لما كان كتاب الله وسنة رسوله هي عماد الشخصية المسلمة، ومحور تفوقها وحضارتها في الأزمنة السابقة، فقد سعى الغرب الصليبي منذ هجمته الاستعمارية الاستشراقية الأولى إلى مسخ تلك الهوية، وكانت إحدى أدواته هي القضاء على الكتاتيب، والتي حققت وظيفتها دوما في حفظ الحدث لكتاب الله في عمر صغير، وبالتالي الترسيخ لمبادئ الشريعة الأسلامية واللغة العربية، وقد تمكن المستعمر من ذلك بعدة وسائل، أهمها ترسيخ نظام التعلم المدني وربطه بالحصول على الوظائف والترقي فيها في الدول المستعمرة، وكذلك بتوظيف المعجبين بالغرب وحضارته في المناصب المهمة المسؤولة عن صياغة خطط التعليم الوطنية، والسخرية و"التشنيع" على شيوخ الكتاتيب وطرقهم في التعليم والتعامل مع الأطفال. وبالتالي فإن عودة الكتاتيب هي جزء مهم من الدعائم الأساسية لأي مشروع نهضوي عربي/ إسلامي.
ذلك هو موجز الطرح المنادي بعودة الكتاتيب والتباكي عليها، والغريب أنه يصدر عن قطاع لا بأس به من المثقفين وحملة الشهادات الجامعية العليا، ومعلمي الجامعات الذين يلقنون الأجيال الجديدة تلك الأفكار النابهة، ويرى معظم المنادين بذلك أن للكتاب قدرة على التأسيس الأخلاقي والديني والعلمي، بالشكل الذي نراه في قرون عظمة الحضارة الإسلامية، حيث أخرجت الكتاتيب أجيالا من عظماء العلماء في ذلك العهد، بما يضمن عودة المجد القديم الذي صاحب نشأة وترقي الحضارة الإسلامية.
ولعل التساؤل الرئيس هنا حول عودة الكتاتيب، هو "من أين تعود؟" فالكتاتيب لم تغادرنا كي تعود، مازالت نسبة كبيرة من المعلمين يتعاملون مع طلابهم بعقلية الكتاتيب، "احفظ ما هو مقرر عليك" تبدو النصيحة الذهبية للترقي في نظامنا التعليمي، ربما يجب علينا القضاء على ما بقي من أشباح للكتاتيب داخل عقولنا، إذا ما رغبنا في التقدم.
وبعيدا عن الادعاءات الثقافية الخاصة بالحداثة ومنتقديها، وبعيدا كذلك عن الصورة الهزلية التي رسختها الأفلام والمسلسلات على مر العقود الأخيرة، يمكن تحليل النمط التعليمي للكتاب كما ينتظم في مخيلة مشجعيه، وسنجد من خلال التالي أن سماته المميزة تترابط بشكل عضوي لا يسمح بفصل إحداها عن الأخرى، وهي:
· قداسة النص وسلطة المعلم:
للقرآن الكريم قدسية خالصة فهو كلام الله وكتاب المسلمين، ذلك ليس محل جدال بين عموم المعلمين والمتعلمين، إلا أن تلك القداسة تنسحب بالتبعية على كل من عملية التعليم والقائم عليها، وبالتالي تصبح آلية التعليم أعلى من انتقادها، وكذلك آداء المعلم أو شيخ الكُتاب.
· العقاب:
امتازت الكتاتيب باستخدام العقاب البدني والنفسي بتوسع، فهي امتياز يمنح للمعلم من قبل المجتمع بهدف تقويم سلوك الطلاب، ودفعهم على بذل أقصى جهودهم في حفظ آيات التنزيل، وبالتالي فليس من المستغرب أن المنادين بعودة الكتاكتيب يعارضون ما تنص عليه الأنظمة الحديثة من تجريم للعقاب البدني للطلاب، وسحب تلك الميزة من المعلم.
· الارتكاز على الحفظ كمهارة وحيدة:
لم تهدف الكتاتيب إلى تطبيق الأمر الإلهي بالتفكر والتدبر في آيات الله، إنما إلى حفظ كتاب الله واستظهار آياته (نفس المقاربة التي تجعل الكثير من الخطباء والمربين يتوقفون عند الأمر الإلهي "اقرأ" ولا يتطرقون لآيات التدبر) وبالتالي فهي تنمي ملكة الحفظ، بل ترتكز عليها باعتبارها المهارة الوحيدة الجديرة بالاهتمام. وتساوي العديد من كتابات الأقدمين بين معنى الاستيعاب ومعنى الحفظ، خلافا لما تقوم به التصنيفات الحديثة من ربط الاستيعاب بالفهم، وحتى عند التطرق لمجالات معرفية أخرى مثل الحديث أو التفسير للأعمار المتقدمة، لا تتجاوز الكتاتيب التركيز على مهارة الحفظ.
