دفع لحسن الدليمي بابنه أحمد إلى ثكنات العساكر، ومنذ تخرجه من المدرسة العسكرية لمكناس برتبة رائد «ليوتنان»، بدأ والده يعبد له الطريق نحو السلطة، ويضعه على سكة الوجاهة، وعندما ارتقى إلى أعلى المناصب السلطوية في البلاد، أصبح الأب يستمد قوته من ابنه، سيما حين أصبح مكلفا بتمشيط الصحراء من البولسياريو، وهو المنصب الذي جعله أقرب إلى الملك الحسن الثاني من والده لحسن الذي أصبح برلمانيا ورئيسا لفريق اتحاد سيدي قاسم، وحاكما لمدينة البترول التي عاشت أوج ازدهارها الكروي والتنموي مع الدليمي وتلقت ضربات موجعة بعد رحيله.
وصف العلامة سيدي محمد الصغير، في مؤلفه «صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر»، دفين سيدي قاسم، سيدي بوعسرية، بالقطب الرباني، وقال إن لقبه بوعسرية يرجع «لكونه يعمل بيده اليسرى أكثر، وكان في بادئ أمره معدودا من شجعان قبيلته ومن أهل الفروسية التامة فيهم، فلما ألمت به الواردات العرفانية وجذبته العناية النورانية هام في البرية على وجهه وغاب عن حسه وصار يألف الوحوش ويأنس الانفراد وربما انقطع خبره عن أهله السنة والسنتين وأكثر ولا يعرفون له قرارا ولا يعلمون له محلا، إلى أن يأتيهم صياد أو بعض الرعاة فيذكرون لهم نعته فيركبون في طلبه فيأتون به، فيمكث معهم أياما. ومع تعاقب السنين أصبح مكان تجمعهم هذا يعرف بـ «أكبار» أو «كبار» الذي يعني مكان التجمع باللهجة البربرية أو الجماعة وقد سميت المدينة بهذا الاسم الذي مازال متداولا لدى سكان البادية لحد الساعة».
في سنة 1914 قررت سلطات الحماية بناء ثكنة عسكرية في هذه المنطقة، وهي النواة الأولى لتجمع سكاني يسمى مدينة «بتي جان» التي ظهرت سنة 1919 نسبة لأحد الضباط الفرنسيين، وفي السنة نفسها تم اكتشاف آبار البترول بجبل سلفات، وبعين الحمراء سنة 1923. ومع إحداث خط السكة الحديدية الرابط بين الرباط وفاس سنة 1923 وخط طنجة- فاس سنة 1927، بدأت المدينة تلعب دورا مهما في المجال الاقتصادي.
سارعت الحكومة المغربية، بعد حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، إلى استبدال عدد من أسماء المدن والساحات والشوارع من الفرنسية إلى العربية، وأصبحت «بتي جان» تعرف بمدينة سيدي قاسم نسبة للولي الصالح سيدي قاسم بوعسرية.
وتقول بعض الروايات إن المنطقة التي توجد عليها المدينة، كانت تسمى «ظهر الشماخ» نسبة إلى جرير الشماخ الأموي الذي دس السم للمولى إدريس الأول. لكن تاريخ المدينة ارتبط بمصفاتها وبشخصية الدليمي الذي كان وراء تحويلها إلى عمالة سنة 1981 بعد أن ظلت تعيش في ظل القنيطرة، غير أن رحيل هذا الجنرال وتعطيل المصفاة ستكون له مضاعفات سلبية على المدينة التي سقطت من مفكرة التنمية.
في سنة 1914 قررت سلطات الحماية بناء ثكنة عسكرية في هذه المنطقة، وهي النواة الأولى لتجمع سكاني يسمى مدينة «بتي جان» التي ظهرت سنة 1919 نسبة لأحد الضباط الفرنسيين، وفي السنة نفسها تم اكتشاف آبار البترول بجبل سلفات، وبعين الحمراء سنة 1923. ومع إحداث خط السكة الحديدية الرابط بين الرباط وفاس سنة 1923 وخط طنجة- فاس سنة 1927، بدأت المدينة تلعب دورا مهما في المجال الاقتصادي.
سارعت الحكومة المغربية، بعد حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، إلى استبدال عدد من أسماء المدن والساحات والشوارع من الفرنسية إلى العربية، وأصبحت «بتي جان» تعرف بمدينة سيدي قاسم نسبة للولي الصالح سيدي قاسم بوعسرية.
