الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد : موضوع اليوم :<افتراق هذه الأمة ....>
أيها الناس إن الأمة الإسلامية منذ موت عمر وهي تتعرض للهزات العنيفة والرياح الهوجاء من خلاف في المعتقد إلى خلاف في السياسة إلى قتال مرير على الكرسي حتى أخذت بمأخذ من قبلنا تضاعف بينها الخلاف فيقتل في اليوم الواحد المئات من أجله. وما زال ينموفي ظل ولادة الافتراق المذهبي العقدي التنظيمي روى البخاري عن حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ قُلْتُ أَنَا كَمَا قَالَهُ قَالَ إِنَّكَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا لَجَرِيءٌ قُلْتُ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ قَالَ لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ وَلَكِنْ الْفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ قَالَ لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا قَالَ أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ قَالَ يُكْسَرُ قَالَ إِذًا لَا يُغْلَقَ أَبَدًا قُلْنَا أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ قَالَ نَعَمْ كَمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ الْبَابُ عُمَرُ>
في فتح الباري لابن رجب \ والفتنة نوعان: أحدهما: خاصة، تختص بالرجل في نفسه. والثاني: عامة، تعم الناس.... فالفتنة الخاصة: ابتلاء الرجل في خاصة نفسه بأهله وماله وولده وجاره، وأماالفتن العامة: فهي التي تموج موج البحر، وتضطرب، ويتبع بعضها بعضاً كأمواج البحر، فكان أولهما فتنة قتل عثمان - رضي الله عنه- ، وما نشأ منها من افتراق قلوب المسلمين، وتشعب أهوائهم وتكفير بعضهم بعضاً، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان الباب المغلق الذي بين الناس وبين الفتن عمر- رضي الله عنه -، وكان قتل عمر كسراً لذلك الباب، فلذلك لم يغلق ذلك الباب بعده أبداً.
وكان حذيفة أكثر الناس سؤالاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفتن، وأكثر الناس علماً بها،فكان عنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بالفتن العامة والخاصة، وهو حدث عمر تفاصيل الفتن العامة، وبالباب الذي بين الناس وبينها، وأنه هو عمر، ولهذا قال: إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، والأغاليط: جمع أغلوطة، وهي التي يغالط بها، واحدها: أغلوطة ومغلطة، والمعنى: أنه حدثه حديثاً حقاً، ليس فيه مرية، ولا إيهام. وقد كانت الصحابة تعرف في زمان عمر أن بقاء عمر أمان للناس من الفتن.وفي "مسند الإمام أحمد" أن خالد بن الوليد لما عزله عمر، قال له رجل: اصبر أيها الأمير، فإن الفتن قد ظهرت. فقال خالد: وابن الخطاب حي! إنما يكون بعده- رضي الله عنهما-
يقول شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: «وهذا التفريق الذي حصل من الأمة: علمائها ومشائخها، وأمرائها وكبرائها، هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها؛ وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله ... فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب»
<2646
أيّها المسلمون، كانت الأمة في عهد النبوة مجتمعة على كلمة واحدة، القرآن منهجها، ورسول الله قائدها، ثم لما ظهرت البدع بدأت الأمة بالتفرق، ولنستَمع إلى الإمام ابن كثير رحمه كيف يحكي عن هذا الأمر ويوضحه وهو في معرَض كلامه عن تفسير الآية التي عليها مدار حديثنا فيقول رحمه الله: "فإنّ أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبَب الدنيا حين قسَم النبي غنائم حنين، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدِل في القسمة، ففاجؤوه بهذه المقالة فقال قائلهم وهو ذو الخوَيصرة بقرَ الله خاصِرته: اعدل فإنّك لم تعدل، فقال رسول الله : ((لقد خِبت وخسِرت إن لم أكن أعدِل، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟!)) فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب ـ وفي رواية: خالد بن الوليد ـ في قتله فقال: ((دعه فإنه يخرج من ضئضئ هذا ـ أي: من جنسه ـ قوم يحقِر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءتَه مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقِيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم))، ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقتلهم بالنهروان، ثم تشعّبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشِرة، ثم انبعث القدريّة ثم المعتزلة ثم الجهمية وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق في قوله: ((وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)) قالوا: وما هم يا رسول الله؟ قال: ((من كان على ما أنا عليه وأصحابي)).
ولما كان السلف رضي الله عنهم أكملَ الناس عِلمًا وعملاً وأشدَّ الناس اقتداءً بالنبيِّ رغَّب عليه الصلاة والسلام في لزومِ ما كان عليه هو وصحابتُه، وأمر بالتمسّك بما كانوا عليه من الهدَى، وأخبر أنّ الفِرقة الناجية عند اختلافِ الأمة هي ما كان عليه الرسول وأصحابه، فقال : ((افترقَتِ اليهود على إحدَى وسبعين فرقة، وافترقتِ النصارى على اثنتَين وسبعين فرقة، وستفترِق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النارِ إلا واحدة))، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثلِ ما أنا عليه وأصحابي))(4)[4]. وقوله : ((كلُّها في النار)) هذا من الوعيدِ المعلوم تفسيرُه عند السلف، وهذه الزيادةُ وهي قوله : ((مَن كان على مِثل ما أنا عليه وأصحابي)) رواها الآجري من طُرق(5)[5]، ومعناها لا شكَّ في صحَّته.
وقد وقع ما أخبرَ به النبيّ من الاختلاف والفُرقة، ولكنّنا كُلِّفنا بالاعتصامِ بالكتاب والسنّة ونَبذِ الخلاف والفُرقة، وأُمِرنا أن نكونَ من الفرقة الناجية التي علِمت الحقَّ وعمِلت به، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
وكلُّ فِرقة منَ الفرَق الإسلاميّة تزعم أنها على الحقِّ وغيرها على الباطل، ولكن ليس للدّعاوى وزنٌ عند الله ما لم يكن لها بيِّناتٌ من العِلم النافِع والعمَل الصّالح، وقد بيَّن الله تعالى في كتابِه صفاتِ هذه الفرقةِ النّاجية، وجلَّى أمرَها رسولُ الله ؛ ليكونَ المسلم على بصيرةٍ من دينهِ وعلى نورٍ من ربِّه، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40ومِن صفات فرقةِ الحقِّ الناجية التمسُّكُ بما أجمع عليه السلفُ وما أجمَع
<2647
عليه علماء الأمّة وعدَمُ المشاقَّة لله ولرسوله، قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115].
ومِن صفات هذه الفِرقة الناجيةِ تعظيمُ قولِ رسول الله وسنّته والعنايةُ بآثارِه بحفظِها والذبِّ عنها والرضَا بتحكيمِها، قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [النور:51]، وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وروى الآجري بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنّه قال لرجلٍ يقول: لا أعمَل إلا بما في كتابِ الله تعالى: (إنّك أحمَق، أَتَجِد في كتاب الله عزّ وجلّ الظهرَ أربعًا لا يُجهَر فيها بالقراءة؟!) ثم عدَّد عليه الصلاةَ والزكاة ونحوهما، ثم قال: (أتّجِد هذا في كتاب الله عز وجلّ مفسَّرًا؟! إنَّ كتاب الله جلّ وعلا أحكَمَ ذلك، وإنّ السنة تفسِّر ذلك)(6)[6]، وروَى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال في الواشمة والمستوشمة والمتنمّصة: (ما لي لا ألعنُ من لعن رسول الله وهو في كتاب الله: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]؟!)(7)[7].
ومِن صفات فِرقة الحقّ الناجية بذلُ الجهد في معرفةِ الحقّ ودلائله وعدمُ الرضا بأقوالِ الرجل في دين الله ممّا لا يؤيِّده كتابٌ ولا سنّة ولا أصلٌ أصَّلَه علماء المسلمين، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:18]، وقال تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3].
ومِن صفات هذه الفرقة الناجية محبّةُ المؤمنين ورَحمة المسلمين ونُصحهم وكفُّ الأذى والشرِّ عنهم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].
ومِن صفات هذه الفرقةِ الناجية سلامةُ قلوبهم وألسنتِهم لسلفِ الأمّة رضي الله عنهم ومحبّتُهم، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]. وهذا بخلافِ ما عليه طوائفُ من الفِرَق الإسلامية من سبِّهم ولعنهم للصّحابة وسبِّهم لخِيار الأمة وساداتِ الأولياء رضي الله عنهم.
إن المتأمل لحال هذه الأمة الآن يرى فيها كثرة الاختلاف والتفرق حتى أصبح بأسها الذي كان من الواجب أن يكون على أعدائها أصبح بينها في أفرادها وجماعتها حتى بدأت تسمع من يكيل السب والشتم للخيرين والعلماء، وأصبحنا كما وصف ابن عبد البر رحمه الله أهل زمانه حين قال : " والله لقد تجاوز الناس الحد في الغيبة والذم فلم يقنعوا بذم العامة دون الخاصة ولا بذم الجهال دون العلماء " أ.هـ.
إن المصيبة تكبر حينما يكون هذا صادر من بعض من ينتسبون إلى الدين اسما وبلدا وظلم ذوي القربى أشد مضاضة++ على المرء من وقع الحسام المهند
وهذا والله منذر بسبيل عذاب، قد انعقد غمامه
<2648
من أقوى أسباب الاختلاف والفرقة بين العباد هو الظلم والاعتداء وفقدان العدل والإنصاف، ولو جاهد المسلم نفسه لتحقيق صفة العدل مع نفسه ومع الناس فإن كثيرا من المشاكل التي تحصل بين المسلمين سواء منها الفردية أو الجماعية ستزول وتحل بإذن الله، وذلك لأن سبب الانحراف عن الحق والإصرار على الخطاء إما الجهل وإما الظلم، والجهل علاجه العلم، والظلم علاجه العدل والإنصاف والقسط.
وأصل العدل هو الاعتدال، والاعتدال هو صلاح القلب كما أن الظلم فساده، ومن أمارة العدل الحياء والسخاء والهين واللين، وأما تباشيره فالرحمة، وأما بابه فالاعتبار وهو ذكر الموت بتذكر الأموات والاستعداد له بتقديم الأعمال، وأما مفتاحه فالزهد وهو اخذ الحق من كل حد قَبل الحق، وتأدية الحق إلى كل أحد له حق من غير مصانعة أحد. وقد أمر الله به عباده في آيات كثيرة من كتابه العزيز وبين محبته لأهله فقال عز وجل: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
أولا> ذم الاختلاف \\
خلاصة ذالك 1- نهى ديننا عن كل ما يزرع الشحناء بين المسلمين 2- النهي عن سوء الظن بالمسلمين 3- النهي عن التحسس والتجسس 4- النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض 5- النهي عن التناجش والبيع على بيع المسلم 6- النهي عن الظلم والسخرية والخذلان للمسلم 7- الوعيد لمن احتقر المسلمين.
:لقد أرسل الله تعالى نبيه محمدا رحمة للعالمين؛ ليجمع على الإيمان قلوب المؤمنين، ويزيل من قلوبهم كل أسباب الشحناء، ويطهر نفوسهم من كل أسباب البغضاء، ليكونوا إخوانا متحابين . أخرج البخاري ومسلم - عليهما رحمة الله - في صحيحيهما عن النبي أنه قال: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا ولا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه، إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) رواه البخاري ومسلم.
أيها المسلمون: لقد تضمنت هذه الأحاديث أحد عشر نهيا يؤدي العمل بها إلى الائتلاف والصفاء بين قلوب المسلمين، وإلى البعد عن الاختلاف والشحناء بين المؤمنين.
قول النبي : ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) المقصود بالظن هنا هو التهمة التي لا سبب لها، وهو الظن السيء فإنه من الإثم والباطل، قال تعالى: إن بعض الظن إثم ، وقال عز وجل: إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ، فعلى المسلم أن يحذر من ظن السوء، وأن يحمل أخاه على أحسن الوجوه ما وجد إلى ذلك سبيلا. قال عمر : ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا. وقال سعيد بن المسيب - رحمه الله -: كتب إلي بعض إخواني: ((أن ضع أمر أخيك
<2649
على الأحسن ما لم تغلب))، قوله فإن الظن أكذب الحديث: أي ما ينشأ عن الظن مما لا يطابق الواقع.
قوله: ((ولا تحسسوا ولا تجسسوا)) قال العلماء: التحسس: الاستماع لحديث القوم، والتجسس البحث عن العورات، وقيل: هو التفتيش عن بواطن الأمر، وأكثر ما يقال ذلك في الشر، قال الخطابي - رحمه الله -: معناه لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها .
قوله: ((ولا تحاسدوا)) أي: لا يحسد بعضكم بعضا، والحسد هو تمني زوال النعمة عمن لديه تلك النعمة، وهو سخط على الله في فضله ونعمته واعتراض على قسمته، قال تعالى: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، إن الحاسد حينما يرى نعمة على غيره قد ظهرت أو منقبة شكرت فإنه يغتم ويهتم ويتمنى النقمة لصاحب النعمة ويفرح بالمصيبة عليه، قال تعالى: إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط [سورة آل عمران:120].
أيها المسلمون: إن الحسد داء يضر بالجسد، وسبب لهبوط منزلة المقصود، بل ربما يكون حسد الحاسد منبها إلى فضل المحسود، ونقص الحسود، كما قال أبو تمام:
وإذا أراد الله نشر فضيلة ++ طويت أتاح لها لسان حســــود
لولا اشتعال النار فيما جاورت+ ما كان يعرف طيب عرف العود
قول النبي : ((ولا تناجشوا)) النجش: هو أن يزيد الرجل في قيمة السلعة وهو لا يريد شراءها، وإنما قصده نفع البائع على حساب المشتري، أو مضرة المشتري المحتاج وهو من أسباب البغضاء ومن الإعانة على أكل المال بالباطل ومن الغش للمسلمين، فلا يجوز لك أيها المسلم أن تزيد في ثمن سلعة ما عند المزايدة إلا إذا كنت تريد شراءها حقيقة لك أو لغيرك. قوله: ((ولا تباغضوا)) أي: لا تفعلوا أسباب البغضاء فيما بينكم من السب والسخرية والغيبة والنميمة وإن من شرار الناس المشائين بالنميمة المتبعين لأهوائهم، لتحذر أيها المسلم أن تبغض أخاك من أجل أمره لك بمعروف أو نهيك عن منكر، فتبغضه من أجل أن وعظه لا يوافق هواك، فتكون ممن اتبع هواه بغير هدى من الله فتصبح من الضالين.
قوله: ((ولا تدابروا)) التدابر هو التهاجر والتقاطع فإن كلا من المتقاطعين يولي صاحبه دبره ويعرض عنه ولا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام، قال النبي : ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم.
قال ابن عبد البر - رحمه الله -: قيل للإعراض مدابرة لأن من أبغض أعرض ومن أعرض ولى دبره والمحب بالعكس.
قوله: ((ولا بيع بعضكم على بيع بعض)) معنى ذلك أن أقول لمن اشترى سلعة في مدة الخيار إفسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأقل أو أجود منه بثمنه. اهـ موسوعة الخطب..
ثانياالاختلاف المذموم\\
<2650
ملخص ذالك : 1-الاختلاف المذموم. 2- فتاوى علماء السوء. 3- أسباب الاختلاف. 4- أثر الاختلاف. 5- أنواع الاختلاف. 6- الاختلاف في وجهات النظر. 7- الاختلاف بين الزوجين.
ثانيا الاختلاف المذموم. قال تعالى : <ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم [آل عمران:103]. الاختلاف داء، إذا أصاب الجماعة دمرها من داخلها، وصرفها الله تعالى عن حمل رسالته ودعوته فحملة دعوة الله لا ينبغي أن يكونوا مختلفين.فما الاختلاف؟ ولماذا؟ وما أثره؟ وما أنواعه؟ وما أدب الإسلام عند الاختلاف؟الاختلاف لغة: عدم الاتفاق على الشيء.
واصطلاحا: أن ينفرد كل واحد بطريق غير طريق الآخرين في رأي أو فعل أو حال.وينبغي أن تعلم:أن اختلاف الأقوال وارد، ولكن اختلاف القلوب هو الاختلاف المنهي عنه في الكتاب والسنة والإجماع، في الكتاب: ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم [آل عمران:103].
وفي السنة: ((لا تقاطعوا ولا تدبروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا))(1)[1]).والإجماع: جاء في العقيدة الطحاوية: ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيغا وعذابا.والعلم إذا تجرد عن الإخلاص لله عز وجل كان سببا للشقاء إذا غلب صاحبه حب الغلبة والرياسة والثراء.
ثالثا>> فتاوى علماء السوء وعلماء السوء هم الذين يحلون ما حرّم الله كالذي أباح الربا عندما دعا الناس إلى شراء شهادات استثمارية بنية مساعدة الدولة ثم تلاعب بالألفاظ فسمى الفائدة أو الربا بالعائد الاستثماري، والربا هو الربا وهو حرام على جميع أنواع القروض سواء كان قرضا إنتاجيا أو استهلاكيا، وأمثال هؤلاء يوقعون الأمة في اختلاف وعندما يرى البسطاء اختلاف العلماء فيما بينهم، وليس هناك من اختلاف إنما هي التبعية وأكل الفضلات التي يلقيها أصحاب المال والجاه وقد ضرب الله لهؤلاء مثلا بالكلب فقال: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب [الأعراف:175-176].
رابعا>>أما أسباب الاختلاف:
فإن الناس ليسوا سواء في مداركهم وعقولهم وطبائعهم فمنهم الحليم ومنهم العجول، ومنهم السطحي ومنهم الواعي لبواطن الأمور، ومنهم من يفسر الأمور تفسيرا آخذا فيه بقول عمر : التمس لأخيك بضعا وسبعين عذرا ومنهم من يأخذ بالمثل القائل: سوء الظن من حسن الفطن.
1>طمع وحرص: والدنيا سبب كبير:للاختلاف يقول عليه الصلاة والسلام: ((فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم))(2)[2]).
التنافس على الدنيا هو الذي أفسد فيما بين الرجل وزوجته والوالد وولده، والإخوة الأشقاء بل يصل الأمر إلى القتل والانتقام بالاتهام الكاذب في العرض والعياذ بالله تعالى.