وإذا ما قمنا بتطبيق هذا النمط المعرفي على واقعنا التعليمي، سنجد آلاف الحصص المطابقة لهذا النمط، بغض النظر عن المجال المعرفي، أحذر أن أقع في مبالغة القول أن معظم معلمينا ينساقون لها النمط التراثي، ولكن يمكنني بضمير مطمئن أن أشهد أن ما يزيد عن سبعين بالمائة من الحصص التي حضرتها كانت تلك الخصائص هي السمات الرئيسة لها، مع استبدال الكتاب المقرر عوضا عن بالقرآن الكريم، مما يسمح لنا بالتحدث عن "كتاب الرياضيات" و"كتاب الفيزياء" و"كتاب اللغة الإنجليزية".
ولأدفع جدالي إلى الأمام، وأعطي لطرحي القوة التي أبغيها، فإن نقطتي الرئيسة هي أن الكُتاب لا يصلح حتى للتدريس في مجاله الأساسي، أي القرآن الكريم....حفظه وتلاوته وتفسيره، وعلى الرغم من عدم تخصصي في أساليب تدريس التربية الإسلامية وعلوم الشريعة، إلا أن خبرتي كمتعلم قبل أن أكون معلما، تنبئني بأن معلمي التربية الإسلامية هم الأقل تنوعا في طرق تدريسهم، والأقل استخداما لوسائل تعليمية فاعلة، والأكثر التزاما بطرائق التعليم التلقينية، وباستثناءات قليلة، كانت حصصهم هي الأقل جذبا للطلاب.
لعل تلك القناعات المشتركة هي ما جعل "ميادة" تلجأ لمشورتي، فمع خبرتها بأن الطلاب يواجهون جهودها التعليمية بالنفور، وعدم تقديم مشرفها للعون الكافي مما تبغية من طرق قادرة على جذب الطلاب إلى المحتوى المقدم، كانت تعرف أن الحل موجود في مكان ما خارج تخصصها في الشريعة، وكانت تبحث عنه بضرواة في أساليب تدريس التخصصات الأخرى، مثل العلوم واللغة العربية والدراسات الاجتماعية.
ترسخت قناعتها بأن من الممكن ترسيخ شخصية فعالة وذهنية متفتحة من خلال التربية الإسلامية، خاصة مع شمولها لأمور الحياة، كما اعتقدت أنها إذا ما أعطت للمقرر الحيوية المطلوبة، فسيساعد في تنمية أشخاص أكثر إقبالا على الحياة والإبداع، يملكون قاعدة دينية تبعدهم عن تيارات التطرف والإلحاد..
ومن خلال عدة نقاشات مطولة قررت أن تخوض تجربتها الخاصة، على الرغم من معارضة معلمات التخصص في المدرسة لخطتها، ربما كانت أول حصة للتربية الإسلامية تقدم في مختبر الحاسوب، فبعد أن قدمت الدرس طلبت منهم الاستماع إلى الآيات المقررة من خلال الملف الموجود على كل حاسوب، طلبت من كل واحد منهم أن يسجل الكلمات الجديدة عليه أو التي لا يعرف معناها على ورقة منفصلة، وبعد أن تبادلوا الأوراق قام كل طالب بالبحث عبر الانترنت عن معاني الكلمات وقام بشرحها لزميله، مهد هذا التعاون المتبادل على تأسيس فهم مشترك، وهو هدفها من النشاط، حيث قامت بتقسيمهم إلى مجموعات وتوجيه كل مجموعة إلى عدة مصادر، وطلبت من كل مجموعة تجهيز عرض عن معنى الآيات، يشمل ذلك الاستعانة بالأهل أيضا.
في الحصة التالية، قامت كل مجموعة بعرض آرائها أمام بقية الصف، وتبادلوا النقاش وتعاملوا مع اختلاف الآراء بمنتهى الجدية، على الرغم من أنهم لم يتعدوا عامهم الدراسي السادس، كان دورها فقط يقتصر على تنظيم النقاش والتذكير بالوقت المخصص لكل مجموعة، طلبت من كل طالب أن يعبر عن تفسيره بناء على الآراء التي سمعها خلال الحصة، ألمحت لهم أن لهم الحرية في استخدام الأسلوب المناسب للتعبير، كما طلبت منهم حفظ الآيات من المصدر المتاح عبر الانترنت.
