ذات زمن ، حدتثني أمي بلغة تنقض المآذن الخرساء ،و حينها كنت مضغة في رحم خيالها ، و كان الشغف إلى مخاض المضاجعة يشدها أن تلدني من الحلم حقيقة قبل أن تنزلق إلى منحدر الغروب ، على طبق من أطياف الولادة أجعل منها ولادة في الولادة تلدني تلك الحقيقة ، التي تجعلني أطرد من وجودي كل عالم يتدين حتى الثمالة بما تسطر الأساطير على لوح الإنسان من مذمذات ، تجعلني كذبة تضلل بها الناس عن حقيقة وجودي ، فتمطر التي وضعتني من رممها على هيئة الدهر ، وابلا من الغضب فأفد منها أعير من الأرض مقبرة للأموات يسكنوا إلى غرفها حتى يبنون داخل الثرى من أنفسهم انسانا على هيئتي ، أو نأتيهم بخارق يخرق إرث أولئك الذين يستهزؤون من أنس غفل زعما منهم أنهم أنبياء يحملون إصلاحا ، فتأخذني معها على سفينة الإسراء وميضا نعد حقب الولادة على أطلال البدء ، ثم على شرفة جيدها تشد بجدع لساني و تبسط يدها تبني جسدي من تقاسيم الملح التي حوتها من مقل اليم ، على هامة صدرها تقيم لي صرحا أصعد سماءه أفزع و أزعج و أعجز باعجازي هؤلاء العتاريف الذين نصبوا أنفسهم على الأرض آلهة و سجنوا الشعوب في الجهل أمرا ليستعبدونهم كرها ، فأتذكر ما كانت تتلو بلغتها عن خلقي ، و كنت لصلاتها أعقل قبل النطق ، و الصدى في محرابي يعبد ما ترتل على بقايا الصحف المهجورة في قرية الإنسان ، فتبسط إلي روحها حديث مقالد ، امتط الشمس التي بنيناها لك فلكا فإن مجراها من نورنا لا ينضب نبعه ولا سراجه ينطفئ ، إننا نثبت لسانك مقام الجهر فاضرب على جدر هؤلاء السفهاء السافلين ، و لا تدروهم على المنابر يمكثون جاثمين و أنتم أحياء ، إنا لنبدل لسنكم البكم بطارق حتى يسمع لها في الشارع شهيق ، و لما يكتمل الحلم في نشأتي أجد أن الدهر قد أختلس من الكون ما أودعت عنده من جمال الصبا ، فأصير يوما قائما يتقدم الأيام أرمي من عرش الضحى بالمطر أسماء الخونة المحفوظة على جبهة العهد ، فهمهم عليه الضعف و وجلت أنفسهم و ارتجت رجفة و هم من حضوري يتوجسون رعبا ، فيخرون إلى حلفائهم يطلبون انقاذا ، و أمانيهم الظمأى إلى الافتراس تلتهب انتقاما ، فهم لا يستطيعون ركوب القتال شجعانا ، إن ملجأهم مأوى الجبن منه يستمدون الغدر سلاحا ، يقيهم شر نزال من قلم يذيقهم في الرهان حنظل الحمام ، عدميون يخالون انهم الغلبة ، ففتحوا على الأرض أفواها من اللحود لبلعي ، لكن لهبي عصي على رحى القتل مضغه ، نلاحق الرجم بالعصيان سليلهم و إنا للخريف نظير نجتث تخاريفهم وقد وضعنا عليه دمغة الزوال ، أن الحرب قادمة و ستمنحك فروي وطنا ليس كتلك الأوطان التي تعاقبت على استعبادك ، فانس ايها البوش أن لك وطن فمن وراءه ملك غاصب و شعب خائن ، و يد مستورة تلتهم بالوعتها إحراقا معونة من الأرض كانت هدية للفقراء ، أن أهون الصدور تلك التي تنادي إلى الحرب فيحل عقبها عند العقب قمامة في بالوعة البؤساء ، فلا يلتفتون إلى صنعوا بشرهم و أقاموا له على جسر الإنسان أنصابا تسري مختالة في عيون المدن المكلمة ، و ان تبسط لهم العقل منقذا يطعنوك بالقتل فتستلقي مغدورا ، ثم يستبقون النعي يبلغون عن وليمة المأتم ، و عند استقاظي داخل الايقاظ و أفتح نافذة على الأرض ، اني لا أري غير غرفتي مكسوة بالظلام و بقايا دخان شارد في صدري و على قارعة تلك المدن المسجورة اكوام من خردة الجنود و جثث بنادق و جوقة تتقنع الحداد و هي تعزف لحن المكاء
الأديب حسن السلموني
الأديب حسن السلموني
لست ربوت