فيها. فتن مظلمة. يقول: « يُصْبِحُ اَلرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا, وَيُمْسِي كَافِرًا »1 .يقول الحديث: « تكون فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا »1 .
جاء في صحيح مسلم قريب من هذا اللفظ: « بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصالحة فِتَنًا كَقِطَعِ اَللَّيْلِ اَلْمُظْلِمِ, يُصْبِحُ اَلرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا, وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا, يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ اَلدُّنْيَا »2 كناية عن تأثيرها على الناس في دينهم؛ وأنها تؤدي ببعضهم إلى التحول: « يصبح مؤمنا ويمسي كافرا »3 يحتمل الله أعلم قوله: « يمسي كافرا »4 يحتمل أنه الكفر الأكبر، وأنه قد تسبب له هذه الفتن ردة؛ الردة عن الإسلام. يكون مؤمنا فيرتد ويصير كافرا « ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا »5 .يحتمل عندي أنه ربما كان الكفر هنا كفر دون كفر فيشمل الحديث هذا وهذا. فمن الناس من توجب له هذه الفتنة الردة عن الإسلام؛ باستحلال ما حرم الله، بالإجابة إلى شيء من ملل الكفر، وتوجب لبعض الناس يعني معصية بالإقدام على ما حرم الله؛ كما في الحديث « لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض »6 فأطلق على القتل؛ قتل القتال المحرم قتال الفتنة؛ سماه كفرا. فاللفظ يحتمل هذا وهذا. وأقول: لعله يشمل هذا وهذا؛ لأن هذه الفتن قد توجب لبعض الناس الكفر الأكبر، وتوجب لبعضهم الكفر
القاعد في هذه الفتن خير من القائم، والقائم خير من الساعي ومعنى هذا أن المشاركين في هذه الفتن على مراتب. منهم المشارك لكنه يعني بقدر يسير بمثابة
{2228}
القاعد في السير القاعد، وآخر أرفع منه قائم، أما من لم يشارك أصلا فليس من الفتنة في شيء لا قاعد ولا قائم ولا ماش ولا ساع. والمقصود أن كل من كان يعني أقل أثرا في هذه الفتنة فهو خير ممن فوقه في المشاركة والتأثير. وهذا حال الناس في كل باطل، على مراتب: منهم من -والعياذ بالله- يعني يكون يشارك فيها لكن ليس بقدر يسير ولا يكون له كبير أثر فيها. وآخر لا. يسير فيها بقوة، يعني مثل الدعاة يدعو للفتنة، يعني أئمة. يكون إماما في الفتن ومسرعا فيها ومبادرا إليها.
« كونوا أحلاس بيوتكم »10 ؛ يعني الزموا بيوتكم. وهذا فيه نوع من التشبيه؛ فالحلس يقولون: إنه هو الكساء الذي يكون تحت القتب على ظهر البعير، لاصق ما يبرح المكان ما يبرحه ...الزموا بيوتكم، واعتزلوا هذه الفتن وأهلها، لا تشاركوا فيها إلا مشاركة في حق يعني من حيث الدعوة والإصلاح. .اهـ البراك
3>>ـ حديث إذا كانت فتنة بين المسلمين
في مسندأحمد "عَنْ عُدَيْسَةَ ابْنَةِ أُهْبَانَ بْنِ صَيْفِيٍّ أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ أَبِيهَا فِي مَنْزِلِهِ فَمَرِضَ فَأَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْبَصْرَةِ فَأَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهِ فَسَلَّمَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ السَّلَامَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا مُسْلِمٍ قَالَ بِخَيْرٍ فَقَالَ عَلِيٌّ أَلَا تَخْرُجُ مَعِي إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَتُعِينَنِي قَالَ بَلَى إِنْ رَضِيتَ بِمَا أُعْطِيكَ قَالَ عَلِيٌّ وَمَا هُوَ فَقَالَ الشَّيْخُ يَا جَارِيَةُ هَاتِ سَيْفِي فَأَخْرَجَتْ إِلَيْهِ غِمْدًا فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهِ فَاسْتَلَّ مِنْهُ طَائِفَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ إِنَّ خَلِيلِي عَلَيْهِ السَّلَام وَابْنَ عَمِّكَ عَهِدَ إِلَيَّ إِذَا كَانَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ اتَّخِذْ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ فَهَذَا سَيْفِي فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ بِهِ مَعَكَ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيكَ وَلَا فِي سَيْفِكَ فَرَجَعَ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ وَلَمْ يَدْخُلْ>هذا كله يشهد لما تقدم من اعتزال الفتنة التي تكون بين المسلمين؛ بالكف عن القتال، وعدم اقتناء السلاح الذي يجرئ. اقتناء السلاح يجرئ على الدماء. قد يكون عند الإنسان تثور عنده حمية. يمكن يؤثر عليه بعض الناس؛ لكن لا يكن لك سيف أصلا، لا يكن عندك سلاح يجرئك على القتال. كن معتزلا وأعزل، كن أعزل من السلاح. إن كان عندك سيف فأتلفه نعم بعده.اهـ البراك
4>>ـ حديث كيف بكم وبزمان يغربل الناس فيه غربلة
روى أبوداود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ أَوْ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَقَالُوا وَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ
يغربل الناس : أي يذهب خيارهم ويبقى أراذلهم ، والمغربل المنتقى....الحثالة : الرديء من كل شيء.. إذا جاء هذا الزمان الذي يغربل الناس فيه غربلة. الغربلة هو، يعني تصفية الشيء بالغربال. الغربال هو المنخل، لعله الكبير، غربال. يُغَربل الناس. وهذا الزمان يصفي، يعني ما يجري فيه يصفي الناس، يتبين الطيب فيه من الخبيث، وهكذا الشدائد. الشدائد يتبين فيها،
{2229}
فيه غربلة. الأحداث تغربل الناس تميز، و ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾4 فيها فحص. الابتلاء فيه. يبتلى الناس، يغربل الناس فيه غربلة.. وقد تكون الغربلة لها معنى آخر لعله يأتي ما يشهد له. يغربل الناس يعني يطلع الصالح بحيث يذهبون ويموتون. يذهب الصالحون الأول فالأول كما سيأتي، وتبقى حثالة من الناس « قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا »6 .هذه صفة أولئك الحثالة « مرجت عهودهم ». يعني أنها فسدت. كأنها فسدت عهودهم بالنقص والخيانة بالنقص والخيانة؛ فلا عهود ولا أمانات.. يقول: « فكانوا هكذا »
هذا تعبير عن الاختلاف. واختلفوا حتى صاروا -يعني مشتبكين، ولعل هذا كناية عن شدة الاختلاف وشدة يعني اللبس والقتال الذي يكون بينهم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾10 « واختلفوا حتى كانوا هكذا وشبك بين أصابعه »11 وكثيرا ما يصور الرسول عليه الصلاة والسلام الأمر ويمثله يعني لتقريب الحقائق المعقولة بصورة محسوسة
يعني اعتصموا بالحق في عندما تعصف الفتن ويختلف الناس اعتصموا بالحق. خذوا من أعمال الناس وأقوالهم واقبلوا منهم ما تعرفون بما آتاكم الله من العلم والبصيرة. خذوا ما تعرفون ودعوا ما تنكرون. وهذا لا يتأتى إلا بالعلم؛ ولهذا العلم بكتاب الله وسنة رسوله هو عصمة من الفتن؛ فكتاب الله هو المعتصم كما تقدم « خذوا ما تعرفون ودعوا ما تنكرون »12 من الذي يستطيع ذلك؟. لا يستطيعه إلا من كان على نور ومعه نور يمشي به في الناس يمشي به في الناس.
« تقبلون على خاصتكم »14 يشير إلى العزلة تقبلون على شأنكم وتدعون أمر العامة؛ أولئك المختلفين أولئك الأقوام الذين مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا، والتبس بعضهم ببعض والتبس الأمر عليهم. وأقبلوا على خاصتكم ودعوا عامتكم أو أمر عامتكم. هذا فيه التعبير عن الاعتزال، عن اعتزال أولئك الحثالة نعم.
اهـ البراك
5>>ـ حديث إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك
روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ
في هذا الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حسن غريب في التحقيق عندكم تنبيه على أن الترمذي لم يحسنه، وإنما قال فيه: غريب، وضعفه بعض أهل العلم. والحديث له وجه. معناه « إنكم في زمان من ترك فيه عشر ما أمر به هلك، ويأتي على الناس زمان من عمل فيه بعشر ما أمر به نجا »2 معناه إنكم في زمان قد ظهر فيه الحق، وقامت فيه الحجة. يأتي على الناس زمان يخفى فيه يدرس الإسلام، وتخفى المعالم ويقل المعين ويكثر الأعداء..اهـ البراك
{2230}
5>>ـ حديث يذهب الصالحون الأول فالأول
وَلِلْبُخَارِيِّ: عَنْ مِرْدَاسٍ اَلْأَسْلَمِيِّ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ- صلى الله عليه وسلم: « يَذْهَبُ اَلصَّالِحُونَ اَلْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ , وَتَبْقَى حُفَالَةٌ, كَحُفَالَةِ اَلشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ, لَا يُبَالِيهِمْ اَللَّه بَالَهُ » وَفِي رِوَايَةٍ: « لَا يَعْبَأُ اَللَّهُ بِهِمْ
هذا الحديث في البخاري وهو متوافق مع ما تقدم من الحديثين « يَذْهَبُ اَلصَّالِحُونَ اَلْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ »1 ؛ يذهب الصالحون وينقرضون الأول فالأول. الأظهر عندي أن "الأول فالأول" يعني الأفضل فالأفضل، أو يذهب الصالحون حسب ما قدر الله من آجالهم كل بحسبه « يذهب الصالحون الأول فالأول ويبقى حفالة أو حثالة من الناس كحثالة الشعير والتمر الرديء لا يباليهم الله باله »1 أو لا يعبأ بهم كما في الرواية الأخرى. لا يبالي الله بهم؛ فلا يلطف بهم ولا يرحمهم.
ومن كان كذلك هلك. وهذا التعبير يعني أنه لا وزن لهم عند الله، لا يقيم الله لهم وزنا لأنهم بغضاء إليه أعوذ بالله بغضاء أشرار. الله تعالى إنما يكرم أولياءه؛ يكرم الصالحين؛ يكرم عباده المؤمنين، يحفظهم يلطف بهم؛ يقيهم شرور أعدائهم، ينجيهم كما هي سنة الله في خلقه مع رسله وأتباعهم أبدا. يعني الصورة متكررة، وكان ﴿ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾3 الله تعالى ضمن النجاة والنصر والرحمة للمؤمنين. فهؤلاء الحثالة من الناس لا يعبأ الله بهم ولا يبالي بهم؛ لأنهم شرار الخلق نعم.
