أسباب انحراف الشباب.والعلاج المناسب لكل سبب من خطب الشيخ عبد الحميد أمين إمام مسجد الهلالي رحمه الله

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية أسباب انحراف الشباب.والعلاج المناسب لكل سبب من خطب الشيخ عبد الحميد أمين إمام مسجد الهلالي رحمه الله

أسباب انحراف الشباب.والعلاج المناسب لكل سبب من خطب الشيخ عبد الحميد أمين إمام مسجد الهلالي رحمه الله

نتيجة بحث الصور عن صور الشيخ عبد الحميد امين خطيب مسجد الهلتالي
هناك جملة عوامل وأسباب تعمل منفردة ومتضافرة في انحراف الشباب عن خطّ السير ، أو منهج الاسلام الصحيح .
وأهمية معرفة هذه الأسباب تنبع من أن ذلك يعدّ تمهيداً ومدخلاً لمعالجتها ومكافحتها والقضاء عليها .
ومن بين هذه الأسباب :
1 ـ تراجع دور الأُسرة :
كانت الأسرة وما تزال حجر الأساس في العملية التربوية ، وإذا كان دورها قد تراجع(1) في الآونة الأخيرة ، فلأ نّها هي التي فسحت المجال لغيرها من الوسائل أن تأخذ مكانها ، بدلاً من أن تكون بمثابة أياد مساعدة لها في دورها الأساسي .
إنّ انشغال الأب أو الأبوين في العمل خارج المنزل طوال النهار سوف يؤثر على مستوى تربيتهما ومتابعتهما لأبنائهما وبناتهما ، مما يفتح الباب لدخول الانحراف بلا صعوبات لا سيما إذا كانت خلفيات الأبناء والبنات هشّة ، أي لم يبذل الوالدان الجهد المطلوب في إعدادهم وتربيتهم لتحمل مسؤولياتهم ووعيهم لمخاطر الانحراف وآثاره .
العديد من الدراسات الميدانية التي أجريت على شرائح وعينات من الشبان والفتيات أودعوا السجن بسبب انحرافهم وجرائمهم ، أثبتت أن انصراف الأبوين أو انشغالهما كان أحد أهمّ ، بل لعلّه أوّل الأسباب ، التي جعلتهم يصلون إلى ما وصلوا إليه .
إنّ المشاكل التي تعصف بالأسرة ، والنزاع الدائر بين الوالدين وعدم اتفاقهما على كلمة سواء في تربية الأبناء ، أو ما يشهده البيت من التصدّع المستمر ، يجعل الأبناء إمّا انطوائيين ، وإمّا أن يهربوا من البيت ليرتموا بأحضان الأصدقاء قليلي التجربة ، وربّما استغلّ هؤلاء الظروف البيتية التي يعاني منها هذا الشاب وتلك الفتاة لدفعهما في طريق الانحراف .
أمّا إذا كان الأبوان منفصلين ويعيش الأبناء إمّا تحت رحمة أمّ جديدة ، أو في اجواء الطلاق النفسية التي تخيِّم بظلالها القاتمة على نفوس الأبناء والبنات ، فإنّ ذلك يكون دافعاً آخر إلى الانحراف لانعدام الرعاية والمراقبة ، والحرمان من العطف والحنان والتوجيه السليم .
وما ينبغي الالتفات إليه هنا ، هو أنّ بعض الأسر تعمل ـ وبغير قصد في أكثر الأحيان ـ لدفع فلذات أكبادها للانحراف ، إذا أساؤوا التصرف معهم فبدلاً من أن يكونوا الصدور المفتوحة ، والعقول المفتوحة ، والآذان المفتوحة التي يركن إليها الأبناء والبنات في الحاجة إلى المشورة وبث الهموم والتعاون في حل المشكلات ، يكونون غرباء عن أبنائهم ، أو لا يشعرون بالمسؤولية إزاءهم سوى مسؤولية الإطعام والإكساء ، حتى إذا وقع الابن أو البنت في مشكلة عويصة ، أو انزلقا إلى منحدر خطير ، صرخ الوالدان كمن أفاق من نومه فزعاً : ماذا هناك ؟ لم نكن أبداً نتوقع ذلك !
وقد لا تكون الصدمة جرّاء انحراف أحد الأولاد ، وإنّما جرّاء الحرج الشديد الذي يمكن أن يسبّبه انحرافه في الوسط الاجتماعي الذي سيطلع على ذلك .
