ا الرواية التاريخية أكثر من عمل تخييلي، بل هي فهم لماض غابر ومحاولة الغوص والخوض في لجته الهائجة تارة، والهادئة أخرى، لذلك ناذرا ما تجد كاتبا يُجيد السباحة في هذا البحر الغاضبة أمواجه. عندما نأتي للبحث عن الرواية التاريخية فإنّنا نجدها أكثر الأعمال ندرة في اعتقادي، وذلك يرجع للصعوبة والمشقة التي تواجه الكاتب في هذا المجال، سواء في جمع المادة التاريخية، أو محاولة توظيفها لخدمة فكرة معينة، بل والأصعب من هذا هو أن يأتي ذلك في قالب روائي عذب وسلس، خلافا للكتب التي تعتمد السرد المباشر، فالرواية لها أساليبها في صياغة المادة التاريخية.
لعل أشهر رواية قد تتبادر إلى ذهننا ونحن بهذا الصدد، هي "ثلاثية غرناطة" لرضوى عاشور، و"الموريسكي" لحسن أوريد، هذان يؤرخان لحقبة زمنية معينة، بل وهناك "عزازيل" ليوسف زيدان التي تحكي جانبا مهما من تاريخ صراع المذاهب المسيحية في المشرق.. وهناك روائيون آخرون لا شك، قد كتبوا الرواية التاريخية، شخصيا لم تُقنعني أي رواية تاريخية فيما وصلت إليه يدي منها، لسوء توظيف المادة التاريخية فيها، خاصة أولئك الذين يخوضون لجة هذا البحر وهم لم يتمرنوا على أدوات السباحة بعد. لكن عندما أظفر برواية في هذا الجانب حتما لا أترك تلك الفرصة تمر، فالرواية التاريخية هي بمثابة رحلة عبر الأزمنة الماضية، إنها رحلة تكون مريحة وممتعة، من خلالها نستطيع الاطلاع على الأحداث والوقائع بكل سلاسة وسهولة، لأن الرواية تجعلنا وكأننا نعايش أولئك الموتى الذين قضوا.
الرواية الشهيرة "سمرقند" لمؤلفها أمين معلوف، تندرج ولا شك في هذا المضمار، هي أول عمل أقرأه للكاتب، صاحب "ليون الإفريق" تتوزع أحداث الرواية بين حقبتين زمانيتين متباعدين شيئا ما، لكن الكاتب استطاع أن يدمج بين الزمانين، ليخلق بذلك حبكة رائعة وسلسة لروايته. بين الحقيقة والأسطورة يسرد لنا هذه الأحداث المشوقة والمفيدة، فالرواية ليست تاريخية بالمعنى الحرفي إنها دمج وتوفيق بينهما
إن الروائي يعالج مسألة الهوية، الهوية المتشظية، والهوية القاتلة حسب تعبيره، بعد بحث وتنقيب عن حياة الكاتب، نطالع أنه يؤمن بالهوية النقيض أو الهوية المشتركة، إنه ينكر تلك الهوية التي تقوم على الميْز ما بين الشرقي والغربي، ويؤمن بالهوية النقيض، الهوية المشتركة، إنه غوص عميق ومحاولة إيجاد هوية مشتركة، هوية تؤمن بالروح الشرقية والعقلية المادية الغربية، لكن نتساءل بعد ذلك هل ذلك ممكن، هل استطاع الراوي أن يدمج بينهما؟
نجد في الأخير، رغم أن الراوي ولد ونشأ في بلد غربي، إلا أنه ولد متشبثا بثقافة مشرقية، ولعل هذا الشوق هو الذي سيشدوه ويحفزه للسفر إلى المشرق، إلى البحث عن روحه الضائعة هناك، حيث سيلتقي بشيرين التي ستكمله، لكنها تأبى الرحيل معه، لأنها لا تريد التخلي عن هذا المشرق، لكن زوجها كان يحلم أن يعيش في الغرب معها هي شيرين التي ترمز للروح الشرقية، غير أن حلمه هذا لن يتحقق، لأن شيرين ستأبى الرحيل، وحتى بعدما أقنعها بالذهاب معه، فإنها ستأبى التغريب، وفي الأخير ستغرق السفينة التي رحلا على متنها هو وشيرين، ليلخص لنا بأن العيش في الغرب بروح الشرق عصي الإمكان، وربما هذا هو الذي جعله يسافر بداية نحو الشرق.
الحب، والدين، والسياسة، والمكر، والخداع.. هذه عناصر مهمة، يحاول أن يناقشها الروائي في روايته هاته، إنه من الروائيين الذين يكتبون الماضي من أجل الحاضر، فوسط السرد التاريخي مناقشة لهذه الأمور السالفة الذكر، غير أنه يجب علينا أن نقرأ الرواية بعد الإلمام بمعرفة الكاتب، الذي ولا شك أنه يختزل بين ثناياها الكثير والكثير من الأمور التي سنستشف بعضا منها في كل مرة نطالعها فيها.