6>>ـ بَابُ اَلتَّعَرُّبِ فِي اَلْفِتْنَة
روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ اَلْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتبع بِهاِ شعف اَلْجِبَالِ, وَمَوَاقِعَ اَلْقَطْرِ, يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ اَلْفِتَنِ
". التعرب يعني الصيرورة إلى البدو. الأعرابي هو البدوي، والتعرب التبدي في الفتنة، يعني النزوح والخروج إلى البادية وإلى منازل الأعراب، ولا يلزم من ذلك أن يكون الإنسان أعرابيا؛ لأنها أمر عارض.
وذكر حديث أبي سعيد في الصحيحين النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « يوشك أي يقرب أن يكون خير مال الرجل غنما يتبع بها شعف الجبال -جمع شعفة وهي رأس الجبل- ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن »2 هذا يتضمن أنه قد تأتي أيام يغلب فيها الشر وتعظم الفتنة؛ بحيث يخشى الإنسان على نفسه، يُدعى إلى الباطل ويحمل عليه ويجبر عليه. يجبر أن يتكلم بالباطل، يجبر أن يفعل الحرام، يعني سواء كان من فتن القتال، أو فتن البدع والمحدثات « يفر بدينه »3 .
قال: يريد سلامة دينه ليسلم دينه « يفر بدينه »3 ؛ لأنه بسبب ما حل من الفتنة يخاف على دينه من الزوال أو النقص، وذلك بالعزلة، وهنا تختلف أحوال الناس فمن الناس من تكون العزلة أصلح له؛ لأن وجوده بين الناس ضرر عليه. وجوده بين الناس ضرر؛ لأنه لا يستطيع أن يقاوم هذا الباطل بالإنكار والبيان والتبصير؛ فهذا خير له العزلة. ومن الناس لا، من يكون عنده من القوة في علمه وبيانه وعزيمته وشجاعته ما يقاوم ويقارع فيه الباطل وأهله؛ فهنا الخلطة خير له. إذن فقوله: « يوشك أن يكون خير مال الرجل » ما يلزم أن يكون ذلك لكل رجل فالذي كما جاء في الأثر الذي
{2231}
يخالط الناس ويصبر على أذاهم، يخالطهم ويصبر على أذاهم، ولا يتضرر بذلك في دينه بقطع النظر عن ضرره الشخصي؛ لأنهم يؤذونه ويصبر على أذاهم. الرسل صبروا ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾.
7>>ـ حديث لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ اَلزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: « أَتَيْنَا أَنَسًا فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ اَلْحَجَّاجِ فَقَالَ: اِصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ؛ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم » . هذا الحديث من شواهد الباب (باب الغربة) عن الزبير بن عدي قال: « أتينا أنسا رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج »1 -يعني- من ظلمه وتسلطه على الناس بالقتل والأذى والسجن وما أشبه ذلك « فقال أنس رضي الله عنه: اصبروا »2 وهذا هو علاج كل المصائب التي تجري في هذه الحياة الصبر تقابل بالصبر والاحتساب تسلط -يعني- الظلمة سواء كانوا من الولاة، أو من سائر الناس كقطاع الطريق ونحوهم. من البلاء ومن المصائب التي تجري على الناس فتقابل بالصبر وعدم الجزع. وإن ذلك كله جار بقدر الله فقال: اصبروا. هذه الوصية؛ فاصبروا لا يحملنكم ما تلقون من ظلم على تعدي حدود الله وارتكاب ما حرم الله، فإن ذلك من قلة الصبر فإنه يقول: « اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ». « لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر؛ حتى تلقوا ربكم »4 -يعني- حتى تموتوا أو إلى يوم القيامة. فهذا يدل على أن الناس دائما في نقص كلما تقدم الزمان كان النقص أشد؛ فخير هذه الأمة القرن الأول ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم تأتي قرون تتغير فيها الأحوال ويكثر فيها الشر. يأتي قوم يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون وينذرون ولا يوفون؛ يشهدون ولا يستشهدون وما أشبه ذلك « لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه »5 هذا اللفظ يقتضي أن كلما تقدم الزمان كان الزمان الثاني أو المتأخر شرا من الذي قبله. وهكذا ما يحصل في ثنايا الزمان من صلاح واستقامة ورجوع بعد أن كان تفريط وانجراف وانطماس معالم الدين وفشو البدع -يعني- التجديد التجديد؛ كما جاء في حديث التجديد « أن الله تعالى يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها »6 معناه أن إذا جاء التجديد يكون عهد التجديد خيرا من الذي قبله.
في الجملة كل ما كان الزمان أقرب إلى عهد النبوة فالخير الموجود من علم ودين وإيمان، ولا يقتصر هذا على أمر الولاية، ومسألة العدل -يعني- العدل في الولاية هذا جانب من جوانب الدين، فعهد عمر بن عبد العزيز نعم هو في أمر الولاية خير من الذي قبله قريب لكن حال الناس قبل ذلك خير من حيث العلم والدين والإيمان، ويستشهد بهذا بأنه قبل عهد عمر كان الصحابة. فعهد عمر قد انقرض فيه الصحابة لم يبق منهم وجود البقية من صحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير عظيم هذا والله أعلم بمراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. اهـ البراك
8>>ـ حديث يتقارب الزمان وينقص العمل
{2232}
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « يَتَقَارَبُ اَلزَّمَانُ وَيَنْقُصُ اَلْعَمَلُ، وَيُلْقَى اَلشُّحُّ وَتَظْهَرُ اَلْفِتَنُ, وَيَكْثُرُ اَلْهَرْجُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اَللَّهِ: مَا هُوَ؟ قَالَ: اَلْقَتْلُ اَلْقَتْلُ.
