منظومة القيم عند أحمد بوكماخ من خلال التأليف المدرسي / محمد سعيد صمدي د. محمد سعيد صمدي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية منظومة القيم عند أحمد بوكماخ من خلال التأليف المدرسي / محمد سعيد صمدي د. محمد سعيد صمدي

منظومة القيم عند أحمد بوكماخ من خلال التأليف المدرسي / محمد سعيد صمدي د. محمد سعيد صمدي

نتيجة بحث الصور عن صور اقرا احمد بوكماخستظل مسألة القيم من القضايا الأساسية التي يُعنى بها المشتغلون
ـ نظرا وممارسة ـ في الحقل التربوي، ذلك أن الاستثمار في التعليم وتأهيل خريجيه  ينعكس أكثر في التجليات القيمية التي يحملها معهم  المتمدرسون، أكثر من تجلي المعارف والقدرات التي قد تُوظف خارج سياق قيم الجماعة والمُثل العليا. إذ لا فائدة ترجى من تعليم بدون قيم، وفي هذا الصدد يقول المرحوم الدكتور علي عزت بيجوفيتش: «من الممكن جداً أن تتخيل شاباً قد مرّ بجميع مراحل التعليم من المدرسة الابتدائية حتى الكلية دون أن يكون قد ذكر له ضرورة أن يكون إنساناً خيّراً وأميناً... يتعلم أولاً أن يكتب ويحسب، ثم يدرس الطبيعة والكيمياء، وعلم الأعراق البشرية، والجغرافيا، النظريات السياسية، وعلم الاجتماع وعلوماًً أخرى كثيرة، إنه يجمع عدداً هائلاً من الحقائق، وعلى أحسن الفروض يتعلم كيف يفكر، ولكنه لم يكتنز ثقافياً وروحياً، ويؤكد لم نعد نسمع إلا قليلاً عن برامج التاريخ، والفنون، والآداب والأخلاق والقانون».
لذلك  كبَّ كل المتدخلين وأطراف العملية التعلمية التعليمية ـ قديما وحديثا ـ على تضمين موضوع القيم في المناهج والبرامج، وعلى رأسهم مؤلفو الكتب المدرسية التي تحاول تمريرمختلف القيم داخل أنشطة الدروس والمحتويات ، والتي  تناسب كل مستوى تعليمي...

  1. 1.زمن التربية والتعليم:
يستفيد الصغار زمن الطفولة المبكرة وما يليها،من حق طبيعي وشرعي  في التعلم واكتساب المعارف والمهارات والقدرات والقيم؛ التي تمنحهم الحق في تعرف الحقائق وتمثلها وتوظيفها والمشاركة والتفاعل مع الجماعة ومجابهة مشكلات الحياة. وهي فرصة للتعلم والتهذيب بجوار اللعب والترفيه، يجب أن تُستثمر أحسن استثمار لبناء شخصية طفل سوي متكامل الجوانب والمعارف. ومن خصوصيات هذه المرحلة العمرية التفرغ للتعلم والاستعداد والقابلية مع صفاء السريرة وبراءة الطفولة، يقول أبو بكر الخطيب البغدادي(392ـ 462 هـ) :
” التفقه في زمن الشبيبة وإقبال العمر، والتمكن منه بقلة الأشغال، وكمال الذهن يَرْسخ في القلب ، ويَثْبت ، ويتمكن ، ويستحكم ، فيحصل الانتفاع به والبركة ، إذا صحبه من الله حسن التوفيق، وإذا أهمل إلى حالة الكبر المغيرةللأخلاق ، كان كما قال الشاعر:
إذا أنت أعياك التعلم ناشئا              فمطلبه شيخا عليك شديدُ“(1)
وتأسيسا على أهمية هذه المرحلة العمرية وحساسيتها ، انتظمت الناشئة منذ أمد بعيد في مدارس نظامية، تتلقى فيها المناهج والأنشطة المناسبة والمتنوعة، وتتشرب في فضاءاتها كريم الأخلاق والفضائل. ولعبت المؤسسات التربوية ـ ومازالت ـ  دورا أساسيا في التربية والتعليم إلى جانب الأسرة والمجتمع بكل مكوناته ومستجداته.
ويعد الكتاب المدرسي أهم وسيلة تعليمية  تنظم العملية التعليمية التعلمية، وترتب مواد مقرراتها وأنشطتها المختلفة، وتحفز المتعلم على الإقبال على المادة التعليمية، إلى جانب قدرة المدرس على جودة الأداء الصفي تلقينا وتنشيطا وتقويم...
ومن أبرز المؤلفين العرب في ميدان التأليف المدرسي في التاريخ الحديث الأستاذ أحمد بوكماخ الطنجي،  الذي ستقدم هذه الورقة نبذة عن شخصيته العلمية ومنظومة القيم التي بثها في مجموعاته التربوية...