وتقول بعض الروايات إن المنطقة التي توجد عليها المدينة، كانت تسمى «ظهر الشماخ» نسبة إلى جرير الشماخ الأموي الذي دس السم للمولى إدريس الأول. لكن تاريخ المدينة ارتبط بمصفاتها وبشخصية الدليمي الذي كان وراء تحويلها إلى عمالة سنة 1981 بعد أن ظلت تعيش في ظل القنيطرة، غير أن رحيل هذا الجنرال وتعطيل المصفاة ستكون له مضاعفات سلبية على المدينة التي سقطت من مفكرة التنمية.
سيدي قاسم في عهدة بوعسرية والدليمي
كان نصف أهالي سيدي قاسم مزارعين والنصف الآخر موظفين، لكن بعد إغلاق مصفاة تكرير البترول، اختفت كثير من معالم الترف التي ميزت حياة القاسميين، وامتدت الأزمة لتضرب فريق اتحاد سيدي قاسم لكرة القدم، الذي كان يصول ويجول في البطولات الوطنية، والذي لم يكن رئيسه الفعلي سوى لحسن الدليمي، أب الجنرال أحمد الدليمي.
يفضل أبناء سيدي قاسم ربط لحسن الدليمي باللقب الروحاني «الحاج» الذي كانت في عهدته زوجتان وفريق كرة، ارتبط مجاليا بجماعة زكوطة التابعة ترابيا لإقليم سيدي قاسم، وكان كاتبا وترجمانا لدى المراقب المدني الفرنسي، ثم موظفا مركزيا بوزارة الداخلية بالرباط ورئيسا للجماعة القروية زكوطة، في أسوأ فترات تزوير الانتخابات الجماعية والبرلمانية بالمغرب، وكان برلمانيا لسيدي قاسم لعدة سنوات في أزهى فترات صعود نجم ابنه أحمد في سلالم السلطة المخزنية، بل إنه تحول من موظف في وزارة الداخلية إلى عضو في حزب التجمع الوطني للأحرار، وكان مقربا أكثر من أحمد عصمان، زعيم الحزب، بل إنه لم يجد إحراجا في وصف ترشيحه للانتخابات بالترشيح المخزني، وأنه عين الملك الحسن الثاني على سيدي قاسم، حيث قال قولته الشهيرة: «سيدي قاسم عندها زوج سادات سيدي بوعسرية والدليمي». لذا يحكى أنه كان يطوف راكبا على فرسه حول مدار الملعب لينشر الخوف والفزع في صفوف الفرق المتنافسة، دون أن يسلم حكام المباراة من غضباته.
كان نصف أهالي سيدي قاسم مزارعين والنصف الآخر موظفين، لكن بعد إغلاق مصفاة تكرير البترول، اختفت كثير من معالم الترف التي ميزت حياة القاسميين، وامتدت الأزمة لتضرب فريق اتحاد سيدي قاسم لكرة القدم، الذي كان يصول ويجول في البطولات الوطنية، والذي لم يكن رئيسه الفعلي سوى لحسن الدليمي، أب الجنرال أحمد الدليمي.
يفضل أبناء سيدي قاسم ربط لحسن الدليمي باللقب الروحاني «الحاج» الذي كانت في عهدته زوجتان وفريق كرة، ارتبط مجاليا بجماعة زكوطة التابعة ترابيا لإقليم سيدي قاسم، وكان كاتبا وترجمانا لدى المراقب المدني الفرنسي، ثم موظفا مركزيا بوزارة الداخلية بالرباط ورئيسا للجماعة القروية زكوطة، في أسوأ فترات تزوير الانتخابات الجماعية والبرلمانية بالمغرب، وكان برلمانيا لسيدي قاسم لعدة سنوات في أزهى فترات صعود نجم ابنه أحمد في سلالم السلطة المخزنية، بل إنه تحول من موظف في وزارة الداخلية إلى عضو في حزب التجمع الوطني للأحرار، وكان مقربا أكثر من أحمد عصمان، زعيم الحزب، بل إنه لم يجد إحراجا في وصف ترشيحه للانتخابات بالترشيح المخزني، وأنه عين الملك الحسن الثاني على سيدي قاسم، حيث قال قولته الشهيرة: «سيدي قاسم عندها زوج سادات سيدي بوعسرية والدليمي». لذا يحكى أنه كان يطوف راكبا على فرسه حول مدار الملعب لينشر الخوف والفزع في صفوف الفرق المتنافسة، دون أن يسلم حكام المباراة من غضباته.
لحسن الدليمي.. ترجمان ليس كالآخرين
ظل لحسن يتقاسم مع ابنه أحمد الكثير من الأسرار، بل إن الأب كان حريصا على تتبع مسار ابنه المهني والاجتماعي بأدق تفاصيله. يقول فريد الدليمي، الشقيق الأصغر لأحمد، إن تجربة الوالد الواسعة، وبحكم المهام التي مارسها في حياته موظفا بوزارتي العدل والداخلية من جهة، ونائبا برلمانيا ورئيس جماعة قروية ونائب رئيس المجلس الإقليمي لمدينة القنيطرة من جهة أخرى، فضلا عن خصاله الإنسانية، «جعلت منه المستشار بل الوصي على مسار أفراد الأسرة وأحمد على وجه التحديد».
