لقاءٍ عَابرٍ أثناء رحلةِ شهر العسل في صيف 1955بعد ثلاث سنوات من زواجها من الجنرال أوفقير الذي تمَّ في 29 حزيران 1952، التقتْ فاطمة أوفقير بالجنرال كتَّاني في ألمانيا، وقال لها فيما يشبه النبوءة ‘إنك تحبين كثيراً هذه العائلة، وستأسفين على ذلك يوماً ما’، لم يمضِ وقتٌ بعيد حتى تحقّقت النبوءة، مع تغيير بسيط، أنَّها ما ندمتْ على زواجها أو نقمت على ما تجرعته هي وأسرتها المكوَّنة من ستة أبناءٍ، من ويلات مغامرة غير محسوبة العواقب قام بها الجنرال أوفقير، عندما كلَّفَ العقيد أموقران والمقدم كويرا، في آب 1972 باعتراض طائرة البيونغ التي كانت تَقِلُّ الملك الحسن الثاني، وهو عائدٌ من فرنسا، لكن القدر الذي حمى الملك من مؤامرة سابقة في قصر الصخيرات في 10 تموز من عام 1971، قام بها قادّة من الجيش، ليخرجَ بعدها على الملأ عبر إذاعة (أوروبا1) ليعلن ‘أنني ملك أكثر بقليل من البارحة’.
ثمَّ يُقْتَلُ الجنرال بخمس رصاصات مُتفرِّقَة كان آخرها رصاصة في الصدغ، كانت بمثابة رَصَاصة الرَّحمةِ له. طُويت صفحة الجنرال المثير للجدل بتصريحٍ مُقْتَضَبٍّ من قبل القصر ‘انتحار بدافع الوفاء’ ليتبدَّل بعد قليل إلى ‘انتحار الخيانة’، بعد تصريح الزَّوْجَة بأنهم قتلوه.
ولدت فاطمة المرأة التي عشقت الحرية منذ صغرها في 4 شباط 1936 في مكناس من منطقة سيدي علال البهروي في المنطقة الواقعة بين الرِّبَاط ومكناس على يد قابلة فرنسية وهو ما يُعَدُّ ثورةً على التقاليد العائلية،.لأب يُدعى محمَّد بن عبد القادر سليل إحدى القبائل المغامرين المأجورين لتأديب البربر، وأمّ هي فدمة يمنى عمَّار. لا تخرجُ الصُّوَرة الأُولى لها عن كونها فتاة طَائِشة، محبِّة للرَّقص مساءً، ومولعة بحضور حفلات السينما ظهراً، والاستماع إلى الأحاديث والمرح والضحك، وفي بعض الأحيان ساذجة بارتكابها بعض المواقف السَّخيفة كما حَدَثَ في بدايات زواجها بنومها أثناء الحفلات، أو اللعب بالدمى. ومع هذا فقد مَارست السَّياسة بطريقة غير مباشرة خاصّة فيما قامت به من توطيد علاقة زوجها بالمعارض المهدي بن بركة، قبل أنْ يُتَّهَمَ باختفاء بن بركة في فرنسا. وكذلك بمحاولة الزَّج بها في مؤامرة الانقلاب عندما صرَّح العقيد أموقران بأنَّها أبلغته أثناء إقامته في مستشفى فرنسي برسالة أوفقير له ‘يجب ألا يبقى الحسن الثاني على العرش’، وهو الأمر الذي نفته هي، واعتذر عنه أموقران فيما بعد.