<2651
2>حظ الشيطان من هذه الأمة: للحديث: ((إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم))(3)[3]). فالشيطان حريص على أن يفسد فيما بين المسلم وأخيه، والقلب إذا لم يكن عامرا بتقوى الله ومخافته فإن الشيطان يعشعش في أمثال هذه القلوب ويسوسها بيده حيث يريد، قال تعالى: الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا [الكهف:104]. من إيذاء الإخوة لإخوانهم، وتضييع لحقوقهم، ونصرة لشخوصٍ، وإحياء لنعرات جاهلية وإقليمية بغيضة.
خلاصة أسباب الاختلاف \\
وأما أسباب الاختلاف: فكثيرة منها:
1>>ـ سوء التقدير والموازنة بين الأصول والفروع: دخل الإمام البنا ورأى المصلين يتنازعون في صلاة والتراويح منهم المصر على صلاة عشرين للأثر الثابت عن عمر ومنهم المصر على صلاتها ثماني لفعل المصطفى ولما كان هذا الباب باب تطوع والزيادة فيه جائزة كما نص على ذلك الشوكاني في كتابه، نيل الأوطار، قال لهم الإمام البنا أرى أن تصلوا العشاء ثم تغلقوا المسجد وكل يصلي في بيته ما شاء، فقالوا له: ولم؟ قال: لأن صلاة التراويح كلها سنة وأخوتكم فريضة فلا تهدر الفريضة لأجل السنة.
2>>ـ فقدان العالمية: إسلامنا لا يعرف الإقليميات ولا الانتساب إلى الطيب ولا اختلاف الألسن والألوان وإنما هو دعوة عالمية لكل البشر قال تعالى: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا [الأعراف:158].
3>>ـ فقدان الشمولية: إسلامنا كل لا يتجزأ ولا يحل لأحد مهما كان له من علم أو دراية أن يقدم أو يؤخر أو يضخم جانبا على حساب جانب آخر قال تعالى: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا [البقرة:85].
4>ــ الأهواء: ومداخل الشيطان إلى قلب العبد لا يقف حائلا دونها إلا التقوى فإهمال المتقادم في وجوده فيما نحث عليه المبتدئ من صلاة وصيام وذكر واستغفار ومجاهدة للحديث: ((إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا نسي التقم قلبه))(10)[10]). وللحديث: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم(11)[11])- فضيقوا مجاريه بالجوع))(12)[12]). وبغير هذه الرياض الروحية، يعرض العبد قلبه لسهام الشيطان، بل يزيده لجاجة وإضلالا، بتلبيسه حيث يوحي إليه بالقياس الفاسد ومعارضة النصوص بتأويلات ساقطة وحذلقة لا يقرها عاقل وصدق الله العظيم: وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا [الجاثية:9]. والحديث: ((إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم))(13)[13]). اهـ موسوعة الخطب
2652
خامسا>>وأما أثر الاختلاف ومفاسده:
1>ضعف وهوان: قال تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم (أي قوتكم) واصبروا إن الله مع الصابرين [الأنفال:46].
2>صراع ونزاع: للحديث: ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض))(4)[4]).
3>فرقة وتمزق: للحديث: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ما أنا عليه وأصحابي))(5)[5]).
سادسا>>وأما أنواع الاختلاف:
اختلاف في الخلق والتكوين: اختلاف في الألوان، والألسنة، والملامح آية من آيات الله سبحانه تدل على عظيم قدرته عز وجل قال تعالى: ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم [الروم:22]. كما أن اختلاف الألوان والألسنة والملامح سبب إلى التعارف فيما بين الناس فلو كان الناس على لون واحد واسم واحد لما تمّ التعارف فيما بينهم قال تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم [الحجرات:13].
1>- فلا سخرية في إسلامنا: قال تعالى: لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم [الحجرات:11]...2>- ولا انتقاص. عيّر أبو ذر بلالا بأمه وقال له: يا ابن السوداء، فقال النبي : ((ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل وإنك امرئ فيك جاهلية))).....-3> ولا طبقية في إسلامنا: أن يقسم البشر إلى طبقات ودرجات: وقد زوج النبي بنت عمته زينب بنت جحش من زيد بن حارثة العبد الذي يباع ويشترى وتقول عائشة رضي الله عنها: ما بعث رسول الله سرية فيها زيد إلا أمره عليهم ولو عاش بعده لاستخلفه.
في موسوعة الخطب\\ أما أنواعه: فهو في الأصل قسمان:اختلاف تنوع، واختلاف تضاد. واختلاف التنوع على وجوه:
1>منه: ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقًا مشروعًا؛ كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة، حتى زجرهم عن الاختلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (كلاكما محسن)رواه مسلم.ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان، والإقامة، والاستفتاح، والتشهدات، وصلاة الخوف، وتكبيرات العيد، وتكبيرات الجنازة، إلى غير ذلك مما قد شرع جميعه، وإن كان قد يقال: إن بعض أنواعه أفضل.ثم نجد لكثير من الأمة في ذلك من الاختلاف ما أوجب اقتتال طوائف منهم على شفع الإقامة وإيتارها، ونحو ذلك؛ وهذا عين المحرم. ومن لم يبلغ هذا المبلغ فتجد كثيرًا منهم في قلبه من الهوى لأحد هذه الأنواع والإعراض عن الآخر، أو النهي عنه، ما دخل به فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم....2>ومنه: ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الآخر؛ لكن العبارتين مختلفتان، كما قد يختلف كثير من الناس في ألفاظ الحدود، وصيغ الأدلة، والتعبير عن المسميات، وتقسيم الأحكام، وغير ذلك. ثم الجهل أو الظلم يحمل على حمد إحدى المقالتين وذم الأخرى....3>ومنه: ما يكون
2653
المعنيان غيرين، لكن لا يتنافيان؛ فهذا قول صحيح، وهذا قول صحيح، وإن لم يكن معنى أحدهما هو معنى الآخر، وهذا كثير في المنازعات جداً.
4>ـ ومنه: ما يكون طريقتان مشروعتان، ورجل أو قوم قد سلكوا هذه الطريق، وآخرون قد سلكوا الأخرى، وكلاهما حسن في الدين. ثم الجهل أو الظلم يحمل على ذم إحداهما أو تفضيلها بلا قصد صالح، أو بلا علم، أو بلا نية وبلا علم ...وهذا القسم - الذي سميناه: اختلاف التنوع - كل واحد من المختلفين مصيب فيه بلا تردد، لكن الذم واقع على من بغى على الآخر فيه، وقد دل القرآن على حمد كل واحدة من الطائفتين في مثل ذلك - إذا لم يحصل بغي - كما في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) (الحشر: من الآية5)، وكما في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم - يوم بني قريظة - لمن صلى العصر في وقتها، ولمن أخرَّها إلى أن وصل إلى بني قريظة ... وأما اختلاف التضاد فهو:
القولان المتضادان إما في الأصول، وإما في الفروع عند الجمهور الذين يقولون «المصيب واحد» وإلا فمن قال: «كل مجتهد مصيب» فعنده هو من باب اختلاف التنوع، لا اختلاف التضاد. فهذا الخطب فيه أشد؛ لأن القولين يتنافيان، لكن نجد كثيرًا من قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه حق ما، أو معه دليل يقتضي حقًا ما، فيرد الحق في الأصل هذا كله، حتى يبقى هذا مبطلاً في البعض، كما كان الأول مبطلاً في الأصل، كما رأيته لكثير من أهل السنّة في مسائل القدر والصفات والصحابة، وغيرهم وأما أهل البدعة: فالأمر فيهم ظاهر، وكما رأيته لكثير من الفقهاء، أو لأكثر المتأخرين في مسائل الفقه، وكذلك رأيت الاختلاف كثيرًا بين بعض المتفقهة، وبعض المتصوفة، وبين فرق المتصوفة، ونظائره كثيرة.
ومن جعل الله له هداية ونورًا رأى من هذا ما يتبين له به منفعة ما جاء في الكتاب والسنّة من النهي عن هذا وأشباهه، وإن كانت القلوب الصحيحة تنكر هذا ابتداء، لكن نور على نور ...
سابعا اختلاف الأئمة رضوان الله عليهم وآداب الاختلاف :
كتب ابن تيميه كتابا سماه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وذكر أسباب اختلاف الأئمة فيما بينهم في وصول الحديث إلى أحدهم وعدم وصوله إلى الآخر وكذا اللفظ المحتمل لمعنيين، وكذا عدم معرفة الناسخ للحديث السابق وهكذا، فلا يجوز أبدا أن يكون اختلاف الأئمة سببا إلى الصراع والتناحر كما جرى من قبل كما ذكر صاحب كتاب (ما لا يجوز الخلاف فيه بين بعض المسلمين) فذكر صورا من التعصب المقيت الذي مر على الأمة المسلمة في بعض فتراتها كأن يكتب على باب المسجد: ممنوع دخول الكلاب الحنابلة. وإن الحنفية لا تتزوج الشافعي، والمسلم يسعى للوصول إلى الدليل الأقوى فيأخذه وإن كان على غير قول إمامه، فإن لم يستطع فلا بأس بأن يكون متبعا لأحد الأئمة رضوان الله عليهم من غير تعصب مقيت.
الاختلاف في وجهات النظر في الصف المسلم: ولابد من الأخذ بالقواعد التالية لتفادي تفاقم الخلاف إلى اختلاف القلوب والمعاداة والكيد والمكر بعد ذلك:
2654
1>>ـ - إبداء وجهة النظر حق لكل مسلم يقول عمر : (رحم الله من أهدى إلي عيوبي).
2>ـ - وجوب الاستماع للرأي الآخر: يقول عمر عندما قال له رجل: اتق الله، فاعترض الناس على الرجل: كيف تقول لأمير المؤمنين: اتق الله؟ فقال عمر: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها منكم، والكلمة إن لم تسمع في السر، تمردت وانفجرت وسمعت علانية رغم الأنوف.
3>ـ - وجوب التنازل عن الخطأ إذا تبين وجه الحق: ورسول الله : عندما اختار مكانا لغزوة بدر جاءه الحباب بن المنذر يقول: أهو منزل أنزلكه الله أم هي الحرب والمشورة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((بل هي الحرب والمشورة)) فقال الحباب بن المنذر: فإني أعلم مكان كذا وهو خير من المكان الذي أنت فيه. ويأخذ رسول الله بقوله)).
4>ـ - استحضار إخلاص المخالفين في الرأي: من الغباء بمكان أن يفسر الرأي الآخر أنه الرغبة في التدمير وشق عصا الطاعة، وحب الظهور وهذا لحن ملّت قلوب المخلصين سماعه لسماجته وسطحيته وظلمه. وإذا دام الأمر كذلك فلا يبقى في الصف إلا الإمعات ممن لا يحسنون إلا الموافقة حفاظا على المناصب الوهمية من الضياع، وأي ضياع أعظم من خلو الصف من الرجال.
وأما آداب الاختلاف في إسلامنا:
1- جواز تعدد الصواب: رجلان على عهد النبي افتقدا الماء فتيمما فصليا، ثم وجدا الماء فاكتفى أحدهما بالصلاة التي تيمم لها، وأما الآخر فلم يطمئن قلبه إلا أن يتوضأ فيعيد الصلاة فلما ذكرا ذلك لرسول الله : قال للأول: ((أصبت السنة)) وقال للثاني: ((لك الأجر مرتين)).أبوداود وصححه الألباني
احترام عقول وعواطف الآخرين: تأمل معي: رب العزة سبحانه يخاطب أعداءه المخالفين لمنهجه فيقول: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين [سبأ:24].
2- ثم احترام عواطف الآخرين: لما انتصر المسلمون في غزوة (حنين) أعطى الرسول الطلقاء (حديثي العهد بالإسلام) ممن أسلموا في فتح مكة الغنائم، ومنع منها الأنصار وهم الذين نصروا الله ورسوله من أول الإسلام، وهم أهل التضحيات.
انظر كيف عالج رسول الله الأمر: خرج إليهم رسول الله (إلى الأنصار) ثم قال: ((ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم؟ قالوا: بلى، قال رسول الله: ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟ قالوا: وبماذا نجيب يا رسول الله قال: والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصُدقتم: جئتنا طريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك وخائفا فآمنّاك ومخذولا فنصرناك، قالوا: المنُّ لله ورسوله، فقال: أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا، تألفت بها قوما أسلموا ووكلتم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس في رحالهم بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، فوالذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءً من الأنصار اللهم ارحم الأنصار، وابناء الأنصار، وابناء ابناء الأنصار، فبكى القوم
2655
حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا بالله ربا ورسوله قسما ثم انصرف وتفرقوا))(
.
بأبي هو وأمي رسول الله : كيف عالج الأمر وهو النبي وطاعته عبادة، ورأيه وقوله وحي من الله تعالى، ومخالفته عذاب في الدنيا والآخرة، تأمل كيف تناول الأمر فذكرهم بنعم الله عليهم، ثم أثنى عليهم بذكر مواقفهم الكريمة فلا ينبغي أن تداس بالأقدام مواقف المخلصين عند الاختلاف بالرأي كما هو الحال في واقعنا. ثم زهدهم بالدنيا ورغبهم فيما عند الله والدار الآخرة، ثم جعل من نفسه واحدا منهم ودعا لهم بالدعاء المستجاب الذي لا يرد ففاضت الدموع ورضيت القلوب وقنعت.
3- مدارة الناس وحملهم على الحق شيئا فشيئا: فيقول النبي لعائشة: ((لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأمرت بهدم الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم))(12)[12]).
فنتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.
وجود الرجل الحكيم الرحيم بمن معه الذي تجتمع عنده القلوب: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر [آل عمران:159].
خلاصة ـ آداب الاختلاف بين الدعاة \\
وأما أدب الدعاة عند الاختلاف: فالناس يختلفون في نظرتهم إلى أي أمر فكل يراه من ناحية، فكان اختلاف الأقوال، وارد وهذا أمر قديم ولا ينكره منصف عارف، ولكن الذي ننكره هو اختلاف القلوب بسبب اختلاف الأقوال.وما ينبغي أن يعلمه كل داعية إلى الله تعالى على وجه الخصوص هو:
1>جواز تعدد الصواب: الرجلان اللذان فقدا الماء فتيمما وصليا ثم وجداه فقام أحدهما فتوضأ وأعاد واكتفى الآخر بالصلاة الأولى، فلما عادا إلى الرسول قال للذي أعاد: ((لك الأجر مرتين، وقال للآخر أصبت السنة))(9)[9]).
2>إن هناك منكرا أصغر ومنكرا أكبر: وكل منكر أصغر إنما يستمد وجوده من المنكر الأكبر.إنا دعاة لا قضاة: فالحكم على الناس بالكفر أو الإيمان من غير بينة أو إقرار أو أداء لواجب الدعوة مخالف لعقيدتنا يقول الإمام الطحاوي رحمه الله: ((ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله)).
3>أن نستشعر خطر العدو المشترك فالكفر ملة واحدة بل يد واحدة، اليهودية تلتقي مع الصليبية مع الشيوعية ضد إسلامنا والله تعالى يدعونا أن نتخذ من الكفار قدوة في موالاة بضعهم لبعض قال تعالى: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير [الأنفال:73]. أما المنازعات والمهاترات التي تقطع حبائل المودة فهذه لن تزيدنا إلا ضياعا إلى ضياع وذلا إلى ذل.
ثامنا آداب الاختلاف بين الزوجين:
ولابد لاختلاف الزوجين من ضوابط: 1>>- لا يكون أمام الأبناء حتى لا يزرع الشر في قلوبهم، ويحملون بذور العداوة منذ الصغر.
2>>- المعرفة بطبيعة المرأة: للحديث: ((استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع أعوج وأعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل
2656
أعوجا فاستوصوا بالنساء خيرا))(8)[8]). فالعيب الذي تريد إصلاحه يحتاج منك إلى سنين حتى يستقيم، فلا تتعجل الأمور قبل أوانها، والزمن جزء من العلاج.
3>>- أن تستحضر جوانب الخير فيها، للحديث: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا أحب منها آخر))(9)[9])، جوانب الخير من عفة وتقوى لله عز وجل، وقيام ببعض واجبات الأسرة.
4>>- التدرج في التأديب: فآخر الدواء الكي، فلا يجوز التعجل في استخدامه قبل إقامة الحجة وتقويم العوج بالوسائل المتاحة والتي نص عليها القرآن: قال تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن [النساء:34].
تاسعا>ـ نبوءة المصطفى في افتراق هذه الأمة وذالك لما يلي :
ففي موسوعة الخطب :
ومن الناس اليوم خلق كثير ينتسبون إلى الإسلام لكنهم فرقوا دينهم وكانوا شيعا. فانقسموا إلى جماعات وأحزاب وفرق، لكل فرقة وجماعة منهج مختلف عن منهج الأخرى في الاعتقاد والتعبد والدعوة ولم يبق على الحق من هذه الفرق إلا من تمسك بالكتاب والسنة وسار على منهج السلف الصالح كما قال النبي - -: (( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة: قيل من هي يا رسول الله؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ))، ولقد أخبر الله سبحانه عن براءة النبي - -من هذه الفرق المخالفة للفرقة الناجية قال تعالى : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون [الأنعام :159].وبين سبحانه طريق النجاة من هذا الاختلاف بقوله تعالى : واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا [آل عمران : 103].
إنه لا صلاح ولا فرج ولا نجاة من عذاب الله إلا بالتمسك بالإسلام علما وعملا واعتقادا قولا وفعلا وحكما به بين الناس : إن الدين عند الله الإسلام [آل عمران:19].
ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [آل عمران :85]. أفغير دين الله يبغون ، [آل عمران :83]. أفغير الله أبتغي حكماً [الأنعام:114]. أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون [المائدة :50].
وهناك من يتحمسون للدين اليوم ويقومون بالدعوة إليه بزعمهم -وهم جهال - بأحكامه آنية مغرضون يريدون الدس فيه وإثارة الفتن بين المسلمين فيروجون الشبه ويزهدون في علم السلف ويصفون العلماء بأنهم قاصرو النظر لا يفهمون فقه الواقع. وهم يريدون بذلك أن يفصلوا المسلمين عن علمائهم حتى يدخلوا عليهم مبادئهم وأفكارهم المنحرفة.
إنَّ أدواءَ المسلمين وأمراضهم وسببَ العقوبات في الدنيا والآخرة هي التفريطُ في العمل بسنّة نبينا محمد وهديه القويم، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
2657
وإنَّ اختلافَ الأهواء واختلافَ الأقوال والتنافُر بين القلوب سببُ ذلك الجهلُ بالسنة والتفريط في العمل بها، وفي الحديث عن النبي : ((تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي: كتابَ الله وسنتي))(6)[1]، ويقول النبيّ : ((افترقتِ اليهود على إِحدى وسبعين فِرقة، وافترقتِ النصارى على اثنتَين وسَبعين فرقة، وستفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلاَّ واحدة))، قلنا: من هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي))(7)[2].