وحسب ضابط المخابرات المتقاعد أحمد البخاري، فإن لحسن الدليمي لعب دورا كبيرا في رسم مسار محمد أوفقير أيضا، «قبل تعيين هذا الأخير على رأس الأمن الوطني لم يكن أوفقير قد عمل سابقا في أي إدارة للاستعلامات والتوثيق، ولا في مصلحة للأمن، وكانت رتبته في مصلحة التوثيق الخارجي الفرنسية هي عميل مصدر للمعلومات في مكاتب المقيم العام بالمغرب، تم تعيينه في تلك الرتبة في الفترة ما بين 1948 و1949 بتدخل من لحسن الدليمي، الذي كان الضابط المغربي الوحيد في فرع مصلحة التوثيق بالرباط، وهو والد أحمد الدليمي الذي أصبح أحد محميي أوفقير في «الكاب1» بين 1961 و1966، ثم عدوه الأول بين 1967 و1972. وأضاف البخاري أن لحسن الدليمي تعرف على محمد أوفقير عن طريق المقدم الشنا محمد عبد القادر، والد فاطمة أوفقير (زوجة أوفقير في ما بعد)، «وكانت بين الشنا والدليمي علاقة عمل في سيدي قاسم».
ظل لحسن يتقاسم مع ابنه أحمد الكثير من الأسرار، بل إن الأب كان حريصا على تتبع مسار ابنه المهني والاجتماعي بأدق تفاصيله. يقول فريد الدليمي، الشقيق الأصغر لأحمد، إن تجربة الوالد الواسعة، وبحكم المهام التي مارسها في حياته موظفا بوزارتي العدل والداخلية من جهة، ونائبا برلمانيا ورئيس جماعة قروية ونائب رئيس المجلس الإقليمي لمدينة القنيطرة من جهة أخرى، فضلا عن خصاله الإنسانية، «جعلت منه المستشار بل الوصي على مسار أفراد الأسرة وأحمد على وجه التحديد».
وحسب ضابط المخابرات المتقاعد أحمد البخاري، فإن لحسن الدليمي لعب دورا كبيرا في رسم مسار محمد أوفقير أيضا، «قبل تعيين هذا الأخير على رأس الأمن الوطني لم يكن أوفقير قد عمل سابقا في أي إدارة للاستعلامات والتوثيق، ولا في مصلحة للأمن، وكانت رتبته في مصلحة التوثيق الخارجي الفرنسية هي عميل مصدر للمعلومات في مكاتب المقيم العام بالمغرب، تم تعيينه في تلك الرتبة في الفترة ما بين 1948 و1949 بتدخل من لحسن الدليمي، الذي كان الضابط المغربي الوحيد في فرع مصلحة التوثيق بالرباط، وهو والد أحمد الدليمي الذي أصبح أحد محميي أوفقير في «الكاب1» بين 1961 و1966، ثم عدوه الأول بين 1967 و1972. وأضاف البخاري أن لحسن الدليمي تعرف على محمد أوفقير عن طريق المقدم الشنا محمد عبد القادر، والد فاطمة أوفقير (زوجة أوفقير في ما بعد)، «وكانت بين الشنا والدليمي علاقة عمل في سيدي قاسم».
تأسيس لوبي الوجاهة في سيدي قاسم
سعى لحسن جاهدا إلى بناء لوبي عائلي، وتجلى ذلك من خلال نسج شبكة عائلية عسكرية تربطه بكبار ضباط الدفاع الوطني، من قبيل الكولونيل حمو أرزاز، الذي كان قائدا للدرك الملكي، والجنرال عبد السلام الصفريوي، الذي اشتغل قائدا للحامية العسكرية بسيدي قاسم، والكولونيل بلمجدوب الرياضي الشهير، والكولونيل العلام الذي توفي في حرب الجولان في سوريا.
يقول أحمد الدغرني، وهو يتعقب سر قوة الدليمي: «اعتمد لحسن الدليمي في علاقاته السياسية على أبناء منطقته، مثل عائلة بنزروال وحمر الكرون والحافظ وبلمجدوب والعلام والقاسمي والحمراوي والكايسي، وكان من القاسميين وهم عائلة تنسب نفسها إلى بوعسرية، وعضده القوي المحامي عبد الحميد القاسمي، وعميد الشرطة بوهوش الذي كان مديرا لمدرسة الشرطة بالجديدة، وانتقل إلى طاقم الشرطة السياسية بالإدارة العامة للأمن الوطني، وأصبح من أعمدة معاوني ابنه الدليمي وربما نائبا له في بعض الفترات، واعتمادا على نخبة الشراردة تمكن الرجل من صنع شخصية صعبة المراس».