إن تراجع دور الأسرة واضح وخطير ، فالأم التي كانت تتولى تربية ابنتها لتكون زوجة صالحة ، وأمّاً صالحة ، تترك لها اليوم أن تتلقى ذلك من الروايات والقصص والأفلام والمسلسلات التي تخرّج جيلاً أقل ما يقال عنه أ نّه هجين .
2 ـ تراجع دور المدرسة :
ينصبّ اهتمام المدارس اليوم على العلم والتعليم أكثر من التربية والتهذيب ، وإذا كان ثمة اهتمام بهذه الأمور فثانوي ، أو يطرح بشكل أكاديمي أيضاً ، أي ان دروس التربية والأخلاق شأنها شأن دروس الكيمياء والفيزياء تعطى للطالب للاختبار فقط .
المدرسة هي البيت الثاني والمحضن الآمن المهم بعد الأسرة ، فإذا تراخت أو تراجعت عن أداء دورها ورسالتها فإنّ الكارثة محدقة . وإذا افتقد الطالب الشاب أو الطالبة الشابّة لدور الموجّه الحقيقي والمرشد الناصح والمسدّد الأمين ، ولم يشعر ذاك أن معلمه أب وهذه بأن معلّمتها أمّ ، فإنّ ساحة المدرسة تتحول من ساحة للبناء والتربية إلى ساحة للانحراف والضياع وتبادل الخبرات المتدنيّة والسيِّئة والمخلّة بالآداب .
وإذا كانت المدرسة مختلطة فالسوء أعظم والخطر أكبر .
3 ـ ضعف الوازع الدينيّ :
قد ينحدر الشاب أو الفتاة من أسر متديّنة لكنهم ينحرفون ، لأنّ التديّن لدى بعض الأسر المسلمة أوامر ونواه وقواعد عسكرية صارمة ، وليس طريقاً لبناء الشخصية القوية الملتزمة العاملة التي تقف بوجه الانحراف فلا تتداعى أمامه ، بل تساهم في إزاحته عن الطريق لأنها تلقت الدين بطريقة بها رفق كما كان يأمر بذلك رسولنا صلوات الله وسلامه عليه .
ولذا قلنا ضعف الوازع الديني ، فهؤلاء متدينون لكنّ انحرافهم وعدم شعورهم بالتأنيب يدلّل على أنّ الدين لم يرتكز في نفوسهم كوعي وطاقة ومناعة ، وإنّما هو مجرد فرائض وواجبات وخطوط حمر وعقوبات .
ولو أ نّك أجريت دراسة ـ والدراسات التي في هذا المجال كثيرة ـ بين عيّنات شبابية (فتيان وفتيات) لرأيت أنّ الانحراف بين أبناء وبنات الأسر غير المتديّنة أو غير الملتزمة دينياً أكبر بكثير ، إذ مما لا شكّ فيه أنّ الدين عامل حيوي من عوامل التحصين وغرس الوازع الديني إذا أحسن الأبوان تقديمه إلى الأبناء ليس في المحتوى فقط وإنّما بأسلوب العرض أيضاً .
4 ـ وسائل الإعلام :
وسائل الإعلام اليوم أكثر المؤسسات المهتمة في انحراف الشباب عن طريق الإيمان والأخلاق . ويأتي في المقدمة من هذه الوسائل (التلفاز) الذي يمثّل الخطر اليوميّ الداهم الذي يعيش في البيت كفرد من أفراد الأسرة ، والذي يحتل أحياناً موقع المعلّم للعادات الغريبة والسيِّئة التي يجتمع الصوت والصورة واللون على تشكيل رسالته .
إنّ رسالة الإعلام ليست نزيهة ـ في الأعمّ الأغلب ـ لأ نّها رسالة موجهة ، وهي تختبئ في مكان ما في هذا البرنامج أو هذا الإعلان أو تلك المسلسلة أو هذا الفيلم ، أو هذه الاستعراضات .
وقد تكون الرسالة واضحة صريحة لا تلبس قناعاً أو تتستر بشيء ، والمشكل المريب أن أكثر البرامج المخصّصة للشباب تعمل على بلورة الشخصية الانحرافية لديه .