والفِرَق الإسلامية التي ظهرت عبرَ تاريخ الإسلام منشأُ ضلالها من الجهلِ بسنة المصطفى وأقواله والابتعادُ عن العمل بها، كالخوارج والمُرجئة والقدريَّة والجهمية وغيرهم، ضلُّوا في فهمهم لسنة المصطفى ، وضلّوا في تفسيرهم للقرآن وبُعدهم عن العناية بهذه السنة وعدم أخذ تفسيرها من العلماء.
وما أشبَهَ الليلةَ بالبارحة، فالخوارجُ في هذا الزمان ضلّوا في فهم السنة، وبعُدوا عن العلماء الذين هم أعلمُ بسنة رسول الله ، فظهر هؤلاء الخوارج، يكفِّرون المسلمين، ويستحلّون دماءَهم وأموالهم، كما فعل أسلافُهم، ويستحلّون دماءَ المستأمَنين من غير المسلمين، وينفِّذون مخطَّطاتِ أعداءِ الإسلام، ويلتقون معها في أهدافِها، شعروا بذلك أو لم يشعروا، فجلَبوا بهذه الأفكار شرًّا عظيمًا على البلاد والعباد والعياذ بالله.اهـ
موسوعة الخطب
في قتاوى الشبكة الإسلامية
نتقدم إليكم بالسؤال عن حديث شريف ما معناه "افترقت اليهود على واحد وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اتنتين وسبعين فرقة...الخ
وليس في الحديث تعزيز للفرقة.. بل فيه إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم بما سيحصل من الافتراق، وهذا إنما هو من إطلاع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم على بعض الغيبيات.والمطلوب من الأمة أن تتوحد، وتجتمع، وتتفق على الكتاب والسنة، ولا يجوز لها أن تفترق وتختلف وتتشتت. وقد دل على ذلك آيات وأحاديث كثيرة جداً.والخلاف المذموم إنما هو في مسائل العقائد والأصول كالخلاف بين من يلتزمون بالسنة ومن لا يلتزمون بها، وليس من ذلك الخلاف بين أهل المذاهب الفقهية كالخلاف بين أهل المذاهب الأربعة.والله أعلم.المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
....وفي الشبكة الإسلامية ايضا ما يلي :
ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟
قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" وفي بعض الروايات: "هي الجماعة"رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.وقال عنه ابن تيمية: (هو حديث صحيح مشهور) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.وفي رواية معاوية بن أبي سفيان (هي الجماعة) قال عنها ابن تيمية رحمه الله: (هذا حديث محفوظ)، وقال عنه الألباني: صحيح، في السلسلة الصحيحة
2658
.وتحديد الفرقة الناجية في هذا الحديث اختلفت فيه أقوال العلماء،فقد ذكر فيها الإمام الشاطبي في كتاب الاعتصام خمسة أقوال، عزاها إلى قائليها، إلا قولاً واحداً لم يعزُه، وهي:
1-السواد الأعظم: قال: فعلى هذا القول يدخل في الجماعة مجتهدو الأمة، وعلماؤها، وأهل الشريعة العاملون بها، ومن سواهم داخلون في حكمهم، لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم.
2-أئمة العلماء المجتهدين: والمقصود بهم العلماء الأعلام من أئمة الهدى المتبعين للكتاب والسنة، قال الشاطبي: (فمن خرج على علماء الأمة مات ميتة جاهلية)
3-الصحابة على الخصوص: قال الشاطبي: (فعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى، في قوله عليه الصلاة والسلام: "ما أنا عليه وأصحابي" فكأنه راجع إلى ما قالوه، وما سنوه، واجتهدوا فيه حجة على الإطلاق.)
4-جماعة أهل الإسلام: إذا أجمعوا على أمر وجب على بقية أهل الملل اتباعهم، قال الشاطبي: (وكأن هذا القول يرجع إلى الثاني وهو يقتضي أيضاً ما يقتضيه، أو يرجع إلى القول الأول وهو الأظهر).
وهذا القول مشكل جداً لأن أهل الإسلام أنفسهم ينقسمون إلى فرق، والمقصود تحديد الفرقة الناجية.
ولذلك لم يذكره ابن حجر عن الطبري، وذكر الأقوال الأربعة الأخرى، فإسقاط هذا القول أولى، لاسيما وأن الشاطبي لم يذكر قائله.
5-أنها جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير وجب على بقية الأمة لزومه.قال الشاطبي في بيانه: (وحاصله أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة، وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المذكورة، كالخوارج ومن جرى مجراهم.) هذا، ولما كان القول الرابع منتقداً لأنه ينافي المقصود من الحديث لم ينقله ابن حجر في فتح الباري عن ابن جرير الطبري، واكتفى بنقل الأقوال الأربعة الباقية.
ونحن نجد بالنظر أن خلاصة هذه الأقوال الأربعة أن المقصود بالجماعة الناجية أمران:
الأول: جماعة العقيدة والمنهج، وذلك بأن يلتزم المسلم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين، من أمور الاعتقاد وأصول الدين، وهذا هو الأصل والأساس.
الثاني: الجماعة -بالمعنى الخاص- وذلك بلزوم جماعة المسلمين التي لها إمام موافق للشرع، وعدم مفارقتها، وعدم نكث بيعة الإمام فضلاً عن الخروج عليه. وراجع في ذلك كتاب: وجوب لزوم الجماعة.
وقد نحا الإمام الخطابي منحى آخر قريباً من هذا في كتاب العزلة فقال: الفُرقة فرقتان: فرقة الآراء والأديان، وفرقة الأشخاص والأبدان، والجماعة جماعتان، جماعة هي الأئمة والأمراء، وجماعة هي العامة والدهماء. ا.هـ
2659
وهذا الحديث السابق علامة من علامات النبوة، حيث أخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر غيبي، وقد حصل افتراق الأمة إلى فرق كثيرة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فوقع كما أخبر.
ولكي نحدد مواقع المختلفين في كل زمان لا بد من وضع ضابط نستطيع به أن نعرف هذه الفرق من غيرها، إذ ليس كل اختلاف بين المسلمين يُدخلهم في هذه الفرق، كما هو الحال في هذه الأيام، إذا حصل اختلاف بين المسلمين في وسائل الدعوة إلى الله، وطريقة تحصيل العلم الشرعي وفقه الواقع، فكل هذا ليس مما نحن بصدده من تعيين الفرق المذكورة في الحديث، وقد ذكر المباركفوري في شرحه على سنن الترمذي ضابط الداخلين في هذه الفرق، والخارجين منها، فقال: (قال العلقمي: قال: شيخنا: ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي، في شرح هذا الحديث كتاباً قال فيه: قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يُرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه، من أبواب الحلال والحرام، وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد، وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة، وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضاً، بخلاف النوع الأول، فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تقسيم للمخالف فيه، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الخلاف.انظر تحفة الأحوذي.والله أعلم.المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
وفي > المنتقى من فتاوى بن فوزان>
ما هي المذاهب والطرائق المنحرفة عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وهل هناك طرائق صوفية على الطريقة الإسلامية الصحيحة ؟
الطرائق المنحرفة كثيرة لا يمكن حصرها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 7/296، 297 ) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1322 ) بنحوه من حديث عوف بن مالك وأنس بن مالك، وانظر " مسند الإمام أحمد " ( 2/332 ) ، و " سنن أبي داود " ( 4/197 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وهذا عدد كثير، والموجود الآن من تشعب الفرق كثير، ولكن الثلاث والسبعين فرقة أصولها كما قال أهل العلم .
وليس هناك فرقة ناجية إلا فرقة واحدة وهي ما كانت على مثل ما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، وهم الذي أخبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنهم بقوله : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 3/1523 ) من حديث ثوبان رضي الله عنه ] ، ففرقة واحدة هي الناجية وهم أهل السنة والجماعة الذين بقوا وثبتوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يبدلوا ولم يغيروا، هؤلاء هم الفرقة الناجية وما عداهم فهم ضالون، وكما أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلها في النار .
2660
والطرق الصوفية طرق ضالة ومنحرفة خصوصًا في وقتنا الحاضر، لأنها مخالفة لما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه فهي داخلة في الفرق الضالة، بل ربما يصل ضلالهم إلى الكفر، فمنهم أهل وحدة الوجود، وهم أكفر أهل الأرض وهم من فروع الصوفية، أو من أكابرهم، وكذلك منهم الحلولية، ومنهم الآن : السادة الذين يعبدون من دون الله ويتقرب إليهم مريدوهم بأنواع القربات من دون الله عز وجل إذا كانوا أمواتًا إلى أضرحتهم وقبورهم يريدون منهم المدد والشفاعة وغير ذلك، وإن كانوا أحياءً فإنهم ينقادون لأوامرهم لتحريم الحلال وتحليل الحرام وغير ذلك .ولا نعلم الآن أن هناك فرقة صوفية معتدلة بل كل الفرق الصوفية منحرفة، وانحرافها يتفاوت : منه ما هو كفر، ومنه ما هو دون ذلك .
وعلى كل حال الصوفية وغيرهم كل من خالف هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخالف سنته فإنه ضال ومنحرف وواقع تحت هذا الوعيد الشديد .
أيّها المسلمون، كانت الأمة في عهد النبوة مجتمعة على كلمة واحدة، القرآن منهجها، ورسول الله قائدها، ثم لما ظهرت البدع بدأت الأمة بالتفرق، ولنستَمع إلى الإمام ابن كثير رحمه كيف يحكي عن هذا الأمر ويوضحه وهو في معرَض كلامه عن تفسير الآية التي عليها مدار حديثنا فيقول رحمه الله: "فإنّ أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبَب الدنيا حين قسَم النبي غنائم حنين، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدِل في القسمة، ففاجؤوه بهذه المقالة فقال قائلهم وهو ذو الخوَيصرة بقرَ الله خاصِرته: اعدل فإنّك لم تعدل، فقال رسول الله : ((لقد خِبت وخسِرت إن لم أكن أعدِل، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟!)) فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب ـ وفي رواية: خالد بن الوليد ـ في قتله فقال: ((دعه فإنه يخرج من ضئضئ هذا ـ أي: من جنسه ـ قوم يحقِر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءتَه مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقِيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم))، ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقتلهم بالنهروان، ثم تشعّبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشِرة، ثم انبعث القدريّة ثم المعتزلة ثم الجهمية وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق في قوله: ((وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)) قالوا: وما هم يا رسول الله؟ قال: ((من كان على ما أنا عليه وأصحابي)).
ولما كان السلف رضي الله عنهم أكملَ الناس عِلمًا وعملاً وأشدَّ الناس اقتداءً بالنبيِّ رغَّب عليه الصلاة والسلام في لزومِ ما كان عليه هو وصحابتُه، وأمر بالتمسّك بما كانوا عليه من الهدَى، وأخبر أنّ الفِرقة الناجية عند اختلافِ الأمة هي ما كان عليه الرسول وأصحابه، فقال : ((افترقَتِ اليهود على إحدَى وسبعين فرقة، وافترقتِ النصارى على اثنتَين وسبعين فرقة، وستفترِق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النارِ إلا واحدة))، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثلِ ما أنا عليه وأصحابي))(4)[4]. وقوله : ((كلُّها في النار)) هذا من الوعيدِ المعلوم تفسيرُه
2661
عند السلف، وهذه الزيادةُ وهي قوله : ((مَن كان على مِثل ما أنا عليه وأصحابي)) رواها الآجري من طُرق(5)[5]، ومعناها لا شكَّ في صحَّته.
وقد وقع ما أخبرَ به النبيّ من الاختلاف والفُرقة، ولكنّنا كُلِّفنا بالاعتصامِ بالكتاب والسنّة ونَبذِ الخلاف والفُرقة، وأُمِرنا أن نكونَ من الفرقة الناجية التي علِمت الحقَّ وعمِلت به، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
وكلُّ فِرقة منَ الفرَق الإسلاميّة تزعم أنها على الحقِّ وغيرها على الباطل، ولكن ليس للدّعاوى وزنٌ عند الله ما لم يكن لها بيِّناتٌ من العِلم النافِع والعمَل الصّالح، وقد بيَّن الله تعالى في كتابِه صفاتِ هذه الفرقةِ النّاجية، وجلَّى أمرَها رسولُ الله ؛ ليكونَ المسلم على بصيرةٍ من دينهِ وعلى نورٍ من ربِّه، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40
ومِن صفات فرقةِ الحقِّ الناجية التمسُّكُ بما أجمع عليه السلفُ وما أجمَع عليه علماء الأمّة وعدَمُ المشاقَّة لله ولرسوله، قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115].
ومِن صفات هذه الفِرقة الناجيةِ تعظيمُ قولِ رسول الله وسنّته والعنايةُ بآثارِه بحفظِها والذبِّ عنها والرضَا بتحكيمِها، قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [النور:51]، وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وروى الآجري بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنّه قال لرجلٍ يقول: لا أعمَل إلا بما في كتابِ الله تعالى: (إنّك أحمَق، أَتَجِد في كتاب الله عزّ وجلّ الظهرَ أربعًا لا يُجهَر فيها بالقراءة؟!) ثم عدَّد عليه الصلاةَ والزكاة ونحوهما، ثم قال: (أتّجِد هذا في كتاب الله عز وجلّ مفسَّرًا؟! إنَّ كتاب الله جلّ وعلا أحكَمَ ذلك، وإنّ السنة تفسِّر ذلك)(6)[6]، وروَى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال في الواشمة والمستوشمة والمتنمّصة: (ما لي لا ألعنُ من لعن رسول الله وهو في كتاب الله: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]؟!)(7)[7].
ومِن صفات فِرقة الحقّ الناجية بذلُ الجهد في معرفةِ الحقّ ودلائله وعدمُ الرضا بأقوالِ الرجل في دين الله ممّا لا يؤيِّده كتابٌ ولا سنّة ولا أصلٌ أصَّلَه علماء المسلمين، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:18]، وقال تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3].
ومِن صفات هذه الفرقة الناجية محبّةُ المؤمنين ورَحمة المسلمين ونُصحهم وكفُّ الأذى والشرِّ عنهم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].
2662
ومِن صفات هذه الفرقةِ الناجية سلامةُ قلوبهم وألسنتِهم لسلفِ الأمّة رضي الله عنهم ومحبّتُهم، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]. وهذا بخلافِ ما عليه طوائفُ من الفِرَق الإسلامية من سبِّهم ولعنهم للصّحابة وسبِّهم لخِيار الأمة وساداتِ الأولياء رضي الله عنهم.
أيّها المسلم، تمسّك بما كان عليه سلفُ الأمّة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ووعدَهم الجنّة، وشهد لهم بالإيمانِ الكامل، وعُضَّ على ذلك بالنواجِذ، ولا تغترَّ بكثرةِ الهالكين، ولا تستوحِش من قلّةِ السالكين.
أما الاختلاف الحاصل بين أهل السنة والجماعة فلا يعد مذمومًا إلا إذا انتهى بالمختلفين إلى الخصومة والتفرق؛ وذلك لوجود الجهل، أو دخول الهوى والبغي بين المختلفين. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - كلامًا بديعًا عن الاختلاف وأنواعه، ومتى يكون مذمومًا، ومتى يكون محمودًا، أرى من المناسب تدوينه في هذا المقام ليمهد لما بعده.
قال - رحمه الله تعالى -: «عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تفترق اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح(1). وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)(2)... ثم هذا الاختلاف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إما في الدين فقط، وإما في الدين والدنيا، ثم قد يؤول إلى الدماء، وقد يكون الاختلاف في الدنيا فقط.
وهذا الاختلاف الذي دلت عليه الأحاديث هو مما نهي عنه في قوله سبحانه: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) (آل عمران: من الآية105)، وهو موافق لما رواه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه أنه أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه ودعا ربه طويلاً، ثم انصرف إلينا فقال: (سألت ربي ثلاثًا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها)(3)... فهذا يشير إلى أن التفرقة والاختلاف لا بد من وقوعهما في الأمة، وكان يحذر أمته لينجو منه من شاء الله له السلامة، كما روى النَّزَّال بين سبرة، عن عبدالله بن مسعود قال: «سمعت رجلاً قرأ آية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فأخذت بيده، فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: (كلاكما محسن، ولا تختلفوا؛ فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا) رواه مسلم(4).
2663
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف الذي فيه جحد كل واحد من المختلفين ما مع الآخر من الحق؛ لأن كلا القارئين كان محسنًا فيما قرأه، وعلل ذلك بأن من كان قبلنا اختلفوا فهلكوا ... فأفاد ذلك بشيئين:أحدهما: تحريم الاختلاف في مثل هذا.
والثاني: الاعتبار بمن كان قبلنا، والحذر من مشابهتهم.