هذا الحديث أيضا اشتمل على جملة أمور مما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يكون بعده هذه هي الخصال أربع. تقارب الزمان هذا مشكل عند كثير من الشراح. مما قيل فيه: يتقارب بمعنى أنه يتسارع الزمان بسبب الغفلة غفلة الناس تسرع الأيام؛ تذهب بسرعة كما يشغل الناس الآن في هذا الوقت مع -يعني- توافر اللذات والشهوات والمتع تذهب الليالي والأيام بسرعة الآن الناس يشكون، وفي أزمان ماضية أيضا يحدث هذا فبعض الأمور التي نسميها أو يقال عنها: إنها أشراط الساعة بعضها يتكرر مثل: « وترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان »3 -يعني- تحضر البادي حدث ويحدث ويتكرر رعاء الشاة يحلون المدن ويتطور أمرهم فيتنافسون في البنيان يتطاولون؛ فبعض الأمارات تتكرر تقارب الزمان -يعني- تسارع الزمان فيصبح -يعني- السنة كأنها شهر الشهر كأنه أسبوع الأسبوع كأنه يوم؛ اليوم كأنه ساعة هذا مما لعله من أقرب ما قيل فيه. بعض المعاصرين قال: لعل هذا كناية عن تقارب المكان بسبب وجود هذه المواصلات المكان الذي كان الناس يقطعونه المسافات التي كانت تقطع بشهر صارت تقطع بساعة لا إله إلا الله أمور عجيبة قال: « وينقص العمل »4 ينقص العمل بماذا؟ العمل بدين الله -يعني- يكثر هذا الأمر، وهذا في الجملة في جملة الناس وفي عموم الناس ينقص العمل ينقص ويكثر التقصير فيما أوجب الله وينقص العمل. « ويلقى الشح »5 "الشح": هو شدة البخل ﴿
« وتظهر الفتنة »8 هذا شاهد لما تقدم أنها ستكون فتن، والأحاديث التي فيها الإخبار عن كثرة الفتن كثيرة، وهذا منها تظهر الفتن فتن -يعني- فتن الشهوات فتن الشبهات البدع تظهر. ظهرت فتن عظيمة وبدع، ويتفرع عنها أيضا فتن أخرى ومنها « ويكثر الهرج »8 وكثرة الهرج من الفتن فربما قلنا: إن عطف الفتن الهرج على الفتن من عطف الخاص على العام « قيل: وما الهرج؟ قال: القتل القتل. »9 يكثر القتل -يعني- يكثر القتل بغير حق بأشكال من ظلم المتسلطين من كفار ومسلمين يكثر، وكذلك المعتدين يكثر القتل بغير حق ظلما وعدوانا. أما القتل الذي هو بحق هذا ليس من الأمور التي تذكر -يعني- هذه الأمور المذكورة كلها مذمومة، وكلها شرور قيل الهرج -يعني- ليست هذه الكلمة عربية الأصل؛ بل هي من لغة الحبشة. الهرج في لغتهم القتل في لغتهم يقال له: الهرج وهناك كلمات يقال: إنها معربة وأن أصلها يعني بعضها حبشية وبعضها فارسية دخلت وتداولها -يعني- العرب، وكأنها غير مشهورة كأنها غير مشهورة هذه الكلمة ولهذا قالوا: « ما الهرج يا رسول الله؟ ».اهـ البراك .
9>>ـ بَابُ: إِذَا اِلْتَقَى اَلْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ اَلْأَحْنَفِ قَالَ: خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ هَذَا اَلرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَحْنَفُ فَقُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ اِبْنِ عَمِّ اَلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم -يعني- عَلِيًّا -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ لِي: يَا أَحْنَفُ اِرْجِعْ, فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه
{2233}
وسلم يَقُولُ: « إِذَا تَوَاجَهَ اَلْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي اَلنَّارِ فَقُلْتُ, أَوْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ هَذَا اَلْقَاتِلُ فَمَا بَالُ اَلْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ>
فهذا يدل على تحريم القتال الذي لم يتبين وجهه الشرعي.