الدراسات الجنائية كشفت عن أنّ أحد أسباب السرقة والعنف هو مشاهدة الأفلام التي يتفنّن فيها السارقون باقتحام المنازل والبنوك ، وأنّ أحد أسباب الدعارة والخلاعة هو الأفلام الهابطة وعرض الأزياء والحفلات الماجنة . وإن سبباً مهما من أسباب السكر والتدخين وتعاطي المخدرات هو ظهور ممثلين و سينمائيين يزاولون ذلك وهم في حالة انتشاء .
وأنّ أحد دوافع الهجرة والتغرب هو ما يكشفه التلفاز من فوارق طبقية صارخة بين الطبقات الدنيا والمتوسطة وبين الطبقة الثرية المرفهة التي تعيش البذخ والرفاهية وتحوز على أثمن المقتنيات من القصور والسيارات وتجتذب إليها أجمل نساء المجتمع .
تكرار أمثال هذه اللقطات ـ والتكرار أسلوب إعلامي ـ يعمل كمنبّه أو كجرس يقرع بشكل دوري لمخاطبة الغريزة أو ما يسمّى بالعواطف السفلية لدى الشبان والفتيات ، فلم يبق شيء يرمز إلى الحياء والعفّة والالتزام إلاّ وهتك التلفاز أستاره .
خطورة المنحى الإعلامي تأتي بالدرجة الأولى من أسلوب العرض المشوّق والجذّاب والمغري للدرجة التي تنطلي فيها الرسالة الإعلامية على المشاهد فلا يلمسها أو يقتنصها لأ نّه يسترخي ويسترسل أمام التلفاز فلا يحاكمه ولا ينتقده إلاّ نادراً ، فالمشاهد ـ إلاّ ما رحم بي ـ يستقبل مواد البث التلفازي كمسلّمات ، الأمر الذي يزرع في وعيه أو لا وعيه (ثقافة) ((3)) السرقة والعنف والغش والخداع والتهالك على المادة وشرب الخمر والدخان والمخدرات .
وما يقال عن التلفاز يقال عن وسائل الإعلام الأخرى بدرجة أقلّ ، إذ يبقى التلفاز أشدّ خطورة من الصحف والمجلاّت والإذاعة وغير ذلك ، لأ نّها إمّا سمعية أو بصرية ، أمّا التلفاز فسمعي بصري والسمع والبصر إذا اجتمعا كانا بوابتين للتلقي غير المحسوب .
وباختصار ، فإن كلّ هذه الوسائل تسرّب وتشيع العديد من القيم الهابطة والدخيلة والمضلّلة وإن بدرجات متفاوتة .
5 ـ الفراغ والبطالة :
ذلك الشاعر الذي اعتبر (الفراغ) أحد الأسباب المؤدية إلى
الانحراف والفساد ، كان قد وضع اصبعه على مشكلة أو مدخل مهم من مداخل الانحراف :
إنّ الشبابَ والفراغ والجدة***مفسدة للمرء أيّ مفسدة
فالفراغ أو البطالة لا يتناسبان مع شريحة عمرية ممتلئة بالحيوية والنشاط والاندفاع وحبّ الحياة .
قد ينسجمان مع الشيوخ والمتقاعدين ، أمّا الشاب مثلك الذي يحبّ أن يعمل ويبدع وينتج ، فالفراغ قاتل بالنسبة له ، ولذا فهو قد يملأُه بالسلبيّ إذا لم يُملأ بالايجابي((4)) .
وبالدراسة أيضاً ثبت أنّ البطالة أو الفراغ كان سبباً للعديد من الجرائم والجُنح والجنايات والانحرافات خاصّة إذا لم يكن الشاب أو الفتاة من ذوي المهارات أو المواهب أو الاهتمامات الثقافية والعلمية والرياضية .
6 ـ قرنـاء السُّـوء :
وهم الأصحاب الذين يُمثّلون دور المزيّن للانحراف والمرغّب والمغري به ، أي أ نّهم شياطين يوسوسون بالمعصية وتجاوز الحدود وارتكاب الجرائم ويصوّرون ذلك على انّه متعة خاصّة ، أو شجاعة نادرة أو مفخرة ، وقد ينصّبون من أنفسهم (فقهاء) لزملائهم فيفتون بغير علم ، ويقولون لك إن هذا أمر مقبول وكلّ الناس تفعله ولا حرمة فيه وأ نّهم يتحمّلون خطاياك ، بل ويتطوعون للردّ على إشكالاتك الشرعية التي تدور في ذهنك لتُقبل على العمل الشرير وأنت مرتاح الضمير !