سعى لحسن جاهدا إلى بناء لوبي عائلي، وتجلى ذلك من خلال نسج شبكة عائلية عسكرية تربطه بكبار ضباط الدفاع الوطني، من قبيل الكولونيل حمو أرزاز، الذي كان قائدا للدرك الملكي، والجنرال عبد السلام الصفريوي، الذي اشتغل قائدا للحامية العسكرية بسيدي قاسم، والكولونيل بلمجدوب الرياضي الشهير، والكولونيل العلام الذي توفي في حرب الجولان في سوريا.
يقول أحمد الدغرني، وهو يتعقب سر قوة الدليمي: «اعتمد لحسن الدليمي في علاقاته السياسية على أبناء منطقته، مثل عائلة بنزروال وحمر الكرون والحافظ وبلمجدوب والعلام والقاسمي والحمراوي والكايسي، وكان من القاسميين وهم عائلة تنسب نفسها إلى بوعسرية، وعضده القوي المحامي عبد الحميد القاسمي، وعميد الشرطة بوهوش الذي كان مديرا لمدرسة الشرطة بالجديدة، وانتقل إلى طاقم الشرطة السياسية بالإدارة العامة للأمن الوطني، وأصبح من أعمدة معاوني ابنه الدليمي وربما نائبا له في بعض الفترات، واعتمادا على نخبة الشراردة تمكن الرجل من صنع شخصية صعبة المراس».
لحسن يختار زوجات أبنائه
كان أحمد يجزم أمام زملائه في التكوين العسكري برغبته في الارتباط بفرنسية، فالزواج من «كَاورية» كان يسكنه، لكنه كان يضع ألف حساب لـ«فيتو» والده الحاج لحسن، وحين عاد إلى المغرب، نصحه والده بالبحث عن شريكة حياة لها امتدادات وجذور في تربة الوجاهة وشجرة الأعيان، فوافق على الاقتران بابنة أحد الوطنيين المقربين من ديوان السلطان محمد الخامس، وعمره 27 سنة، لكن سرعان ما أعلن الدليمي عصيانه ورفض الزواج.
حول هذه الواقعة كتب ستيفان سميث في مؤلفه «أوفقير قدر مغربي»: «كان أوفقير يختار معاونيه ويجندهم كما حدث مع ضابط شاب من أصول صحراوية، تابع دراسته في ثانوية مولاي يوسف بالرباط، وتخرج على رأس فوجه، اسمه أحمد الدليمي. وعندما وظفه أوفقير إلى جانبه كان قد قضى ثلاث سنوات من العقاب على سلوك لم يحبذه محمد الخامس. ذلك أن أحمد الدليمي كان في سنة 1958 سيتزوج بكريمة أحد الوطنيين الكبار الذين كان لهم تقدير خاص لدى محمد الخامس. ألغى الدليمي قرانه الأول مدعيا أن الفتاة ليست بكرا، كان ذلك إهانة علنية للوطني المحترم، وهو ما تسبب في نقل الدليمي إلى ثكنة فاس عقابا له».
تدخل لحسن كعادته لحسم كثير من المواقف حتى الحميمية، وأشار لأحمد بالارتباط بأسرة قاسمية عريقة، حيث تقدم لخطبة ابنة مسعود الشيكر، أحد الوطنيين الذين وقعوا وثيقة المطالبة بالاستقلال، والذي شغل منصب رئيس لمكتب الوزير الأول بالصدارة العظمى بين سنتي 1947 و1950، ووزير للداخلية في ثالث حكومة مغربية بعد الاستقلال. هذه المهام كانت كافية لانضمام الضابط العسكري إلى عائلة تعبد له الطريق نحو المناصب الكبرى. لكن صهره سرعان ما أقيل من منصب وزير الداخلية بعد سبعة أشهر من السلطة. في ظل هذا المتغير السياسي اضطر أحمد لتطليق نجلة الوزير المقال، ليتزوج في السنة نفسها بزهرة بوسلهام، نجلة أحد المقربين من محيط الجنرال أوفقير، بدعم ومساندة من هذا الأخير. وكأن الضابط اختار التخلص من ابنة وزير الداخلية السابق والارتباط بزوجة أخرى بتوصية من والده.