تتلخص حياتها في ثلاثةِ مشاهدٍ مُتَبَاينَةٍ، تَعْكِسُ قذارةَ اللُّعْبَةِ السِّيَاسِيَة، المشهد الأوَّل يمثِّلُ حياة التَرَفِ والدَّعَةِ حيث زوجة لأقوى رَجُلٍ في المغرب بحكم موقعه كحارسٍ شخصيّ للملك ثمَّ تعينه وزيراً للداخلية والدفاع، وهو ما هيّأ لها فرصة لأن تكون قريبة من القصر وجليسة للأميرات وفي أحيان تحظى بمكانة كبيرة جعلت من الملك محمد الخامس يتبنى ابنتها مليكة، لتكون رفقية ألعاب ابنته للّا أمينة التي ولدت في المنفى، ثمَّ علاقتها مع الملك الحسن الثاني الوريث، وهو ما قوَّى الشّائعات بأن ابنتها سكينة من علاقة مع الملك كما زعم جيل بيرو في كتابه ‘صديقنا الملك’ إلا أنها نفت هذا وأكَّدت أن ما جمعها بالملك هو صداقة وحب، وفي المقابل كان الملك يفيض بأحاديث رقيقة لها كقوله ‘لو أنكِ زوجتي لما سمحتُ لشعاع الشَّمسِ أن يراكِ’، وهو ما عزَّز مزاعم جيل بيرو، إلا أن كلَّ هذا تبدّل بعد أحداث آب 1972 فقد كرَّر الملك عبارة ديغول أثناء اختفاء المهدي بن بركة ‘يجب أن يدفع أوفقير الثمن’ وأضاف إليها ‘وأسرتها’ لتعيش هي وأسرتها في غياهب منفى الملك لمدة تسعة عشر عاماً، حتى أُطْلِقَ عليها ‘ربَّة الأسرة التعِيسَة’.
الوصف الملائم لشخصيتها أنَّها امرأة عاشقة للجنون والتحدي لا تتوانى أن تفعل أي شيءٍ يخطر على بالها، فقد كان من الجرأة وهي تتحمل طعنة زوجها بخيانته لها مع نساء أخريات دون إثارة أو مشاحنات، أن تقول له بهدوءٍ ‘في اليوم الذي سأخونك فيه بدوري ستبكي بدموعٍ من دمٍ’. وقد كان في عام 1963 انجرفت في قصة حُبٍّ روكامبولية مع الضابط الصغير حسن، مارستْ معه الحبَّ بكافة أشكاله في البحر والغابة والريف والمدينة، متحدية لأوفقير وهي ترى ظله في كُلّ مكان تذهب إليه مع العشيق، إلا أنها استمرت في التحدي بطلبها الطلاق لتعيشَ مع العشيق، ثمُّ تخرجُهُ من حياتها بنفس الطريقة التي أدخلته إليها، يوم أنْ رأته ينظر إلى مفاتن امرأة تعرضها في ابتذالٍ. هو نفس تحديها لزوجة أوفقير الجديدة والتي تدعى فاطمة يوم أن أعلنت أن أوفقير لن يستعيدها فأعلنت أنها ستعود إليه بعد خمسة عشر يوما وقد كان عادت إلى أوفقير في ذات اللحظة التي طلَّق فيها زوجته الثانية.
المشهد الثَّاني هو مَشْهَد السّجن حيث حياة الذُّل والإهانة التي تعمّد خُلَصَاء الملك أن يعاملموهم بها، ومع هذا فتحدَّت كلَّ شيءٍ، وأعلنت ‘أريد أن أعيش مأساتي وقدري حتى النهاية’، وقد أظهرت لنا الجانب الآخر ربما ليس المأسوي بل المقاوم لهذه الأسرة التي كان أصغر أبنائها عبد اللطيف لم يتجاوز الثلاث سنوات، وقد تفننت في ابتكار كل وسيلة تعزز من أمل الخروج إلى الحياة، ومن ثم اخترعوا وسائل دفاعية للحياة ضِدَّ ما أرادوه لهم، وهو الجانب الذي أبدعت فيه مليكة أوفقير الابنة الكبرى في كتابها المعنوَّن بـ ‘السَّجينة’ حيث أجادت الوصف لكافة الوسائل التي ابتدعوها في السِّجون التي تبدَّلُوا عليها من سجن أسا إلى سجن غلاوي ثم سجن بير جديد، وعلى اختلاف الجلادين من الدليمي، إلى عبد الحفيظ العلوي الذي أوكل أمرهم إلى بن عايش الذي قتل أخوه في مذبحة الصخيرات.