واعلم أن أكثر الاختلاف بين الأمة الذي يورث الأهواء تجده من هذا الضرب؛ وهو: أن يكون كل واحد من المختلفين مصيبًا فيما يثبته، أو في بعضه، مخطئًا في نفي ما عليه الآخر، كما أن القارئين كل منهما كان مصيباً في القراءة بالحرف الذي علمه، مخطئًا في نفي حرف غيره؛ فإن أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجحود والتكذيب، لا في الإثبات؛ لأن إحاطة الإنسان بما يثبته أيسر من إحاطته بما ينفيه. ولهذا نهيت هذه الأمة أن تضرب آيات الله بعضها ببعض؛ لأن مضمون الضرب: الإيمان بإحدى الآيتين، والكفر بالأخرى - إذا اعتقد أن بينهما تضادًا - إذ الضدان لا يجتمعان ... والاختلاف(*) على ما ذكره الله في القرآن قسمان: وهذا الاختلاف المذموم من الطرفين يكون سببه تارة: فساد النية؛ لما في النفوس من البغي والحسد، وإرادة العلو في الأرض، ونحو ذلك؛ فيحب لذلك ذم قول غيرها، أو فعله، أو غلبته ليتميز عليه، أو يحب قول من يوافقه في نسب أو مذهب أو بلد أو صداقة، ونحو ذلك؛ لما في قيام قوله من حصول الشرف له والرئاسة، وما أكثر هذا من بني آدم، وهذا ظلم.ويكون سببه تارة: جهل المختلفين بحقيقة الأمر الذي يتنازعان فيه، أو الجهل بالدليل الذي يرشد به أحدهما الآخر، أو جهل أحدهما بما مع الآخر من الحق في الحكم، أو في الدليل، وإن كان عالمًا بما مع نفسه من الحق حكمًا ودليلاً.والجهل والظلم هما كل شر؛ كما قال سبحانه: (وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: من الآية72). اهـ موسوعة الخطب
عاشرا>ـ حكم الانتماء إلى الجماعات التي برزت في الصف الإسلامي كالسلفيين وغيرهم يجيب عن هذا الحكم العلامة بن فوزان في " المنتقى من فتاوى الفوزان ما حكم من ينتمي إلى تلك الجماعات، خصوصًا تلك التي تقوم على السّرّية والبيعة ؟النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بحصول التّفرُّق، وأمرنا عند ذلك بالاجتماع، وأن نكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
قال صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النّصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار؛ إلا واحدة ) . قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ( مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 7/297 ) من حديث عبد الله بن عمرو، وقد رواه غير الترمذي بألفاظ قريبة من هذا، وفي بعضها نقص، كابن ماجه وغيره . ] . وقال صلى الله عليه وسلم لمّا طلب منه أصحابه الوصيّة؛ قال : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمّر عليكم عبد؛ فإنه مَن يَعِش منكم؛ فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي؛ تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/126-127 ) ،
2664
ورواه أبو داود في " سننه " ( 4/200 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 7/319-320 ) ؛ كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه . ] .
وهذا منهج يجب أن يسير عليه المسلمون إلى يوم القيامة، وهو أنه عند وجود الاختلاف؛ فإنهم يرجعون إلى ما كان عليه سلفُ هذه الأمة في المنهج والدّين والبيعة وغير ذلك .
ـ مما يتساهل به الناس قضيّة البيعة؛ فهناك من يرى جواز أخذ البيعة لجماعة من الجماعات مع وجود بيعة أخرى، وقد لا يكون المُبايع في هذه الجماعات معروفًا بدواعي السّرّيّة؛ ما حكمُ هذا ؟ ثم هل يختلف الحكم في بلاد الكفّار أو تلك التي لا تحكم بما أنزل الله ؟
البيعة لا تكون إلا لوليّ أمر المسلمين، وهذه البيعات المتعدِّدة مبتدعة، وهي من إفرازات الاختلاف، والواجب على المسلمين الذين هم في بلد واحد وفي مملكة واحدة أن تكون بيعتهم واحدة لإمام واحد، ولا يجوز المبايعات المتعدّدة، وإنما هذا من إفرازات تجوّزُ المبايعات من اختلافات هذا العصر، ومن الجهل بالدّين .
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التفرُّق في البيعة وتعدُّد البيعة، وقال : ( مَن جاءكم وأمركم جميعٌ على واحد منكم، يريد تفريق جماعتكم؛ فاضربوا عُنُقه ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 3/1480 ) من حديث عرفجة رضي الله عنه . ] ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وإذا وجد من ينازع وليّ الأمر الطّاعة، ويريد شقّ العصا وتفريق الجماعة؛ فقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وليَّ الأمر وأمر المسلمين معه بقتال هذا الباغي؛ قال تعالى : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [ الحجرات : 9 . ] .
وقد قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعه أكابر الصَّحابة؛ قاتلوا الخوارج البُغاة حتى قضوا عليهم، وأخمدوا شوكَتَهُم، وأراحوا المسلمين من شرِّهم، وهذه سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه أمر بقتال البُغاة وبقتال الخوارج الذين يريدون شقَّ عصا الطّاعة، وذلك من أجل الحفاظ على جماعة المسلمين وعلى كيان المسلمين من التّفرُّق والاختلاف .
حادي عشرالفرق القديمة والحديثة \\
أما القديمة فهي : 1>>ـ المعتزلة
ويسمون: أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية والعدلية . وهم قد جعلوا لفظ القدرية مشتركاً، وقالوا: لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره وشره من الله تعالى؛ إحترازاً من وصمة اللقب؛ إذ كان من الذم به متفقاً عليه؛ لقول النبي عليه السلام: " القدرية مجوس هذه الأمة " . وكانت الصفاتية تعارضهم: بالاتفاق على أن الجبرية والقدرية متقابلتان تقابل التضاد؛ فكيف يطلق لفظ الضد على الضد؟ وقد قال النبي عليه السلام: " القدرية : خصماء الله في القدر " 2>>ـ الجبرية
2665
الجبر: هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الرب تعالى، والجبرية أصناف: فالجبرية الخالصة: هي التي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً، والجبرية المتوسطة: هي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة أصلاً
3>>ـ النجارية
أصحاب الحسين بن محمد النجار وأكثر معتزلة الري وما حواليها على مذهبه، وهم وإن اختلفوا أصنافاّ، غلا أنهم لم يختلفوا في المسائل التي عددناها أصولاً؛ وهم برغوثية وزعفرانية ومستدركة؛ وافقوا المعتزلة في نفي الصفات: من العلم، والقدرة، والإرادة، والحياة، والسمع، والبصر؛ ووافقوا الصفاتية في خلق الأعمال
4>>ـ المرجئة
الإرجاء على معنيين: أحدهما بمعنى: التأخير؛ كما في قوله تعالى: " قالوا: أرجه وأخاه " ، أي: أمهله وأخره. والثاني: إعطاء الرجاء.
أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد. وأما بالمعنى الثاني فظاهر؛ فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. وقيل: الإرجاء: تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة؛ فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا: من كونه من أهل الجنة، أو من أهل النار: فعلى هذا: المرجئة، والوعيدية؛ فرقتان متقابلتان.
5>>ـ اليونسية
أصحاب: يونس بن عون النميري. زعم أن الإيمان هو: المعرفة بالله، والخضوع له، وترك الاستكبار عليه، والمحبة بالقلب؛ فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن وما سوى ذلك من الطاعة فليس من الإيمان، ولا يضر تركها حقيقة الإيمان، ولا يعذب على ذلك؛ إذا كان الإيمان خالصاً، واليقين صادقاً.وزعم أن إبليس كان عارفاً بالله وحده؛ غير انه كفر باستكباره عليه: أبى واستكبر وكان من الكافرين.
6ـ >>الخوارج،
والمرجئة، والوعيدية: كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى: خارجياً؛ سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين بإحسان؛ والأئمة في كل زمان.والمرجئة: صف آخر تكلموا في الإيمان والعمل؛ إلا أنهم وافقوا الخوارج في بعض المسائل التي تتعلق بالإمامة.والمعيدية: داخلة في الخوارج وهم القائلون: بتكفير صاحب الكبيرة، وتخليده في النار؛ فذكرنا مذاهبهم في أثناء مذاهب الخوارج.
اعلم أن أول من خرج على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه جماعة ممن كان معه في حرب صفين، وأشدهم خروجاً عليه ومروقاً من الدين: الأشعث ابن قيس الكندي، ومسعر بن فدكي التميمي، وزيد بن حصين الطائي؛ حين قالوا: القوم يدعوننا إلى كتاب الله، وأنت تدعونا إلى السيف!.
7ــ>الشيعة
هم: الذين شايعوا علياً رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته: نصاً ووصية؛ إما جلياً وإما خفياً. واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده؛ وإن خرجت
2666
فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحة تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم؛ بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين؛ لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله.
ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري: قولاً، وفعلاً، وعقداً؛ إلا في حال التقية.ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك. ولهم في تعدية الإمامة: كلام، وخلاف كثير؛ وعند كل تعدية، وتوقف: مقالة، ومذهب، وخبط.وهم خمس فرق: كيسانية، وزيدية، وأمامية، وغلاة وإسماعيلية.وبعضهم يميل في الأصول إلى الاعتزال، وبعضهم إلى السنة، وبعضهم إلى التشبيه.
8ـ>> الصفاتية :
أعلم أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزلية من العلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والجلال، والإكرام والجود، والإنعام، والعزة، والعظمة؛ ولا يفرقون بين صفات الذات، وصفات الفعل؛ بل يسوقون الكلام سوقا واحداً. وكذلك يثبتون صفات خبرية؛ مثل: اليدين، والوجه؛ ولا يؤولون ذلك؛ إلا أنهم يقولون: هذه الصفات قد وردت في الشرع، فنسميها: صفات خبرية. ولما كانت المعتزلة ينفون الصفات والسلف يثبتون؛ سمى السلف: صفاتية، والمعتزلة: معطلة؛ فبالغ بعض السلف في إثبات الصفات إلى حد التشبيه بصفات المحدثات، واقتصر بعضهم على صفات دلت الأفعال عليها، وما ورد به الخبر فافترقوا فيه فرقتين؛ فمنهم من أوله على وجه يحتمل اللفظ ذلك، ومنهم من توقف في التأويل؛ وقال: عرفنا بمقتضى العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء. فلا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شيء منها، وقطعنا بذلك؛ إلا أنا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه؛ مثل قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى " ومثل قوله: " خلقت بيدي " ومثل قوله: " وجاء ربك إلى غير ذلك " ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها، بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه: لا شريك له، وليس كمثله شيء؛ وذلك قد أثبتناه يقيناً. ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قاله السلف؛ فقالوا: لابد من إجرائها على ظاهرها، والقول بتفسيرها كما وردت من غير تعرض للتأويل ولا
توقف في الظاهر؛ فوقعوا في التشبيه الصرف، وذلك على خلاف ما أعتقده السلف.
وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل، ولا تهدفوا للتشبيه؛ فمنهم: مالك ابن أنس رضي الله عنهما؛ إذ قال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ومثل أحمد بن حنبل رحمه الله. وسفيان الثوري، وداود بن علي الأصفهاني، ومن تابعهم.
حتى انتهى الزمان إلى: عبد الله بن سعيد الكلابي، وأبي العباس القلانسي، والحارث بن أسد المحاسبي؛ وهؤلاء كانوا من جملة السلف؛ إلا أنهم باشروا علم الكلام، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية، وصنف بعضهم ودرس بعض... حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما؛ واحاز الأشعري إلى هذه الطائفة، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية،
2667
وصار ذلك مذهباً لأهل السنة والجماعة. وانتقلت سمة الصفاتية إلى الاشعرية. ولما كانت المشبهة والكرامية: من مثبتي الصفات؛ عددناهم: فرقتين من جملة الصفاتية.
9>>ـ الأشعرية
أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، المنتسب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما. وسمعت من عجيب الاتفاقات أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كان يقرر عين ما يقرر الأشعري أبو الحسن في مذهبه. وقد جرت مناظرة بين عمرو بن العاص وبينه: فقال عمرو: أين أجد أحداً أحاكم إليه ربي؟ فقال أبو موسى: أنا ذلك المتحاكم إليه، فقال عمرو: أو يقدر على شيئاً ثم يعذبني عليه؟ قال: نعم، قال عمرو: ولم؟ قال: لا يظلمك، فسكت عمرو ولم ير د جواباً.اهـ الملل والنحل للشهرستاني.قلت > في كتابي عقيدة الأشاعرة : الأشاعرة فرقة كلامية:تنسب لأبي الحسن الأشعري الذي خرج عن المعتزلة وأخذ بعقيدة ابن أبي كلاب الممزوجة بئاراء المعتزلة وأهل السنة وعليها سار أصحابه من بعده إلى يومنا هذا مع أنه استقر أمره على عقيدة السلف كما يوضحه كتابه "الأبانة في أصول الديانة "
وأما الحديثة فهي أولا>> الشيعةالذين قامت لهم الآن دولة عظمى تتمثل في " إيران "وهي الآن تنوي التوسع والتمدد وتنفق المليارات على توسع افكارها
في أرشيف ملتقى أهل الحديث: اعلم أخي الحبيب أن جميع فرق الشيعة الرافضة كفار كفراً يخرجهم من ملة الإسلام بجميع فئاتهم وفصائلهم سواء كانوا من الباطنية الخبيثة كالإسماعيلية بفرقها الثلاثة (الاغاخانية-البهرة-المكارمة) والدروز والنصيرية والإمامية الإثنى عشرية، وقد أفتى جمهور العلماء بكفرهم من المتقدمين والمتأخرين من أهل الحديث ويستثنى منهم فقط الشيعة الزيدية المتواجدون في دولة اليمن فهم ليسوا بكفار ولكنهم من أهل البدع والضلال لأنهم يحملون أصول المعتزلة الخمسة.أما ما سمعته في بعض الأشرطة عنهم أنهم يعتقدون بأن علي بن أبي طالب يحي الموتى عياذاً بالله تعالى فهو صحيح ثابتاً عنهم ومنتشر في كتبهم إضافةً إلى اعقادهم بأن أئمتهم يعلمون الغيب عياذاً بالله تعالى. والله أعلم.
إن الشيعة الاثنى عشرية يفرحون ويبتهجون بمقتل عمر ويعتبرون يوم مقتله عيداً عندهم. بل زعموا ان يوم مقتله رخصة من الله لا يكتب على الشيعة من ذنوبهم شيئاً وسمى الشيعة أيضاً هذا اليوم بأسماء كثيرة منها يوم الاستراحة ويوم البركة ويوم فرح الشيعة و… و…
لقد روى هذا علامتهم المجلسي في بحار الأنوار ج95 ص351-355.
وأيضاً نعمة الله الجزائري (الأنوار النعمانية ج1 ص108 - 111 تحت عنوان (نور سماوي) يكشف عن ثواب مقتل عمر بن الخطاب.
ومما يدل على إيمان الشيعة بهذه الروايات فلقد عقد صاحب كتاب (عقد الدرر في بقر بطن عمر) ص6 وهي رسالة مخطوطة لم تطبع بعد وهي موجودة بمكتبة رضا رامبو بالهند تحت رقم (2003) فصلا وضع له عنوانا قال فيه: "الفصل الرابع في وصف حال سرور هذا اليوم على التعيين، وهو من تمام فرح الشيعة المخلصين، ثم ذكر الأناشيد التي تقال في هذا اليوم، ووصفها بقوله:- وهي كليمات رائقة، ولفيظات
2668
شائقة، هو أنه لما طلع الإقبال من مطالع الآمال، وهب نسيم الوصال بالاتصال بالغدو والآصال، بمقتل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر عمر بن الخطاب الفاجر، الذي فتن العباد، ونتج في الأرض الفساد، إلى يوم الحشر والتناد، ملأت أقداح الأفراح، من رحيق راح الأرواح، ممزوجة بسحيق تحقيق السرور، وبماء رفيق توفيق الحبور..".ثم عقب على هذه الكلمات بذكر الأشعار الطوال التي قيلت ابتهاجا بمقتل عمر بن الخطاب ص9أجمع علماء أهل السنة والجماعة على تكفير علماء الرافضة الإثني عشرية. وأما عوامهم ففيهم خلاف. فالشيخ الألباني لا يكفرهم، بينما الشيخ ابن باز يعتبرهم مثل عوام المشركين.وفتوى الإمام ابن تيمية ما تزال غريبة. فهو لم يجز تزوج السنية إلى رافضي، فيما أجاز تزوج السني إلى رافضية. ولو كان يعتبر الرافضة من المسلمين، فما معنى منع الحالة الأولى؟ فكأنه قد اعتبرهم من أهل الكتاب، وهذا لا أعلم أحداً سبقه به، والله أعلم.اهـ أرشيف ملتقى أهل الحديث
في مقالات الشيخ سلمان\وأشهر فرق الشيعة هم من يسمَّون: (الاثني عشرية) وهم يقولون باثني عشر إماماً ،آخرهم هو محمد بن الحسن العسكري ، وهو عندهم إمام معصوم ، اختفى في السرداب قبل أكثر من ألف ومئتي سنة ، والواقع أن الحسن العسكري لم يُنجب ، ومات عقيماً
ومن الشيعة : حزب الله اللبناني وهو حزب سياسي عسكري شيعي يحمل نفس عقائد الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ويتولى دعمه المعنوي والمادي والروحي دولة إيران وهناك دعم غير مباشر لهذا الحزب من الشيعة النصيرية حكام دولة سوريا، وقد أُسس هذا الحزب عند اجتياح اليهود لجنوب لبنان ولكنه تحول بعد ذلك إلى سد منيع يخدم اليهود لوقف المد السني الصادق الذي يشكل خطراً على كيان الدولة اليهودية الإسرائيلية، والحزب يسيطر على الضاحية الغربية من بيروت.
ثانيا> أهل السنة وقد انقسموا على أنفسهم إلى جماعات يتفاوت موقفها بين جماعة وأخرى منها الوسطي ومنها المتشدد ومنها المتساهل وقد وقعت جفوة كبيرة بين هذه الجماعات حتى إنها تشهر السلاح أحيانا فيما بين صفوفها كما وقع هذه الأيام بين جهة النصرة في سوريا وتنظيم الدولة الإسلامية بقيادة البغدادي.أما التراشق بالألسن فقد أصبح هو همهم الواحد إلى الله الشكوى
نكسة الحركة الإسلامية أليمة وكم يكون فشلها بينا حينما يظهر أبناؤها في المجتمع بمظهر الأنانية والحسد والشحناء وكم يسخر المد الإسلامي حينما تنقسم الحركة على نفسها وتظهر العداوة والبغضاء بين فئاتها تجد الجماعات الإسلامية في البلد الواحد يتراشقون بالتهم ويتنابذون بالألقاب وتتأجج بينهم نار العداوة والحقد والبغضاء
إن بعض المواقف والأعمال التي قامت بها بعض الجماعات الإسلامية، وبعض الدعاة الغيورين كانت تفتقر إلى الحكمة، كالدخول في معارك عسكرية مع الأنظمة، حتى وإن كانت كافرة ـ وهذا لا يعني إبطال الجهاد، فالجهاد ماض إلى يوم القيامة ولكن الجهاد له شروطه وأسبابه وأحكامه.ـ
وقد جرت مثل هذه الأعمال على أمتنا عمومًا، وعلى الدعاة خصوصًا الويلات.
2669
ومثل ذلك أسلوب الاغتيالات، أو إحراق أماكن الفساد في بلد لا يملك فيه المسلمون السلطة.وكل ذلك بسبب عدم الحكمة الناشئ عن الجهل في فهم النصوص ودلالاتها.
ومن خلال ما سبق تتضح أهمية الحكمة، بل أهمية الحديث عنها في ضوء القرآن الكريم.