إنّ دور قرناء السوء ـ في مجمل الانحرافات التي يتعرّض لها الشبان والفتيات ـ خطير جدّاً ، وما لم ينتبه الشاب أو الفتاة إلى تسويلات وتزيينات قرناء السوء فإنّه سينخرط في الانحراف ليقوّيه ، وبالتالي ، فإنّه وأمثاله من المُستدرَجين يحولون الأفراد إلى (عصابة) وأعمالهم إلى (جرائم) .
وكما يزينون السوء في الجريمة ، يزينون الانحراف في العبادة ، باهمال الطاعات والعبادات ، فيأتون إلى المستحبات ويقولون لك إنّها ليست واجبة ويكفيك القيام بما هو واجب ، حتى إذا تركت المستحبّات
جاؤوا إلى الواجبات وقالوا لك إن تأخيرها ساعة أو ساعتين لا يضرّ ، وهكذا بالتدريج حتى تضمحل روحك ويفتر اهتمامك ويبرد تعاطيك مع الصلاة ومع غيرها :
(يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلّني عن الذِّكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا )(5) .
7 ـ الكتابات المنحرفة :
دوافع الانحراف وأسبابه ـ كما قلنا ـ كثيرة ، وقد لا يلعب عامل واحد دوراً متفرداً في انحراف الشباب ، بل تلتقي عدّة عوامل لتخلق حالة الانحراف .
فالكتابات المنحرفة التي تنهج نهجاً خرافياً أو تغريبياً أو تخريبياً في تصوير العلاقة بين الجنسين على أنّها الحرية الشخصية والتمتع بمباهج الحياة ، والتي تطرح صورة الشاب العدواني العنيف على أ نّه (البطل) الذي يهابه الآخرون ، والشاب المسترسل مع شهواته ونزواته وأطماعه على أ نّه الشاب العصريّ المثاليّ ، والفتاة التي تنتقل بين الأحضان على أنّها منفتحة وتمارس حياتها كما يحلو لها من غير قيود ..
هذه الكتابات فاسدة مفسدة ، وضالّة مضلّة ، أي أنّها منحرفة بذاتها وتشجّع على الانحراف أيضاً . فلقد ذكرنا في البداية أنّ لكلّ انسان خط سير ، وأنت كانسان مسلم لك خط سيرك الخاصّ ، وأمثال هذه الكتابات المنحرفة لا يهدأ لها بال حتى تجعلك تنحرف ثمّ تتوجه إلى غيرك .
وبعض الكتّاب يبعدك عن الدين بتصويره صوراً بشعة مقرفة مقزّزة ينبو عنها الذوق ويمجّها الطبع ، فمنهم مَنْ يرى أ نّه ترويج للخرافات والأساطير . ومنهم مَنْ يقول انّه مخدّر يغرّر به البسطاء والضعفاء ، ومنهم مَنْ يصف المتدينين والمتدينات بأ نّهم مرضى نفسيّون ، وإنّ علماء الدين تجّار وأصحاب مطامع ومصالح ذاتية ، وإنّ الدين هو هذه القشور التي يدفعون من أجلها الأموال حتى يعشعش الجهل والتخلّف في صفوف الشباب .
كلّ ذلك لدقّ الأسفين بين أبناء الأمّة من الشبان والفتيات وبين رموز الوعي ، وعلماء الدين والشريعة ، والشخصيات الهادية إلى الطريق ، وتسأل : مَن المستفيد ؟ فلا تجد إلاّ أعداء الأمّة .
8 ـ الجـهل :
الجهلُ طامّة كبرى ، والشابّ الجاهل الذي لا يعرف كيف يبدأ ؟ وكيف يسير ؟ وإلى أين ينتهي ؟ كالأعمى يقوده جهله إلى المهالك والمزالق والانحرافات وهو لا يدري أ نّه يسير سيراً عشوائياً ، وأ نّه يقع في المطبّ أو الحفرة ذاتها عدّة مرّات ، وأ نّه قابل للإغواء والاستدراج والتغرير والخداع ببساطة .