المشهد الثالث هو حالة النسيان وغياب الأضواء عقب الإفراج الذي تمّ عنهم بعد اتفاق ملكي مع الرئيس ميتران، والإبقاء عليهم تحت الإقامة الجبرية داخل المملكة في مراكش حتى عام 1991 ثم السَّمَاح لها ولأبنائها بالهجرة إلى كندا، لتبدأ الأسرة حياة أخرى، الجميل فيها أنه لم يكن الحقد أو الانتقام أحد أهدافها، بل واصلوا الكتابة والعمل، فنشرت الابنة مليكة مذاكراتها بعنوان ‘السجينة’ أعقبتها الام بمذكراتها عن هذه الفترة بعنوان ‘حدائق الملك’ والتي جاءت كوثيقة مهمة عن الحقبة الملكية منذ الاستقلال إلى إجلاء الحقائق عن شخصية الذئب الأرقم الجنرال أوفقير كما كانت تلقبه الأسرة، باعتبارها شاهداً من داخل القصر على العمليات القذرة التي قام بها النظام لقمع معارضيه، حتى غدا الجنرال القوي بمثابة العَصَا السِّحرية الذي يجد فيها الملك الحلول لِكُلِّ الثورات أو شبه الانتفاضات فيقوم الجنرال بإخمادها إلى الأبد، حتى شَاعَ بين العامة أنَّ ‘الملكَ يلهو والجنرال يَأْمُر’، بل كانتْ شاهِدَةً على نوبات الصِّرَاعِ الداخلي التي اجتاحت الجنرال ورغبته في أنْ يرحلَ مع علمه علم اليقين بعدم جدوى الرحيل خاصة بعدما شاركَ الملك في كُلِّ شَيءٍ.
لا تقدِّم فاطمة في مذكراتها المعنونة بـ’حدائق الملك’ سيرة حياتها وفقط، وإنما تُقدِّمُ عريضة دفاع عن زوجها الجنرال أوفقير، من تلك التُّهَم التي أُلْصِقَتْ به، فتَذْكر رواية الصَّحافي ستيفن سميث المحرِّر في ‘ليبراسيون’ عندما سُئِلَ إن كان عذَّبه الجنرال أوفقير، وإجابته ‘كَلا أبداً’، كما تنفي عنه مطامعه في السُّلْطَةِ، التي هو جامع لها بحكم مناصبه، كما تعرض للحياة السِّيَاسية والصِّراع السّياسي بين الأطياف المختلفة على السُّلطة، ومدى استفادة المقربين من الامتيازات الملكية، ذاكرةً بالأسماء كُلّ الشِّخصيات وأيضا علاقاتها العاطفية دون مورابة أو خجل. لذا تُعَدُّ مذكراتها وثيقةً حيَّة عن حُقْبَةٍ سياسية مُلتبسة تلت الاستقلال.
ومع كل ما عانته إلا أنها تُعلن ليستْ حاقدةً على أحدٍ،كما جاء في جوابها في برنامج ‘زيارة خاصة’ بتاريخ 6 شباط 2004 مع المذيع سامي كليب في بداية الحلقة عندما قالت ‘أحاول حتى أن أنسى تماما لكنني لحسن الحظ لا أحمل الضغينة، إنني أعيش على نحو جيد إنني شخص إيجابي للغاية لا أعرف ما هي الضغينة ولا أعرف ما هو الشَّر لا أكره أحداً’، ربما كان جوابها حكراً على الملك، فقد ذكرت في تصريحات لصحيفة ‘ليبراسيون’ الفرنسية عقب وفاة الملك الحسن الثاني عام 1999 بأن لـ ‘جلادها’ خِصَالا. فقالت ‘الحسن الثاني كان من أكبر الوطنيين في تاريخ المغرب’. ثم ذكرت في مذكراتها أن هناك شخصين تحقد عليهما الأوَّل هو أحمد الدليمي الذي كانت واسطته لدى زوجها ليصل إلى ما وصل إليه، والثاني هو الجنرال عبد الحفيظ العلوي مدير المراسم ووزير القصر الملكي لأكثر من 30 عاماً، لما كان له من دورٍ في تأليب الملك عليها كُلَّما نازعته نفسه إلى الإفراج عنهم.
