20 فبراير..حكاية ترويها الأجيال بقلم: صبري يوسف

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية 20 فبراير..حكاية ترويها الأجيال بقلم: صبري يوسف

20 فبراير..حكاية ترويها الأجيال بقلم: صبري يوسف

صورة ‏‎Fessuoyy Yyoussef‎‏.
كل سنة ينتظر جزء من المغاربة يوم 20 فبراير لإحياء ذكرى سترتبط في وجدان وعقول الذين شاركوا في ممشاها الطويل لأيام بكل القرى والمراكز الحضرية والمدن الكبرى بشكل ملفت ، المتبقي هو ترتيب "مناسباتي" لطقس كان مهما يوما ما ..مارسه هؤلاء فعليا وأعتقد أنه لأول مرة في تاريخ المغرب المعاصر يستطيع أن يمنح الجميع نفسه القدرة على تعبئة نفسه خارج حدود "الخوف".
هذا المغرب الذي تسري عليه قوانين معينة كباقي الموجودات، وبطبيعة الحال لا بد وسط زحمة التواريخ وحنين بعضها بعضا حتى ما كان منها الأشد قسوة على الأنفس والذوات أن نقف بعض الوقت ليس للكشف عن ما جرى لأننا لا نعرفه أصلا، وإنما من خلال قراءة نقدية سطحية فردية لتصور كاتب هذه السطور.
إن التاريخ المشترك لجماعة ما هو حس مشترك داخلها على كل حال..وأعضاءها يستمدون وجودهم من المحطات التي يعبرون منها أو تلك التي فرضت نفسها عليهم بالعبور بدون بطاقة مرور..أو من خلال مرور شرعي واع انتقائي.
تاريخ 20 فبراير جزء مهم من القوى الحية شاركت فيه، وأن ما أسماه يوما الصحفي المصري حسين هيكل "بالزئير" عم هذا الشرق مع تمايز هذا الزئير...كانت العاصمة تونس قد سبقت البقية بشمال إفريقيا يوم الجمعة 14يناير عام 2011، وتنازع المصريون فيما بينهم بين ما صار "ينايريا" منتسبا إلى ثورة الثلاثاء 25 يناير و محاولة أخرى اعتبرت ثورة على الثورة.
المهم أن هذا الشرق الصامت لعقود مع تواريخ محلية مليئة بالتحولات، العنيف منها والآمن..كانت بالنسبة للمساهمين والداعمين والماشين على أرجلهم ، مرحلة طبعت فترة من كل هذه البلدان، هي تراكم سيضاف إلى محطات صناعة "الوعي الجمعي" داخل سياقاته الكبرى.
20 فبراير المغربية كانت سلمية بشكل واضح وسميت ربيعا عربيا مع أخواتها العربيات، مشى في جولاتها اليومية بكل الشوارع رجال وشباب ونساء، وقيل كل شيء، ورفع أي شعار للتعبير عن الرفض أحيانا والمطالبة بالتغيير..كان هناك مراقبين ومراقبين..كان هناك مهيمنين ومهيمن عليهم وهكذا ظهر في "تداعي" الشعارات التي يختزنها "لاشعور" فرويد..كان العابرون بالكلمات يعرفون من يسمعهم ومن يحسب خطواتهم، ومن ينقل كلامهم، ومن يقيد أسمائهم..ومع كل ذلك مشى الجميع إلى جوار الجميع في رحلة للتحول..رحلة ليس لبناء تعاقد مجتمعي جديد وإنما لإنشائه من الأصل.
كانت دورة للتحول الاجتماعي وأنساقه الأخرى، ويجدر بنا هنا نقاش ماذا ربح المجتمع من العشرين فبراير؟ وماذا خسر المجتمع ؟
وعليه لم تكن هناك خسائر، ولم تكن هناك فواجع ، إنما كان هناك التواطؤ، تواطؤ من ضد من لا أعرف؟
الدافع إلى ذلك والاستنتاج لدي هو أن ما أعقب هذه "المحاولة " الواعية الملتزمة التي ولأول مرة في مسار الدولة المغربية يستطيع الشعب بكل المدن والقرى أن يفهم ماذا بات عليه طلبه . وماذا عليه أن يفعله من أجل حياة كريمة لها معاني ودلالات..كان لأول مرة بإمكان الفرد المدني أو القروي البالغ أو الكبير في السن أن يعي داخل الفضاءات العامة أنه مطالب (كمواطن) عليه أن يجدد عهده مع الذات التواقة إلى تحصين حقوقها، وطلب المزيد والارتقاء بخيار المواطنة من التنصيص القديم إلى ترسيخ قيم جديدة تستجيب لميثاق يؤسس من جديد كذلك في كل دورة حياة مجتمعية إلى أنه يلزمنا بشكل أو بآخر أن نتطور..أن نتجدد..أن نلاءم الجهود ونفهم أن لكل زمن أفكاره ونواميسه ورجاله وطاقاته وأحاسيسه ومشاعره ..كان لأول مرة ما يمكن أن نشير إليه بإعادة الانتشار على مستوى "الأبنية العقلية" لفكرة ردم الهوة على مستوى الشعور بين ما جرى في كل العصور وما عليه أن يحدث ذلك الأثناء لأنه عليه أن يحدث..كان الجميع يعي أنه درس في مصلحة الجميع داخل واحد من أعظم مدرجات التدرب على مهارات الانتقال الديمقراطي إذا شئنا القول.