والجهل يأتي ليس من ضعف الجانب الثقافي فحسب ، بل من هشاشة التجربة في الحياة ، وأحياناً من عدم الاستفادة من التجارب ، فقد يكون للجاهل تجاربه لكنّه يرتطم بالمشاكل المتماثلة مراراً لأ نّه ساذج ومغفّل وسطحي جدّاً ، وقد لا ينتبه إلى انحرافه إلاّ مؤخراً ، أي بعد أن يكون قد دفع ضريبة جهله ثمناً باهضاً ، سجناً ، أو طرداً من البيت ، أو هجراناً من قبل الأصدقاء ، وبكلمة أخرى يصبح منبوذاً اجتماعياً يتبرّأ أهله وأصحابه منه .
9 ـ الفقر الشديد والثراء الشديد :
وقد يبدو هذا العامل متناقضاً لأوّل وهلة ، لكن هذه هي الحقيقة ، فلكلّ من الفقير المدقع الفقر ، والثري الفاحش الثراء انحرافاته . فإذا كان الفقر يدفع إلى السرقة والحسد والحقد والانتقام من المجتمع ، فإنّ الثراء الشديد يدعو إلى الميوعة والمجون والاستغراق في اللهو والملذات والشهوات والتبذير .
إنّ استعجال بعض الشبان والفتيات الثراء قد يجعلهم ينحرفون في سبيل تحقيق أحلامهم ، ويسلكون طرقاً معوجة لنيل مآربهم ، وقد يحققون بعض ذلك لكنهم ـ إذا قدّر لهم أن يراجعوا أنفسهم وحساباتهم ـ فإنّهم سيجدون أن ما تكبّدوه من خسائر أكثر مما جنوه من أرباح ، هذا إذا صحّت تسمية ما نالوه بالطرق المنحرفة أرباحاً !
10 ـ الحرية اللاّ مسؤولة :
تحت شعار الحرية هوى كثير من الشبان والفتيات في وديان الانحراف . لم يكن ثمة تمييز بين الحريّة المسؤولة وبين الحريّة غير الملتزمة أو المنضبطة بضوابط معيّنة . فليس من الحريّة في شيء أن أترك لشهواتي الحبل على الغارب ، وليس من الحريّة أن أبيع عزّتي وكرامتي أو أذلّ نفسي ، وليس من الحريّة أن أتكلّم بالسوء على مَنْ أشاء ، ولا من الحريّة أن أخرج كفتاة نصف عارية إلى المجتمع .
حريّتنا في الاسلام تستبطن المسؤولية ، فما دمت حرّاً أنت مسؤول وتتحمل تبعات أعمالك ، وتراعي قانون الشريعة وخط السير ، وإلاّ فأيّ انفلات أو انحراف أو خروج على ذلك يعني انتهاكاً للقانون وإساءة للحريّة .
إنّ الشاب الذي يصمّ سمعه ولا يريد الاستماع إلى النقد أو النصيحة أو المحاسبة بحجّة أ نّه حرّ ، والفتاة التي لا تراعي ضوابط العفّة والاحتشام بذريعة أنّها حرّة ، والشباب الذين يمارسون بعض المنكرات التي تسيء إلى العادات والتقاليد بدعوى أ نّهم أحرار ، هؤلاء يسيئون للحريّة من حيث لا يشعرون ، وكم جرف الانحراف شباناً وفتيات إلى أحضان الرذيلة والجريمة واللصوصية والإدمان والمسوّغ هو الحريّة السائبة التي جنت على أبنائها من المسلمين يوم لم يتعظوا بما جرّته على أمثالهم من الشباب في الغرب .
11 ـ نقص التجربة وغياب المعايير :
المنحرفُ ـ شاباً كان أو فتاة ـ قد يقع في الانحراف لأنّ الأمور تختلط لديه ، فلا يمتلك القدرة على التشخيص أو الفرز بين ما هو صواب وما هو خطأ ، وما هو خير وما هو شرّ ، وما هو حسن وما هو قبيح . وإذا أضيف إلى ذلك أنّ بعض الشبان والفتيات يستنكفون من استشارة أهل العلم والخبرة والتجربة بما في ذلك الوالدين أو الأصدقاء المخلصين ، ازداد الطين بلّة .
الجهل ، والغرور ، وضعف الحس الاجتماعي هي التي تسبب حالة
الاختلاط هذه ، والأهم من ذلك الجهل بالشريعة الاسلامية ، فقد ترى بعض الشبّان يمارسون الحرام ويظنّونه حلالاً ، ويقترفون الجرائم ويحسبونها فتوّة ، وينفلتون من الضوابط ويقولون إنّها حريّة .