وحدث ما كانت تتوقعه تماما، فقد بحث كل منهم عبر الانترنت عن أشكال مختلفة لعرض أفكاره، وبينما قام البعض منهم بتلخيص الآراء المذكورة في الحصة كتابة مع الإشارة لمناطق الاختلاف ورأيه فيها، فإن البعض الآخر قام بتصميم عرض تقديمي يتضمن الآيات وتفسيرها في تناسق بديع، كما تمكن البعض الآخر أن يصمم خارطة ذهنية أو مفاهيمية لمحتوى الآيات وتفسيرها، شعرت بسعادة غامرة خلال تبادلهم للأعمال وتعقيبها عليهم، كان أكثر ما أسعدها هو ذلك الانخراط في مناقشة المحتوى وكذلك الجدية التي تعاملوا بها مع الموضوع كما لو كانوا كبارا.
كل العلامات أكدت لميادة أنها في الطريق الصحيح، فبالاضافة إلى استيعاب الطلاب لمعاني الآيات وأسباب نزولها والدروس المستفادة، فقد كان آداؤهم في تسميع الآيات ممتازا، حتى الطلاب الأقل انخراطا قد أدوا المهمة بأقل قدر من الأخطاء، ولأول مرة منذ عملها في المدرسة تأتي الأمهات خصيصا كي يشكرنها أو يسألنها عن الاهتمام الذي صار الأبناء يبدونه في تعلم القرآن الكريم، شجعها ذلك على المضي في استخدام استراتيجيات تعلم أكثر عمقا.
حينما نشير إلى التدفق المعلوماتي الهائل، عبر تقنيات المعلومات والاتصالات، فإن ذلك يشمل العلوم الدينية أيضا، وهنا نجد أنفسنا أمام عدة تحديات، فبالإضافة إلى طوفان المعرفة المتزايد وتعدد صورها، النصوص والمقاطع الصوتية والمصورة والأفلام والوسائط المتعددة والصفحات و.....و.....، أضحت هناك حاجة ماسة لتنمية المهارات النقدية للتفريق بين الصالح والضار، القدرة على الوصول إلى المعلومات الصحيحة والموثقة وتميزها عن المعلومات الخاطئة والمصادر المضللة، هناك ضرورة لتطوير مهارات الأطفال والشباب التحليلية والإبداعية، ليتمكنوا من جمع شتات ما هو متناثر وتوصيل أفكارهم ورؤاهم إلى الآخرين بصورة فعالة، هذا واجبنا كآباء ومعلمين، ومعلم التربية الإسلامية ليس مستثنى من هذا الواجب، ولا أظن أن الكُتاب بأساليبه العقيمة يمكن أن يساعد في تحقيق ذلك.
ذلك هو موجز الطرح المنادي بعودة الكتاتيب والتباكي عليها، والغريب أنه يصدر عن قطاع لا بأس به من المثقفين وحملة الشهادات الجامعية العليا، ومعلمي الجامعات الذين يلقنون الأجيال الجديدة تلك الأفكار النابهة، ويرى معظم المنادين بذلك أن للكتاب قدرة على التأسيس الأخلاقي والديني والعلمي، بالشكل الذي نراه في قرون عظمة الحضارة الإسلامية، حيث أخرجت الكتاتيب أجيالا من عظماء العلماء في ذلك العهد، بما يضمن عودة المجد القديم الذي صاحب نشأة وترقي الحضارة الإسلامية.
ولعل التساؤل الرئيس هنا حول عودة الكتاتيب، هو "من أين تعود؟" فالكتاتيب لم تغادرنا كي تعود، مازالت نسبة كبيرة من المعلمين يتعاملون مع طلابهم بعقلية الكتاتيب، "احفظ ما هو مقرر عليك" تبدو النصيحة الذهبية للترقي في نظامنا التعليمي، ربما يجب علينا القضاء على ما بقي من أشباح للكتاتيب داخل عقولنا، إذا ما رغبنا في التقدم.