أنجز دستور التاسع من مارس بكل تلك الترسانة من القوانين والفصول وتأطير الفعل التشاركي بين دولة ومواطنيها..وبدأت نفس الدولة رفقة شركائها في مزيد من تحسيس الجميع بعظمة المسؤولية..وأنه على الجميع أن يعي بالخروج من الضيق..إنما ماذا أبعدنا عن مضامين 20 فبراير ؟
بمعنى لماذا رجعنا على أعقابنا في كل ما خرجنا من أجله..عدالة اجتماعية وكل العناوين البارزة يومها، إلا الذكرى الباقية وقليل من الانتصار والاستعراض البطولي بالشارع..وجزء من الاهتمام الضئيل جدا..والباقي كله مجرد أرقام مما تبقى.
عادة لا تفوت فرصة في البلدان التي تتحول انطلاقا من محطات نوعية إلى ماهو أفضل ، خصوصا حينما يكون الإنتاج القانوني والتشريعي واضحا في رسم كل الخطوط بين ماهو تنفيذي وتشريعي وتطور دور المؤسسات ليلامس كل هذا حياة المواطن الذي دافع عن صرح البناء الأفقي لأفكاره المشتركة ذات الإرادة القابلة لأن تنتج خطابا ومن تم أفعالا تؤسس لقناعات تتوفر للدولة حجيتها ومصداقيتها عموديا لسماع القاع والتناغم مع تياراته الاجتماعية بتعبير"دوركايم"، ليصبح "الكل" شريكا في التنمية بجميع مفاصلها..الاقتصادية تم الاجتماعية والثقافية والبيئية، وتمس رهاناتها التراث والفن والطقوس والتقاليد ولا تستثنى من العملية حتى الصخور على أطراف البوادي..
في ذكرى 20 فبراير التي صارت لغة أرقام وبعيدة ووراءها عقدين من الزمن تقريبا..هل بالإمكان أن نعتبر أنفسنا فوتنا فرصة تاريخية أفضل من كل لحظات هذا المغرب وانعطافاته التي كان لها ثمن.إلا ال20 فبراير الهادئة السلمية العميقة المواطنة التي لعب فيها حب الوطن شكلا موجها ومجالا لا يمكن تجاوزه إلى جوار الثوابت الوطنية، إنما لم تكن نتائجها بعد ذلك على قدر العزائم والأمنيات والمطالب..أشعر أننا نعود يوميا إلى الوراء ، لا أتحدث عن الرتبة المشرفة عالميا للمغرب على مستوى البنيات ..مطارات ملاعب قطارات وما إلى ذلك ، إنما عن جوهر القضية ، الإنسان المغربي الذي هو مريض فقير تعيس منهار ..وما لا يحصى من ألوان الانتكاسات الاجتماعية والاقتصادية وما إلى ذلك.
في هذا الرقم الباقي للذكرى هناك خلل ما حصل جعل المناسبة منقوصة، قد يكون منطق التواطؤ ضرب في جزء ما من القضية فشل جهود الوقوف بالراحلة كلها مرة واحدة لعبور الصحراء إلى الوادي ومن تم دخول الجنة بنا جميعا..
هذه قراءتي المتواضعة لواحدة من المحطات التي كان بالإمكان أن نحتفل بها جميعا بالسكر والحلوى والورود بالشارع و بأكثر من مجرد أرقام و"فنتازيا" نورها باهت..في الحين الذي كنا سنحتفل بهذه المناسبة وقد تجاوزنا كل المؤشرات على جميع المستويات لنرتقي ضمن دول العالم الثاني صدقا وليس بلغة الخشب..ولا كنا محتاجين لإعادة ترسيم جديدة للسياسي والحقوقي والحكومي والتيكنوقراطي ومن عليه أن يؤثرعلى من..ولا كنا من أصله محتاجين إلى نماذج أخرى للتنمية، فقط لأننا جميعا وقعنا في مكان ما من التفاصيل الدقيقة التي لم نصل إلى تعليل بشأنها .
بقلم: صبري يوسف

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button