توفيت أرملة الجنرال محمد أوفقير الأحد 15 كانون الأوَّل/ ديسمبر 2013 في مصحة بالدار البيضاء، عن عمر يناهز 78 عاماً، ومع وفاتها تطوى صفحة من الجدل السَّياسي عن شخصية رجلٍ مازال يُمثِّلُ لغزاً لدى كثيرين، وهو ما حدا بالملك لأن يصفه بـ’الشخصية الشكسبيرية’، وفي المقابل تطوى صفحة من الاتهامات بين طرفين كانا من قبل صديقين، فانقلب الحال إلى خصمين، أحدهما قوي والآخر لا يملكُ من أمره شيئاً.
ثمَّ يُقْتَلُ الجنرال بخمس رصاصات مُتفرِّقَة كان آخرها رصاصة في الصدغ، كانت بمثابة رَصَاصة الرَّحمةِ له. طُويت صفحة الجنرال المثير للجدل بتصريحٍ مُقْتَضَبٍّ من قبل القصر ‘انتحار بدافع الوفاء’ ليتبدَّل بعد قليل إلى ‘انتحار الخيانة’، بعد تصريح الزَّوْجَة بأنهم قتلوه.
ولدت فاطمة المرأة التي عشقت الحرية منذ صغرها في 4 شباط 1936 في مكناس من منطقة سيدي علال البهروي في المنطقة الواقعة بين الرِّبَاط ومكناس على يد قابلة فرنسية وهو ما يُعَدُّ ثورةً على التقاليد العائلية،.لأب يُدعى محمَّد بن عبد القادر سليل إحدى القبائل المغامرين المأجورين لتأديب البربر، وأمّ هي فدمة يمنى عمَّار. لا تخرجُ الصُّوَرة الأُولى لها عن كونها فتاة طَائِشة، محبِّة للرَّقص مساءً، ومولعة بحضور حفلات السينما ظهراً، والاستماع إلى الأحاديث والمرح والضحك، وفي بعض الأحيان ساذجة بارتكابها بعض المواقف السَّخيفة كما حَدَثَ في بدايات زواجها بنومها أثناء الحفلات، أو اللعب بالدمى. ومع هذا فقد مَارست السَّياسة بطريقة غير مباشرة خاصّة فيما قامت به من توطيد علاقة زوجها بالمعارض المهدي بن بركة، قبل أنْ يُتَّهَمَ باختفاء بن بركة في فرنسا. وكذلك بمحاولة الزَّج بها في مؤامرة الانقلاب عندما صرَّح العقيد أموقران بأنَّها أبلغته أثناء إقامته في مستشفى فرنسي برسالة أوفقير له ‘يجب ألا يبقى الحسن الثاني على العرش’، وهو الأمر الذي نفته هي، واعتذر عنه أموقران فيما بعد.
تتلخص حياتها في ثلاثةِ مشاهدٍ مُتَبَاينَةٍ، تَعْكِسُ قذارةَ اللُّعْبَةِ السِّيَاسِيَة، المشهد الأوَّل يمثِّلُ حياة التَرَفِ والدَّعَةِ حيث زوجة لأقوى رَجُلٍ في المغرب بحكم موقعه كحارسٍ شخصيّ للملك ثمَّ تعينه وزيراً للداخلية والدفاع، وهو ما هيّأ لها فرصة لأن تكون قريبة من القصر وجليسة للأميرات وفي أحيان تحظى بمكانة كبيرة جعلت من الملك محمد الخامس يتبنى ابنتها مليكة، لتكون رفقية ألعاب ابنته للّا أمينة التي ولدت في المنفى، ثمَّ علاقتها مع الملك الحسن الثاني الوريث، وهو ما قوَّى الشّائعات بأن ابنتها سكينة من علاقة مع الملك كما زعم جيل بيرو في كتابه ‘صديقنا الملك’ إلا أنها نفت هذا وأكَّدت أن ما جمعها بالملك هو صداقة وحب، وفي المقابل كان الملك يفيض بأحاديث رقيقة لها كقوله ‘لو أنكِ زوجتي لما سمحتُ لشعاع الشَّمسِ أن يراكِ’، وهو ما عزَّز مزاعم جيل بيرو، إلا أن كلَّ هذا تبدّل بعد أحداث آب 1972 فقد كرَّر الملك عبارة ديغول أثناء اختفاء المهدي بن بركة ‘يجب أن يدفع أوفقير الثمن’ وأضاف إليها ‘وأسرتها’ لتعيش هي وأسرتها في غياهب منفى الملك لمدة تسعة عشر عاماً، حتى أُطْلِقَ عليها ‘ربَّة الأسرة التعِيسَة’.