لعل أشهر رواية قد تتبادر إلى ذهننا ونحن بهذا الصدد، هي "ثلاثية غرناطة" لرضوى عاشور، و"الموريسكي" لحسن أوريد، هذان يؤرخان لحقبة زمنية معينة، بل وهناك "عزازيل" ليوسف زيدان التي تحكي جانبا مهما من تاريخ صراع المذاهب المسيحية في المشرق.. وهناك روائيون آخرون لا شك، قد كتبوا الرواية التاريخية، شخصيا لم تُقنعني أي رواية تاريخية فيما وصلت إليه يدي منها، لسوء توظيف المادة التاريخية فيها، خاصة أولئك الذين يخوضون لجة هذا البحر وهم لم يتمرنوا على أدوات السباحة بعد. لكن عندما أظفر برواية في هذا الجانب حتما لا أترك تلك الفرصة تمر، فالرواية التاريخية هي بمثابة رحلة عبر الأزمنة الماضية، إنها رحلة تكون مريحة وممتعة، من خلالها نستطيع الاطلاع على الأحداث والوقائع بكل سلاسة وسهولة، لأن الرواية تجعلنا وكأننا نعايش أولئك الموتى الذين قضوا.
الرواية الشهيرة "سمرقند" لمؤلفها أمين معلوف، تندرج ولا شك في هذا المضمار، هي أول عمل أقرأه للكاتب، صاحب "ليون الإفريق" تتوزع أحداث الرواية بين حقبتين زمانيتين متباعدين شيئا ما، لكن الكاتب استطاع أن يدمج بين الزمانين، ليخلق بذلك حبكة رائعة وسلسة لروايته. بين الحقيقة والأسطورة يسرد لنا هذه الأحداث المشوقة والمفيدة، فالرواية ليست تاريخية بالمعنى الحرفي إنها دمج وتوفيق بينهما
في سمرقند وُلد الشاعر الذائع الصيت الخيام، وفيها بدأ تدوين رباعياته، ليشتهر ويذيع صيته بين الناس، منهم من اتهمه بالزندقة والكفر، وبعضهم أُعجب به واستحسن ما كان يقوله الخيام، غير أنه سيغادر سمرقند، التي تعد أجمل وجه أدارته الشمس نحوه الشمس، ليلبي طلب الملك شاه. في الطريق سيلتقي بأشهر مؤسس لأخطر نظام سري، إنه حسن الصباح مؤسس فرقة الحشاشين، ليصحبه معه عند الملك. سيقربه للملك، لكنه سرعان ما تبدأ تحاك الدسائس بينه وبين الوزير نظام الملك، لينتهي برحيل هذا الأخير بعدما كان سيجز رأسه لولا شفاعة صديقه الخيام فيه. لكنه سيقرر التبشير بدعوته من جديد، لينتهي بالتحصين في قلعة "ألموت" الشهيرة، التي كانت تصدر منها بلاوى، أرهبت الخلفاء والأمراء، ليبدأ زمن الاغتيالات، وفي الأخير ستدمَّر القلعة على يد المغول، وتحرق مكتبة تضم معارف وكنوزا لم تعرف أي حضارة مثلها، إلا أن المخطوط الذي كان الخيام عاكفا على كتابته فيها سينجوا بأعجوبة!
أما الزمن الثاني فتدور أحداثه مطلع القرن التاسع عشر، يحكي عن مواطن أمريكي من أصول فرنسية، يدعى بنجامين لوساج عمر، نشأ في أسرة محبة للثقافة المشرقية، وخاصة الشاعر المشهور صاحب الرباعيات عمر الخيام. سيقرر الرحيل إلى فرنسا للعثور على مخطوطه بعدما وصله خبر أنه موجود هناك، غير أن الظروف ستضطره للسفر إلى البلد الذي ولد فيه الخيام، بلاد فارس، بعد ما مر بالقسطنطينية، كانت وجهته محددة، فهو سافر قاصدا جمال الدين الأفغاني، بعدما حكى له عنه أحد تلاميذه، وأنه سيساعده في العثور على المخطوط.
لكن هذا الغربي عندما يذهب للمشرق سيجده يموج بين اضطرابات وقلاقل وفتن، وبين الفينة والأخرى تقوم ثورات ضد الشاه هنا وهناك، غير أنه لن يأبه بكل ذلك، فهو سيتعرف على شيرين الشرقية، التي سيولع بها، وهي التي ستوفر له الأمن هناك. سيكمل لوساج بحثه في المشرق عن المخطوط الذي يمثل جوهرة روح المشرق، الذي ولع به، ستكلل جهوده بما كانت تصبوا إليه نفسه، وفي الأخير سيقرر العودة بالمخطوط وشيرين، التي أبت أن ترحل معه بداية، سيعبران على سفينة التيتانيك، التي ستغرق ويختفي معها المخطوط، ليبقى مع شيرين التي تأبى أن تندمج في مجتمعه الغربي.