  1. 2.المؤلف المبدع/  أحمد بوكماخ (1920ـ 1993):
ينتمي الأستاذ بوكماخ إلى جيل رعاه الأستاذ العالم الأديب عبد الله كنون رحمه الله مثل: (محمد المهدي الزيدي ـ محمد الريفي ـ محمد العرفاوي ـ عبد الرحمان أنجاي ـ محمد العشاب ـ المترجَم أحمد بوكماخ...)، تمدرس بالمدرسة الإسلامية الحرة بطنجة، و بنوع من العصامية والإرادة القوية كوَّن نفسه حتى صار مربيا معلما بمدرسة عبد الله كنون، وقد وقفت له على إهداء بخطه الجميل للمرحوم عبد الله كنون، على نسخة من كتاب "اقرأ"  نستشف منه مكانة هذه المدرسة عنده، يقول فيه ما نصه:” إلى أستاذي العالم المربي سيدي عبد الله كنون أتشرف بإهدائكم مجهودا متواضعا ممنونا لمؤسستكم المزدهرة، التي من أجل خدمتها بذلت هذا المجهود، راجيا دعاءً صالحا لتلميذكم المخلص“
وتبرز مؤلفاته التربوية كفاءته البيداغوجية وقدرته على التأليف للصغار والكبار في إطار محو أمية الكبار، وفي ما يلي مسرد لأهم ما وقفت عليه من تآليفه:
  1. 1.سلسلة اقرأ بدءأ من سنة (1956: يقول عنها محمد الفاسي وزير التعليم والفنون الجميلة:"وبعد فقد تصفحت كتاب"اقرأ" الذي وضعتموه للمدارس الابتدائية المغربية، فأعجبتني الطريقة الحية التي وضع عليها الكتاب بحيث لن يستخدمه المعلمون في تعليم الحروف الهجائية، ولكنهم سيجدون في هذا الكتاب المفيد ما يعينهم على تدريس عدد من المواد الأخرى كالإملاء والخط والرسم وغيرها... فلذا رأينا من المصلحة العامة أن يقرر استعمال هذا الكتاب في الأقسام الإعدادية بالمدارس الابتدائية المغربية ابتداءً من فاتح أكتوبر 1956 "(2).
ويقول رئيس مصلحة التعليم الابتدائي، مقوما عمل المؤلف "اقرأ" ومثمنا له : "... فقد تصفحت الكتاب فوجدته وفق المرغوب ومناسبا للغرض المطلوب: دروس مفيدة وصور جميلة تبعث البهجة في نفوس التلاميذ وتحثهم على العمل المنتج ، وتمارين متعددة مبتكرة تعمل على شحذ قرائح المتعلمين..."(3)
2 ـ  سلسلة الفصحى: ضمَّنها مؤلفها الملفات/ المواد التالية "ألفاظ الحضارة ـ النحو ـ الصرف ـ الإملاء ـ الشكل ـ تكوين الجمل ـ الإنشاء ـ كتاب الإعراب ـ معجم الفصحى"، وغرضه من تأليفه ـ كما يقرر في مطلعها ـ  أن يضع " بين يدي التلميذ مادة للعمل في البيت . ولا شك أن المعلم يدرك قيمة ما يؤديه التلميذ من عمل خارج المدرسة . إنه لوسيلة ناجعة لخلق نواة للبحث لدى التلميذ في مرحلة تعليمه الابتدائي ، ومتى واصل التلاميذ هذا الأسلوب ، تكونت عندهم عادة التنقيب بأنفسهم ، دون مساعدة الآخرين"(4)
ونحن حين نجيل النظر في المقدمات التي صدَّر بها كتبه المدرسية ، نجدها مكثَّفة بالوعي البيداغوجي والعمق الديداكتيكي ، اللذين ينبآن عن شخصية المؤلف ومكانته التربوية والعلمية...
  1. 3.القراءة والأعمال الموجهة لأقسام الملاحظة : وهي عبارة عن مختارات من نصوص عبد المجيد بنجلون، ودراسة لها وتحضير لأعمال موجهة لأحمد بوكماخ؛ ومذيلة بهدية للتلميذ عبارة عن بنك للمصطلحات مع صورها سماه“كتاب الكلمات“
  2. 4.القراءة للجميع(محو أمية الكبار) أصدره سنة  ”1983 “ : والغاية من تأليفه كما يقول : "  هي تعليم الكبار واليافعين القراءة والكتابة والتعبير والحساب ، بالإضافة إلى توعيتهم بعض الفضائل الإسلامية"
  3. 5.الرياضيات الحديثة(1975)
  4. 6.طريقة تعليم الرياضيات الحديثة(1975)، وهو عبارة عن دليل الأستاذ في التخطيط  والتدبير لدروس الرياضيات البسيطة المقررة في الابتدائي...
  5. 7.القاموس المبيّن أو المعجم الابتدائي الفصيح، وهو سِفر قيم ما زال مخطوطا لم ير النور بعد، جمع فيه المصطلحات الجديدة التي يحتاجها تلاميذ التعليم المدرس الأساسية...
وقد أفادت أسرة  الراحل في " ندوة التكريم"  أن مكتبة الراحل تحتفظ ببعض المخطوطات التي تحتاج لمن يهتم بها ونشرها...
وقد خص الأستاذ عبد الصمد العشاب رحمه الله (توفي 9 مارس 2012 ) مترجَمنا بترجمة فريدة دقيقة(5) نظرا لقربه منه ومعاشرته له. و تحت هذا العنوان      “ الأستاذ المربي السيد أحمد بوكماخ “ خصه بثلاث صفحات كثف فيها جملة من خصائص الرجل الشخصية والتربوية والوطنية وجهوده في خدمة اللغة العربية(6)
ومن أبرز ما ميز هذه الترجمة  تسجيله بنوع من الدقة للمعلومة الآتية:

عنايته بالمسرح المدرسي:
سيستغل الأستاذ بوكماخ كل الحوامل التربوية و التعليمية المتاحة لترسيخ القيم التي تربى عليها وآمن بها وكرس حياته لتمريرها، ومن بين هذه الحوامل التمثيليات المدرسية والمسرحيات العامة، وقد ساهم بدوره بأداء بعض الأدوار في مسرح الشباب الطنجي في الأربعينيات، يقول الأستاذ العشاب:” في الأربعينيات من القرن الماضي برز أحمد بوكماخ كاتبا مسرحيا موفقا، كتب وأخرج عددا من المسرحيات التي شخصها تلاميذ المدرسة الإسلامية الحرة على خشبة مسرح سرفانتيس....وقد كان هدف بوكماخ من تأليف المسرحيات هدفا وطنيا وقوميا... ــ ثم يضيف ــ امتاز الأستاذ بالشجاعة الأدبية والمواطنة الصادقة وكنا نحن تلاميذ المدرسة عندما تحل ذكرى عيد العرش نرى الأستاذ بوكماخ يتجند لتدريب التلاميذ على الخطابة وقراءة الأناشيد ويؤلف التمثيليات الصغيرة ... “(7)
ومن بين التمثيليات التي حفظ اسمَها هذا الكتاب:
ü       مسرحية ”نور من السماء“
ü       مسرحية فريدة بنت بنت الحداد قدمت عام 1950
ü       مسرحية المنصور الموحدي قدمت سنة 1946
وجدير بالذكر هنا ما تلعبه أنشطة المسرح المدرسي من بناء كفايات تعبيرية ومهارات تواصلية واكتساب قيم تربوية متنوعة، تساهم في بناء شخصية المتعلمين والمتعلمات.