فالقتال إما أن يكون ظاهر التحريم، وإما أن يكون مشتبها ملتبسا فهذا لا يجوز الدخول فيه الأول: قتال -يعني- ظلم وعدوان وقتال الباطل والثاني: قتال فتنة قتال فتنة. أما القتال المشروع فهو قتال جهادا في سبيل الله؛ قتال الكفار لإعلاء كلمة الله. « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله. »7 ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾8 لكن هناك قتال بين المسلمين. ففي هذا وعيد شديد يدل على لفظ تحريم القتال بين المسلمين. فإذا التقى المسلمان بسيفيهما وتقاتل المسلمان بسيفيهما فكل منهما سواء القاتل والمقتول؛ كلاهما مستوجب لذلك الوعيد القاتل والمقتول في النار. أما القاتل فقد قتل وأما الآخر فإنه كان حريصا على؛ لو تمكن لقتل صاحبه. « إنه كان حريصا على قتل صاحبه. »6 وهذا يدل على أن التصميم والعزم وفعل المقدور بمنزلة الفعل في الخير والشر. إذا الإنسان عزم على فعل، وأراد وفعل ما يقدر عليه للوصول إلى مراده فإنه بمنزلة الفاعل. فالمقتول هذا مثل القاتل كلاهما متوعد بوعيد واحد؛ لأن ذاك قتل والثاني كان حريص ما منعه من القتل إلا أن ذاك إنه غلب غلبه الآخر وإلا هو يريد أن يقتل صاحبه. « إنه كان حريصا على قتل صاحبه. »6 . ولكن قد يكون الإنسان متأولا يظن أنه مصيب، وأنه مجاهد مجتهد في هذا القتال فيدرأ ذلك التأويل يدرأ عنه ذلك الوعيد فلا نقول: إن الذين اقتتلوا في الجمل وصفين من الصحابة والأخيار من التابعين؛ إنهم مستوجبون لهذا الوعيد؛ لأنهم مجتهدون متأولون؛ منهم المصيب ومنهم المخطأ وكلهم ترجى له المغفرة، ولا يجوز -يعني- سبهم بذلك والتشنيع عليهم هذا مما يجب الإمساك عنه وعدم الخوض فيه. أما من كان في هذه الصفوف -يعني- قاصدا للشر ومريدا للشر فهو على ما نوى. « إنما الأعمال بالنيات »9 لكن هذا هو خاص في علي -رضي الله عنه- ومن معه من الصحابة وخيار التابعين ومعاوية ومن معه، ولكنه خطر الدخول في مثل ذلك خطر يخشى من أن يدخل على الإنسان الهوى، ويدخل عليه التعصب فيستوجب هذا الوعيد ويكون من أهل ذلك الوعيد، ومن هذا القبيل القتال الذي يكون بين أهل السلطة الذين يتنازعون على الملك وعلى مالهم كله نزاع، أو قبائل تتقاتل قتال ظلم وعدوان؛ كل واحدة تريد أن تنهب الأخرى وتستولي على حقوقها، وتأخذ مالها كلهم فهؤلاء أحق بهذا الوعيد.اهـ البراك
10>>ـ حديث: لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قتل
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- « قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى اَلنَّاسِ يَوْمٌ, لَا يَدْرِي اَلْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ , وَلَا اَلْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَالَ: اَلْهَرْجُ اَلْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي اَلنَّارِ>
-يعني- حتى يتقاتل الناس فلا يدري القاتل والمقتول لماذا قتل وهذا لماذا قتل قتال -يعني- عصبية وجهل وظلم -يعني- الذي يدخل في قتال لا بد يعرف أنه سيقتل إلا أن يقتل ويغلب. فهو يقاتل ليقتل خصمه؛ كل طائفة تريد أن تقتل الطائفة الأخرى.
{2234}
وهذا وقع كثيرا في كل زمان، والآن كل ذلك يجري وهذا الوعيد يقال على الإطلاق وعلى العموم، ولا يحكم فيه على معين لا يحكم فيه على معين بل يذكر هذا على إطلاقه إ ن المسلمين إذا اقتتلوا فإن القاتل والمقتول في النار كما في الحديث الصحيح المتقدم. اهـ البراك
11>>ـ بَابُ هَلَاكِ اَلْأُمَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ:
وَلِمُسْلِمٍ: عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « إِنَّ اَللَّهَ زَوَى لِي اَلْأَرْضَ, فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا, وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا, وَأُعْطِيتُ اَلْكَنْزَيْنِ اَلْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ »1 . (قَالَ اِبْنُ مَاجَهْ: -يعني- اَلذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) « وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَلَّا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ, وَأَلَّا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ, فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ, وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إني إذا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ, وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَلَّا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ, وَأَلَّا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ, فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ, وَلَوْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا, أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا , وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا>
المهم أن الرسول أخبر بأن الله قرب له الأرض وأطلعه على مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما في يدي منها، وقد امتدت الدولة الإسلامية شرقا وغربا بالفتوح. « وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وإني أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض »4 فسرا الكنزان بكنوز كسرى وقيصر والأحمر الذهب والأبيض الفضة « وإني أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض »5 ولهذا جاء في الحديث في شأن فارس والروم: « ولتنفقن كنوز فارس والروم في سبيل الله »6 يعني يغنمها المسلمون ويفتحون بلادهم وينفقون أموالهم في سبيل الله « أعطيت الكنزين »7 يقول: « وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكهم بسنة بعامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال: إني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم »8 -يعني- أن الله أجاب دعاءه في هاتين =؛ الشاهد من الحديث أن هذه الأمة يجري بينها القتال قتال الفتنة القتال بغير حق ظلما وعدونا وتأويلا. هذا هو الشاهد من الحديث « حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا »10 .
ولهذا المعنى شواهد كثيرة =، ومن شواهده الحديث الثابت في الصحيح أنه « لما أنزل على النبي عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ. »11 قال -صلى الله عليه وسلم:- أعوذ بوجهك ﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾12 قال أعوذ بوجهك ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ. ﴾12 قال هذا أهون لأن الأول والثاني يتضمن -يعني- هو من نوع عذاب الإستئصال الذي قد رفع عن هذه الأمة عذاب الإستئصال الذي هو إهلاك الجميع كما أهلك الله قوم نوح بالغرق وقوم عاد بالريح العاتية وقوم صالح بالصيحة إلى آخره نعم.