أيها الناس إن الأمة الإسلامية منذ موت عمر وهي تتعرض للهزات العنيفة والرياح الهوجاء من خلاف في المعتقد إلى خلاف في السياسة إلى قتال مرير على الكرسي حتى أخذت بمأخذ من قبلنا تضاعف بينها الخلاف فيقتل في اليوم الواحد المئات من أجله. وما زال ينموفي ظل ولادة الافتراق المذهبي العقدي التنظيمي روى البخاري عن حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ قُلْتُ أَنَا كَمَا قَالَهُ قَالَ إِنَّكَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا لَجَرِيءٌ قُلْتُ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ قَالَ لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ وَلَكِنْ الْفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ قَالَ لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا قَالَ أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ قَالَ يُكْسَرُ قَالَ إِذًا لَا يُغْلَقَ أَبَدًا قُلْنَا أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ قَالَ نَعَمْ كَمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ الْبَابُ عُمَرُ>
في فتح الباري لابن رجب \ والفتنة نوعان: أحدهما: خاصة، تختص بالرجل في نفسه. والثاني: عامة، تعم الناس.... فالفتنة الخاصة: ابتلاء الرجل في خاصة نفسه بأهله وماله وولده وجاره، وأماالفتن العامة: فهي التي تموج موج البحر، وتضطرب، ويتبع بعضها بعضاً كأمواج البحر، فكان أولهما فتنة قتل عثمان - رضي الله عنه- ، وما نشأ منها من افتراق قلوب المسلمين، وتشعب أهوائهم وتكفير بعضهم بعضاً، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان الباب المغلق الذي بين الناس وبين الفتن عمر- رضي الله عنه -، وكان قتل عمر كسراً لذلك الباب، فلذلك لم يغلق ذلك الباب بعده أبداً.
وكان حذيفة أكثر الناس سؤالاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفتن، وأكثر الناس علماً بها،فكان عنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بالفتن العامة والخاصة، وهو حدث عمر تفاصيل الفتن العامة، وبالباب الذي بين الناس وبينها، وأنه هو عمر، ولهذا قال: إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، والأغاليط: جمع أغلوطة، وهي التي يغالط بها، واحدها: أغلوطة ومغلطة، والمعنى: أنه حدثه حديثاً حقاً، ليس فيه مرية، ولا إيهام. وقد كانت الصحابة تعرف في زمان عمر أن بقاء عمر أمان للناس من الفتن.وفي "مسند الإمام أحمد" أن خالد بن الوليد لما عزله عمر، قال له رجل: اصبر أيها الأمير، فإن الفتن قد ظهرت. فقال خالد: وابن الخطاب حي! إنما يكون بعده- رضي الله عنهما-
يقول شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: «وهذا التفريق الذي حصل من الأمة: علمائها ومشائخها، وأمرائها وكبرائها، هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها؛ وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله ... فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب»
<2646
أيّها المسلمون، كانت الأمة في عهد النبوة مجتمعة على كلمة واحدة، القرآن منهجها، ورسول الله قائدها، ثم لما ظهرت البدع بدأت الأمة بالتفرق، ولنستَمع إلى الإمام ابن كثير رحمه كيف يحكي عن هذا الأمر ويوضحه وهو في معرَض كلامه عن تفسير الآية التي عليها مدار حديثنا فيقول رحمه الله: "فإنّ أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبَب الدنيا حين قسَم النبي غنائم حنين، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدِل في القسمة، ففاجؤوه بهذه المقالة فقال قائلهم وهو ذو الخوَيصرة بقرَ الله خاصِرته: اعدل فإنّك لم تعدل، فقال رسول الله : ((لقد خِبت وخسِرت إن لم أكن أعدِل، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟!)) فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب ـ وفي رواية: خالد بن الوليد ـ في قتله فقال: ((دعه فإنه يخرج من ضئضئ هذا ـ أي: من جنسه ـ قوم يحقِر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءتَه مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقِيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم))، ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقتلهم بالنهروان، ثم تشعّبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشِرة، ثم انبعث القدريّة ثم المعتزلة ثم الجهمية وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق في قوله: ((وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)) قالوا: وما هم يا رسول الله؟ قال: ((من كان على ما أنا عليه وأصحابي)).
ولما كان السلف رضي الله عنهم أكملَ الناس عِلمًا وعملاً وأشدَّ الناس اقتداءً بالنبيِّ رغَّب عليه الصلاة والسلام في لزومِ ما كان عليه هو وصحابتُه، وأمر بالتمسّك بما كانوا عليه من الهدَى، وأخبر أنّ الفِرقة الناجية عند اختلافِ الأمة هي ما كان عليه الرسول وأصحابه، فقال : ((افترقَتِ اليهود على إحدَى وسبعين فرقة، وافترقتِ النصارى على اثنتَين وسبعين فرقة، وستفترِق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النارِ إلا واحدة))، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثلِ ما أنا عليه وأصحابي))(4)[4]. وقوله : ((كلُّها في النار)) هذا من الوعيدِ المعلوم تفسيرُه عند السلف، وهذه الزيادةُ وهي قوله : ((مَن كان على مِثل ما أنا عليه وأصحابي)) رواها الآجري من طُرق(5)[5]، ومعناها لا شكَّ في صحَّته.
وقد وقع ما أخبرَ به النبيّ من الاختلاف والفُرقة، ولكنّنا كُلِّفنا بالاعتصامِ بالكتاب والسنّة ونَبذِ الخلاف والفُرقة، وأُمِرنا أن نكونَ من الفرقة الناجية التي علِمت الحقَّ وعمِلت به، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
وكلُّ فِرقة منَ الفرَق الإسلاميّة تزعم أنها على الحقِّ وغيرها على الباطل، ولكن ليس للدّعاوى وزنٌ عند الله ما لم يكن لها بيِّناتٌ من العِلم النافِع والعمَل الصّالح، وقد بيَّن الله تعالى في كتابِه صفاتِ هذه الفرقةِ النّاجية، وجلَّى أمرَها رسولُ الله ؛ ليكونَ المسلم على بصيرةٍ من دينهِ وعلى نورٍ من ربِّه، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40ومِن صفات فرقةِ الحقِّ الناجية التمسُّكُ بما أجمع عليه السلفُ وما أجمَع
<2647
عليه علماء الأمّة وعدَمُ المشاقَّة لله ولرسوله، قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115].
ومِن صفات هذه الفِرقة الناجيةِ تعظيمُ قولِ رسول الله وسنّته والعنايةُ بآثارِه بحفظِها والذبِّ عنها والرضَا بتحكيمِها، قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [النور:51]، وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وروى الآجري بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنّه قال لرجلٍ يقول: لا أعمَل إلا بما في كتابِ الله تعالى: (إنّك أحمَق، أَتَجِد في كتاب الله عزّ وجلّ الظهرَ أربعًا لا يُجهَر فيها بالقراءة؟!) ثم عدَّد عليه الصلاةَ والزكاة ونحوهما، ثم قال: (أتّجِد هذا في كتاب الله عز وجلّ مفسَّرًا؟! إنَّ كتاب الله جلّ وعلا أحكَمَ ذلك، وإنّ السنة تفسِّر ذلك)(6)[6]، وروَى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال في الواشمة والمستوشمة والمتنمّصة: (ما لي لا ألعنُ من لعن رسول الله وهو في كتاب الله: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]؟!)(7)[7].
ومِن صفات فِرقة الحقّ الناجية بذلُ الجهد في معرفةِ الحقّ ودلائله وعدمُ الرضا بأقوالِ الرجل في دين الله ممّا لا يؤيِّده كتابٌ ولا سنّة ولا أصلٌ أصَّلَه علماء المسلمين، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:18]، وقال تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3].
ومِن صفات هذه الفرقة الناجية محبّةُ المؤمنين ورَحمة المسلمين ونُصحهم وكفُّ الأذى والشرِّ عنهم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].
ومِن صفات هذه الفرقةِ الناجية سلامةُ قلوبهم وألسنتِهم لسلفِ الأمّة رضي الله عنهم ومحبّتُهم، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]. وهذا بخلافِ ما عليه طوائفُ من الفِرَق الإسلامية من سبِّهم ولعنهم للصّحابة وسبِّهم لخِيار الأمة وساداتِ الأولياء رضي الله عنهم.
إن المتأمل لحال هذه الأمة الآن يرى فيها كثرة الاختلاف والتفرق حتى أصبح بأسها الذي كان من الواجب أن يكون على أعدائها أصبح بينها في أفرادها وجماعتها حتى بدأت تسمع من يكيل السب والشتم للخيرين والعلماء، وأصبحنا كما وصف ابن عبد البر رحمه الله أهل زمانه حين قال : " والله لقد تجاوز الناس الحد في الغيبة والذم فلم يقنعوا بذم العامة دون الخاصة ولا بذم الجهال دون العلماء " أ.هـ.
إن المصيبة تكبر حينما يكون هذا صادر من بعض من ينتسبون إلى الدين اسما وبلدا وظلم ذوي القربى أشد مضاضة++ على المرء من وقع الحسام المهند
وهذا والله منذر بسبيل عذاب، قد انعقد غمامه
<2648
من أقوى أسباب الاختلاف والفرقة بين العباد هو الظلم والاعتداء وفقدان العدل والإنصاف، ولو جاهد المسلم نفسه لتحقيق صفة العدل مع نفسه ومع الناس فإن كثيرا من المشاكل التي تحصل بين المسلمين سواء منها الفردية أو الجماعية ستزول وتحل بإذن الله، وذلك لأن سبب الانحراف عن الحق والإصرار على الخطاء إما الجهل وإما الظلم، والجهل علاجه العلم، والظلم علاجه العدل والإنصاف والقسط.
وأصل العدل هو الاعتدال، والاعتدال هو صلاح القلب كما أن الظلم فساده، ومن أمارة العدل الحياء والسخاء والهين واللين، وأما تباشيره فالرحمة، وأما بابه فالاعتبار وهو ذكر الموت بتذكر الأموات والاستعداد له بتقديم الأعمال، وأما مفتاحه فالزهد وهو اخذ الحق من كل حد قَبل الحق، وتأدية الحق إلى كل أحد له حق من غير مصانعة أحد. وقد أمر الله به عباده في آيات كثيرة من كتابه العزيز وبين محبته لأهله فقال عز وجل: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
أولا> ذم الاختلاف \\
خلاصة ذالك 1- نهى ديننا عن كل ما يزرع الشحناء بين المسلمين 2- النهي عن سوء الظن بالمسلمين 3- النهي عن التحسس والتجسس 4- النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض 5- النهي عن التناجش والبيع على بيع المسلم 6- النهي عن الظلم والسخرية والخذلان للمسلم 7- الوعيد لمن احتقر المسلمين.
:لقد أرسل الله تعالى نبيه محمدا رحمة للعالمين؛ ليجمع على الإيمان قلوب المؤمنين، ويزيل من قلوبهم كل أسباب الشحناء، ويطهر نفوسهم من كل أسباب البغضاء، ليكونوا إخوانا متحابين . أخرج البخاري ومسلم - عليهما رحمة الله - في صحيحيهما عن النبي أنه قال: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا ولا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه، إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) رواه البخاري ومسلم.
أيها المسلمون: لقد تضمنت هذه الأحاديث أحد عشر نهيا يؤدي العمل بها إلى الائتلاف والصفاء بين قلوب المسلمين، وإلى البعد عن الاختلاف والشحناء بين المؤمنين.
قول النبي : ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) المقصود بالظن هنا هو التهمة التي لا سبب لها، وهو الظن السيء فإنه من الإثم والباطل، قال تعالى: إن بعض الظن إثم ، وقال عز وجل: إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ، فعلى المسلم أن يحذر من ظن السوء، وأن يحمل أخاه على أحسن الوجوه ما وجد إلى ذلك سبيلا. قال عمر : ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا. وقال سعيد بن المسيب - رحمه الله -: كتب إلي بعض إخواني: ((أن ضع أمر أخيك
<2649
على الأحسن ما لم تغلب))، قوله فإن الظن أكذب الحديث: أي ما ينشأ عن الظن مما لا يطابق الواقع.
قوله: ((ولا تحسسوا ولا تجسسوا)) قال العلماء: التحسس: الاستماع لحديث القوم، والتجسس البحث عن العورات، وقيل: هو التفتيش عن بواطن الأمر، وأكثر ما يقال ذلك في الشر، قال الخطابي - رحمه الله -: معناه لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها .
قوله: ((ولا تحاسدوا)) أي: لا يحسد بعضكم بعضا، والحسد هو تمني زوال النعمة عمن لديه تلك النعمة، وهو سخط على الله في فضله ونعمته واعتراض على قسمته، قال تعالى: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، إن الحاسد حينما يرى نعمة على غيره قد ظهرت أو منقبة شكرت فإنه يغتم ويهتم ويتمنى النقمة لصاحب النعمة ويفرح بالمصيبة عليه، قال تعالى: إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط [سورة آل عمران:120].
أيها المسلمون: إن الحسد داء يضر بالجسد، وسبب لهبوط منزلة المقصود، بل ربما يكون حسد الحاسد منبها إلى فضل المحسود، ونقص الحسود، كما قال أبو تمام:
وإذا أراد الله نشر فضيلة ++ طويت أتاح لها لسان حســــود
لولا اشتعال النار فيما جاورت+ ما كان يعرف طيب عرف العود
قول النبي : ((ولا تناجشوا)) النجش: هو أن يزيد الرجل في قيمة السلعة وهو لا يريد شراءها، وإنما قصده نفع البائع على حساب المشتري، أو مضرة المشتري المحتاج وهو من أسباب البغضاء ومن الإعانة على أكل المال بالباطل ومن الغش للمسلمين، فلا يجوز لك أيها المسلم أن تزيد في ثمن سلعة ما عند المزايدة إلا إذا كنت تريد شراءها حقيقة لك أو لغيرك. قوله: ((ولا تباغضوا)) أي: لا تفعلوا أسباب البغضاء فيما بينكم من السب والسخرية والغيبة والنميمة وإن من شرار الناس المشائين بالنميمة المتبعين لأهوائهم، لتحذر أيها المسلم أن تبغض أخاك من أجل أمره لك بمعروف أو نهيك عن منكر، فتبغضه من أجل أن وعظه لا يوافق هواك، فتكون ممن اتبع هواه بغير هدى من الله فتصبح من الضالين.
قوله: ((ولا تدابروا)) التدابر هو التهاجر والتقاطع فإن كلا من المتقاطعين يولي صاحبه دبره ويعرض عنه ولا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام، قال النبي : ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم.
قال ابن عبد البر - رحمه الله -: قيل للإعراض مدابرة لأن من أبغض أعرض ومن أعرض ولى دبره والمحب بالعكس.
قوله: ((ولا بيع بعضكم على بيع بعض)) معنى ذلك أن أقول لمن اشترى سلعة في مدة الخيار إفسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأقل أو أجود منه بثمنه. اهـ موسوعة الخطب..
ثانياالاختلاف المذموم\\
<2650
ملخص ذالك : 1-الاختلاف المذموم. 2- فتاوى علماء السوء. 3- أسباب الاختلاف. 4- أثر الاختلاف. 5- أنواع الاختلاف. 6- الاختلاف في وجهات النظر. 7- الاختلاف بين الزوجين.
ثانيا الاختلاف المذموم. قال تعالى : <ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم [آل عمران:103]. الاختلاف داء، إذا أصاب الجماعة دمرها من داخلها، وصرفها الله تعالى عن حمل رسالته ودعوته فحملة دعوة الله لا ينبغي أن يكونوا مختلفين.فما الاختلاف؟ ولماذا؟ وما أثره؟ وما أنواعه؟ وما أدب الإسلام عند الاختلاف؟الاختلاف لغة: عدم الاتفاق على الشيء.
واصطلاحا: أن ينفرد كل واحد بطريق غير طريق الآخرين في رأي أو فعل أو حال.وينبغي أن تعلم:أن اختلاف الأقوال وارد، ولكن اختلاف القلوب هو الاختلاف المنهي عنه في الكتاب والسنة والإجماع، في الكتاب: ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم [آل عمران:103].
وفي السنة: ((لا تقاطعوا ولا تدبروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا))(1)[1]).والإجماع: جاء في العقيدة الطحاوية: ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيغا وعذابا.والعلم إذا تجرد عن الإخلاص لله عز وجل كان سببا للشقاء إذا غلب صاحبه حب الغلبة والرياسة والثراء.
ثالثا>> فتاوى علماء السوء وعلماء السوء هم الذين يحلون ما حرّم الله كالذي أباح الربا عندما دعا الناس إلى شراء شهادات استثمارية بنية مساعدة الدولة ثم تلاعب بالألفاظ فسمى الفائدة أو الربا بالعائد الاستثماري، والربا هو الربا وهو حرام على جميع أنواع القروض سواء كان قرضا إنتاجيا أو استهلاكيا، وأمثال هؤلاء يوقعون الأمة في اختلاف وعندما يرى البسطاء اختلاف العلماء فيما بينهم، وليس هناك من اختلاف إنما هي التبعية وأكل الفضلات التي يلقيها أصحاب المال والجاه وقد ضرب الله لهؤلاء مثلا بالكلب فقال: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب [الأعراف:175-176].
رابعا>>أما أسباب الاختلاف:
فإن الناس ليسوا سواء في مداركهم وعقولهم وطبائعهم فمنهم الحليم ومنهم العجول، ومنهم السطحي ومنهم الواعي لبواطن الأمور، ومنهم من يفسر الأمور تفسيرا آخذا فيه بقول عمر : التمس لأخيك بضعا وسبعين عذرا ومنهم من يأخذ بالمثل القائل: سوء الظن من حسن الفطن.
1>طمع وحرص: والدنيا سبب كبير:للاختلاف يقول عليه الصلاة والسلام: ((فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم))(2)[2]).
التنافس على الدنيا هو الذي أفسد فيما بين الرجل وزوجته والوالد وولده، والإخوة الأشقاء بل يصل الأمر إلى القتل والانتقام بالاتهام الكاذب في العرض والعياذ بالله تعالى.
<2651
2>حظ الشيطان من هذه الأمة: للحديث: ((إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم))(3)[3]). فالشيطان حريص على أن يفسد فيما بين المسلم وأخيه، والقلب إذا لم يكن عامرا بتقوى الله ومخافته فإن الشيطان يعشعش في أمثال هذه القلوب ويسوسها بيده حيث يريد، قال تعالى: الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا [الكهف:104]. من إيذاء الإخوة لإخوانهم، وتضييع لحقوقهم، ونصرة لشخوصٍ، وإحياء لنعرات جاهلية وإقليمية بغيضة.