  1. 3ـ منظومة القيم:
إن الحديث عن القيم وترسيخها في الناشئة حديث السيرورة التربوية المستديمة ، لا حديث عن الماضي أو الراهن أو المستقبل، إنه يطرح نفسه وحضوره بقوة في كل الإصلاحات التربوية ومنظومات التربية والتكوين، وهو موضوعُ وإشكالُ الأسرة والمدرسة والمجتمع...لأن هذه الأطراف متكاملة تساهم في بناء شخصية الطفل الذي هو رجل الغد، وتتحمل ـ هذه الأطراف ـ مسؤولية تمكينه من المعايير والمقاييس التي بها يزن أمور حياته وما يجري حوله؛ ذلك أن الإنسان" كائن أخلاقي في المقام الأول، أي كائن مسؤول عن أفعاله وعن مصيره، وعن تحقيق الكمال الممكن لطاقاته وملكاته، ومؤهل للتمييز بين الخير والشر وبين الحق والباطل، والتمييز أيضا بين الوقائع التي تجري من حوله ، بين مقبولة ومرفوضة؛ ولذلك فهو يقيِّمها في ضوء الغايات التي ينشدها..."(8)
وتتفق التعاريف للقيمة بكونها المعيار أو المقياس الذي نصدر بمقـتضاه حكما ونقيص به الأشياء سلبا أو إيجابا ، ليُصبح المرغوبُ فيه والمرغوب عنه متفقاً عليه بين أفراد المجتمع الواحد. والقيم لا تظهر إلا في احتكاك الفرد بالجماعة والمحيط ، وعليه فلا اعتبار للقيم في ظل العزلة والفردانية؛ وإن كان الفرد محتاجا للتشبع بقيم ذات منفعة ذاتية محضة تعزز مكانته الإنسانية والفطرية...
ويقدم الدكتور سعد رياض القيم باعتبارها”  النظم والأعراف والقواعد الحاكمة التي تحدد أو تؤثر أو توجه سلوك الشخص“(9) وهذا ما يعني أن مسألة القيم مرتبطة أساسا بسؤال الأخلاق ، بمعنى أن حضور الوعي الأخلاقي في المنظومة التربوية وفي الحياة المدرسية برمتها يكرس عند التلاميذ اتجاها إيجابيا نحو القيم الإيجابية ، وغياب هذا الوعي يكرس عكس ذلك بالضرورة...
ولقد بنى الوحي الإلهي منظومة متماسكة من القيم ساهمت في تنظيم حياة العرب الذين بُعِثت فيهم الرسالة، و استلهم المجتمع العربي  من الآيات البينات وحياة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام مقومات القيم الناظمة لمجتمع متماسك ومتشبع بقيم العدل والتسامح والتعايش والحقوق والواجبات...
ولقد أخطا الكاتب المصري سيد القمني حين  نشر مغالطة مفادها  أن الدين الإسلامي باعتباره وحيا إلاهيا يحجر على الإنسان حريته في استصدار الأبعاد القيمية  للحياة، يقول:  “مع غياب الحرية لا توجد سوى القيم المزورة، التي تعطل كل قيم التقدم المبنية على إعلاء العقل البشري الحر على أي مصدر معرفي سماوي  أو أرضي“(10)، وبهذا الاعتبار ـ في فكر القمني ـ  أصبح هذا الجِرم الصغير المعقد التركيب والفائق الإتقان      " العقل" المكوَّن من قِبل مكوِّن خالقٍ مبدع، جل جلاله، مصدرَ تشريع القيم الناظمة لحياة الفرد والمجتمع بدل مصدر الوحي الإلهي؟؟؟
وأضحت المجتمعات المعاصرة،في زمن العولمة وتسونامي التكنولوجيا وقيم الحداثة ، تعاني من هبوط صارخ في سلم القيم ومرقى المُثل، مما أدى إلى أزمات قد تكون حادة في بعض الأحيان، بين الأفراد والجماعات والدول والأمم والأديان...وهو ما حدا ببعض المثقفين والعلماء إلى وضع تآليف ترصد الظاهرة وتنظر في بواعثها وطرق تجاوزها، من بينها :
  1. 1)” التربية وأزمة القيم“ للمفكر الفرنسي رجاء جارودي(توفي رحمه الله 13 يونيو 2012)
  2. 2)” قيمة القيم“للمهدي المنجرة شفاه الله.
  3. 3)" منظومة القيم المرجعية في الإسلام" لمحمد الكتاني (عضو أكاديمية المملكة)
ولا غرو أن كل الدراسات والواقع المعيش تثبت أن المؤسسات التربوية  تقوم بدور كبير ومحوري في تكريس قيم مرجعية معينة تؤمِّن للمجتمع موارد بشرية مستقبلية  متشبعة بالقيم التي تمررها البرامج والمناهج والاختيارات التربوية المسطرة. وعليه فالمعرفة المدرسية لن تنفع المستفيدين منها؛ إذا فرِّغت من الحمولة القيمية التي تمثِّل جزءاً من الكل المعقد والمركب، الذي ينبني عليه معمار المنهاج الدراسي " معرفة ومهارات حسحركية، ومواقف". بل إن " لويس دينو LOUIS D'Hainaut  " يعتبر  منظومة القيم “هي الأصل في العملية التربوية، وهي المصدر الأساسي للسياسة التعليمية، كما أنها هي التي تحدد وتوجِّه الغايات من التربية والتعليم“(11). وبنوع من التدقيق ، يوضح الأمرَ أكثر، الأستاذ محمد الدريج، فيقول: ” إن التربية في جوهرها عملية معيارية ـ قيمية، وإن أهم ناتج التربية هو أن تتخذ لها مجموعة من القيم البناءة الدائمة التي تخضع لها الجماعة، وتنتظم حولها حياتها. فالشخص المتعلم الذي لا توجَّهُ معارفه وقدراته نحو أهداف قيمية يتخذها لنفسه، يصبح خطرا على نفسه، وعلى المجتمع على حد سواء، ومن الملاحظ أن عملية البناء القيمي ليست مسؤولية مؤسسة اجتماعية بعينها، أو منهج دراسي بعينه، ولكنها مسؤولية كل من له علاقة بعملية التربية“(12).
ومسؤولية أصحاب التأليف المدرسي تكون جسيمة،  لما لحساسية و خصوصية مهارة التأليف للطفولة العربية ، إبداعا واختيارا لنصوص و أسناد مناسبة وجذابة مرتبطة بمضامين مجالات التدريس ومنظومة القيم ، وأنشطة موازية وأخرى تقويمية تحتاج لفكر مبدع وممارسة سابقة في الفعل التربوي داخل القسم...
والأستاذ بوكماخ بمجهوده الفردي وتجربته في التعليم داخل القسم بالمدرسة الأساسية خلال الأربعينيات و الخمسينيات، وبانفتاحه على لغة الآخر، استطاع أن يبدع في صنف التأليف المدرسي الذي لقي وقتها ترحابا وانجذابا من قِبَلِ المتعلمين والمتعلمات