12>>ـ حديث: وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين
{2235}
زَادَ أَبُو دَاوُدَ: « وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي اَلْأَئِمَّةَ اَلْمُضِلِّينَ , وَإِذَا وُضِعَ اَلسَّيْفُ فِي أُمَّتِي, لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ, وَلَا تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ, وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي اَلْأَوْثَانَ, وَأَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ, كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ, وَأَنَا خَاتَمُ اَلنَّبِيِّينَ, لَا نَبِيَّ بَعْدِي, وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى اَلْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اَللَّهِ>
يخافهم النبي عليه الصلاة والسلام على أمته أئمة قادة؛ إما بالسلطان وإما بالعلم باسم العلم الأئمة يشمل الأئمة من الولاة والحكام والأئمة بالدعوة والعلم.
لا شك أن الأئمة في هذا، وهذا لهم الأثر العظيم على أحوال الناس. لأن خطرهم وتأثيرهم على العامة كبير ..وقع السيف -يعني- السيف عبر به عن القتل إذا حدث القتل في هذه الأمة قتل الظلم والعدوان لم يرفع إلى يوم القيامة هذا -يعني- شاهد لما تقدم أن الحروب لا تنقطع؛ لكن تكون هناك فترات تكون هناك من مكان إلى مكان لكن القتل والقتيل والتقتيل هذا جار عبر الزمان.
قال العلماء: إن وقوع السيف بدأ في فتنة علي عندما قتل يعني عثمان رضي الله وقوع السيف على هذه الأمة بقتل الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- فإنه من ذلك التاريخ والفتن لم تنقطع
قوله "، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان. »وهذا أيضا واقع فقد فشا الشرك في هذه الأمة في المنتسبين للإسلام. المنتسبون للإسلام قد وقعوا في الشرك، وهو شرك القبور ونحوه القبورية. الآن العالم الإسلامي يذخر بالأوثان؛ بالأضرحة التي تشيد عليها القباب والمساجد، ويحج إليها كما في ديار الروافض هذا النجف الأشرف كما يسمونه؛ مرقد الإمام علي -رضي الله عنه كما يقولون.
« وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي. »6 هذا فيه الإخبار عن أنه يظهر في الناس في الأمة الإسلامية؛ يظهر فيهم من يدعي النبوة وأنهم ثلاثون. قال العلماء: إن الذين ظهروا كثير أكثر من ثلاثين؛ لكن لعل المراد الذين يكون لهم شأن ويكون لهم أتباع، ويكون لهم شوكة، ومنهم من ظهر في حياة النبي عليه الصلاة والسلام؛ كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي، وظهر بعد ذلك متنبئون قال العلماء: وآخرهم هو الدجال فإنه يدعي النبوة أولا ثم يدعي الربوبية.
اهـ البراك
13>>ـ حديث: سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ سَعْدٍ: « أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ اَلْعَالِيَةِ؛ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ؛ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ, وَصَلَّيْنَا مَعَهُ, وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلاً, ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ , وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَأَلْتُ رَبِّي أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا, وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ, فَأَعْطَانِيهَا, وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ, فَمَنَعَنِيهَا>
هذا شاهد للذي قبله تماما؛ أن الرسول دعا ثلاث دعوات استجيب له في اثنتين ومنع الثالثة يقول: « دعوت ربي ألا يهلك أمتي بسنة »2 السنة المراد الجدب يعبر عن
{2236}
الجدب بالسنين ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾3 « ألا يهلكهم بسنة عامة ». « ودعوت ربي ألا يهلكهم بالغرق »5 -يعني- بعذاب الإستئصال بغرق أو نحوه أو باجتياح عدو لهم كما جاء في الحديث المتقدم « وأن لا يسلط عليهم عدوا من سواهم فيستبيح بيضهم، وإن اجتمع عليهم من بأقطارها »6 .
« وإني سألت ربي ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها »7 فهذا مع ما قبله وما بعده كله يؤيد أن هذا القتال لا بد أن يجري، ولكن كون الرسول أخبر هذا لا يدل على الشرعية لا يدل على الشرعية. إن هذا إخبار عن واقع؛ أن هذا سيكون فهو من أنباء الغيب كقوله عليه الصلاة والسلام: « لتتبعن سنن من كان قبلكم »8 اتباع سنن الجاهلية هذا ضلال لكن الرسول أخبر بأنه واقع وفي الإخبار به تحذير من الدخول فيه فهو إن كان واقعا، وإن أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بوقوعه فهذا لا يسوغ الدخول فيه؛ فعلى المسلم ألا يكون طرفا في هذه الحروب ألا يكون طرفا، بل عليه أن يتجنب هذه الفتن ألا يجعل بأسهم بينهم يقول: « وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ». نعم. اهـ البراك .
14>>حديث: ستكون فتنة تستنظف العرب
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ اِبْنِ عُمَرَ « قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ اَلْعَرَبَ, قَتْلَاهَا فِي اَلنَّارِ, اَللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ اَلسَّيْفِ. »1 قَالَ اَلتِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ, سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: لَا يَعْرِفُ لِزِيَادِ بْنِ سِيْمِينَ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ غَيْرُ هَذَا. " : الترمذي : الفتن (2178) , وأبو داود : الفتن والملاحم (4265) , وابن ماجه : الفتن (3967) , وأحمد (2/211).
