رفض المرشح للانتخابات الرئاسية التونسية قيس سعيّد (61 عاماً) تمويل الدولة لحملته الانتخابية، وتعفّف عن السلطة، غير أنّ دخوله للسباق الانتخابي السابق لأوانه والذي أجري في 15 أيلول (سبتمبر) الجاري، شكّل منعطفاً غيّر مجريات الأحداث، وسرعان ما ظهر متلحفاً بعلم بلاده، ودموع الانتصار تملأ عينيه، وهو يحتفل مع أنصاره، في شقةٍ صغيرةٍ بأنحاء العاصمة، على وقع شعاراتٍ ثوريةٍ أهمها؛ "أوفياءٌ لدماء الشهداء"، متوعداً أنّه سيعيد لتونس مجدها، وسيمضي في تركيز دعائم دولة القانون والعدل.
خاض تجربته في الوصول للرئاسة بإمكانيات محدودة اعتمد فيها على أموال المتطوعين من الشباب
المرشح المستقل وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد استطاع، ومن دون "ماكينة" حزبية أن يتصدر نتائج استطلاعات الرأي وتقديرات هيئة الانتخابات الأولية، ليمرّ للدور الثاني، مع المرشح الحزبي نبيل القروي، الذي يقبع في السجن منذ 23 آب (أغسطس) 2019، مطيحاً بأبرز مرشحي الأحزاب الكبرى، على غرار رئيس البرلمان بالنيابة ومرشح حركة النهضة الإسلامية ذات الثقل السياسي الكبير، عبد الفتاح مورو، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، ووزير الدفاع، المرشح المستقل، عبد الكريم الزبيدي، الذي تلتف حوله مجموعةٌ من الأحزاب الحداثية.
الرجل الآلي
يُلقب أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد بـ "الروبوكوب؛ أي الرجل الآلي" ويتحدث اللغة العربية في جميع مداخلاته باسترسال، تحوّل في بعض الأحيان إلى موضوع تندّرٍ بين نشطاء التواصل الاجتماعي، وحرص على أن تكون حملته معتمدةً على التواصل المباشر مع الناخبين.
يُلقب أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد بـ "الروبوكوب؛ أي الرجل الآلي" ويتحدث اللغة العربية في جميع مداخلاته باسترسال، تحوّل في بعض الأحيان إلى موضوع تندّرٍ بين نشطاء التواصل الاجتماعي، وحرص على أن تكون حملته معتمدةً على التواصل المباشر مع الناخبين.
صعود سعيّد غير المتوقّع شكل صدمة لباقي المرشحين الذين أنفقوا ملايين الدولارات على حملاتهم
صعوده غير المتوقّع شكل صدمةً لباقي المرشحين الذين أنفقوا ملايين الدولارات على حملاتهم الانتخابية، التي تستوجب، بحسب مراقبين، ضرورة إعادة قراءة معمقة لمفهوم الخطاب الاتصالي في برامج الأحزاب وخطابها السياسي.
سعيّد خاض تجربته في الوصول للرئاسة بإمكانيات محدودة، اعتمد فيها على أموال المتطوعين من الشباب، وملصقات وصور دعائية (الفلاير) بمبالغ صغيرة جداً، رافضاً للتمويل العمومي الذي تمنحه الدولة للمرشحين للقيام بحملاتهم الانتخابية، وقد برّر ذلك بأنّها تقتطعه من أموال الشعب.
سعيّد خاض تجربته في الوصول للرئاسة بإمكانيات محدودة، اعتمد فيها على أموال المتطوعين من الشباب، وملصقات وصور دعائية (الفلاير) بمبالغ صغيرة جداً، رافضاً للتمويل العمومي الذي تمنحه الدولة للمرشحين للقيام بحملاتهم الانتخابية، وقد برّر ذلك بأنّها تقتطعه من أموال الشعب.