خلاصة أسباب الاختلاف \\
وأما أسباب الاختلاف: فكثيرة منها:
1>>ـ سوء التقدير والموازنة بين الأصول والفروع: دخل الإمام البنا ورأى المصلين يتنازعون في صلاة والتراويح منهم المصر على صلاة عشرين للأثر الثابت عن عمر ومنهم المصر على صلاتها ثماني لفعل المصطفى ولما كان هذا الباب باب تطوع والزيادة فيه جائزة كما نص على ذلك الشوكاني في كتابه، نيل الأوطار، قال لهم الإمام البنا أرى أن تصلوا العشاء ثم تغلقوا المسجد وكل يصلي في بيته ما شاء، فقالوا له: ولم؟ قال: لأن صلاة التراويح كلها سنة وأخوتكم فريضة فلا تهدر الفريضة لأجل السنة.
2>>ـ فقدان العالمية: إسلامنا لا يعرف الإقليميات ولا الانتساب إلى الطيب ولا اختلاف الألسن والألوان وإنما هو دعوة عالمية لكل البشر قال تعالى: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا [الأعراف:158].
3>>ـ فقدان الشمولية: إسلامنا كل لا يتجزأ ولا يحل لأحد مهما كان له من علم أو دراية أن يقدم أو يؤخر أو يضخم جانبا على حساب جانب آخر قال تعالى: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا [البقرة:85].
4>ــ الأهواء: ومداخل الشيطان إلى قلب العبد لا يقف حائلا دونها إلا التقوى فإهمال المتقادم في وجوده فيما نحث عليه المبتدئ من صلاة وصيام وذكر واستغفار ومجاهدة للحديث: ((إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا نسي التقم قلبه))(10)[10]). وللحديث: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم(11)[11])- فضيقوا مجاريه بالجوع))(12)[12]). وبغير هذه الرياض الروحية، يعرض العبد قلبه لسهام الشيطان، بل يزيده لجاجة وإضلالا، بتلبيسه حيث يوحي إليه بالقياس الفاسد ومعارضة النصوص بتأويلات ساقطة وحذلقة لا يقرها عاقل وصدق الله العظيم: وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا [الجاثية:9]. والحديث: ((إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم))(13)[13]). اهـ موسوعة الخطب
2652
خامسا>>وأما أثر الاختلاف ومفاسده:
1>ضعف وهوان: قال تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم (أي قوتكم) واصبروا إن الله مع الصابرين [الأنفال:46].
2>صراع ونزاع: للحديث: ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض))(4)[4]).
3>فرقة وتمزق: للحديث: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ما أنا عليه وأصحابي))(5)[5]).
سادسا>>وأما أنواع الاختلاف:
اختلاف في الخلق والتكوين: اختلاف في الألوان، والألسنة، والملامح آية من آيات الله سبحانه تدل على عظيم قدرته عز وجل قال تعالى: ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم [الروم:22]. كما أن اختلاف الألوان والألسنة والملامح سبب إلى التعارف فيما بين الناس فلو كان الناس على لون واحد واسم واحد لما تمّ التعارف فيما بينهم قال تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم [الحجرات:13].
1>- فلا سخرية في إسلامنا: قال تعالى: لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم [الحجرات:11]...2>- ولا انتقاص. عيّر أبو ذر بلالا بأمه وقال له: يا ابن السوداء، فقال النبي : ((ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل وإنك امرئ فيك جاهلية))).....-3> ولا طبقية في إسلامنا: أن يقسم البشر إلى طبقات ودرجات: وقد زوج النبي بنت عمته زينب بنت جحش من زيد بن حارثة العبد الذي يباع ويشترى وتقول عائشة رضي الله عنها: ما بعث رسول الله سرية فيها زيد إلا أمره عليهم ولو عاش بعده لاستخلفه.
في موسوعة الخطب\\ أما أنواعه: فهو في الأصل قسمان:اختلاف تنوع، واختلاف تضاد. واختلاف التنوع على وجوه:
1>منه: ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقًا مشروعًا؛ كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة، حتى زجرهم عن الاختلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (كلاكما محسن)رواه مسلم.ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان، والإقامة، والاستفتاح، والتشهدات، وصلاة الخوف، وتكبيرات العيد، وتكبيرات الجنازة، إلى غير ذلك مما قد شرع جميعه، وإن كان قد يقال: إن بعض أنواعه أفضل.ثم نجد لكثير من الأمة في ذلك من الاختلاف ما أوجب اقتتال طوائف منهم على شفع الإقامة وإيتارها، ونحو ذلك؛ وهذا عين المحرم. ومن لم يبلغ هذا المبلغ فتجد كثيرًا منهم في قلبه من الهوى لأحد هذه الأنواع والإعراض عن الآخر، أو النهي عنه، ما دخل به فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم....2>ومنه: ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الآخر؛ لكن العبارتين مختلفتان، كما قد يختلف كثير من الناس في ألفاظ الحدود، وصيغ الأدلة، والتعبير عن المسميات، وتقسيم الأحكام، وغير ذلك. ثم الجهل أو الظلم يحمل على حمد إحدى المقالتين وذم الأخرى....3>ومنه: ما يكون
2653
المعنيان غيرين، لكن لا يتنافيان؛ فهذا قول صحيح، وهذا قول صحيح، وإن لم يكن معنى أحدهما هو معنى الآخر، وهذا كثير في المنازعات جداً.
4>ـ ومنه: ما يكون طريقتان مشروعتان، ورجل أو قوم قد سلكوا هذه الطريق، وآخرون قد سلكوا الأخرى، وكلاهما حسن في الدين. ثم الجهل أو الظلم يحمل على ذم إحداهما أو تفضيلها بلا قصد صالح، أو بلا علم، أو بلا نية وبلا علم ...وهذا القسم - الذي سميناه: اختلاف التنوع - كل واحد من المختلفين مصيب فيه بلا تردد، لكن الذم واقع على من بغى على الآخر فيه، وقد دل القرآن على حمد كل واحدة من الطائفتين في مثل ذلك - إذا لم يحصل بغي - كما في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) (الحشر: من الآية5)، وكما في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم - يوم بني قريظة - لمن صلى العصر في وقتها، ولمن أخرَّها إلى أن وصل إلى بني قريظة ... وأما اختلاف التضاد فهو:
القولان المتضادان إما في الأصول، وإما في الفروع عند الجمهور الذين يقولون «المصيب واحد» وإلا فمن قال: «كل مجتهد مصيب» فعنده هو من باب اختلاف التنوع، لا اختلاف التضاد. فهذا الخطب فيه أشد؛ لأن القولين يتنافيان، لكن نجد كثيرًا من قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه حق ما، أو معه دليل يقتضي حقًا ما، فيرد الحق في الأصل هذا كله، حتى يبقى هذا مبطلاً في البعض، كما كان الأول مبطلاً في الأصل، كما رأيته لكثير من أهل السنّة في مسائل القدر والصفات والصحابة، وغيرهم وأما أهل البدعة: فالأمر فيهم ظاهر، وكما رأيته لكثير من الفقهاء، أو لأكثر المتأخرين في مسائل الفقه، وكذلك رأيت الاختلاف كثيرًا بين بعض المتفقهة، وبعض المتصوفة، وبين فرق المتصوفة، ونظائره كثيرة.
ومن جعل الله له هداية ونورًا رأى من هذا ما يتبين له به منفعة ما جاء في الكتاب والسنّة من النهي عن هذا وأشباهه، وإن كانت القلوب الصحيحة تنكر هذا ابتداء، لكن نور على نور ...
سابعا اختلاف الأئمة رضوان الله عليهم وآداب الاختلاف :
كتب ابن تيميه كتابا سماه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وذكر أسباب اختلاف الأئمة فيما بينهم في وصول الحديث إلى أحدهم وعدم وصوله إلى الآخر وكذا اللفظ المحتمل لمعنيين، وكذا عدم معرفة الناسخ للحديث السابق وهكذا، فلا يجوز أبدا أن يكون اختلاف الأئمة سببا إلى الصراع والتناحر كما جرى من قبل كما ذكر صاحب كتاب (ما لا يجوز الخلاف فيه بين بعض المسلمين) فذكر صورا من التعصب المقيت الذي مر على الأمة المسلمة في بعض فتراتها كأن يكتب على باب المسجد: ممنوع دخول الكلاب الحنابلة. وإن الحنفية لا تتزوج الشافعي، والمسلم يسعى للوصول إلى الدليل الأقوى فيأخذه وإن كان على غير قول إمامه، فإن لم يستطع فلا بأس بأن يكون متبعا لأحد الأئمة رضوان الله عليهم من غير تعصب مقيت.
الاختلاف في وجهات النظر في الصف المسلم: ولابد من الأخذ بالقواعد التالية لتفادي تفاقم الخلاف إلى اختلاف القلوب والمعاداة والكيد والمكر بعد ذلك:
2654
1>>ـ - إبداء وجهة النظر حق لكل مسلم يقول عمر : (رحم الله من أهدى إلي عيوبي).
2>ـ - وجوب الاستماع للرأي الآخر: يقول عمر عندما قال له رجل: اتق الله، فاعترض الناس على الرجل: كيف تقول لأمير المؤمنين: اتق الله؟ فقال عمر: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها منكم، والكلمة إن لم تسمع في السر، تمردت وانفجرت وسمعت علانية رغم الأنوف.
3>ـ - وجوب التنازل عن الخطأ إذا تبين وجه الحق: ورسول الله : عندما اختار مكانا لغزوة بدر جاءه الحباب بن المنذر يقول: أهو منزل أنزلكه الله أم هي الحرب والمشورة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((بل هي الحرب والمشورة)) فقال الحباب بن المنذر: فإني أعلم مكان كذا وهو خير من المكان الذي أنت فيه. ويأخذ رسول الله بقوله)).
4>ـ - استحضار إخلاص المخالفين في الرأي: من الغباء بمكان أن يفسر الرأي الآخر أنه الرغبة في التدمير وشق عصا الطاعة، وحب الظهور وهذا لحن ملّت قلوب المخلصين سماعه لسماجته وسطحيته وظلمه. وإذا دام الأمر كذلك فلا يبقى في الصف إلا الإمعات ممن لا يحسنون إلا الموافقة حفاظا على المناصب الوهمية من الضياع، وأي ضياع أعظم من خلو الصف من الرجال.
وأما آداب الاختلاف في إسلامنا:
1- جواز تعدد الصواب: رجلان على عهد النبي افتقدا الماء فتيمما فصليا، ثم وجدا الماء فاكتفى أحدهما بالصلاة التي تيمم لها، وأما الآخر فلم يطمئن قلبه إلا أن يتوضأ فيعيد الصلاة فلما ذكرا ذلك لرسول الله : قال للأول: ((أصبت السنة)) وقال للثاني: ((لك الأجر مرتين)).أبوداود وصححه الألباني
احترام عقول وعواطف الآخرين: تأمل معي: رب العزة سبحانه يخاطب أعداءه المخالفين لمنهجه فيقول: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين [سبأ:24].
2- ثم احترام عواطف الآخرين: لما انتصر المسلمون في غزوة (حنين) أعطى الرسول الطلقاء (حديثي العهد بالإسلام) ممن أسلموا في فتح مكة الغنائم، ومنع منها الأنصار وهم الذين نصروا الله ورسوله من أول الإسلام، وهم أهل التضحيات.
انظر كيف عالج رسول الله الأمر: خرج إليهم رسول الله (إلى الأنصار) ثم قال: ((ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم؟ قالوا: بلى، قال رسول الله: ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟ قالوا: وبماذا نجيب يا رسول الله قال: والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصُدقتم: جئتنا طريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك وخائفا فآمنّاك ومخذولا فنصرناك، قالوا: المنُّ لله ورسوله، فقال: أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا، تألفت بها قوما أسلموا ووكلتم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس في رحالهم بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، فوالذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءً من الأنصار اللهم ارحم الأنصار، وابناء الأنصار، وابناء ابناء الأنصار، فبكى القوم
2655
حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا بالله ربا ورسوله قسما ثم انصرف وتفرقوا))(
.
بأبي هو وأمي رسول الله : كيف عالج الأمر وهو النبي وطاعته عبادة، ورأيه وقوله وحي من الله تعالى، ومخالفته عذاب في الدنيا والآخرة، تأمل كيف تناول الأمر فذكرهم بنعم الله عليهم، ثم أثنى عليهم بذكر مواقفهم الكريمة فلا ينبغي أن تداس بالأقدام مواقف المخلصين عند الاختلاف بالرأي كما هو الحال في واقعنا. ثم زهدهم بالدنيا ورغبهم فيما عند الله والدار الآخرة، ثم جعل من نفسه واحدا منهم ودعا لهم بالدعاء المستجاب الذي لا يرد ففاضت الدموع ورضيت القلوب وقنعت.
3- مدارة الناس وحملهم على الحق شيئا فشيئا: فيقول النبي لعائشة: ((لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأمرت بهدم الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم))(12)[12]).
فنتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.
وجود الرجل الحكيم الرحيم بمن معه الذي تجتمع عنده القلوب: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر [آل عمران:159].
خلاصة ـ آداب الاختلاف بين الدعاة \\
وأما أدب الدعاة عند الاختلاف: فالناس يختلفون في نظرتهم إلى أي أمر فكل يراه من ناحية، فكان اختلاف الأقوال، وارد وهذا أمر قديم ولا ينكره منصف عارف، ولكن الذي ننكره هو اختلاف القلوب بسبب اختلاف الأقوال.وما ينبغي أن يعلمه كل داعية إلى الله تعالى على وجه الخصوص هو:
1>جواز تعدد الصواب: الرجلان اللذان فقدا الماء فتيمما وصليا ثم وجداه فقام أحدهما فتوضأ وأعاد واكتفى الآخر بالصلاة الأولى، فلما عادا إلى الرسول قال للذي أعاد: ((لك الأجر مرتين، وقال للآخر أصبت السنة))(9)[9]).
2>إن هناك منكرا أصغر ومنكرا أكبر: وكل منكر أصغر إنما يستمد وجوده من المنكر الأكبر.إنا دعاة لا قضاة: فالحكم على الناس بالكفر أو الإيمان من غير بينة أو إقرار أو أداء لواجب الدعوة مخالف لعقيدتنا يقول الإمام الطحاوي رحمه الله: ((ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله)).
3>أن نستشعر خطر العدو المشترك فالكفر ملة واحدة بل يد واحدة، اليهودية تلتقي مع الصليبية مع الشيوعية ضد إسلامنا والله تعالى يدعونا أن نتخذ من الكفار قدوة في موالاة بضعهم لبعض قال تعالى: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير [الأنفال:73]. أما المنازعات والمهاترات التي تقطع حبائل المودة فهذه لن تزيدنا إلا ضياعا إلى ضياع وذلا إلى ذل.
ثامنا آداب الاختلاف بين الزوجين:
ولابد لاختلاف الزوجين من ضوابط: 1>>- لا يكون أمام الأبناء حتى لا يزرع الشر في قلوبهم، ويحملون بذور العداوة منذ الصغر.
2>>- المعرفة بطبيعة المرأة: للحديث: ((استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع أعوج وأعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل
2656
أعوجا فاستوصوا بالنساء خيرا))(8)[8]). فالعيب الذي تريد إصلاحه يحتاج منك إلى سنين حتى يستقيم، فلا تتعجل الأمور قبل أوانها، والزمن جزء من العلاج.
3>>- أن تستحضر جوانب الخير فيها، للحديث: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا أحب منها آخر))(9)[9])، جوانب الخير من عفة وتقوى لله عز وجل، وقيام ببعض واجبات الأسرة.
4>>- التدرج في التأديب: فآخر الدواء الكي، فلا يجوز التعجل في استخدامه قبل إقامة الحجة وتقويم العوج بالوسائل المتاحة والتي نص عليها القرآن: قال تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن [النساء:34].
تاسعا>ـ نبوءة المصطفى في افتراق هذه الأمة وذالك لما يلي :
ففي موسوعة الخطب :
ومن الناس اليوم خلق كثير ينتسبون إلى الإسلام لكنهم فرقوا دينهم وكانوا شيعا. فانقسموا إلى جماعات وأحزاب وفرق، لكل فرقة وجماعة منهج مختلف عن منهج الأخرى في الاعتقاد والتعبد والدعوة ولم يبق على الحق من هذه الفرق إلا من تمسك بالكتاب والسنة وسار على منهج السلف الصالح كما قال النبي - -: (( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة: قيل من هي يا رسول الله؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ))، ولقد أخبر الله سبحانه عن براءة النبي - -من هذه الفرق المخالفة للفرقة الناجية قال تعالى : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون [الأنعام :159].وبين سبحانه طريق النجاة من هذا الاختلاف بقوله تعالى : واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا [آل عمران : 103].
إنه لا صلاح ولا فرج ولا نجاة من عذاب الله إلا بالتمسك بالإسلام علما وعملا واعتقادا قولا وفعلا وحكما به بين الناس : إن الدين عند الله الإسلام [آل عمران:19].
ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [آل عمران :85]. أفغير دين الله يبغون ، [آل عمران :83]. أفغير الله أبتغي حكماً [الأنعام:114]. أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون [المائدة :50].
وهناك من يتحمسون للدين اليوم ويقومون بالدعوة إليه بزعمهم -وهم جهال - بأحكامه آنية مغرضون يريدون الدس فيه وإثارة الفتن بين المسلمين فيروجون الشبه ويزهدون في علم السلف ويصفون العلماء بأنهم قاصرو النظر لا يفهمون فقه الواقع. وهم يريدون بذلك أن يفصلوا المسلمين عن علمائهم حتى يدخلوا عليهم مبادئهم وأفكارهم المنحرفة.
إنَّ أدواءَ المسلمين وأمراضهم وسببَ العقوبات في الدنيا والآخرة هي التفريطُ في العمل بسنّة نبينا محمد وهديه القويم، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
2657
وإنَّ اختلافَ الأهواء واختلافَ الأقوال والتنافُر بين القلوب سببُ ذلك الجهلُ بالسنة والتفريط في العمل بها، وفي الحديث عن النبي : ((تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي: كتابَ الله وسنتي))(6)[1]، ويقول النبيّ : ((افترقتِ اليهود على إِحدى وسبعين فِرقة، وافترقتِ النصارى على اثنتَين وسَبعين فرقة، وستفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلاَّ واحدة))، قلنا: من هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي))(7)[2].