في هذا الحديث على ما فيها خبر عن أنها « ستكون فتنة تستنظف العرب »1 -يعني- تفني العرب ويقتل من العرب فيها ما شاء الله، ولا يلزم من ذلك -يعني- ذهابهم لكن عبر عنها بتعبير بالاستنظاف يقتضي كثرة من يقتل في هذه الفتنة، والشاهد قوله -يعني- « اللسان فيها أشد من وقع السيف »2 الكلام وهو كما قيل فإن الحرب أولها كلام. فربما كلمة واحدة أضرمت نار الحرب, فيجب ترك اللسان في أيام الفتن, فلا يعين الإنسان في هذه الفتن لا يعين بالكلام؛ فإنه ربما تكلم بكلمة يعني: أججت نار الحرب وأثارت الفتنة, وصارت هذه الكلمة هي الشرارة. نعم.
15>>حديث: ستكون فتنة صماء بكماء عمياء
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَال:َ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « سَتَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ بَكْمَاءُ عَمْيَاءُ, اَللِّسَانُ فِيهَا كَوَقْعِ اَلسَّيْفِ » . : أبو داود : الفتن والملاحم (4264).
هذا من جنس ما قبله, ستكون فتنة صماء, بكماء, عمياء؛ هذه الكلمات عبارة عن أنها فتنة مظلمة, ما لا يعنى لا يتبين فيها وجه الحق, مظلمة من كل وجه؛ يعني: ليس فيها منفذ لهدى, صماء, بكماء, عمياء؛ تعبير يفهمه المخاطب. إنها فتنة مظلمة من كل وجه, لا يهتدى فيها إلى خير ولا صواب, اللسان فيها كوقع السيف, -يعني- كما تقدم أن المشاركة فيها بالكلام يعني: أثره كوقع السيف, فالحذر.. الحذر. في هذا تحذير من الإعانة في هذه الفتن بالكلام. نعم.
{2237}
16>>حديث: إياكم والفتن فإن اللسان فيها مثل وقع السيف
وَلِابْنِ مَاجَهْ: عَنْ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا: « إِيَّاكُمْ وَالْفِتَنَ, فَإِنَّ اَللِّسَانَ فِيهَا مِثْلُ وَقْعِ اَلسَّيْفِ »1 .
هذا من جنس ما قبله, كلها المقصود منها: التحذير من المشاركة في هذه الفتن بالكلام؛ سعي الإنسان, كما كف يده عليه أن يكف لسانه, كما قال بعض السلف في الفتن التي جرت: إنها فتن طهر الله منها أيدينا فلنطهر منها ألسنتنا, فلا نخوض فيها. نعم. اهـ البرك من أحاديث النهي عن السعي في الفتنة.
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخَذَ اَلنَّاسَ مَوْتٌ, تَكُونُ اَلْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ , يَعْنِي: اَلْقَبْرَ: قُلْتُ: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, أَوْ قَالَ: مَا يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ أَوْ قَالَ: تَصْبِرُ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ! إِذَا رَأَيْتَ أَحْجَارَ اَلزَّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بِالدَّمِ قُلْتُ: مَا يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: عَلَيْكَ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلَا آخُذُ سَيْفِي فَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِي قَالَ: شَارَكْتَ اَلْقَوْمَ إِذًا قَالَ: قُلْتُ: فَمَاذَا تَأْمُرُنِي قَالَ: تَلْزَمُ بَيْتَكَ قُلْتُ: فَإِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي قُالْ: فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يُبْهِرَكَ شُعَاعُ اَلسَّيْفِ, فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ, يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وإثمه »1 .
زَادَ اِبْنُ مَاجَهْ: « كَيْفَ أَنْتَ وَجَوَائِحُ تُصِيبُ اَلنَّاسَ, حَتَّى تَأْتِيَ مَسْجِدَكَ, فَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى فِرَاشِكَ, وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ قُلْتُ: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, أَوْ يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: عَلَيْكَ بِالْعِفَّةِ »
مضمون هذا الحديث قد تقدم؛ وهو النهي عن السعي في الفتنة, والمشاركة في الفتنة.