  1. 4ـ الكتاب المدرسي:
الكتاب المدرسي مطبوع منظم ، يخضع تأليفه لدفتر تحملات ، يلتزم أصحابه بمقتضيات التوجهات العامة والاختيارات التربوية للوزارة الوصية، وهو على هذا الاعتبار أحدُ الحوامل النقلية والديداكتيكية الأساسية للعملية التعليمية التعلمية، لا غنى لجميع المتدخلين فيها عنها، وبالأخص التلميذ، الذي يعتمده بالأساس كوثيقة يتقاسمها الجميع بإنصاف، على حين باقي الموارد/ الأسناد التعلمية الأخرى قد لا تتوفر لجميع شرائح المتعلمات والمتعلمين ...
و لابد من التذكير هنا بالخصوصيات البيداغوجية والديداكتيكية  المنوطة بالمتصدي للتأليف المدرسي، إذ إنه ليس من السهل على أي كان حبكة وإتقان صنعة الكتاب المدرسي بمستوى عال من الجودة  والحِرفية ، يقول بهذا الصدد الباحث المغربي الأستاذ محمد أوزي: ” إن صناعة وتأليف الكتب المدرسية أخطر من صناعة الأدوية الكيماوية في المختبرات، لأن الأولى تغذي العقول وتشفيها من الجهل وتنمي كيانها بشكل يشعرها بقيمتها ووجودها ؛ بينما الثانية تقتصر على شفاء الأعضاء. لذلك فإن المؤلف بحاجة إلى معرفة عميقة بالجرعات الأساسية التي من شأنها أن تثبت مفعولا معينا على كائن ننشئه وفق تصور معين تم تحديده عبر التصورات التربوية التي يحددها المجتمع...“(13)
وتلعب الأسناد والأنشطة المقترحة التي تجري داخل الفصل وخارجه دورا محوريا في مساعدة النشء على تنمية الإحساس بالهوية والوطنية ومعنى التعددية والتنوع وفهم القيم والخصوصية ومعنى الانفتاح وقبول الآخر... وتساهم ــ هذه الكتب المدرسية كوسائط تعليمية ــ في تربية نشء يتمتع بالفضول المعرفي والقدرة النقدية والاستقلالية ، كما تعمل على تشكيل وعي التلاميذ وتوفير فرص وأدوات التحليل لشتى المواضيع ومن وجهات نظر مختلفة. وفي محصل مخرجات المنظومة يكتسب المجتمع موارد بشرية متشبعة بالقيم والكفايات القادرة على البناء والتطوير ...