كان أحمد يجزم أمام زملائه في التكوين العسكري برغبته في الارتباط بفرنسية، فالزواج من «كَاورية» كان يسكنه، لكنه كان يضع ألف حساب لـ«فيتو» والده الحاج لحسن، وحين عاد إلى المغرب، نصحه والده بالبحث عن شريكة حياة لها امتدادات وجذور في تربة الوجاهة وشجرة الأعيان، فوافق على الاقتران بابنة أحد الوطنيين المقربين من ديوان السلطان محمد الخامس، وعمره 27 سنة، لكن سرعان ما أعلن الدليمي عصيانه ورفض الزواج.
حول هذه الواقعة كتب ستيفان سميث في مؤلفه «أوفقير قدر مغربي»: «كان أوفقير يختار معاونيه ويجندهم كما حدث مع ضابط شاب من أصول صحراوية، تابع دراسته في ثانوية مولاي يوسف بالرباط، وتخرج على رأس فوجه، اسمه أحمد الدليمي. وعندما وظفه أوفقير إلى جانبه كان قد قضى ثلاث سنوات من العقاب على سلوك لم يحبذه محمد الخامس. ذلك أن أحمد الدليمي كان في سنة 1958 سيتزوج بكريمة أحد الوطنيين الكبار الذين كان لهم تقدير خاص لدى محمد الخامس. ألغى الدليمي قرانه الأول مدعيا أن الفتاة ليست بكرا، كان ذلك إهانة علنية للوطني المحترم، وهو ما تسبب في نقل الدليمي إلى ثكنة فاس عقابا له».
تدخل لحسن كعادته لحسم كثير من المواقف حتى الحميمية، وأشار لأحمد بالارتباط بأسرة قاسمية عريقة، حيث تقدم لخطبة ابنة مسعود الشيكر، أحد الوطنيين الذين وقعوا وثيقة المطالبة بالاستقلال، والذي شغل منصب رئيس لمكتب الوزير الأول بالصدارة العظمى بين سنتي 1947 و1950، ووزير للداخلية في ثالث حكومة مغربية بعد الاستقلال. هذه المهام كانت كافية لانضمام الضابط العسكري إلى عائلة تعبد له الطريق نحو المناصب الكبرى. لكن صهره سرعان ما أقيل من منصب وزير الداخلية بعد سبعة أشهر من السلطة. في ظل هذا المتغير السياسي اضطر أحمد لتطليق نجلة الوزير المقال، ليتزوج في السنة نفسها بزهرة بوسلهام، نجلة أحد المقربين من محيط الجنرال أوفقير، بدعم ومساندة من هذا الأخير. وكأن الضابط اختار التخلص من ابنة وزير الداخلية السابق والارتباط بزوجة أخرى بتوصية من والده.
الدليمي يشغل اللاعبين في سلك الشرطة
سكن هوس الكرة لحسن الدليمي وامتد إلى أبنائه، فقد ظل الرجل يرأس اتحاد سيدي قاسم ويرعاه كما يرعى أبناءه، حيث كان يحضر مباريات الفريق وهو يرتدي «السلهام» ويمتطي أحيانا فرسه، إلا أنه ظل يرفض الجلوس في المنصة الشرفية للملعب لأنه يتفاعل بشكل غريب مع أطوار المباريات.
كانت مدينة سيدي قاسم مقبرة للفرق المغربية، التي كانت تعتبر رحلاتها إلى عاصمة الشراردة قطعة من العذاب، لذا أطلقت الصحافة على الاتحاد القاسمي لقب «حفار القبور»، بفضل لحسن الراعي الرسمي وبفضل لاعبين مهرة، على غرار الإخوة العامري، الإخوة بندريس، الإخوة دحان، الإخوة الطاوسي، فتاح، السماط، الجنايني، شباك وغيرهم من الأسماء. استطاع فريق اتحاد سيدي قاسم أن يكون تركيبة بشرية منسجمة، وكان لا بد له أن يترجم تفوقه الميداني بالبحث عن الألقاب. لعب نهاية كأس العرش مرتين، انهزم أمام فريق شباب المحمدية سنة 1975 بهدفين دون رد، وخسر نهايته الثانية أمام المغرب الفاسي سنة 1981 بهدف يتيم، وصارع على الرتبة الأولى سنة 1971 و1973 واحتل بعدها رتبة الوصيف، لم يكن الحظ بجانب الفريق وظل أرشيفه الرياضي خاليا من الإنجازات..
يقول العربي شباك عن تألق الفريق: «لقد كان الفضل الكبير للجنرال الدليمي، الرئيس الشرفي آنذاك، في وقت كان والده لحسن الدليمي هو الرئيس الفعلي للفريق، في أن يحصل اللاعبون داخل الفريق على مناصب شغل في سلك الشرطة وداخل الشركة الشريفة للبترول. كان يحب الفريق الذي يمثل مدينته، ويحضر للتفرج على لقاءاته وتشجيع الفريق، لقد أنقذ عشرات اللاعبين من الضياع».