وبعيدا عن الادعاءات الثقافية الخاصة بالحداثة ومنتقديها، وبعيدا كذلك عن الصورة الهزلية التي رسختها الأفلام والمسلسلات على مر العقود الأخيرة، يمكن تحليل النمط التعليمي للكتاب كما ينتظم في مخيلة مشجعيه، وسنجد من خلال التالي أن سماته المميزة تترابط بشكل عضوي لا يسمح بفصل إحداها عن الأخرى، وهي:
· قداسة النص وسلطة المعلم:
للقرآن الكريم قدسية خالصة فهو كلام الله وكتاب المسلمين، ذلك ليس محل جدال بين عموم المعلمين والمتعلمين، إلا أن تلك القداسة تنسحب بالتبعية على كل من عملية التعليم والقائم عليها، وبالتالي تصبح آلية التعليم أعلى من انتقادها، وكذلك آداء المعلم أو شيخ الكُتاب.
· العقاب:
امتازت الكتاتيب باستخدام العقاب البدني والنفسي بتوسع، فهي امتياز يمنح للمعلم من قبل المجتمع بهدف تقويم سلوك الطلاب، ودفعهم على بذل أقصى جهودهم في حفظ آيات التنزيل، وبالتالي فليس من المستغرب أن المنادين بعودة الكتاكتيب يعارضون ما تنص عليه الأنظمة الحديثة من تجريم للعقاب البدني للطلاب، وسحب تلك الميزة من المعلم.
· الارتكاز على الحفظ كمهارة وحيدة:
لم تهدف الكتاتيب إلى تطبيق الأمر الإلهي بالتفكر والتدبر في آيات الله، إنما إلى حفظ كتاب الله واستظهار آياته (نفس المقاربة التي تجعل الكثير من الخطباء والمربين يتوقفون عند الأمر الإلهي "اقرأ" ولا يتطرقون لآيات التدبر) وبالتالي فهي تنمي ملكة الحفظ، بل ترتكز عليها باعتبارها المهارة الوحيدة الجديرة بالاهتمام. وتساوي العديد من كتابات الأقدمين بين معنى الاستيعاب ومعنى الحفظ، خلافا لما تقوم به التصنيفات الحديثة من ربط الاستيعاب بالفهم، وحتى عند التطرق لمجالات معرفية أخرى مثل الحديث أو التفسير للأعمار المتقدمة، لا تتجاوز الكتاتيب التركيز على مهارة الحفظ.
وإذا ما قمنا بتطبيق هذا النمط المعرفي على واقعنا التعليمي، سنجد آلاف الحصص المطابقة لهذا النمط، بغض النظر عن المجال المعرفي، أحذر أن أقع في مبالغة القول أن معظم معلمينا ينساقون لها النمط التراثي، ولكن يمكنني بضمير مطمئن أن أشهد أن ما يزيد عن سبعين بالمائة من الحصص التي حضرتها كانت تلك الخصائص هي السمات الرئيسة لها، مع استبدال الكتاب المقرر عوضا عن بالقرآن الكريم، مما يسمح لنا بالتحدث عن "كتاب الرياضيات" و"كتاب الفيزياء" و"كتاب اللغة الإنجليزية".
ولأدفع جدالي إلى الأمام، وأعطي لطرحي القوة التي أبغيها، فإن نقطتي الرئيسة هي أن الكُتاب لا يصلح حتى للتدريس في مجاله الأساسي، أي القرآن الكريم....حفظه وتلاوته وتفسيره، وعلى الرغم من عدم تخصصي في أساليب تدريس التربية الإسلامية وعلوم الشريعة، إلا أن خبرتي كمتعلم قبل أن أكون معلما، تنبئني بأن معلمي التربية الإسلامية هم الأقل تنوعا في طرق تدريسهم، والأقل استخداما لوسائل تعليمية فاعلة، والأكثر التزاما بطرائق التعليم التلقينية، وباستثناءات قليلة، كانت حصصهم هي الأقل جذبا للطلاب.
لعل تلك القناعات المشتركة هي ما جعل "ميادة" تلجأ لمشورتي، فمع خبرتها بأن الطلاب يواجهون جهودها التعليمية بالنفور، وعدم تقديم مشرفها للعون الكافي مما تبغية من طرق قادرة على جذب الطلاب إلى المحتوى المقدم، كانت تعرف أن الحل موجود في مكان ما خارج تخصصها في الشريعة، وكانت تبحث عنه بضرواة في أساليب تدريس التخصصات الأخرى، مثل العلوم واللغة العربية والدراسات الاجتماعية.
ترسخت قناعتها بأن من الممكن ترسيخ شخصية فعالة وذهنية متفتحة من خلال التربية الإسلامية، خاصة مع شمولها لأمور الحياة، كما اعتقدت أنها إذا ما أعطت للمقرر الحيوية المطلوبة، فسيساعد في تنمية أشخاص أكثر إقبالا على الحياة والإبداع، يملكون قاعدة دينية تبعدهم عن تيارات التطرف والإلحاد..