  1. 5ــ منظومة القيم عند بوكماخ:
بعد إجالة النظر في المتن التربوي لأحمد بوكماخ، نجده يبثُّ في عموم تآليفه، منظومة متكاملة من القيم التي راهن على تمريرها و إكسابها لناشئة ما قبل الثمانينيات ، وفيما يلي مدرج القيم كما رُصد عند بوكماخ،ومعلوم أن المدرج يُقرأ من حيث الأهميةُ انطلاقا من الأسفل :

قيم دينية:
تتجلى عنايته بالقيم الدينية في النظرة الشاملة لمجموع أعماله ”نصوصا ومختارات“، انتقاها وراعى فيها المستوى العمري لكل مستوى دراسي، ومن بينها:
  1. 1)تخصيصه لعشرين حديثا نبويا للفهم والحفظ “كراسات الفصحى“
  2. 2)الاعتزاز بلغة القرآن / مثلا نص” لغة الأجداد “ ق5 ص22 ، ونص ”إخوانا على سرر متقابلين“ق5 ص 73، يبرز فيه جمالية البيان القرآني
  3. 3)تصحيح العقيدة والابتعاد عن الفكر الخرافي ومظاهر الشعوذة
  4. 4)التعييد: ”كل عيد وأنتم بخير“ق5 / ”رمضان  والعيد“ ق3