ا
الباحث علي الفالحي، يرى أنّ قيس سعّيد جاءت به فكرةٌ ومشروعٌ انطلقا بعد 2011، وأنّ المتطوعين الأوائل لهذا البرنامج ليسوا قيس سعيّد بل مجموعة من المهندسين اليساريين الذين يرفضون الحالة الذهنية لليسار الحالي، ويرفضون انتهازية النخبة الحالية، على حد تعبيره، "حيث تم تأسيس نواة عملٍ تحت اسم "تونس الحرة"، اعتمدوا فيها على فلسفةٍ جديدةٍ، بعيداً عن المشهدية الفلكلورية الاستعراضية، لأنّهم كانوا ينصتون للواقع وأحسنوا التموضع فيه، تقوم على سياسة القرب، كالمقاهي، والمعاهد والجامعات وغيرها، وقد ساهم في نجاحه البعد عن مهاترات الأيديولوجيا".
الباحث علي الفالحي، يرى أنّ قيس سعّيد جاءت به فكرةٌ ومشروعٌ انطلقا بعد 2011، وأنّ المتطوعين الأوائل لهذا البرنامج ليسوا قيس سعيّد بل مجموعة من المهندسين اليساريين الذين يرفضون الحالة الذهنية لليسار الحالي، ويرفضون انتهازية النخبة الحالية، على حد تعبيره، "حيث تم تأسيس نواة عملٍ تحت اسم "تونس الحرة"، اعتمدوا فيها على فلسفةٍ جديدةٍ، بعيداً عن المشهدية الفلكلورية الاستعراضية، لأنّهم كانوا ينصتون للواقع وأحسنوا التموضع فيه، تقوم على سياسة القرب، كالمقاهي، والمعاهد والجامعات وغيرها، وقد ساهم في نجاحه البعد عن مهاترات الأيديولوجيا".
الفالحي: مجموعة متطوعي سعيّد لم تهدر وقتها في تشويه الخصوم كما فعلت كل الفصائل السياسية المترشحة
وأضاف الفالحي، في حديثه لـ "حفريات"، أنّ هؤلاء الشباب المتطوعين لم يحاولوا تغيير الواقع بل استجابوا لانتظاراته وفهموا تطلعاته، و"استوعبوا أنّ مشكلة التونسي ليست المساواة في الإرث ولا المسائل الهوياتية، فاعتمدوا فلسفة "الهرم المقلوب"، الذي يبدأ بفهم انتظارات الواقع ثم بلورة مشروعٍ وشخصية تكون ملائمة له، وليس العكس بإسقاط مشروع أو شخصية"، لافتاً إلى أنّ هذه المجموعة من المتطوعين "لم تلجأ طيلة حملتها، كما قامت محموعاتُ النهضة (يمين)، والجبهة (يسار)، والشاهد (علماني)، بالسب والشتم للمنافسين، بل كانت ملتزمةً بالضوابط الأخلاقية، ولم تهدر وقتها في تشويه الخصوم، كما فعلت كل الفصائل السياسية المترشحة".
وُصف سعيّد أيضاً بكونه مرشح النخبة التونسية المتمثلة خاصّةً في الشباب، الذين توافدوا على مراكز الاقتراع لاختياره رئيساً لهم، كأملٍ أخير، في الانتصار لمطالب مؤجلةٍ رفعوها منذ العام 2010، خلال ثورة كانون الثاني (يناير)، عزّز ذلك إطلالاته غير المتكلفة ومداخلاته الإعلامية كخبير في القانون الدستوري.
ويرى مراقبون أنّ هذا الانتصار غير المتوقع، الذي شكّل صدمةً للرأي العام، أحدث زلزالاً غيّر تضاريس الخريطة السياسية بإسقاط المنظومة الحزبية الحاكمة، أو ما يصفها الإعلام التونسي "بالسيستام"، فظهر المرشح المستقل برداءٍ الوفاء لمبادئ الثورة وشعاراتها.
وُصف سعيّد أيضاً بكونه مرشح النخبة التونسية المتمثلة خاصّةً في الشباب، الذين توافدوا على مراكز الاقتراع لاختياره رئيساً لهم، كأملٍ أخير، في الانتصار لمطالب مؤجلةٍ رفعوها منذ العام 2010، خلال ثورة كانون الثاني (يناير)، عزّز ذلك إطلالاته غير المتكلفة ومداخلاته الإعلامية كخبير في القانون الدستوري.