ويؤكد فريد، شقيق الجنرال، أن أحمد كان مولعا بكرة القدم، «أتذكر وأنا مازلت يافعا، وكان ذلك في نهاية 1966 وبداية 1967، أنني كنت أبعث له لما كان مسجونا في باريس، على ذمة قضية بن بركة، بنتائج البطولة المغربية للقسم الوطني الأول والثاني، وخاصة نتائج فريق اتحاد سيدي قاسم الذي كان يتولى رئاسته الفعلية الوالد رحمه الله، والذي بكفاحه المميت وعزيمته القوية استطاع الفريق في ذلك الموسم (1966-1967) أن يصعد إلى القسم الوطني الأول، وذلك لأول مرة في تاريخه».
سكن هوس الكرة لحسن الدليمي وامتد إلى أبنائه، فقد ظل الرجل يرأس اتحاد سيدي قاسم ويرعاه كما يرعى أبناءه، حيث كان يحضر مباريات الفريق وهو يرتدي «السلهام» ويمتطي أحيانا فرسه، إلا أنه ظل يرفض الجلوس في المنصة الشرفية للملعب لأنه يتفاعل بشكل غريب مع أطوار المباريات.
كانت مدينة سيدي قاسم مقبرة للفرق المغربية، التي كانت تعتبر رحلاتها إلى عاصمة الشراردة قطعة من العذاب، لذا أطلقت الصحافة على الاتحاد القاسمي لقب «حفار القبور»، بفضل لحسن الراعي الرسمي وبفضل لاعبين مهرة، على غرار الإخوة العامري، الإخوة بندريس، الإخوة دحان، الإخوة الطاوسي، فتاح، السماط، الجنايني، شباك وغيرهم من الأسماء. استطاع فريق اتحاد سيدي قاسم أن يكون تركيبة بشرية منسجمة، وكان لا بد له أن يترجم تفوقه الميداني بالبحث عن الألقاب. لعب نهاية كأس العرش مرتين، انهزم أمام فريق شباب المحمدية سنة 1975 بهدفين دون رد، وخسر نهايته الثانية أمام المغرب الفاسي سنة 1981 بهدف يتيم، وصارع على الرتبة الأولى سنة 1971 و1973 واحتل بعدها رتبة الوصيف، لم يكن الحظ بجانب الفريق وظل أرشيفه الرياضي خاليا من الإنجازات..
يقول العربي شباك عن تألق الفريق: «لقد كان الفضل الكبير للجنرال الدليمي، الرئيس الشرفي آنذاك، في وقت كان والده لحسن الدليمي هو الرئيس الفعلي للفريق، في أن يحصل اللاعبون داخل الفريق على مناصب شغل في سلك الشرطة وداخل الشركة الشريفة للبترول. كان يحب الفريق الذي يمثل مدينته، ويحضر للتفرج على لقاءاته وتشجيع الفريق، لقد أنقذ عشرات اللاعبين من الضياع».
ويؤكد فريد، شقيق الجنرال، أن أحمد كان مولعا بكرة القدم، «أتذكر وأنا مازلت يافعا، وكان ذلك في نهاية 1966 وبداية 1967، أنني كنت أبعث له لما كان مسجونا في باريس، على ذمة قضية بن بركة، بنتائج البطولة المغربية للقسم الوطني الأول والثاني، وخاصة نتائج فريق اتحاد سيدي قاسم الذي كان يتولى رئاسته الفعلية الوالد رحمه الله، والذي بكفاحه المميت وعزيمته القوية استطاع الفريق في ذلك الموسم (1966-1967) أن يصعد إلى القسم الوطني الأول، وذلك لأول مرة في تاريخه».
الدليمي الأب.. كابوس الحكام
عاش حكام الكرة القدامى محنة حقيقية وهم يقودون مباريات في مدينة سيدي قاسم، فقد كان لحسن الدليمي يقتحم الملعب ليحتج على قرار صادر عن حكم يعد الدقائق للتخلص من وجع مباراة. ظل السطالي والناجدي والرافعي وباحو والزياني والناصري يعانون الأرق كلما توصلوا بتعيين لقيادة مباراة طرفها الاتحاد القاسمي، إنهم يحتفظون في ذاكرتهم بحكايات الأرق الذي لازمهم كلما قادتهم الأقدار إلى سيدي قاسم، فقد كان لحسن الدليمي والد الجنرال الدليمي يصرخ في وجه لاعبيه وينفخ فيهم شحنة من الحماس، ويحولهم إلى انتحاريين يرددون قولته: الخصم أمامكم والحبس وراءكم فليس لكم سوى الانتصار أو الاعتقال.