اختلاط المفاهيم ، إذا اجتمع مع نقص التجربة ، نتج عنه ضحايا للخداع والتغرير والحيل والشعارات ، وأمّا إذا كان المجتمع الذي يعيش فيه الشاب منحرفاً أو يشجّع على الانحراف ويشيعه فإن مستوى المناعة يهبط إلى الصفر بحيث يصبح الانحراف هو القاعدة العامّة والشواذ هم الذين يسيرون على الخط المستقيم .
انحراف الشباب ومشاكله
إن أسباب انحراف ومشاكل الشباب كثيرة متنوعة ، وذلك أن الإنسان في مرحلة الشباب يكون على جانب كبير من التطور الجسمي والفكري والعقلي ، لأنها مرحلة النمو فيحصل له تطورات سريعة في التحول والتقلب ، فمن ثم كان من الضروري في هذه المرحلة أن تهيأ له أسباب ضبط النفس وكبح جماحها والقيادة الحكيمة التي توجهه إلى الصراط المستقيم .
وأهم أسباب الإنحراف ما يأتي :
1- الفراغ .. فالفراغ داء قتال للفكر والعقل والطاقات الجسمية ، إذ النفس لا بد لها من حركة وعمل ، فإذا كانت فارغة من ذلك تبلد الفكر وثخن العقل وضعفت حركة النفس واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب ، وربما حدث له إرادات سيئة شريرة ينفس بها عن الكبت الذي أصابه من الفراغ . وعلاج هذه المشكلة : أن يسعى الشاب في تحصيل عمل يناسبه من قراءة أو تجارة أو كتابة او غيرها مما يحول بينه وبين هذا الفراغ ويستوجب ان يكون عضواً سليماً عاملاً في مجتمعه لنفسه ولغيره .
2- الجفاء والبعد بين الشباب وكبار السن من أهليهم ومن غيرهم ، فترى بعض الكبار يشاهدون الانحراف من شبابهم أوغيرهم فيقفون حيارى عاجزين عن تقويمهم آيسين من صلاحهم ، فينتج من ذلك بغض هؤلاء الشباب والنفور منهم وعدم المبالاة بأي حال من أحوالهم صلحوا أم فسدوا ، وربما حكموا بذلك على جميع الشباب وصار لديهم عقدة نفسية على كل شاب ، فيتفكك بذلك المجتمع وينظر كل من الشباب والكبار إلى صاحبه نظرة الازدراء والاحتقار وهذا من أكبر الأخطار التي تحدق بالمجتمعات .
وعلاج هذه المشكلة : أن يحاول كل من الشباب والكبار إزالة هذه الجفوة والتباعد بينهم ، وأن يعتقد الجميع بأن المجتمع بشبابه وكباره كالجسد الواحد إذا فسد منه عضو أدى ذلك إلى فساد الكل .
كما أن على الكبار أن يشعروا بالمسئولية الملقاة على عواتقهم نحو شبابهم ، وأن يستبعدوا اليأس الجاثم على نفوسهم من صلاح الشباب فإن الله قادر على كل شئ ، فكم من ضال هداه الله فكان مشعل هداية وداعية إصلاح .
وعلى الشباب أن يضمروا لكبارهم الإكرام واحترام الآراء وقبول التوجيه أنهم أدركوا من التجارب وواقع الحياة ما لم يدركه هؤلاء فإذا التقت حكمة الكبار بقوة الشباب نال المجتمع سعادته بإذن الله .