ومن خلال عدة نقاشات مطولة قررت أن تخوض تجربتها الخاصة، على الرغم من معارضة معلمات التخصص في المدرسة لخطتها، ربما كانت أول حصة للتربية الإسلامية تقدم في مختبر الحاسوب، فبعد أن قدمت الدرس طلبت منهم الاستماع إلى الآيات المقررة من خلال الملف الموجود على كل حاسوب، طلبت من كل واحد منهم أن يسجل الكلمات الجديدة عليه أو التي لا يعرف معناها على ورقة منفصلة، وبعد أن تبادلوا الأوراق قام كل طالب بالبحث عبر الانترنت عن معاني الكلمات وقام بشرحها لزميله، مهد هذا التعاون المتبادل على تأسيس فهم مشترك، وهو هدفها من النشاط، حيث قامت بتقسيمهم إلى مجموعات وتوجيه كل مجموعة إلى عدة مصادر، وطلبت من كل مجموعة تجهيز عرض عن معنى الآيات، يشمل ذلك الاستعانة بالأهل أيضا.
في الحصة التالية، قامت كل مجموعة بعرض آرائها أمام بقية الصف، وتبادلوا النقاش وتعاملوا مع اختلاف الآراء بمنتهى الجدية، على الرغم من أنهم لم يتعدوا عامهم الدراسي السادس، كان دورها فقط يقتصر على تنظيم النقاش والتذكير بالوقت المخصص لكل مجموعة، طلبت من كل طالب أن يعبر عن تفسيره بناء على الآراء التي سمعها خلال الحصة، ألمحت لهم أن لهم الحرية في استخدام الأسلوب المناسب للتعبير، كما طلبت منهم حفظ الآيات من المصدر المتاح عبر الانترنت.
وحدث ما كانت تتوقعه تماما، فقد بحث كل منهم عبر الانترنت عن أشكال مختلفة لعرض أفكاره، وبينما قام البعض منهم بتلخيص الآراء المذكورة في الحصة كتابة مع الإشارة لمناطق الاختلاف ورأيه فيها، فإن البعض الآخر قام بتصميم عرض تقديمي يتضمن الآيات وتفسيرها في تناسق بديع، كما تمكن البعض الآخر أن يصمم خارطة ذهنية أو مفاهيمية لمحتوى الآيات وتفسيرها، شعرت بسعادة غامرة خلال تبادلهم للأعمال وتعقيبها عليهم، كان أكثر ما أسعدها هو ذلك الانخراط في مناقشة المحتوى وكذلك الجدية التي تعاملوا بها مع الموضوع كما لو كانوا كبارا.
كل العلامات أكدت لميادة أنها في الطريق الصحيح، فبالاضافة إلى استيعاب الطلاب لمعاني الآيات وأسباب نزولها والدروس المستفادة، فقد كان آداؤهم في تسميع الآيات ممتازا، حتى الطلاب الأقل انخراطا قد أدوا المهمة بأقل قدر من الأخطاء، ولأول مرة منذ عملها في المدرسة تأتي الأمهات خصيصا كي يشكرنها أو يسألنها عن الاهتمام الذي صار الأبناء يبدونه في تعلم القرآن الكريم، شجعها ذلك على المضي في استخدام استراتيجيات تعلم أكثر عمقا.
حينما نشير إلى التدفق المعلوماتي الهائل، عبر تقنيات المعلومات والاتصالات، فإن ذلك يشمل العلوم الدينية أيضا، وهنا نجد أنفسنا أمام عدة تحديات، فبالإضافة إلى طوفان المعرفة المتزايد وتعدد صورها، النصوص والمقاطع الصوتية والمصورة والأفلام والوسائط المتعددة والصفحات و.....و.....، أضحت هناك حاجة ماسة لتنمية المهارات النقدية للتفريق بين الصالح والضار، القدرة على الوصول إلى المعلومات الصحيحة والموثقة وتميزها عن المعلومات الخاطئة والمصادر المضللة، هناك ضرورة لتطوير مهارات الأطفال والشباب التحليلية والإبداعية، ليتمكنوا من جمع شتات ما هو متناثر وتوصيل أفكارهم ورؤاهم إلى الآخرين بصورة فعالة، هذا واجبنا كآباء ومعلمين، ومعلم التربية الإسلامية ليس مستثنى من هذا الواجب، ولا أظن أن الكُتاب بأساليبه العقيمة يمكن أن يساعد في تحقيق ذلك.
لست ربوت