نظارات بالألوان، وأخرى سوداء! بقلم يوسف صبري

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية نظارات بالألوان، وأخرى سوداء! بقلم يوسف صبري

نظارات بالألوان، وأخرى سوداء! بقلم يوسف صبري

                                                                                                                       لا يوجد عدو على وجه البسيطة عدوا لنفسه ..بمعنى أن الإنسان وجد مفتوحا قلبه على خيار القبول بما هو جيد ورفض ما هو سيء وكفى..لا توجد نظارات سوداء، إنما بإمكان اعتلال الرؤية وضعفها وقصورها وحسرها وعسرها بشكل وجيه وليس خيارا شخصيا ..البصريون يفهمون أكثر منا في هذا المجال ..وإذا كان إسقاط هذه العبارة على الإنسان الذي يطارد كل جميل بحكم أنه ينظر بزجاج "أسود وبالألوان " فإن تعميم القاعدة لا يعد بتحقيق المبتغى وهو ضرب يغلب علنا مفهوم" القطيع" .
يوجد اليوم شبه إجماع على أن القبول بالرأي الأخر بات بشكل مطلق مرفوض، ليس بالمناطق المحلية والمدن الصغيرة والمراكز والقرى والدواوير بل إلى حدود البيوت ..لم يعد مرحبا بالفكر المخالف ولو كان صوابا . السماحة والمساحة التي من المفروض القبول بها مجالا لتجريب الأفكار والتصورات واعتناق تدافعها وتلاقحها والبحث عن الجيد فيها واعتراف طرف بجدوى القبول بهذا الطرح وغيره كل هذا في العصور الحالية مع كامل الأسف مرفوض ..أفقيا وعموديا حتى ولو كان رأيا يستند إلى فقه وعلم وبإمكانه إعطاء صورة حسنة عن معنى الاستشارة والرأي السديد.
يصبح اليوم جميعهم أعداء أولئك الذين لديهم أراء مختلفة ذات منطلقات أيضا مختلفة ومعززة بالبرهان، أنت عدو بالمعنى إذا كنت فقط تصدر أراءا مخالفة مبنية على حجة دامغة، الوضع الراهن في كل البلدان التي ليس بينها والديمقراطية إلا أسماء سماها هؤلاء لتطويع الخيارات وإعطاءها لبوسا للتعددية ! إنما يتبدى للوهلة الأولى أن المفاهيم يمكن اللعب بها كما يلعب طفلان ببرتقالة على أساس أنها كرة .
مع أن "جوهر" الوجود قبل "الشكل" مبني على قول الحقيقة، الدفاع عنها بما يلزم من القناعات والاستدلال والاستبيان. لأنه لا يمكن بناء صرح الديمقراطية التي نسمع عنها ونلتقط إشاراتها من بعيد سوى بامتلاك كل فرد داخل الجماعة لمعنيين لا ثالث لهما ..1 الحس النقدي الدائم في الوقت والمكان 2 والحس التحليلي الموضوعي الرصين لما يجدربه أن يعتنقه قبل القبول الصريح والضمني بكل ما يراد به أن يكون سائدا مجتمعيا.
غير هادين المسارين يعتبر الاصطفاف بدون جهد ولا إبداء للرأي ولا طرح أسئلة مجرد عبث بالوجود في حد ذاته . إن الذين طوروا هذا العالم لم يكونوا منبطحين ولا مخادعين لا مارقين أو خونة أو سفلة وصوليين وانتهازيين ولا مصاصي دماء و أي المسميات . هم أولئك الذين رفضوا مطلقا مبادئ تغليب رأي على أراء متعددة تعالج نفس الفكرة من زوايا متباينة ..الشعوب المقهورة البعيدة عن جوهر الحقائق سواء العلمية أو السياسية أو الاجتماعية أو البيئية أو الثقافية هي التي منع عنها تجريب مبدأي النقد والتحليل تم الاستنباط والقبول أو الرفض كنتائج تخضع لأن يكون الفرد حرا ونزيها .
