من ذاكرة ابن جرير: رجال في الشمس والقر. بَّا عمر زايد: بقلم التابي عبد الكريم

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من ذاكرة ابن جرير: رجال في الشمس والقر. بَّا عمر زايد: بقلم التابي عبد الكريم

من ذاكرة ابن جرير: رجال في الشمس والقر. بَّا عمر زايد: بقلم التابي عبد الكريم

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏لقطة قريبة‏‏‏     ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏‏قبعة‏، و‏نظارة‏‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏                                                                                                                            من ذاكرة ابن جرير: رجال في الشمس والقر.
بَّا عمر زايد: مكنسة القشلة التي لم تسترح على مدى ثلاثين عاما.
في كثير من الأحيان، تكون السير الذاتية لبعض الناس البسطاء ومنهم آباؤنا وأمهاتنا، أكثر أهمية ومعنى وقيمة وإغراء بالمتابعة من مثيلاتها لبعض ممن نضعهم في علية القوم مع لزومية التحفظ والمزدوجات والهلاليات والمعقوفات، وذلك لما تشمله تلك السير والمسارات من صراع مرير مع "الزمان" لكسب كسرة خبز وقالب سكر، ودفتر للملخصات وحبة أسبرين وعود سواك ومرود كحل، وبسمة على شفاه الأبناء في عيد صغير أو كبير، وعشاء "دواز" مع "شنتيفة" لحم في ليلة الثلاثاء الماجدة الخالدة.
آباؤنا المناضلون الاجتماعيون الذين كانوا في الجبهات الأمامية دفاعا عن الحق في الحياة بأدنى شروطها، كانوا كبارا شامخين صبورين، آثروا أبناءهم على حياتهم الخاصة ليزرعوا في العيون والشفاه الكفاف والعفاف والغنى عن الناس.
من هؤلاء السي عمر زايد والد صديقنا عبد الرحيم أو "بّا عمر" كما كان يناديه قيد حياته كل سكان ابن جرير، وخاصة مجتمع القشلة بمنازلها ودكاكينها ومقاهيها وروادها الدائمين أو العابرين من أبناء بنكرير القديمة قبل زحف الإسمنت المسلح بالجفاء.
من مواليد سنة 1937 بدوار اولاد الزعرية بالشعيبات بجماعة بنكرير القروية آنذاك. والده هو السي الهاشمي، ووالدته هي فاطمة الفاطمي البربوشية الأخت الكبرى للمتوفى الحاج كبور الشعيبي رئيس الجماعة السابق وبرلماني الرحامنة الشهير وأحد من شغل الناس في زمنه كأحد أهم أوتاد الحركة الشعبية بالمنطقة.
عمل "بّا عمر" في صغره بالفلاحة مع والده وأخواله كبور وعباس حتى بلغ ال 25 سنة، حيث رافق خاله ووالدته إلى القشلة (مركز ابن جرير)، واستقر به المقام بالقرب مما أصبح يعرف بسينما شهرزاد جوار منزل الحاج ادريس البصري ومنزل الإخوة بودنا مجيد والسي محمد وكذا منزل الحشادي لمامني وولاد الحوزية.
بعدها سيجد "بّا عمر" نفسه مسؤولا في حافلة النقل العمومي لأسواق الرحامنة بدءا باثنين بوشان وانتهاء بسوق "حد سيدي عبد الله"، وذلك لمدة قاربت التسع سنوات.
سيغلق "بّا عمر" أبواب الحافلة وسيفتح أبواب "الشطابة" لما التحق بالجماعة القروية كعامل للنظافة، حيث تم ترسيمه سنة 1971 ، وفيها قضى نحو ثلاثين سنة من الكد والجهد وما يتطلبه هذا العمل المضني من تحمل ومعاناة في ظل شروط بدائية أو منعدمة بالمرة، كما كانت الحال معه، حيث كان يشتري "الشطابات" المسماة "تازمورت" من ماله الخاص، كما كان يتدبر القفازات التي يستعملها في الفترات الباردة الماطرة، من بعض أصدقائه خاصة محمد كرباب وعبد اللطيف الصغيري المعروف ب "الخردة".
وما قد يبدو غريبا ومستبعدا وغير ممكن، أن "بّا عمر" هو العامل الوحيد الذي لم يستفد طيلة مشواره العملي من عطلته السنوية، كما أنه لم يسبق له أن أدلى بشهادة طبية أو تغيب عن عمله ولو ليوم واحد.
كان طبيعيا في مثل هكذا شروط من جهة، وفي مثل هكذا إصرار من جهة أخرى، أن تنهك مشقات العمل "بّا عمر"، وتهد جسده الذي أصيب ظهره بمرض مزمن أثر بشكل كبير على عموده الفقري، ووضع حدا لحياته عن عمر يناهز الواحد والسبعين عاما.
والشيء الذي لاشك فيه، أن "بّا عمر" تذكره وستذكره طرق وأرصفة القشلة ومحلاتها وأهلها، ولاشك ستذكره ذاكرة ابن جرير مع تلك الفئة من العمال الذين تمتلئ رئاتهم بالغبار والغازات الكيماوية والروائح التي تخنق الأنفاس.
على روح "بّا عمر" كل الرحمات.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button