كان الدليمي يوفر الحماية الكافية للاعبيه، فيشفع لهم انفلاتهم وخروجهم عن سكة الكرة، حين يتطلب الأمر ذلك، وكان الفريق في مأمن ضد عاديات الزمن، بل إن الرئيس لم يكن يجد حرجا في اقتحام أرضية الملعب ومساءلة حكم عن سر قرار، بل إنه نزع صفارة حكم دولي من فمه، وغادر رقعة الميدان. يحكي عبد العالي الناصري عن زمن الدليمي فيقول: «كان الرجل عاشقا للاتحاد إلى درجة لا تتصور، قد يقضي دقائق المباراة واقفا يسير بين جنبات الملعب، مرة طردت حارس الفريق في مباراة جمعت اتحاد سيدي قاسم بالمولودية الوجدية، ومنحت ضربة جزاء للفريق الوجدي فأرغد وأزبد وتوقفت المباراة، ولحسن الحظ أن جمهور سيدي قاسم كان يعرفني جيدا لأنني كنت أشتغل في قطاع الصحة بهذه المدينة».
لكن كثيرا من الحكام، خاصة الذين ينتمون لسلك الشرطة الذي كان يرأسه ابنه أحمد، كانوا يفضلون تعيينا بعيدا عن سيدي قاسم تفاديا لأي إحراج، فيما أصبح اللاعبون القدامى يروون غاراتهم على الخصوم بنوستالجيا جذابة، يحكون للخلَف غزواتهم التي لا تنتهي، قبل أن يتحول الفريق إلى كيان عليل.
ومن الأحداث التي طبعت مسار لحسن الدليمي اعتداؤه على شقيق الجنرال بن سليمان، الذي كان رئيسا للدفاع الحسني الجديدي.
عاش حكام الكرة القدامى محنة حقيقية وهم يقودون مباريات في مدينة سيدي قاسم، فقد كان لحسن الدليمي يقتحم الملعب ليحتج على قرار صادر عن حكم يعد الدقائق للتخلص من وجع مباراة. ظل السطالي والناجدي والرافعي وباحو والزياني والناصري يعانون الأرق كلما توصلوا بتعيين لقيادة مباراة طرفها الاتحاد القاسمي، إنهم يحتفظون في ذاكرتهم بحكايات الأرق الذي لازمهم كلما قادتهم الأقدار إلى سيدي قاسم، فقد كان لحسن الدليمي والد الجنرال الدليمي يصرخ في وجه لاعبيه وينفخ فيهم شحنة من الحماس، ويحولهم إلى انتحاريين يرددون قولته: الخصم أمامكم والحبس وراءكم فليس لكم سوى الانتصار أو الاعتقال.
كان الدليمي يوفر الحماية الكافية للاعبيه، فيشفع لهم انفلاتهم وخروجهم عن سكة الكرة، حين يتطلب الأمر ذلك، وكان الفريق في مأمن ضد عاديات الزمن، بل إن الرئيس لم يكن يجد حرجا في اقتحام أرضية الملعب ومساءلة حكم عن سر قرار، بل إنه نزع صفارة حكم دولي من فمه، وغادر رقعة الميدان. يحكي عبد العالي الناصري عن زمن الدليمي فيقول: «كان الرجل عاشقا للاتحاد إلى درجة لا تتصور، قد يقضي دقائق المباراة واقفا يسير بين جنبات الملعب، مرة طردت حارس الفريق في مباراة جمعت اتحاد سيدي قاسم بالمولودية الوجدية، ومنحت ضربة جزاء للفريق الوجدي فأرغد وأزبد وتوقفت المباراة، ولحسن الحظ أن جمهور سيدي قاسم كان يعرفني جيدا لأنني كنت أشتغل في قطاع الصحة بهذه المدينة».
لكن كثيرا من الحكام، خاصة الذين ينتمون لسلك الشرطة الذي كان يرأسه ابنه أحمد، كانوا يفضلون تعيينا بعيدا عن سيدي قاسم تفاديا لأي إحراج، فيما أصبح اللاعبون القدامى يروون غاراتهم على الخصوم بنوستالجيا جذابة، يحكون للخلَف غزواتهم التي لا تنتهي، قبل أن يتحول الفريق إلى كيان عليل.
ومن الأحداث التي طبعت مسار لحسن الدليمي اعتداؤه على شقيق الجنرال بن سليمان، الذي كان رئيسا للدفاع الحسني الجديدي.