والفِرَق الإسلامية التي ظهرت عبرَ تاريخ الإسلام منشأُ ضلالها من الجهلِ بسنة المصطفى وأقواله والابتعادُ عن العمل بها، كالخوارج والمُرجئة والقدريَّة والجهمية وغيرهم، ضلُّوا في فهمهم لسنة المصطفى ، وضلّوا في تفسيرهم للقرآن وبُعدهم عن العناية بهذه السنة وعدم أخذ تفسيرها من العلماء.
وما أشبَهَ الليلةَ بالبارحة، فالخوارجُ في هذا الزمان ضلّوا في فهم السنة، وبعُدوا عن العلماء الذين هم أعلمُ بسنة رسول الله ، فظهر هؤلاء الخوارج، يكفِّرون المسلمين، ويستحلّون دماءَهم وأموالهم، كما فعل أسلافُهم، ويستحلّون دماءَ المستأمَنين من غير المسلمين، وينفِّذون مخطَّطاتِ أعداءِ الإسلام، ويلتقون معها في أهدافِها، شعروا بذلك أو لم يشعروا، فجلَبوا بهذه الأفكار شرًّا عظيمًا على البلاد والعباد والعياذ بالله.اهـ
موسوعة الخطب
في قتاوى الشبكة الإسلامية
نتقدم إليكم بالسؤال عن حديث شريف ما معناه "افترقت اليهود على واحد وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اتنتين وسبعين فرقة...الخ
وليس في الحديث تعزيز للفرقة.. بل فيه إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم بما سيحصل من الافتراق، وهذا إنما هو من إطلاع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم على بعض الغيبيات.والمطلوب من الأمة أن تتوحد، وتجتمع، وتتفق على الكتاب والسنة، ولا يجوز لها أن تفترق وتختلف وتتشتت. وقد دل على ذلك آيات وأحاديث كثيرة جداً.والخلاف المذموم إنما هو في مسائل العقائد والأصول كالخلاف بين من يلتزمون بالسنة ومن لا يلتزمون بها، وليس من ذلك الخلاف بين أهل المذاهب الفقهية كالخلاف بين أهل المذاهب الأربعة.والله أعلم.المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
....وفي الشبكة الإسلامية ايضا ما يلي :
ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟
قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" وفي بعض الروايات: "هي الجماعة"رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.وقال عنه ابن تيمية: (هو حديث صحيح مشهور) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.وفي رواية معاوية بن أبي سفيان (هي الجماعة) قال عنها ابن تيمية رحمه الله: (هذا حديث محفوظ)، وقال عنه الألباني: صحيح، في السلسلة الصحيحة
2658
.وتحديد الفرقة الناجية في هذا الحديث اختلفت فيه أقوال العلماء،فقد ذكر فيها الإمام الشاطبي في كتاب الاعتصام خمسة أقوال، عزاها إلى قائليها، إلا قولاً واحداً لم يعزُه، وهي:
1-السواد الأعظم: قال: فعلى هذا القول يدخل في الجماعة مجتهدو الأمة، وعلماؤها، وأهل الشريعة العاملون بها، ومن سواهم داخلون في حكمهم، لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم.
2-أئمة العلماء المجتهدين: والمقصود بهم العلماء الأعلام من أئمة الهدى المتبعين للكتاب والسنة، قال الشاطبي: (فمن خرج على علماء الأمة مات ميتة جاهلية)
3-الصحابة على الخصوص: قال الشاطبي: (فعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى، في قوله عليه الصلاة والسلام: "ما أنا عليه وأصحابي" فكأنه راجع إلى ما قالوه، وما سنوه، واجتهدوا فيه حجة على الإطلاق.)
4-جماعة أهل الإسلام: إذا أجمعوا على أمر وجب على بقية أهل الملل اتباعهم، قال الشاطبي: (وكأن هذا القول يرجع إلى الثاني وهو يقتضي أيضاً ما يقتضيه، أو يرجع إلى القول الأول وهو الأظهر).
وهذا القول مشكل جداً لأن أهل الإسلام أنفسهم ينقسمون إلى فرق، والمقصود تحديد الفرقة الناجية.
ولذلك لم يذكره ابن حجر عن الطبري، وذكر الأقوال الأربعة الأخرى، فإسقاط هذا القول أولى، لاسيما وأن الشاطبي لم يذكر قائله.
5-أنها جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير وجب على بقية الأمة لزومه.قال الشاطبي في بيانه: (وحاصله أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة، وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المذكورة، كالخوارج ومن جرى مجراهم.) هذا، ولما كان القول الرابع منتقداً لأنه ينافي المقصود من الحديث لم ينقله ابن حجر في فتح الباري عن ابن جرير الطبري، واكتفى بنقل الأقوال الأربعة الباقية.
ونحن نجد بالنظر أن خلاصة هذه الأقوال الأربعة أن المقصود بالجماعة الناجية أمران:
الأول: جماعة العقيدة والمنهج، وذلك بأن يلتزم المسلم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين، من أمور الاعتقاد وأصول الدين، وهذا هو الأصل والأساس.
الثاني: الجماعة -بالمعنى الخاص- وذلك بلزوم جماعة المسلمين التي لها إمام موافق للشرع، وعدم مفارقتها، وعدم نكث بيعة الإمام فضلاً عن الخروج عليه. وراجع في ذلك كتاب: وجوب لزوم الجماعة.
وقد نحا الإمام الخطابي منحى آخر قريباً من هذا في كتاب العزلة فقال: الفُرقة فرقتان: فرقة الآراء والأديان، وفرقة الأشخاص والأبدان، والجماعة جماعتان، جماعة هي الأئمة والأمراء، وجماعة هي العامة والدهماء. ا.هـ
2659
وهذا الحديث السابق علامة من علامات النبوة، حيث أخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر غيبي، وقد حصل افتراق الأمة إلى فرق كثيرة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فوقع كما أخبر.
ولكي نحدد مواقع المختلفين في كل زمان لا بد من وضع ضابط نستطيع به أن نعرف هذه الفرق من غيرها، إذ ليس كل اختلاف بين المسلمين يُدخلهم في هذه الفرق، كما هو الحال في هذه الأيام، إذا حصل اختلاف بين المسلمين في وسائل الدعوة إلى الله، وطريقة تحصيل العلم الشرعي وفقه الواقع، فكل هذا ليس مما نحن بصدده من تعيين الفرق المذكورة في الحديث، وقد ذكر المباركفوري في شرحه على سنن الترمذي ضابط الداخلين في هذه الفرق، والخارجين منها، فقال: (قال العلقمي: قال: شيخنا: ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي، في شرح هذا الحديث كتاباً قال فيه: قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يُرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه، من أبواب الحلال والحرام، وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد، وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة، وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضاً، بخلاف النوع الأول، فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تقسيم للمخالف فيه، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الخلاف.انظر تحفة الأحوذي.والله أعلم.المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
وفي > المنتقى من فتاوى بن فوزان>
ما هي المذاهب والطرائق المنحرفة عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وهل هناك طرائق صوفية على الطريقة الإسلامية الصحيحة ؟
الطرائق المنحرفة كثيرة لا يمكن حصرها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 7/296، 297 ) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1322 ) بنحوه من حديث عوف بن مالك وأنس بن مالك، وانظر " مسند الإمام أحمد " ( 2/332 ) ، و " سنن أبي داود " ( 4/197 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وهذا عدد كثير، والموجود الآن من تشعب الفرق كثير، ولكن الثلاث والسبعين فرقة أصولها كما قال أهل العلم .
وليس هناك فرقة ناجية إلا فرقة واحدة وهي ما كانت على مثل ما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، وهم الذي أخبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنهم بقوله : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 3/1523 ) من حديث ثوبان رضي الله عنه ] ، ففرقة واحدة هي الناجية وهم أهل السنة والجماعة الذين بقوا وثبتوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يبدلوا ولم يغيروا، هؤلاء هم الفرقة الناجية وما عداهم فهم ضالون، وكما أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلها في النار .
2660
والطرق الصوفية طرق ضالة ومنحرفة خصوصًا في وقتنا الحاضر، لأنها مخالفة لما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه فهي داخلة في الفرق الضالة، بل ربما يصل ضلالهم إلى الكفر، فمنهم أهل وحدة الوجود، وهم أكفر أهل الأرض وهم من فروع الصوفية، أو من أكابرهم، وكذلك منهم الحلولية، ومنهم الآن : السادة الذين يعبدون من دون الله ويتقرب إليهم مريدوهم بأنواع القربات من دون الله عز وجل إذا كانوا أمواتًا إلى أضرحتهم وقبورهم يريدون منهم المدد والشفاعة وغير ذلك، وإن كانوا أحياءً فإنهم ينقادون لأوامرهم لتحريم الحلال وتحليل الحرام وغير ذلك .ولا نعلم الآن أن هناك فرقة صوفية معتدلة بل كل الفرق الصوفية منحرفة، وانحرافها يتفاوت : منه ما هو كفر، ومنه ما هو دون ذلك .
وعلى كل حال الصوفية وغيرهم كل من خالف هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخالف سنته فإنه ضال ومنحرف وواقع تحت هذا الوعيد الشديد .
أيّها المسلمون، كانت الأمة في عهد النبوة مجتمعة على كلمة واحدة، القرآن منهجها، ورسول الله قائدها، ثم لما ظهرت البدع بدأت الأمة بالتفرق، ولنستَمع إلى الإمام ابن كثير رحمه كيف يحكي عن هذا الأمر ويوضحه وهو في معرَض كلامه عن تفسير الآية التي عليها مدار حديثنا فيقول رحمه الله: "فإنّ أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبَب الدنيا حين قسَم النبي غنائم حنين، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدِل في القسمة، ففاجؤوه بهذه المقالة فقال قائلهم وهو ذو الخوَيصرة بقرَ الله خاصِرته: اعدل فإنّك لم تعدل، فقال رسول الله : ((لقد خِبت وخسِرت إن لم أكن أعدِل، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟!)) فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب ـ وفي رواية: خالد بن الوليد ـ في قتله فقال: ((دعه فإنه يخرج من ضئضئ هذا ـ أي: من جنسه ـ قوم يحقِر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءتَه مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقِيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم))، ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقتلهم بالنهروان، ثم تشعّبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشِرة، ثم انبعث القدريّة ثم المعتزلة ثم الجهمية وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق في قوله: ((وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)) قالوا: وما هم يا رسول الله؟ قال: ((من كان على ما أنا عليه وأصحابي)).
ولما كان السلف رضي الله عنهم أكملَ الناس عِلمًا وعملاً وأشدَّ الناس اقتداءً بالنبيِّ رغَّب عليه الصلاة والسلام في لزومِ ما كان عليه هو وصحابتُه، وأمر بالتمسّك بما كانوا عليه من الهدَى، وأخبر أنّ الفِرقة الناجية عند اختلافِ الأمة هي ما كان عليه الرسول وأصحابه، فقال : ((افترقَتِ اليهود على إحدَى وسبعين فرقة، وافترقتِ النصارى على اثنتَين وسبعين فرقة، وستفترِق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النارِ إلا واحدة))، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثلِ ما أنا عليه وأصحابي))(4)[4]. وقوله : ((كلُّها في النار)) هذا من الوعيدِ المعلوم تفسيرُه
2661
عند السلف، وهذه الزيادةُ وهي قوله : ((مَن كان على مِثل ما أنا عليه وأصحابي)) رواها الآجري من طُرق(5)[5]، ومعناها لا شكَّ في صحَّته.
وقد وقع ما أخبرَ به النبيّ من الاختلاف والفُرقة، ولكنّنا كُلِّفنا بالاعتصامِ بالكتاب والسنّة ونَبذِ الخلاف والفُرقة، وأُمِرنا أن نكونَ من الفرقة الناجية التي علِمت الحقَّ وعمِلت به، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
وكلُّ فِرقة منَ الفرَق الإسلاميّة تزعم أنها على الحقِّ وغيرها على الباطل، ولكن ليس للدّعاوى وزنٌ عند الله ما لم يكن لها بيِّناتٌ من العِلم النافِع والعمَل الصّالح، وقد بيَّن الله تعالى في كتابِه صفاتِ هذه الفرقةِ النّاجية، وجلَّى أمرَها رسولُ الله ؛ ليكونَ المسلم على بصيرةٍ من دينهِ وعلى نورٍ من ربِّه، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40
ومِن صفات فرقةِ الحقِّ الناجية التمسُّكُ بما أجمع عليه السلفُ وما أجمَع عليه علماء الأمّة وعدَمُ المشاقَّة لله ولرسوله، قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115].
ومِن صفات هذه الفِرقة الناجيةِ تعظيمُ قولِ رسول الله وسنّته والعنايةُ بآثارِه بحفظِها والذبِّ عنها والرضَا بتحكيمِها، قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [النور:51]، وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وروى الآجري بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنّه قال لرجلٍ يقول: لا أعمَل إلا بما في كتابِ الله تعالى: (إنّك أحمَق، أَتَجِد في كتاب الله عزّ وجلّ الظهرَ أربعًا لا يُجهَر فيها بالقراءة؟!) ثم عدَّد عليه الصلاةَ والزكاة ونحوهما، ثم قال: (أتّجِد هذا في كتاب الله عز وجلّ مفسَّرًا؟! إنَّ كتاب الله جلّ وعلا أحكَمَ ذلك، وإنّ السنة تفسِّر ذلك)(6)[6]، وروَى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال في الواشمة والمستوشمة والمتنمّصة: (ما لي لا ألعنُ من لعن رسول الله وهو في كتاب الله: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]؟!)(7)[7].
ومِن صفات فِرقة الحقّ الناجية بذلُ الجهد في معرفةِ الحقّ ودلائله وعدمُ الرضا بأقوالِ الرجل في دين الله ممّا لا يؤيِّده كتابٌ ولا سنّة ولا أصلٌ أصَّلَه علماء المسلمين، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:18]، وقال تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3].
ومِن صفات هذه الفرقة الناجية محبّةُ المؤمنين ورَحمة المسلمين ونُصحهم وكفُّ الأذى والشرِّ عنهم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].
2662
ومِن صفات هذه الفرقةِ الناجية سلامةُ قلوبهم وألسنتِهم لسلفِ الأمّة رضي الله عنهم ومحبّتُهم، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]. وهذا بخلافِ ما عليه طوائفُ من الفِرَق الإسلامية من سبِّهم ولعنهم للصّحابة وسبِّهم لخِيار الأمة وساداتِ الأولياء رضي الله عنهم.
أيّها المسلم، تمسّك بما كان عليه سلفُ الأمّة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ووعدَهم الجنّة، وشهد لهم بالإيمانِ الكامل، وعُضَّ على ذلك بالنواجِذ، ولا تغترَّ بكثرةِ الهالكين، ولا تستوحِش من قلّةِ السالكين.
أما الاختلاف الحاصل بين أهل السنة والجماعة فلا يعد مذمومًا إلا إذا انتهى بالمختلفين إلى الخصومة والتفرق؛ وذلك لوجود الجهل، أو دخول الهوى والبغي بين المختلفين. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - كلامًا بديعًا عن الاختلاف وأنواعه، ومتى يكون مذمومًا، ومتى يكون محمودًا، أرى من المناسب تدوينه في هذا المقام ليمهد لما بعده.
قال - رحمه الله تعالى -: «عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تفترق اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح(1). وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)(2)... ثم هذا الاختلاف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إما في الدين فقط، وإما في الدين والدنيا، ثم قد يؤول إلى الدماء، وقد يكون الاختلاف في الدنيا فقط.
وهذا الاختلاف الذي دلت عليه الأحاديث هو مما نهي عنه في قوله سبحانه: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) (آل عمران: من الآية105)، وهو موافق لما رواه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه أنه أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه ودعا ربه طويلاً، ثم انصرف إلينا فقال: (سألت ربي ثلاثًا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها)(3)... فهذا يشير إلى أن التفرقة والاختلاف لا بد من وقوعهما في الأمة، وكان يحذر أمته لينجو منه من شاء الله له السلامة، كما روى النَّزَّال بين سبرة، عن عبدالله بن مسعود قال: «سمعت رجلاً قرأ آية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فأخذت بيده، فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: (كلاكما محسن، ولا تختلفوا؛ فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا) رواه مسلم(4).
2663
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف الذي فيه جحد كل واحد من المختلفين ما مع الآخر من الحق؛ لأن كلا القارئين كان محسنًا فيما قرأه، وعلل ذلك بأن من كان قبلنا اختلفوا فهلكوا ... فأفاد ذلك بشيئين:أحدهما: تحريم الاختلاف في مثل هذا.
والثاني: الاعتبار بمن كان قبلنا، والحذر من مشابهتهم.