ويرى مراقبون أنّ هذا الانتصار غير المتوقع، الذي شكّل صدمةً للرأي العام، أحدث زلزالاً غيّر تضاريس الخريطة السياسية بإسقاط المنظومة الحزبية الحاكمة، أو ما يصفها الإعلام التونسي "بالسيستام"، فظهر المرشح المستقل برداءٍ الوفاء لمبادئ الثورة وشعاراتها.
مشروعٌ يثير مخاوف الحقوقيين
قبل صدور نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، لم يكن سعيّد سوى رجلٍ مثقفٍ بسيطٍ كل ما يملكه شقةً في أحد الأحياء الفقيرة بالعاصمة تونس، ليتحوّل فجأةً إلى مهربٍ لشباب عانى البطالة والتهميش لعقودٍ، وتجنباً لأيّ اتهاماتٍ، شدّد في أكثر من مناسبةٍ على أنّه لا يرغب في القصور والمآدب الفاخرة، وأنّ قراره خوض الانتخابات الرئاسية ليس سوى تلبية لنداء الواجب ومواجهة المنظومة الحزبية.
قبل صدور نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، لم يكن سعيّد سوى رجلٍ مثقفٍ بسيطٍ كل ما يملكه شقةً في أحد الأحياء الفقيرة بالعاصمة تونس، ليتحوّل فجأةً إلى مهربٍ لشباب عانى البطالة والتهميش لعقودٍ، وتجنباً لأيّ اتهاماتٍ، شدّد في أكثر من مناسبةٍ على أنّه لا يرغب في القصور والمآدب الفاخرة، وأنّ قراره خوض الانتخابات الرئاسية ليس سوى تلبية لنداء الواجب ومواجهة المنظومة الحزبية.
ولئن عرف سعيّد طريق قصر قرطاج، بخطابٍ شعبي قريبٍ إلى قلوب التونسيين الذين منحوه الثقة، بعد الوعود التي راحت هدراً مع تسع حكوماتٍ بعد "ثورة يناير"، فإنّ خطابه السياسي ما انفك يثير جدلاً في الأوساط السياسية والحقوقية، بدايةً من موقفه الرافض للمساواة، فضلاً عن وعوده باسترجاع ثروات البلاد وخيراتها، متوعداً بأن تسترجع تونس سيادتها وثرواتها المنهوبة، حتى إعلانه نيّة إلغاء الانتخابات التشريعيّة إذا وصل إلى قصر الرئاسة، الأمر الذي يخشاه الحقوقيون وجُلّ السياسيين.
يرى مراقبون أنّ هذا الانتصار شكّل صدمةً للرأي العام وأحدث زلزالاً غيّر تضاريس الخريطة السياسية
في هذا السياق، يرجّح المحلل السياسي، محمد بوعود، في حديثه لـ "حفريات"، أنّ تتغير هذه المواقف و"تصبح أكثر عقلانية؛ لأنّ مواقف رؤساء الدول تختلف كثيراً عن مواقف الناشطين السياسيين، والمرشحين الرئاسيين أو البرلمانيين، في انتظار حسمه موقفه من مسألة الإعدام التي لم يحسمها بعد".
ويتابع بوعود: يبدو تبعاً لهذه المواقف، أنّ الأستاذ الجامعي، قد جهل عن وعي أو قصد الصلاحيّات المحدودة التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهوريّة، لاسيما أنّه يفتقد حزاماً حزبياً أو كتلةً برلمانيّة تعزز قدرته على المناورة والقيام بتحالفات لتفعيل الحدّ الأدنى ممّا يُحلم به في حملته، وهو الذي صدح صوته بين صفوف الطلاب في الكليات حول مضمون الدستور.
ورغم اختلاف القراءات حول صعوده، وحظوظ نجاحه في أداء مهامه كرئيسٍ، فقد التقت جميعها حول نجاحه في تلقين خصومه درساً عجز المراقبون عن فك شفرة رموزه، في حربٍ اتصالية لم يبذل فيها سعيّد وأنصاره جهداً كبيراً.
