بتلك العبارة المذكورة أعلاه، أبدى زميل صحفي اعتراضه على وصف إحدى الصحف التي تعتمد الإثارة والإغراء صنعتها، والفضائح والجرائم شاغلها، بأنها "صحيفة صفراء"، مؤكدا أن الصحافة لا لون لها، ليس لشيء إلا أنه يراها "كلها من حال بعضها".
حين قالها، كانت تعلو على وجهه ابتسامة صفراء، وكأنه يقول لمن حوله: انظروا، هذه ما يصلح أن نسميها بـ"الصفراء"، فقد كانت ابتسامة متكلفة جدا، بالنسبة لي، لم يكن هناك شيء أمامي أشد اصفرارا من أسنانه..
مسمى الصحافة الصفراء خرج من رحم نظريتين: نظرية الليبرالية المتحررة، ونظرية المسؤولية الاجتماعية بعد تحرر الصحف من النظرية السلطوية |
الألوان صفة للجسم، تتدرج ما بين السواد والبياض. وفي اللغة: لَوْنُ كلِّ شيء: ما فَصَلَ بينه وبين غيره، هذا يعني أن من وظيفة الألوان هو الفصل، والتمييز.
الناظر إلى محيطه يرى كيف أن الألوان تفصل بين مكوناته، وبالنسبة للصحافة، فالألوان وطريقة استخدامها من بين الأدوات المهمة في تحليل المضامين الصحفية، حتى أن البعض ذهب إلى استخدامها في التصنيف.
بالإضافة إلى ذلك، فإن من بين أهم ميزات الألوان، قدرتها على تغيير نفسية الإنسان، ذلك أن لكل لون مفهومات معينة ودلالات خاصة، ونجد أن هذه القدرة ذاتها أيضا لدى الصحافة، فهي الوسيلة الجماهيرية الأقدر على تغيير القناعات والاتجاهات والميول لدى القرّاء، والرأي العام.
إن الصورة الكاملة التي تستطيع من خلالها دراسة المحتوى الصحفي وتصنيفه، بعد تحليله بالأدوات العلمية، تتشكل من خلال إسقاط صفة اللوان عليه: بيضاء وسوداء وصفراء ورمادية.
إلا أن الصحفيين اليوم يعايشون فترة مهمة في تاريخ الصحافة، فهي تشهد تطورا غير مسبوق، ونقلة نوعية من الصحافة الورقية إلى الصحافة الإلكترونية، فتغيرت لديهم التصنيفات واختلفت القراءات لطبيعتها..
إحدى تلك التصنيفات التي اعتاد العاملون في هذه المهنة اعتمادها وصارت مثار جدل اليوم: اللون..
بالطبع أنا لا أتكلم عن استخدام الحبر الملون في مرحلة الطباعة.
ربما كان في البداية سبب دخول تصنيف الألوان إلى الصحافة، طبيعة لون الورق المستخدم في الطباعة، مثل الورق الأصفر، والوردي -بالأدق لون السلمون (للصحف المالية)- والأبيض والرمادي، إلا أن هذا التصنيف شاع استخدامه لدى كثير من الباحثين، وصار النقد البديهي لأي صحيفة بهدف تمييزها ووصف درجة مهنيتها، هو إطلاق وصف اللون عليها.
خرج مسمى الصحافة الصفراء من رحم نظريتين أولها النظرية الليبرالية المتحررة، وثانيها نظرية المسؤولية الاجتماعية بعد تحرر الصحف من النظرية السلطوية، فظهرت صحف إثارة مهتمة بالربح، وراحت تصنيفات الصحف ما بين ألوان متعددة.
وعلى الرغم من ذلك، هناك من يرى الصحافة اليوم وكأنها لوحة فنية قد أحسن صنعها ولكن بلا ألوان، تماما كما رآها صاحبنا!
بالرجوع إلى ابتسامته الصفراء.. يدور في الذهن تساؤل: لماذا نقوم بوصف مثل تلك الابتسامة بأنها "صفراء"؟
اعتدنا بشكل عفوي أن نطلق هذه الصفة على الابتسامة المتكلفة، التي تكون دون شعور حقيقي. والأصفر في لغة الألوان رمز للخديعة والتكلف، وهو أيضا رمز للغش والمرض. أما في ودلالاته النفسية فهو مرتبط بالخريف وموت الطبيعة والصحاري الجافة، وصفرة وجوه المرضى.
أول ظهور للون الأصفر في الصحافة، كان على يد الناشر الصحفي ويليام راندولف هيرست، هذا الاسم الذي يصعب نسيانه، فقد ساعد الرجل على نشوئها، وانتهج الإثارة في نشر أخباره، واهتم بالفضائح والجرائم. وكانت تطبع الصحف وقتها على أوراق صفراء رخيصة الثمن، حتى أصبحت تطلق مع الزمن على كل صحيفة تهدف إلى إثارة الرأي العام لزيادة عدد المبيعات بشكل غير مهني، وإشاعة الفضائح باستخدام المبالغة أو الانحياز.
ابتسامة سوداء
ومن الابتسامة الصفراء إلى ابتسامة غلاسيكو أو (ابتسامة تشلسي)، تلك الابتسامة السوداء التي ظهرت عام 1947، على وجه الأمريكية إليزابيث شورت، التي كانت ضحية جريمة قتل تعدّ من أشهر الجرائم التي حصلت في التسعينيات.