لحسن يفاجئ البرلمان بكلمة رثاء
في يناير 1983 انتهى كل شيء، فقد مات الراعي الرسمي لاتحاد سيدي قاسم الجنرال أحمد الدليمي، في حادثة سير أسالت حبرا غزيرا حولها. تعرض لحسن لما يشبه النكبة، ومنع الفريق من الحق في الوقوف دقيقة صمت قبل خوض إحدى مباريات الدوري الوطني بعد الفاجعة، لكن الأب أصر على إضافة اسمه على شاهد قبر ابنه أحمد، وطلب من الخطاط كتابة «هنا يرقد جثمان الجنرال أحمد بن لحسن الدليمي».
لكن والده لحسن تناول الكلمة في إطار نقطة نظام خلال جلسة برلمانية عامة، رغم أنه كان من النادر أن يتدخل في نقاش البرلمان، وهو الذي لم يتعود حشر نفسه في أية مداخلة. في تلك الجلسة التي كان يرأسها أحمد عصمان، وبصوت مبحوح متقطع يغلب عليه الحزن والتأثر قال النائب الحاج لحسن الدليمي إن موت ابنه الذي قضى نحبه في حادثة سير بمراكش «هي هدية من عائلة آل دليم الى الشعب المغربي»، ثم عاد نحو مقعده تراقبه أعين الحاضرين نوابا وأعضاء من الحكومة. ويذكر بعض أصدقاء لحسن أن والد الدليمي كان يتردد على مدينة الجديدة باستمرار بعد زواجه من ابنة القائد السي بوبكر، كما كان يتردد على مدينة المحمدية ويصر على أداء صلاة الجمعة في مسجد «مالي»، وكان يقول للمقربين منه إن ابنه الجنرال لم يمت بعد، «حتى مرت سنوات فأتاهم بخبر موت ابنه وهو حزين ويقول اليوم يمكنكم تعزيتي»، يقول أحد رفاقه الفضاليين، الذي أضاف أنه لحد الآن لم يفرج عن بناياته التي تركها بمدينة المحمدية والمتواجدة في بداية شارع زناتة المؤدي إلى ملعب «البشير» في تقاطع مع شارع الحسن الثاني.
لم يطلق اسم الدليمي على أي شارع أو زقاق أو فضاء رياضي في سيدي قاسم، وحين مات لحسن لم يسر خلف جثمانه إلى مقبرة الجديدة إلا نفر قليل من الناس الذين يحتفظون بفضله عليهم.
في يناير 1983 انتهى كل شيء، فقد مات الراعي الرسمي لاتحاد سيدي قاسم الجنرال أحمد الدليمي، في حادثة سير أسالت حبرا غزيرا حولها. تعرض لحسن لما يشبه النكبة، ومنع الفريق من الحق في الوقوف دقيقة صمت قبل خوض إحدى مباريات الدوري الوطني بعد الفاجعة، لكن الأب أصر على إضافة اسمه على شاهد قبر ابنه أحمد، وطلب من الخطاط كتابة «هنا يرقد جثمان الجنرال أحمد بن لحسن الدليمي».
لكن والده لحسن تناول الكلمة في إطار نقطة نظام خلال جلسة برلمانية عامة، رغم أنه كان من النادر أن يتدخل في نقاش البرلمان، وهو الذي لم يتعود حشر نفسه في أية مداخلة. في تلك الجلسة التي كان يرأسها أحمد عصمان، وبصوت مبحوح متقطع يغلب عليه الحزن والتأثر قال النائب الحاج لحسن الدليمي إن موت ابنه الذي قضى نحبه في حادثة سير بمراكش «هي هدية من عائلة آل دليم الى الشعب المغربي»، ثم عاد نحو مقعده تراقبه أعين الحاضرين نوابا وأعضاء من الحكومة. ويذكر بعض أصدقاء لحسن أن والد الدليمي كان يتردد على مدينة الجديدة باستمرار بعد زواجه من ابنة القائد السي بوبكر، كما كان يتردد على مدينة المحمدية ويصر على أداء صلاة الجمعة في مسجد «مالي»، وكان يقول للمقربين منه إن ابنه الجنرال لم يمت بعد، «حتى مرت سنوات فأتاهم بخبر موت ابنه وهو حزين ويقول اليوم يمكنكم تعزيتي»، يقول أحد رفاقه الفضاليين، الذي أضاف أنه لحد الآن لم يفرج عن بناياته التي تركها بمدينة المحمدية والمتواجدة في بداية شارع زناتة المؤدي إلى ملعب «البشير» في تقاطع مع شارع الحسن الثاني.
لم يطلق اسم الدليمي على أي شارع أو زقاق أو فضاء رياضي في سيدي قاسم، وحين مات لحسن لم يسر خلف جثمانه إلى مقبرة الجديدة إلا نفر قليل من الناس الذين يحتفظون بفضله عليهم.
لست ربوت