الوصف الملائم لشخصيتها أنَّها امرأة عاشقة للجنون والتحدي لا تتوانى أن تفعل أي شيءٍ يخطر على بالها، فقد كان من الجرأة وهي تتحمل طعنة زوجها بخيانته لها مع نساء أخريات دون إثارة أو مشاحنات، أن تقول له بهدوءٍ ‘في اليوم الذي سأخونك فيه بدوري ستبكي بدموعٍ من دمٍ’. وقد كان في عام 1963 انجرفت في قصة حُبٍّ روكامبولية مع الضابط الصغير حسن، مارستْ معه الحبَّ بكافة أشكاله في البحر والغابة والريف والمدينة، متحدية لأوفقير وهي ترى ظله في كُلّ مكان تذهب إليه مع العشيق، إلا أنها استمرت في التحدي بطلبها الطلاق لتعيشَ مع العشيق، ثمُّ تخرجُهُ من حياتها بنفس الطريقة التي أدخلته إليها، يوم أنْ رأته ينظر إلى مفاتن امرأة تعرضها في ابتذالٍ. هو نفس تحديها لزوجة أوفقير الجديدة والتي تدعى فاطمة يوم أن أعلنت أن أوفقير لن يستعيدها فأعلنت أنها ستعود إليه بعد خمسة عشر يوما وقد كان عادت إلى أوفقير في ذات اللحظة التي طلَّق فيها زوجته الثانية.
المشهد الثَّاني هو مَشْهَد السّجن حيث حياة الذُّل والإهانة التي تعمّد خُلَصَاء الملك أن يعاملموهم بها، ومع هذا فتحدَّت كلَّ شيءٍ، وأعلنت ‘أريد أن أعيش مأساتي وقدري حتى النهاية’، وقد أظهرت لنا الجانب الآخر ربما ليس المأسوي بل المقاوم لهذه الأسرة التي كان أصغر أبنائها عبد اللطيف لم يتجاوز الثلاث سنوات، وقد تفننت في ابتكار كل وسيلة تعزز من أمل الخروج إلى الحياة، ومن ثم اخترعوا وسائل دفاعية للحياة ضِدَّ ما أرادوه لهم، وهو الجانب الذي أبدعت فيه مليكة أوفقير الابنة الكبرى في كتابها المعنوَّن بـ ‘السَّجينة’ حيث أجادت الوصف لكافة الوسائل التي ابتدعوها في السِّجون التي تبدَّلُوا عليها من سجن أسا إلى سجن غلاوي ثم سجن بير جديد، وعلى اختلاف الجلادين من الدليمي، إلى عبد الحفيظ العلوي الذي أوكل أمرهم إلى بن عايش الذي قتل أخوه في مذبحة الصخيرات.