واعلم أن أكثر الاختلاف بين الأمة الذي يورث الأهواء تجده من هذا الضرب؛ وهو: أن يكون كل واحد من المختلفين مصيبًا فيما يثبته، أو في بعضه، مخطئًا في نفي ما عليه الآخر، كما أن القارئين كل منهما كان مصيباً في القراءة بالحرف الذي علمه، مخطئًا في نفي حرف غيره؛ فإن أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجحود والتكذيب، لا في الإثبات؛ لأن إحاطة الإنسان بما يثبته أيسر من إحاطته بما ينفيه. ولهذا نهيت هذه الأمة أن تضرب آيات الله بعضها ببعض؛ لأن مضمون الضرب: الإيمان بإحدى الآيتين، والكفر بالأخرى - إذا اعتقد أن بينهما تضادًا - إذ الضدان لا يجتمعان ... والاختلاف(*) على ما ذكره الله في القرآن قسمان: وهذا الاختلاف المذموم من الطرفين يكون سببه تارة: فساد النية؛ لما في النفوس من البغي والحسد، وإرادة العلو في الأرض، ونحو ذلك؛ فيحب لذلك ذم قول غيرها، أو فعله، أو غلبته ليتميز عليه، أو يحب قول من يوافقه في نسب أو مذهب أو بلد أو صداقة، ونحو ذلك؛ لما في قيام قوله من حصول الشرف له والرئاسة، وما أكثر هذا من بني آدم، وهذا ظلم.ويكون سببه تارة: جهل المختلفين بحقيقة الأمر الذي يتنازعان فيه، أو الجهل بالدليل الذي يرشد به أحدهما الآخر، أو جهل أحدهما بما مع الآخر من الحق في الحكم، أو في الدليل، وإن كان عالمًا بما مع نفسه من الحق حكمًا ودليلاً.والجهل والظلم هما كل شر؛ كما قال سبحانه: (وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: من الآية72). اهـ موسوعة الخطب
عاشرا>ـ حكم الانتماء إلى الجماعات التي برزت في الصف الإسلامي كالسلفيين وغيرهم يجيب عن هذا الحكم العلامة بن فوزان في " المنتقى من فتاوى الفوزان ما حكم من ينتمي إلى تلك الجماعات، خصوصًا تلك التي تقوم على السّرّية والبيعة ؟النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بحصول التّفرُّق، وأمرنا عند ذلك بالاجتماع، وأن نكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
قال صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النّصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار؛ إلا واحدة ) . قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ( مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 7/297 ) من حديث عبد الله بن عمرو، وقد رواه غير الترمذي بألفاظ قريبة من هذا، وفي بعضها نقص، كابن ماجه وغيره . ] . وقال صلى الله عليه وسلم لمّا طلب منه أصحابه الوصيّة؛ قال : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمّر عليكم عبد؛ فإنه مَن يَعِش منكم؛ فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي؛ تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/126-127 ) ،
2664
ورواه أبو داود في " سننه " ( 4/200 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 7/319-320 ) ؛ كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه . ] .
وهذا منهج يجب أن يسير عليه المسلمون إلى يوم القيامة، وهو أنه عند وجود الاختلاف؛ فإنهم يرجعون إلى ما كان عليه سلفُ هذه الأمة في المنهج والدّين والبيعة وغير ذلك .
ـ مما يتساهل به الناس قضيّة البيعة؛ فهناك من يرى جواز أخذ البيعة لجماعة من الجماعات مع وجود بيعة أخرى، وقد لا يكون المُبايع في هذه الجماعات معروفًا بدواعي السّرّيّة؛ ما حكمُ هذا ؟ ثم هل يختلف الحكم في بلاد الكفّار أو تلك التي لا تحكم بما أنزل الله ؟
البيعة لا تكون إلا لوليّ أمر المسلمين، وهذه البيعات المتعدِّدة مبتدعة، وهي من إفرازات الاختلاف، والواجب على المسلمين الذين هم في بلد واحد وفي مملكة واحدة أن تكون بيعتهم واحدة لإمام واحد، ولا يجوز المبايعات المتعدّدة، وإنما هذا من إفرازات تجوّزُ المبايعات من اختلافات هذا العصر، ومن الجهل بالدّين .
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التفرُّق في البيعة وتعدُّد البيعة، وقال : ( مَن جاءكم وأمركم جميعٌ على واحد منكم، يريد تفريق جماعتكم؛ فاضربوا عُنُقه ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 3/1480 ) من حديث عرفجة رضي الله عنه . ] ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وإذا وجد من ينازع وليّ الأمر الطّاعة، ويريد شقّ العصا وتفريق الجماعة؛ فقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وليَّ الأمر وأمر المسلمين معه بقتال هذا الباغي؛ قال تعالى : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [ الحجرات : 9 . ] .
وقد قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعه أكابر الصَّحابة؛ قاتلوا الخوارج البُغاة حتى قضوا عليهم، وأخمدوا شوكَتَهُم، وأراحوا المسلمين من شرِّهم، وهذه سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه أمر بقتال البُغاة وبقتال الخوارج الذين يريدون شقَّ عصا الطّاعة، وذلك من أجل الحفاظ على جماعة المسلمين وعلى كيان المسلمين من التّفرُّق والاختلاف .
حادي عشرالفرق القديمة والحديثة \\
أما القديمة فهي : 1>>ـ المعتزلة
ويسمون: أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية والعدلية . وهم قد جعلوا لفظ القدرية مشتركاً، وقالوا: لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره وشره من الله تعالى؛ إحترازاً من وصمة اللقب؛ إذ كان من الذم به متفقاً عليه؛ لقول النبي عليه السلام: " القدرية مجوس هذه الأمة " . وكانت الصفاتية تعارضهم: بالاتفاق على أن الجبرية والقدرية متقابلتان تقابل التضاد؛ فكيف يطلق لفظ الضد على الضد؟ وقد قال النبي عليه السلام: " القدرية : خصماء الله في القدر " 2>>ـ الجبرية
2665
الجبر: هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الرب تعالى، والجبرية أصناف: فالجبرية الخالصة: هي التي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً، والجبرية المتوسطة: هي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة أصلاً
3>>ـ النجارية
أصحاب الحسين بن محمد النجار وأكثر معتزلة الري وما حواليها على مذهبه، وهم وإن اختلفوا أصنافاّ، غلا أنهم لم يختلفوا في المسائل التي عددناها أصولاً؛ وهم برغوثية وزعفرانية ومستدركة؛ وافقوا المعتزلة في نفي الصفات: من العلم، والقدرة، والإرادة، والحياة، والسمع، والبصر؛ ووافقوا الصفاتية في خلق الأعمال
4>>ـ المرجئة
الإرجاء على معنيين: أحدهما بمعنى: التأخير؛ كما في قوله تعالى: " قالوا: أرجه وأخاه " ، أي: أمهله وأخره. والثاني: إعطاء الرجاء.
أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد. وأما بالمعنى الثاني فظاهر؛ فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. وقيل: الإرجاء: تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة؛ فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا: من كونه من أهل الجنة، أو من أهل النار: فعلى هذا: المرجئة، والوعيدية؛ فرقتان متقابلتان.
5>>ـ اليونسية
أصحاب: يونس بن عون النميري. زعم أن الإيمان هو: المعرفة بالله، والخضوع له، وترك الاستكبار عليه، والمحبة بالقلب؛ فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن وما سوى ذلك من الطاعة فليس من الإيمان، ولا يضر تركها حقيقة الإيمان، ولا يعذب على ذلك؛ إذا كان الإيمان خالصاً، واليقين صادقاً.وزعم أن إبليس كان عارفاً بالله وحده؛ غير انه كفر باستكباره عليه: أبى واستكبر وكان من الكافرين.
6ـ >>الخوارج،
والمرجئة، والوعيدية: كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى: خارجياً؛ سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين بإحسان؛ والأئمة في كل زمان.والمرجئة: صف آخر تكلموا في الإيمان والعمل؛ إلا أنهم وافقوا الخوارج في بعض المسائل التي تتعلق بالإمامة.والمعيدية: داخلة في الخوارج وهم القائلون: بتكفير صاحب الكبيرة، وتخليده في النار؛ فذكرنا مذاهبهم في أثناء مذاهب الخوارج.
اعلم أن أول من خرج على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه جماعة ممن كان معه في حرب صفين، وأشدهم خروجاً عليه ومروقاً من الدين: الأشعث ابن قيس الكندي، ومسعر بن فدكي التميمي، وزيد بن حصين الطائي؛ حين قالوا: القوم يدعوننا إلى كتاب الله، وأنت تدعونا إلى السيف!.
7ــ>الشيعة
هم: الذين شايعوا علياً رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته: نصاً ووصية؛ إما جلياً وإما خفياً. واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده؛ وإن خرجت
2666
فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحة تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم؛ بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين؛ لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله.
ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري: قولاً، وفعلاً، وعقداً؛ إلا في حال التقية.ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك. ولهم في تعدية الإمامة: كلام، وخلاف كثير؛ وعند كل تعدية، وتوقف: مقالة، ومذهب، وخبط.وهم خمس فرق: كيسانية، وزيدية، وأمامية، وغلاة وإسماعيلية.وبعضهم يميل في الأصول إلى الاعتزال، وبعضهم إلى السنة، وبعضهم إلى التشبيه.
8ـ>> الصفاتية :
أعلم أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزلية من العلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والجلال، والإكرام والجود، والإنعام، والعزة، والعظمة؛ ولا يفرقون بين صفات الذات، وصفات الفعل؛ بل يسوقون الكلام سوقا واحداً. وكذلك يثبتون صفات خبرية؛ مثل: اليدين، والوجه؛ ولا يؤولون ذلك؛ إلا أنهم يقولون: هذه الصفات قد وردت في الشرع، فنسميها: صفات خبرية. ولما كانت المعتزلة ينفون الصفات والسلف يثبتون؛ سمى السلف: صفاتية، والمعتزلة: معطلة؛ فبالغ بعض السلف في إثبات الصفات إلى حد التشبيه بصفات المحدثات، واقتصر بعضهم على صفات دلت الأفعال عليها، وما ورد به الخبر فافترقوا فيه فرقتين؛ فمنهم من أوله على وجه يحتمل اللفظ ذلك، ومنهم من توقف في التأويل؛ وقال: عرفنا بمقتضى العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء. فلا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شيء منها، وقطعنا بذلك؛ إلا أنا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه؛ مثل قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى " ومثل قوله: " خلقت بيدي " ومثل قوله: " وجاء ربك إلى غير ذلك " ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها، بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه: لا شريك له، وليس كمثله شيء؛ وذلك قد أثبتناه يقيناً. ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قاله السلف؛ فقالوا: لابد من إجرائها على ظاهرها، والقول بتفسيرها كما وردت من غير تعرض للتأويل ولا
توقف في الظاهر؛ فوقعوا في التشبيه الصرف، وذلك على خلاف ما أعتقده السلف.
وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل، ولا تهدفوا للتشبيه؛ فمنهم: مالك ابن أنس رضي الله عنهما؛ إذ قال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ومثل أحمد بن حنبل رحمه الله. وسفيان الثوري، وداود بن علي الأصفهاني، ومن تابعهم.
حتى انتهى الزمان إلى: عبد الله بن سعيد الكلابي، وأبي العباس القلانسي، والحارث بن أسد المحاسبي؛ وهؤلاء كانوا من جملة السلف؛ إلا أنهم باشروا علم الكلام، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية، وصنف بعضهم ودرس بعض... حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما؛ واحاز الأشعري إلى هذه الطائفة، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية،
2667
وصار ذلك مذهباً لأهل السنة والجماعة. وانتقلت سمة الصفاتية إلى الاشعرية. ولما كانت المشبهة والكرامية: من مثبتي الصفات؛ عددناهم: فرقتين من جملة الصفاتية.
9>>ـ الأشعرية
أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، المنتسب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما. وسمعت من عجيب الاتفاقات أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كان يقرر عين ما يقرر الأشعري أبو الحسن في مذهبه. وقد جرت مناظرة بين عمرو بن العاص وبينه: فقال عمرو: أين أجد أحداً أحاكم إليه ربي؟ فقال أبو موسى: أنا ذلك المتحاكم إليه، فقال عمرو: أو يقدر على شيئاً ثم يعذبني عليه؟ قال: نعم، قال عمرو: ولم؟ قال: لا يظلمك، فسكت عمرو ولم ير د جواباً.اهـ الملل والنحل للشهرستاني.قلت > في كتابي عقيدة الأشاعرة : الأشاعرة فرقة كلامية:تنسب لأبي الحسن الأشعري الذي خرج عن المعتزلة وأخذ بعقيدة ابن أبي كلاب الممزوجة بئاراء المعتزلة وأهل السنة وعليها سار أصحابه من بعده إلى يومنا هذا مع أنه استقر أمره على عقيدة السلف كما يوضحه كتابه "الأبانة في أصول الديانة "
وأما الحديثة فهي أولا>> الشيعةالذين قامت لهم الآن دولة عظمى تتمثل في " إيران "وهي الآن تنوي التوسع والتمدد وتنفق المليارات على توسع افكارها
في أرشيف ملتقى أهل الحديث: اعلم أخي الحبيب أن جميع فرق الشيعة الرافضة كفار كفراً يخرجهم من ملة الإسلام بجميع فئاتهم وفصائلهم سواء كانوا من الباطنية الخبيثة كالإسماعيلية بفرقها الثلاثة (الاغاخانية-البهرة-المكارمة) والدروز والنصيرية والإمامية الإثنى عشرية، وقد أفتى جمهور العلماء بكفرهم من المتقدمين والمتأخرين من أهل الحديث ويستثنى منهم فقط الشيعة الزيدية المتواجدون في دولة اليمن فهم ليسوا بكفار ولكنهم من أهل البدع والضلال لأنهم يحملون أصول المعتزلة الخمسة.أما ما سمعته في بعض الأشرطة عنهم أنهم يعتقدون بأن علي بن أبي طالب يحي الموتى عياذاً بالله تعالى فهو صحيح ثابتاً عنهم ومنتشر في كتبهم إضافةً إلى اعقادهم بأن أئمتهم يعلمون الغيب عياذاً بالله تعالى. والله أعلم.
إن الشيعة الاثنى عشرية يفرحون ويبتهجون بمقتل عمر ويعتبرون يوم مقتله عيداً عندهم. بل زعموا ان يوم مقتله رخصة من الله لا يكتب على الشيعة من ذنوبهم شيئاً وسمى الشيعة أيضاً هذا اليوم بأسماء كثيرة منها يوم الاستراحة ويوم البركة ويوم فرح الشيعة و… و…
لقد روى هذا علامتهم المجلسي في بحار الأنوار ج95 ص351-355.
وأيضاً نعمة الله الجزائري (الأنوار النعمانية ج1 ص108 - 111 تحت عنوان (نور سماوي) يكشف عن ثواب مقتل عمر بن الخطاب.
ومما يدل على إيمان الشيعة بهذه الروايات فلقد عقد صاحب كتاب (عقد الدرر في بقر بطن عمر) ص6 وهي رسالة مخطوطة لم تطبع بعد وهي موجودة بمكتبة رضا رامبو بالهند تحت رقم (2003) فصلا وضع له عنوانا قال فيه: "الفصل الرابع في وصف حال سرور هذا اليوم على التعيين، وهو من تمام فرح الشيعة المخلصين، ثم ذكر الأناشيد التي تقال في هذا اليوم، ووصفها بقوله:- وهي كليمات رائقة، ولفيظات
2668
شائقة، هو أنه لما طلع الإقبال من مطالع الآمال، وهب نسيم الوصال بالاتصال بالغدو والآصال، بمقتل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر عمر بن الخطاب الفاجر، الذي فتن العباد، ونتج في الأرض الفساد، إلى يوم الحشر والتناد، ملأت أقداح الأفراح، من رحيق راح الأرواح، ممزوجة بسحيق تحقيق السرور، وبماء رفيق توفيق الحبور..".ثم عقب على هذه الكلمات بذكر الأشعار الطوال التي قيلت ابتهاجا بمقتل عمر بن الخطاب ص9أجمع علماء أهل السنة والجماعة على تكفير علماء الرافضة الإثني عشرية. وأما عوامهم ففيهم خلاف. فالشيخ الألباني لا يكفرهم، بينما الشيخ ابن باز يعتبرهم مثل عوام المشركين.وفتوى الإمام ابن تيمية ما تزال غريبة. فهو لم يجز تزوج السنية إلى رافضي، فيما أجاز تزوج السني إلى رافضية. ولو كان يعتبر الرافضة من المسلمين، فما معنى منع الحالة الأولى؟ فكأنه قد اعتبرهم من أهل الكتاب، وهذا لا أعلم أحداً سبقه به، والله أعلم.اهـ أرشيف ملتقى أهل الحديث
في مقالات الشيخ سلمان\وأشهر فرق الشيعة هم من يسمَّون: (الاثني عشرية) وهم يقولون باثني عشر إماماً ،آخرهم هو محمد بن الحسن العسكري ، وهو عندهم إمام معصوم ، اختفى في السرداب قبل أكثر من ألف ومئتي سنة ، والواقع أن الحسن العسكري لم يُنجب ، ومات عقيماً
ومن الشيعة : حزب الله اللبناني وهو حزب سياسي عسكري شيعي يحمل نفس عقائد الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ويتولى دعمه المعنوي والمادي والروحي دولة إيران وهناك دعم غير مباشر لهذا الحزب من الشيعة النصيرية حكام دولة سوريا، وقد أُسس هذا الحزب عند اجتياح اليهود لجنوب لبنان ولكنه تحول بعد ذلك إلى سد منيع يخدم اليهود لوقف المد السني الصادق الذي يشكل خطراً على كيان الدولة اليهودية الإسرائيلية، والحزب يسيطر على الضاحية الغربية من بيروت.
ثانيا> أهل السنة وقد انقسموا على أنفسهم إلى جماعات يتفاوت موقفها بين جماعة وأخرى منها الوسطي ومنها المتشدد ومنها المتساهل وقد وقعت جفوة كبيرة بين هذه الجماعات حتى إنها تشهر السلاح أحيانا فيما بين صفوفها كما وقع هذه الأيام بين جهة النصرة في سوريا وتنظيم الدولة الإسلامية بقيادة البغدادي.أما التراشق بالألسن فقد أصبح هو همهم الواحد إلى الله الشكوى
نكسة الحركة الإسلامية أليمة وكم يكون فشلها بينا حينما يظهر أبناؤها في المجتمع بمظهر الأنانية والحسد والشحناء وكم يسخر المد الإسلامي حينما تنقسم الحركة على نفسها وتظهر العداوة والبغضاء بين فئاتها تجد الجماعات الإسلامية في البلد الواحد يتراشقون بالتهم ويتنابذون بالألقاب وتتأجج بينهم نار العداوة والحقد والبغضاء
إن بعض المواقف والأعمال التي قامت بها بعض الجماعات الإسلامية، وبعض الدعاة الغيورين كانت تفتقر إلى الحكمة، كالدخول في معارك عسكرية مع الأنظمة، حتى وإن كانت كافرة ـ وهذا لا يعني إبطال الجهاد، فالجهاد ماض إلى يوم القيامة ولكن الجهاد له شروطه وأسبابه وأحكامه.ـ
وقد جرت مثل هذه الأعمال على أمتنا عمومًا، وعلى الدعاة خصوصًا الويلات.
2669
ومثل ذلك أسلوب الاغتيالات، أو إحراق أماكن الفساد في بلد لا يملك فيه المسلمون السلطة.وكل ذلك بسبب عدم الحكمة الناشئ عن الجهل في فهم النصوص ودلالاتها.
ومن خلال ما سبق تتضح أهمية الحكمة، بل أهمية الحديث عنها في ضوء القرآن الكريم.
لست ربوت