علينا أن نفهم أن التاريخ الشخصي لكل فرد يدور ومن تم يسقط على رأسه إذا كان مهما بمجتمعه ويستطيع صناعة التوجهات والتأثير. أما إذا كان بسيطا فلا يهم في تاريخه شيء ، وبالتالي فإما يكون تاريخه مفهوما مهضوما فيه جزء كبير من المساهمة الإنسانية "الصريحة "، أو أنه تاريخ لا يعتبر وثيقة يعتد بها. وهو "عار " عليه وعلى من سيأتي من ورثته الأوفياء لروحه المتبرمون من مذكراته .
الكتابة والصورة تاريخ الفرد اتجاه الموضوع والجماعة.. الرواية والأدب والشعر والفن عموما تاريخ ووثيقة ..ومجالات البحث العلمي وثائق تاريخية، وحتى التراث المحكي والشفوي والمحنط والأسوار والاسمنت إذا كانت كلها ذات قيمة كمحزون لحفظ الذاكرة الإنسانية وتحويلها إلى الأجيال اللاحقة، فإنها تصبح بغير قيمة إذا لم يتمتع صناعها بالقدر الكافي من الصراحة والمكاشفة ونكران الذات والعلم والقوة والشجاعة لقول ما يجب أن يقال .
أما وأن الفرد عليه أن يضع على عينيه يمينا وشمالا ما يوضع على "حمار " العربة كي لا يدرك الطريق والباقي من المسافة، وكي لا يهتم بمعاني الطرق التي يقطعها والأودية التي عليه أن يقفز عنها، والأخبار الواردة المفروض فيه أن يغض الطرف عنها.. أن يؤمن بها بدون سابق رأي منه. فإن هذه "النظارات " مهما كان لونها أسودا أو بالألوان لا تهم في شيء.
هناك ساعات للحقيقة يقدر فيه الأخر جهدك بين سائر الأيام ..تتعب القلوب والرقاب والحناجر يوما إذا كان ولا بد أن تتعب ، وفي نهاية التاريخ عليك باحتضان نتائج جهودك كفرد كان يقول ما لا يسمع، ويحكم بما لا يتصف بالصدق في أحكامه ..أما والنظارات السوداء أو بالألوان فإنهما غير ذا شأن إذا لم يتبنى أصحابهما بشكل أساسي قيمة وصف الألوان إذا كانت الصورة ذات ألوان ..أما وصف ما لا لون فيه، ولا رائحة فيه ولا جوهر فيه، فإنه من قبيل الكذب على التاريخ الجماعي والضمير والمخيال الإنساني العام الذي يرجع في فترة من أجل لعن الذين كانوا عميانا وكذابون ! ومع ذلك صوروا للناس مشاهد بكل الألوان ..
لا يجدر بالفرد أن يمثل دور بصير في جوقة للعميان، لأن غدا لناظره قريب ، اللهم إذا كان الفرد ليس له ورثة، ولا يعيبه أن يخدش في الذاكرين ذكره. أو أن يكون كل ما يكتب ويسجل مجرد تفاهات مؤدى عنها لسد باب من أبواب الحياة الفانية. فإنه لا يلام على فقره وحاجته ، فهناك مسافة كبيرة وعظيمة بين المواقف وبين بقية المعطيات. أكانت خصاصا أو إكراها .. ترفا أو حبا في غنيمة زالت بزوالها كل معاني الاضطرار يوما في الدفاع عن مواقف لا تنتمي إلى سلالة الإنسانية .
لا بأس أن ننظر بنظارات ملونة أو سوداء إنما لوصف الموضوع بصدق وبلا زيادة أو نقصان، والمهم أن لا تختلط علينا الألوان وأن لا نتيه .علينا وصف هذا وذاك بصدق اللحظة، فالمتنبي بقوة ما امتلك من ناصية الشعر، إنما لا يحق في قوله بين جمهور من الشجعان وأساطين المعرفة والممانعين عبر التاريخ والذين وثقوا لفواصله وفروق البشر بأنه فعلا كان شاعرا نزيها وقويا لا يشق له غبار!
بقلم :صبري يوسف

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button