أما الزمن الثاني فتدور أحداثه مطلع القرن التاسع عشر، يحكي عن مواطن أمريكي من أصول فرنسية، يدعى بنجامين لوساج عمر، نشأ في أسرة محبة للثقافة المشرقية، وخاصة الشاعر المشهور صاحب الرباعيات عمر الخيام. سيقرر الرحيل إلى فرنسا للعثور على مخطوطه بعدما وصله خبر أنه موجود هناك، غير أن الظروف ستضطره للسفر إلى البلد الذي ولد فيه الخيام، بلاد فارس، بعد ما مر بالقسطنطينية، كانت وجهته محددة، فهو سافر قاصدا جمال الدين الأفغاني، بعدما حكى له عنه أحد تلاميذه، وأنه سيساعده في العثور على المخطوط.
لكن هذا الغربي عندما يذهب للمشرق سيجده يموج بين اضطرابات وقلاقل وفتن، وبين الفينة والأخرى تقوم ثورات ضد الشاه هنا وهناك، غير أنه لن يأبه بكل ذلك، فهو سيتعرف على شيرين الشرقية، التي سيولع بها، وهي التي ستوفر له الأمن هناك. سيكمل لوساج بحثه في المشرق عن المخطوط الذي يمثل جوهرة روح المشرق، الذي ولع به، ستكلل جهوده بما كانت تصبوا إليه نفسه، وفي الأخير سيقرر العودة بالمخطوط وشيرين، التي أبت أن ترحل معه بداية، سيعبران على سفينة التيتانيك، التي ستغرق ويختفي معها المخطوط، ليبقى مع شيرين التي تأبى أن تندمج في مجتمعه الغربي.
الحب، والدين، والسياسة، والمكر، والخداع.. هذه عناصر مهمة، يحاول أن يناقشها الروائي في روايته هاته، إنه من الروائيين الذين يكتبون الماضي من أجل الحاضر |
هكذا يقودنا الروائي الفرنسي اللبناني أمين معلوف، بين دهاليز ودروب عمله الشيق سمرقند، بين التشويق والغموض، يتنقل بنا بين أزمنة وأمكنة مختلفة. لفهم هذا العمل والغوص فيه أو أي عمل روائي آخر لا بد من الإلمام بلمحة عن شخصية كاتبه، التي ستنير لنا الجوانب المظلمة في العمل، فهذه القصص التي يستحيل أن يصدقها العقل، بسبب مزج الروائي فيها بين التاريخي والميتاتاريخ. ما هي إلا رموز يجب فكها لفهم ما يرمي إليه كاتبها، ولذلك نتساءل إلى ما يوحي لنا الروائي بهذه العوالم المتخيلة، والمختلقة من أزمنة وأمكنة متباعدة.
إن الروائي يعالج مسألة الهوية، الهوية المتشظية، والهوية القاتلة حسب تعبيره، بعد بحث وتنقيب عن حياة الكاتب، نطالع أنه يؤمن بالهوية النقيض أو الهوية المشتركة، إنه ينكر تلك الهوية التي تقوم على الميْز ما بين الشرقي والغربي، ويؤمن بالهوية النقيض، الهوية المشتركة، إنه غوص عميق ومحاولة إيجاد هوية مشتركة، هوية تؤمن بالروح الشرقية والعقلية المادية الغربية، لكن نتساءل بعد ذلك هل ذلك ممكن، هل استطاع الراوي أن يدمج بينهما؟
نجد في الأخير، رغم أن الراوي ولد ونشأ في بلد غربي، إلا أنه ولد متشبثا بثقافة مشرقية، ولعل هذا الشوق هو الذي سيشدوه ويحفزه للسفر إلى المشرق، إلى البحث عن روحه الضائعة هناك، حيث سيلتقي بشيرين التي ستكمله، لكنها تأبى الرحيل معه، لأنها لا تريد التخلي عن هذا المشرق، لكن زوجها كان يحلم أن يعيش في الغرب معها هي شيرين التي ترمز للروح الشرقية، غير أن حلمه هذا لن يتحقق، لأن شيرين ستأبى الرحيل، وحتى بعدما أقنعها بالذهاب معه، فإنها ستأبى التغريب، وفي الأخير ستغرق السفينة التي رحلا على متنها هو وشيرين، ليلخص لنا بأن العيش في الغرب بروح الشرق عصي الإمكان، وربما هذا هو الذي جعله يسافر بداية نحو الشرق.
الحب، والدين، والسياسة، والمكر، والخداع.. هذه عناصر مهمة، يحاول أن يناقشها الروائي في روايته هاته، إنه من الروائيين الذين يكتبون الماضي من أجل الحاضر، فوسط السرد التاريخي مناقشة لهذه الأمور السالفة الذكر، غير أنه يجب علينا أن نقرأ الرواية بعد الإلمام بمعرفة الكاتب، الذي ولا شك أنه يختزل بين ثناياها الكثير والكثير من الأمور التي سنستشف بعضا منها في كل مرة نطالعها فيها.
لست ربوت