قيم أخلاقية سلوكية:
  1. 1.التعاون والتضامن: البيت الصغير ق3 ص134 ، ونص“التضامن الإفريقي والأسيوي“ ق5 ص 70
  2. 2.الرحمة: ”الأرملة المرضعة“ ق5 ص162، و“فكرة حسنة“ ق3 ص86
  3. 3.طاعة الوالدين: ”الابن الحقيقي“ ق5 ص 39
  4. 4.التماسك الأسري:“جدي“، و“الام الساهرة“ق5، و“ أشغال البيت“ق1 ص60، و“غلطة لن أكررها“الفصحى3 ص 34
  5. 5.أخلاق العرب: واختار لها عبارة من حديث نبوي“ خلوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق“ق5ص213

قيم وطنية:
ــ القيم الوطنية متناثرة بين ثنايا كتب أحمد بوكماخ وتحضر بقوة في مختلف النصوص المختارة مثل :
بلاد الأمجاد/ ألوان من فنون بلادي/ بلادي/ الربيع في فاس/ رعاك الله يا جبال الأطلس/ عرس في فاس......

قيم قومية:
ــ ”أمة واحدة“ و”مدنية الشرق وبربرية الغرب“

قيم كونية :
  1. 1.التسامح والمساواة بين البشر: ”الناس“ق5
  2. 2.حق الفتاة في التعلم : الصور المنتقاة بدقة في واجهة الكتب وداخلها / نصوص عديدة...
  3. 3.التفتح على الآخر : من خلال نصوص لأدباء وكتاب غربيين

قيم تعليمية تعلمية:
  1. 1.تحبيب القراءة والمطالعة الحرة، يقول رحمه الله:“ وهدفي منها: أن تتكون عندكم عادة القراءة ، بقصد التحصيل والمتعة ، وتربية الذوق، والاطلاع على أساليب البلغاء، وقد اخترت لكم من جيد إنتاجهم: في الوصف ، والقصص، والطرائف، والمقالات، والرسائل، والذكريات، واليوميات“ مقدمة اقرأ ق5
  2. 2.عنايته المفرطة بإغناء الرصيد اللغوي  للطفل المغربي...
  3. 3.
قيم تواصلية:
  1. 1.مهارات التحدث ،
  2. 2.طلب الإذن بالكلام
  3. 3.الاندماج داخل جماعة الأقران

قيم جمالية:
  • فنية الحكي في النصوص المنتقاة، يقول بوكماخ: ” كما يجب أن تدربوا على تذوق أساليبها، ليتكون عندكم الإحساس لما فيها من جمال...“ اقرأ ق5 ص1
         روعة ريشة الفنان الطنجي محمد شبعة من خلال الصور المرفقة بالمتون
    عنايته بالنص الشعري الذي يتوخى منه تعويد المتعلم على التذوق الجمالي، ولهذا اختار له قطعا إنشادية مشوقة منذ السنة الأولى، وذيل الفصحى ب ”ديواني الصغير“ يتكون من مختارات شعرية متنوعة، سطر لها الأهداف التعلمية التالية:
  • Øتدريب الذاكرة على الحفظ والاستظهار
  • Øالتمكن من أساليب اللغة ومفرداتها
  • Øبث الروح الجمالية في نفس الطفل
  • Øلفت ذهنه إلى مجال الجمال في الكون
  • Øالتعاطف مع الطبيعة والمجتمع

قيم بيداغوجية صرفة :
جمع أستاذنا بين الممارسة الصفية الابتدائية والتأليف المدرسي، مما منح وأكسب كتبه المدرسية جودة الإخراج وعمق المضامين، وقد راعى في جمع أشتاتها ونظم موادها خصوصية المستوى التعليمي والنمو الذكائي للطفل فطبق فيها ما يعرف في علوم التربية بالبيداغوجيا الفارقية، يقول في ديباجة كراسة القسم الثالث “اقرأ“ :