ويتابع بوعود: يبدو تبعاً لهذه المواقف، أنّ الأستاذ الجامعي، قد جهل عن وعي أو قصد الصلاحيّات المحدودة التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهوريّة، لاسيما أنّه يفتقد حزاماً حزبياً أو كتلةً برلمانيّة تعزز قدرته على المناورة والقيام بتحالفات لتفعيل الحدّ الأدنى ممّا يُحلم به في حملته، وهو الذي صدح صوته بين صفوف الطلاب في الكليات حول مضمون الدستور.
ورغم اختلاف القراءات حول صعوده، وحظوظ نجاحه في أداء مهامه كرئيسٍ، فقد التقت جميعها حول نجاحه في تلقين خصومه درساً عجز المراقبون عن فك شفرة رموزه، في حربٍ اتصالية لم يبذل فيها سعيّد وأنصاره جهداً كبيراً.
خطّ الثورة المنسيّة
يؤكد كل من التقتهم "حفريات" ممن انتخبوا سعيّد، أنّه "الرجل الأصدق" بين المرشحين الـ26، وأنّه قريبٌ من الشعب، ويعي تماماً كل ما يعانيه، كما يعرف جيداً متطلبات الفئة المهمشة والفقيرة، ويشعر بمعاناتهم، لذلك اختاروه أملاً بتحقيق أهداف الثورة التي دفنت على امتداد تسع سنواتٍ، تولت خلالها تسع حكومات حكم البلاد، دون فائدة.
يؤكد كل من التقتهم "حفريات" ممن انتخبوا سعيّد، أنّه "الرجل الأصدق" بين المرشحين الـ26، وأنّه قريبٌ من الشعب، ويعي تماماً كل ما يعانيه، كما يعرف جيداً متطلبات الفئة المهمشة والفقيرة، ويشعر بمعاناتهم، لذلك اختاروه أملاً بتحقيق أهداف الثورة التي دفنت على امتداد تسع سنواتٍ، تولت خلالها تسع حكومات حكم البلاد، دون فائدة.
رفض سعيّد التمويل الذي تمنحه الدولة للمرشحين للقيام بحملاتهم الانتخابية مبرراً ذلك بأنّها تقتطعه من أموال الشعب
وشدد الطبيب عارف عزيزي من محافظة سيدي (وسط غرب تونس) وهو أحد القائمين على حملة سعيّد طوعاً، على أنّ "صدق مرشحهم ونظافة يده، وتواضعه إلى جانب التصاقه بهموم الناس، كانت أكثر الأشياء التي جعلتهم يقفون معه ويدعمونه، ويحرصون على إنجاح حملته."
وأضاف عزيزي في تصريحه لـ "حفريات"، أنّ برنامج سعيّد يقوم على "التأسيس الجديد، أي القطع تدريجياً مع منظومة الحكم القائمة، وتغييرها بنظامٍ جديدٍ، تكون فيه السلطة بيد الشعب، الذي سيصبح اللاعب الأساسي في اللعبة السياسية وفي حكم بلاده، ومن نقاط برامجه؛ تخليص البلاد من "الاستعمار الخفي"، والتركيز على الحكم المحلي، عبر تغيير آلية الانتخاب في التشريعية، وحل البرلمان لفائدة المجالس المحلية، مشيراً إلى أنّه سيعمل أيضاً على "تغيير منظومة التشريع، وبعض القوانين".
وأضاف عزيزي في تصريحه لـ "حفريات"، أنّ برنامج سعيّد يقوم على "التأسيس الجديد، أي القطع تدريجياً مع منظومة الحكم القائمة، وتغييرها بنظامٍ جديدٍ، تكون فيه السلطة بيد الشعب، الذي سيصبح اللاعب الأساسي في اللعبة السياسية وفي حكم بلاده، ومن نقاط برامجه؛ تخليص البلاد من "الاستعمار الخفي"، والتركيز على الحكم المحلي، عبر تغيير آلية الانتخاب في التشريعية، وحل البرلمان لفائدة المجالس المحلية، مشيراً إلى أنّه سيعمل أيضاً على "تغيير منظومة التشريع، وبعض القوانين".
لست ربوت