3- الاتصال بقوم منحرفين ومصاحبتهم وهذا يؤثر كثيراً على الشباب في عقله وتفكيره وسلوكه ، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ))3 وقال صلى الله عليه وسلم : (( مثل الجليس السوء كنافخ الكير : إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه رائحة كريهة .4
وعلاج ذلك : أن يختار الشاب لصحبته من كان ذا خير وصلاح وعقل ، من أجل أن يكتسب من خيره وصلاحه وعقله ، فيزن الناس قبل مصاحبتهم بالبحث عن أحوالهم وسمعتهم، فإن كانوا ذوي خلق فاضل ودين مستقيم وسمعة طيبة فهم ضالته المنشودة وغنيمته المحرزة فليستمسك بهم وإلا فالواجب الحذر منهم والبعد عنهم وأن لا يغتر بمعسول القول وحسن المظهر ، فإن ذلك خداع وتضليل يسلكه أصحاب الشر ليجذبوا بسطاء الناس لعلهم يكثرون سوادهم ويغطون بذلك ما فسد من أحوالهم وما أحسن قول الشاعر :
أبل الرجال إذا اردت إخائهم وتوسمن أمورهم وتفقد
فإذا ظفرت بذي اللبابة والتقى فيه اليدين قرين عين فاشدد
4- قراءة بعض الكتب الهدامة من رسائل وصحف ومجلات وغيرها مما يشكك المرء في دينه وعقيدته ، ويجره إلى هاوية التفسخ من الأخلاق الفاضلة فيقع في الكفر والرذيلة إذا لم يكن عند الشباب منعة قوية من الثقافة الدينية العميقة والفكر الثاقب كي يتمكن بذلك من التفريق بين الحق والباطل وبين النافع والضار .
فقراة مثل هذه الكتب تقلب الشباب رأساً على عقب ، لأنها تصادف أرضاً خصبة في عقلية الشاب وتفكيره بدون مانع فتقوى عروقها ويصلب عودها وتنعكس في مرآة عقله وحياته .
وعلاج هذه المشكلة : أن يبتعد عن قراءة هذه الكتب إلى قراءة كتب أخرى تغرس في قلبه محبة الله ورسوله ، وتحقيق الإيمان والعمل الصالح ، وليصبر على ذلك ؛ فإن النفس سوف تعالجه أشد المعالجة على قراءة ما كان يألفه من قبل ، وتملله وتضجره من قراءة الكتب الأخرى النافعة بمنزلة من يصارع نفسه على أن تقوم بطاعة الله فتأبى إلا أن تشتغل باللهو والزور .
وأهم الكتب النافعة كتاب الله ، وما كان عليه أهل العلم من التفسير بالمأثور الصحيح والمعقول الصريح ، وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ما كتبه أهل العلم استنباطاً من هذين المصدرين أو تفقهاً .
5 – ظن بعض الشباب أن الإسلام تقييد للحريات وكبت للطاقات فينفر من الإسلام ويعتقده ديناً رجعياً يأخذ بيد أهله إلى الوراء ويحول بينهم وبين التقدم والرقي .
وعلاج هذه المشكلة : أن يكشف النقاب عن حقيقة الإسلام لهؤلاء الشباب الذين جهلوا حقيقته لسوء تصورهم أو قصور علمهم أو كليهما معاً .
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلالا
فالإسلام ليس تقييداً للحريات ، ولكنه تنظيم لها وتوجيه سليم حتى لا تصطدم حرية شخص بحرية آخرين عندما يعطى الحرية بلا حدود ، لأنه ما من شخص يريد الحرية المطلقة بلا حدود إلا كانت حريته هذه على حساب حريات الآخرين ، فيقع التصادم بين الحريات وتنتشر الفوضى ويحل الفساد .
ولذلك سمى الله الأحكام الدينية حدوداً ، فإذا كان الحكم تحريماً قال : ) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا)(البقرة: الآية187). وإن كان إيجاباً قال : ) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا)(البقرة: الآية229) .
وهناك فرق بين التقييد الذي ظنه هذا البعض وبين التوجيه والتنظيم الذي شرعه لعباده الحكيم الخبير .
وعلى هذا فلا داعي لهذه المشكله من أصلها ، إذ التنظيم أمر واقعي في جميع المجالات في هذا الكون والإنسان بطبيعته خاضع لهذا التنظيم الواقعي .
فهو خاضع لسلطان الجوع والعطش ولنظام الأكل والشرب ، ولذلك يضطر إلى تنظيم أكله وشربه كمية وكيفية ونوعاً كي يحافظ على صحة بدنه وسلامته .
وهو خاضع كذلك لنظامه الاجتماعي ، متمسك بعادة بلده في مسكنه ولباسه وذهابه ومجيئه ، فيخضع مثلاً لشكل اللباس ونوعه ولشكل البيت ونوعه ، ولنظام السير والمرور ، وإن لم يخضع لهذا عد شاذاً يستحق ما يستحقه أهل الشذوذ والبعد عن المألوف .

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button