وهي الابتسامة الشهيرة ذاتها التي اشتهرت على وجه الجوكر في فيلم "فارس الظلام" من ضمن سلسلة باتمان لكريستوفر نولان، بكل ما تحمله من اضطرابات نفسية مختلطة بالميول الإجرامية التي يصحبها نوع من كوميديا سوداء ساخرة.
هذه الابتسامة لمن لا يعرفها، هي الجرح الناجم عن قطع فم الضحية من زواياه حتى الأذنين، وترك ندبة على شكل ابتسامة.
وبالرجوع إلى جريمة إليزابيث، قام بعض الصحفيين وقتها بالتواصل مع والدة الضحية التي لم تدر بعد بما أصاب ابنتها، وأخبروها أن إليزابيث فازت في مسابقة للجمال. كان دافع هؤلاء الصحفيين التطفل والحصول على أكبر قدر من المعلومات الشخصية عن ابنتها، وبعد ذلك قاموا بإخبارها أن ابنتها قد قتلت.
لقب "الداليا السوداء"، هو ما أطلق على إليزابيث شورت، بفضل الصحف وما نشرته عنها، وأقل ما يقال عن الصحف التي قامت بتغطية هذه القضية، إنها "صحافة سوداء". فقد برزت عقب الحادثة عملية تغطية غير مهنية وأخلاقية، وكثرت الإشاعات، واستخدام الطرق الملتوية بهدف الحصول على السبق الصحفي، دون الاكتراث لمشاعر أحد أو الشعور بحس المسؤولية.
أما اليوم، نستطيع إطلاق وصف "الصحافة السوداء" على الصحف التي تبث سموما طائفية، وتروج للإرهاب، وتلك التي تستخدم الوسائل غير المشروعة للحصول على المعلومة، والتي تحرف الحقائق وتشوه الواقع.
أول ظهور للون الأصفر في الصحافة، كان على يد الناشر الصحفي ويليام راندولف هيرست، هذا الاسم الذي يصعب نسيانه، فقد ساعد الرجل على نشوئها، وانتهج الإثارة في نشر أخباره، واهتم بالفضائح والجرائم. وكانت تطبع الصحف وقتها على أوراق صفراء رخيصة الثمن، حتى أصبحت تطلق مع الزمن على كل صحيفة تهدف إلى إثارة الرأي العام لزيادة عدد المبيعات بشكل غير مهني، وإشاعة الفضائح باستخدام المبالغة أو الانحياز.
ابتسامة سوداء
ومن الابتسامة الصفراء إلى ابتسامة غلاسيكو أو (ابتسامة تشلسي)، تلك الابتسامة السوداء التي ظهرت عام 1947، على وجه الأمريكية إليزابيث شورت، التي كانت ضحية جريمة قتل تعدّ من أشهر الجرائم التي حصلت في التسعينيات.
وهي الابتسامة الشهيرة ذاتها التي اشتهرت على وجه الجوكر في فيلم "فارس الظلام" من ضمن سلسلة باتمان لكريستوفر نولان، بكل ما تحمله من اضطرابات نفسية مختلطة بالميول الإجرامية التي يصحبها نوع من كوميديا سوداء ساخرة.
هذه الابتسامة لمن لا يعرفها، هي الجرح الناجم عن قطع فم الضحية من زواياه حتى الأذنين، وترك ندبة على شكل ابتسامة.
وبالرجوع إلى جريمة إليزابيث، قام بعض الصحفيين وقتها بالتواصل مع والدة الضحية التي لم تدر بعد بما أصاب ابنتها، وأخبروها أن إليزابيث فازت في مسابقة للجمال. كان دافع هؤلاء الصحفيين التطفل والحصول على أكبر قدر من المعلومات الشخصية عن ابنتها، وبعد ذلك قاموا بإخبارها أن ابنتها قد قتلت.
لقب "الداليا السوداء"، هو ما أطلق على إليزابيث شورت، بفضل الصحف وما نشرته عنها، وأقل ما يقال عن الصحف التي قامت بتغطية هذه القضية، إنها "صحافة سوداء". فقد برزت عقب الحادثة عملية تغطية غير مهنية وأخلاقية، وكثرت الإشاعات، واستخدام الطرق الملتوية بهدف الحصول على السبق الصحفي، دون الاكتراث لمشاعر أحد أو الشعور بحس المسؤولية.
أما اليوم، نستطيع إطلاق وصف "الصحافة السوداء" على الصحف التي تبث سموما طائفية، وتروج للإرهاب، وتلك التي تستخدم الوسائل غير المشروعة للحصول على المعلومة، والتي تحرف الحقائق وتشوه الواقع.
ما يزال الأمر مثار نقاش وجدل، ولعل هذه التدوينة التي تأتي ضمن زاوية مخصصة لمناقشة أمور مختصة بمهنة الصحافة، تفتح مجالا للنقاش في هذا الموضوع، لتتشكل فرصة للمهتمين بالاطلاع على الآراء العديدة المختصة بالصحافة، للوصول إلى مناخ صحفي أكثر تلونا
لست ربوت