قال: دعه أو كما قال: « يبوء بإثمه وإثمك »10 حتى قال: « فإن بهرك شعاع السيف فألقي ثوبك على وجهك »11 يعني: أصبر ولا تقاتل ولا تقاوم, وتقدمت الإشارة إلى أن هذا -يعني- يشرع في الفتنة. أما في الفتنة فإنه يجوز للإنسان أن يدفع عن نفسه كما جاء في الحديث الصحيح « قلت: يا رسول الله.. أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: لا تعطه مالك. قال: إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: إن قتلته؟ قال: هو في النار »12 أما في الفتنة فالأفضل هو الكف وعدم الدفع, والمعروف عند أهل العلم إن هذه الأوامر يعني محمولة على الاستحباب والأفضلية؛ وإلا فمن دفع وإلا فيجوز أن يدفع الإنسان عن نفسه يجوز؛ لكن الأفضل في الفتنة ألا يدافع ويسلم ويصبر. نعم. اهـ البراك
17>>ـ حديث لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق
:في صحيح ابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَة-رضي الله عنهَ- أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « لَا تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى تَنْزِلَ اَلرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ , أَوْ بِدَابِقٍ, فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ اَلْمَدِينَةِ, مِنْ خِيَارِ أَهْلِ اَلْأَرْضِ يَوْمئِذٍ, فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ: اَلرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اَلَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا, نُقَاتِلُهُمْ فَيَقُولُ اَلْمُسْلِمُونَ: لَا, وَاَللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا, وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ اَلشُّهَدَاءِ عِنْدَ اَللَّهِ
{2238}
وَيَفْتَحُ اَلثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا, فَيَفْتَحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ اَلْغَنَائِمَ, قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمْ اَلشَّيْطَانُ:إن الشيطان قد خلفكم في أهليكم فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ, فَإِذَا جَاءُوا اَلشَّامَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ اَلصُّفُوفَ؛ إِذْ أُقِيمَتْ اَلصَّلَاةُ, فَنَزَلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّهُمْ, فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اَللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ اَلْمِلْحُ فِي اَلْمَاءِ, فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ, وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ بِيَدِهِ, فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ
هذا الحديث يشتمل على حدث يكون في آخر الزمان, وواضح من الحديث أنه -يعني- عند خروج الدجال ونزول المسيح, + من هذا الحدث لم يقع, وأن وقوعه متأخر, وهذا الخبر فيه أن جيش يخرج من المدينة ينزل بموضع يقال له: دابق, أو الأعماق, أو دابق, مقصود فإذا نزلوا وتصافوا مع عدوهم يقول في الحديث: إن هذا الجيش إنهم خير جيش على وجه الأرض -يعني- في ذلك الوقت, في ذلك الزمان, فإذا تصاف الجيشان: المسلمون, والعدو الكفار. قال الكفار للمسلمين: خلوا بينا وبين الذين سبوا منا. وهذا كأنه يشير إلى إما أنه في تلك الموقعة، أو أنه في موقعة سابقة للمسلمين قاتلوهم وسبوا منهم، خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا. في الحديث: « فبينما هم كذلك قد علقوا سيوفهم وأسلحتهم بالزيتون »4 شجر الزيتون، وهذا أيضا مما يؤخذ منه، والله أعلم. إن هذه الوسائل الحديثة للحرب ستذهب وتنضب، وتتغير الأحوال، وتعود حياة الناس ووسائل الحياة إلى ما كانت عليه. يقاتلون، يعني: بالسيوف ونحوها، يعني: الأسلحة يعلقونها في شجر الزيتون، الله المستعان. فكما تقدم في الحديث الآخر: إن المسلمين يبعثون طليعة عشرة فوارس، يقول: « فبينما هم كذلك إذ صاح فيهم الشيطان: إن الدجال قد خلفكم في أهليكم »5 وهذا باطل، يعني: الدجال، يعني: لم يخرج، ولم يخلفهم في ديارهم، وفي أهلهم، فيفزعون، وينهضون، ويتركون ما هم فيه، ويعودون إلى الشام، " فبينما هم يعدون أيضا للحرب وللقتال حانت الصلاة، فأقيمت الصلاة، فينزل المسيح ابن مريم فيؤم الناس" سبحان الذي يعلم متى ذلك، وكيف يكون ذلك؟! فالحديث فيه الدلالة على، يعني: أمر المسيح، ونزوله، والأحاديث في هذا مستفيضة، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بهذه الآيات ـ الآيات العشر الذي سيأتي ذكرها في حديث واحد ـ: ومنها نزول المسيح ابن مريم حكما قسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية. وفي هذا الحديث: أن المسيح، أن مسيح الهدى ـ المسيح ابن مريم ـ يقتل المسيح الضلالة الدجال، وهذا فيه إشارة صغيرة إلى خروج؛ لأن لو أخذت بهذا الحديث وحده، قلت: إنه يخرج، وفور خروجه يعمد إليه المسيح ابن مريم، فيقتله لكن لا. ما يقتله إلا بعد أن يعيث المسيح الدجال في الأرض فسادا، ويذهب شمالا وجنوبا، ويمر بمواضع بما شاء الله من البلاد، وتكون له أحوال، ويتبعه كذا من اليهود، ولعل هذا الخروج المشار إليه في هذه الإشارة الصغيرة، لعله خروجه في ذلك الموضع الذي فيه المسلمون يعدون لقتال عدوهم؛ لأن هذا أول خروج له، فيخرج، ويقتله. لا بد من رد النصوص بعضها إلى بعض: يخوض ويدعو لنفسه، ويأتي بما معه من آيات. في هذا الحديث: صفة لقتل المسيح ابن مريم للمسيح الدجال، "وأنه إذا رآه ـ الدجال رأى المسيح ـ يذوب كما يذوب الملح في الماء، ولكنه لا يتركه حتى يهلك". بل يباشره،
{2239}
ويبادره بالقتل، " فيقتله بيديه " ـ المسيح ابن مريم يقتل الدجال بيديه ـ " فيُري الناسَ دمه في حربته". قتل حسي مباشر، وهذا فيه تناسب؛ فمسيح الهدى يقتل مسيح الضلالة، فسبحان الذي قضى بذلك وقدره لحكم بالغة. فأهل السنة، والجماعة، والمسلمون ينتظرون المسيح ابن مريم، واليهود ينتظرون مسيح الضلالة؛ فهم أتباعه اليهود: أتباعه يتبعه من يهود أصفهان كذا وكذا سبعون ألفا، المقصود، الحاصل: إن هذا الحدث، يعني: إجمال ما في هذا الحديث لم يقع؛ لاقترانه، واشتماله على ذكر الدجال، وذكر ابن مريم عليه السلام. نعم. اهـ شرح أحاديث الفتن للبراك .هذا والله أعلم .جمعت هذا الموضوع من عدة مراجع اسأل الله أن ينفع به ويجعله خالصا لوجهه الكريم إنه ولي ذالك والقادر عليه .
لست ربوت