المشهد الثالث هو حالة النسيان وغياب الأضواء عقب الإفراج الذي تمّ عنهم بعد اتفاق ملكي مع الرئيس ميتران، والإبقاء عليهم تحت الإقامة الجبرية داخل المملكة في مراكش حتى عام 1991 ثم السَّمَاح لها ولأبنائها بالهجرة إلى كندا، لتبدأ الأسرة حياة أخرى، الجميل فيها أنه لم يكن الحقد أو الانتقام أحد أهدافها، بل واصلوا الكتابة والعمل، فنشرت الابنة مليكة مذاكراتها بعنوان ‘السجينة’ أعقبتها الام بمذكراتها عن هذه الفترة بعنوان ‘حدائق الملك’ والتي جاءت كوثيقة مهمة عن الحقبة الملكية منذ الاستقلال إلى إجلاء الحقائق عن شخصية الذئب الأرقم الجنرال أوفقير كما كانت تلقبه الأسرة، باعتبارها شاهداً من داخل القصر على العمليات القذرة التي قام بها النظام لقمع معارضيه، حتى غدا الجنرال القوي بمثابة العَصَا السِّحرية الذي يجد فيها الملك الحلول لِكُلِّ الثورات أو شبه الانتفاضات فيقوم الجنرال بإخمادها إلى الأبد، حتى شَاعَ بين العامة أنَّ ‘الملكَ يلهو والجنرال يَأْمُر’، بل كانتْ شاهِدَةً على نوبات الصِّرَاعِ الداخلي التي اجتاحت الجنرال ورغبته في أنْ يرحلَ مع علمه علم اليقين بعدم جدوى الرحيل خاصة بعدما شاركَ الملك في كُلِّ شَيءٍ.
لا تقدِّم فاطمة في مذكراتها المعنونة بـ’حدائق الملك’ سيرة حياتها وفقط، وإنما تُقدِّمُ عريضة دفاع عن زوجها الجنرال أوفقير، من تلك التُّهَم التي أُلْصِقَتْ به، فتَذْكر رواية الصَّحافي ستيفن سميث المحرِّر في ‘ليبراسيون’ عندما سُئِلَ إن كان عذَّبه الجنرال أوفقير، وإجابته ‘كَلا أبداً’، كما تنفي عنه مطامعه في السُّلْطَةِ، التي هو جامع لها بحكم مناصبه، كما تعرض للحياة السِّيَاسية والصِّراع السّياسي بين الأطياف المختلفة على السُّلطة، ومدى استفادة المقربين من الامتيازات الملكية، ذاكرةً بالأسماء كُلّ الشِّخصيات وأيضا علاقاتها العاطفية دون مورابة أو خجل. لذا تُعَدُّ مذكراتها وثيقةً حيَّة عن حُقْبَةٍ سياسية مُلتبسة تلت الاستقلال.
ومع كل ما عانته إلا أنها تُعلن ليستْ حاقدةً على أحدٍ،كما جاء في جوابها في برنامج ‘زيارة خاصة’ بتاريخ 6 شباط 2004 مع المذيع سامي كليب في بداية الحلقة عندما قالت ‘أحاول حتى أن أنسى تماما لكنني لحسن الحظ لا أحمل الضغينة، إنني أعيش على نحو جيد إنني شخص إيجابي للغاية لا أعرف ما هي الضغينة ولا أعرف ما هو الشَّر لا أكره أحداً’، ربما كان جوابها حكراً على الملك، فقد ذكرت في تصريحات لصحيفة ‘ليبراسيون’ الفرنسية عقب وفاة الملك الحسن الثاني عام 1999 بأن لـ ‘جلادها’ خِصَالا. فقالت ‘الحسن الثاني كان من أكبر الوطنيين في تاريخ المغرب’. ثم ذكرت في مذكراتها أن هناك شخصين تحقد عليهما الأوَّل هو أحمد الدليمي الذي كانت واسطته لدى زوجها ليصل إلى ما وصل إليه، والثاني هو الجنرال عبد الحفيظ العلوي مدير المراسم ووزير القصر الملكي لأكثر من 30 عاماً، لما كان له من دورٍ في تأليب الملك عليها كُلَّما نازعته نفسه إلى الإفراج عنهم.
توفيت أرملة الجنرال محمد أوفقير الأحد 15 كانون الأوَّل/ ديسمبر 2013 في مصحة بالدار البيضاء، عن عمر يناهز 78 عاماً، ومع وفاتها تطوى صفحة من الجدل السَّياسي عن شخصية رجلٍ مازال يُمثِّلُ لغزاً لدى كثيرين، وهو ما حدا بالملك لأن يصفه بـ’الشخصية الشكسبيرية’، وفي المقابل تطوى صفحة من الاتهامات بين طرفين كانا من قبل صديقين، فانقلب الحال إلى خصمين، أحدهما قوي والآخر لا يملكُ من أمره شيئاً.
لست ربوت