” وراعيت الفروق الفردية للتلاميذ ، فجعلت الموضوعات مختلفة في السهولة والصعوبة، اختلافا يسيرا، بحيث لا ينزل الموضوع إلى درجة الابتدائي الأول كما لا يفوق مستوى الابتدائي الثاني، وذلك تشجيعا للتلميذ الضعيف وإشباعا لرغبة المتفوق...، وذيلت الكتاب بقصة طويلة ، تغري التلميذ بالمطالعة ، وتحبب إلى نفسه القراءة الفردية ، وتشجعه على فهم المقروء دون مساعدة المعلم “

التزمت أثناء عرض قواعد اللغة ، ألا أجمع بين صعوبتين في وقت واحد، وتغلبت على ذلك  بفصل النحو عن الصرف، مخصصا لكل قاعدة درسا، مع ملاحظة أن دراسة القواعد هي وسيلة  لغاية ، وليست غاية في ذاتها...

التكامل في تقديم الدرس اللغوي:
على منهج صاحب(Bien lire et comprendre) مفتش التعليم الابتدائي الفرنسي (ترانشر) بنى بوكماخ حوامل وأنشطة مؤلفاته المدرسية ، و هكذا جمع بين دفتي الكتاب الواحد “الفصحى“ مثلا جميع مكونات وحدة اللغة العربية، يقول رحمه الله:“ وهذه المواد مؤلفة وفق منهاج وزارة التربية الوطنية، وموزعة على ثلاثين محورا من ألفاظ الحضارة تربط جميع مواد اللغة برباط موضوعي يتصل ببيئة التلميذ؛ ويهدف إلى رفع مستوى تدريس اللغة العربية، وربطها بالحياة اليومية، وبالواقع العلمي والأدبي“
إن المتأمل في مجمل أعمال بوكماخ يجدها حابلة مؤثـَّـثة بمنظومة قيمية تخدم تجويد التعلمات وتحسين ملامح شخصية طفل مغرب الستينيات وما تلاها ليعيش واقعه بروح القيم ومتانة المعرفة والمهارات العالية...

د ـ محمد سعيد صمدي
المركزالجهوي لمهن التربية والتكوين/ طنجة

................
الهوامش:
  1. 1ـ الفقيه والمتفقه: ج2 / ص 180/ تحقيق: عادل بن يوسف العزازي/ط2/ 1421هـ/دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع / الدمام.
2  ـ  "اقرأ "الجزء الثاني للقسم الابتدائي الأول / 1956
  1. 3ـ   نفسه
  2. 4ـ الفصحى / الجزء الخامس للمتوسط الثاني/ المقدمة.
  3. 5"من أعلام طنجة في العلم والأدب والسياسة"2009/ عبد الصمد العشاب (477 صفحة)/ط1 /2009/مطبعة جريدة طنجة.
  4. 6نفسه :  ص 205 إلى 207
  5. 7نفسه : ص206
  6. 8ـ محمد الكتاني / منظومة القيم المرجعية في الإسلام:14 / ط2/2011/دار أبي رقراق للطباعة والنشر/منشورات الرابطة المحمدية للعلماء.
  7. 9ـ غرس القيم عند الأطفال:11/ سعد رياض/ط1/ 2007/مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة/القاهرة.
  8. 10ـ مقال له منشور على الشبكة بعنوان ” تبسيط مفهوم القيم"
  9. 11ـ P 63 Des fins aux objectifs de l’éducation
  10. 12ـ ”حوار مطول بمجلة دفاتر التربية والتكوين“ ع 5 / منشورات المجلس الأعلى للتعليم.
  11. 13ـ ” دفاتر التربية والتكوين“ ع/ ص 46.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button