هكذا قررنا العودة إلى الوراء 18 سنة لنخرج حلقة مجهولة من مئات الحلقات التي حفل بها يوم ليس ككل الأيام، وليلة ليست ككل الليالي. ويتعلق الأمر بما جرى من الرابعة و النصف من بعد ظهر يوم الجمعة 23 يوليوز 1999 إلى صباح يوم السبت الموالي. إنها أكثر اللحظات حساسية في تاريخ المملكة، لحظة غياب ملك وتنصيب ملك جديد، لحظة فارقة في تاريخ البلد، ولهذا فإنها تظل منبعا للكثير من الدروس لمن يريد أن يعتبر.
كان الأمير مولاي هشام بن عبد الله متواجدا بباريس حين تم إخباره هاتفيا بوفاة عمه، وقد استقل أول طائرة إلى الرباط ولم يتمكن حتى من تغيير ملابسه، لذلك كان الوحيد خلال مراسيم توقيع البيعة من لا يلبس اللباس القومي.
في ردهات القصر حيث الساعة مضبوطة على ترسيم الخلافة، كان الأمير يتجول وهو يقدم تارة التعازي ويتلقاها أخرى في وفاة عمه.
وفي إحدى الممرات سيفاجئ مولاي هشام -حسب مقربين منه- بصراخ ومشادات كلامية مصدرهما غرفة صغيرة كان يقف ببابها الجنرال حسني بن سليمان وعبد الحق القادري. لم يقف مولاي هشام إلا بما هو بديهي، حيث سيهرع إلى الغرفة، ويفتح بابها ليكتشف المفاجأة.
كان إدريس البصري مربوطا إلى كرسي، و الجنرال عروب بمعية أحد ضباط الدرك الملكي يستنطقونه. كان الأمر بمثابة علامة من علامات الساعة، أفهذا الرجل الذي كان يقول كن فيكون قبل ساعات فقط، هو الآن مستنطق دليل! ؟
كان الأمر حقيقة، وقد كان كل سؤال يوجه للبصري -حسب ذات المصدر- يقابل من طرف "الصدر الأعظم" بالصراخ احتجاجا، بل وصل الأمر إلى تبادل الشتائم في هرج ومرج مخيفين.
انفعل الأمير -حسب المصدر المقرب- وقال للجنرالات إنه من العار القيام بمثل هذا العمل في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم للمغرب، وبعدها طلب منهم الإفراج الفوري عن وزير الداخلية. إلا أن الطلب قوبل بالرفض حيث رد الجنرال عروب بثقة في صواب ما يقوم به: "سمو الأمير، هذا إجراء احترازي ووقائي تحسبا لأي عمل يمكن أن يقدم عليه هذا الشخص".
كان رد الأمير -حسب ذات المصدر- حادا: "آسي عروب، أعتقد أنك ضابط ناضج جدا، ومثل هذا العمل يسيء للحسن الثاني و المغرب في هذه اللحظة الحرجة التي ما يزال فيها جثمان عمي لم يوار التراب".
كان الجنرالان بنسليمان و القادري صامتين، وبعد هذه الملاسنة حاولا الانسحاب من الغرفة دون التسليم بإطلاق سراح غريمهم البصري. وقد ظل الجنرال عروب في وضع لا يحسد عليه، أي التمزق بين تنفيذ أوامر الأمير مولاي هشام الواضحة، أو الاستجابة للأوامر المرموزة لبن سليمان كصاحب أعلى رتبة عسكرية ضمن المجموعة التي كانت تصنع الحدث الجلل.
هاجم الأمير مولاي هشام الجنرال بن سليمان الصامت بلسانه و المتكلم بعينيه المتحديتين، و أمره بحزم بإخلاء سبيل البصري، وهو ما كان لتشكل هذه الحادثة أغرب ما وقع في تلك الليلة الحزينة ضمن غرائب أخرى سيبدأ فيها تحديد معالم مغرب آخر، مغرب ملك جديد لا يعرف حينها أي أحد إلى اي وجهة سيتجه.
يبقى إذن السؤال الكبير: لماذا اعتقل إدريس البصري؟ حسب مصادر متطابقة، فإن الأمر لم يخرج عن سببين، الأول عام وخطير وهو إقدام وزير الداخلية على إغلاق حدود المملكة، وقد كان هذا القرار الانفرادي بالنسبة لأركان النظام بمثابة زلزال أمني، بل إن القضية -حسب مصادر مطلعة- وصلت إلى الملك الجديد الذي لم يستسغ الأمر، لأن إغلاق الحدود لا يعني إلا كون البلاد تعيش حالة استثناء و أن أمر الخلافة غير محسوم، وعلى أقل تقدير يوحي الإجراء بأن انتقال العرش تكتنفه صعوبات.
السبب الثاني هو إقدام البصري -حسب مصادر متطابقة- على تطويق جنرالات الجيش بحراسة مشددة من طرف عناصر المخابرات المدنية، وهو ما فهم منه هؤلاء أنه تشكيك في ولائهم للملك الجديد، فكان ما كان من الاعتقال، وبعدها سيتوجه الجميع إلى قبة النصر بالقصر ليوقعوا على البيعة ومعها يوقعون على بداية مرحلة جديدة حيث لا أحد يعرف مصيره إلا الله و الملك.
وليت المسألة وقفت عند هذا الحد، ففي بداية هذه الليلة الاستثنائية، عقد اجتماع هو بمثابة اجتماع العائلة، عبر فيه الأمير مولاي هشام عن رأي مخالف لما تم الاتفاق عليه من إشراك الضباط السامين للجيش في توقيع عقد البيعة معتبرا أن في الأمر مخاطرة تماما كإدخال ذئب إلى حظيرة الأغنام، و أن هذا سيعطي للجيش مكانة أكبر مما يستحق ضمن المؤسسات الدستورية للبلاد، وكان رأي صاحب الأمر هو رفض ما ذهب إليه ابن عمه.
ليلة القبض على إدريس البصري
هذه الحكاية التي تمت الإشارة إليها في سطر أو سطرين، في مرجع أو مرجعين، لم يسبق لها أن رويت بتفاصيلها، وهي من المصادفات الماكرة لم يجمع إلا بين البصري و الجنرالات بن سليمان و القاديري وعروب، وما قال رجل الشاوية القوي حينها أنه اجتماع أمني، سيكون بكل بساطة اعتقالا و استنطاقا للسي إدريس في إحدى الغرف الضيقة للقصر.
كان الأمير مولاي هشام بن عبد الله متواجدا بباريس حين تم إخباره هاتفيا بوفاة عمه، وقد استقل أول طائرة إلى الرباط ولم يتمكن حتى من تغيير ملابسه، لذلك كان الوحيد خلال مراسيم توقيع البيعة من لا يلبس اللباس القومي.
في ردهات القصر حيث الساعة مضبوطة على ترسيم الخلافة، كان الأمير يتجول وهو يقدم تارة التعازي ويتلقاها أخرى في وفاة عمه.
وفي إحدى الممرات سيفاجئ مولاي هشام -حسب مقربين منه- بصراخ ومشادات كلامية مصدرهما غرفة صغيرة كان يقف ببابها الجنرال حسني بن سليمان وعبد الحق القادري. لم يقف مولاي هشام إلا بما هو بديهي، حيث سيهرع إلى الغرفة، ويفتح بابها ليكتشف المفاجأة.
كان إدريس البصري مربوطا إلى كرسي، و الجنرال عروب بمعية أحد ضباط الدرك الملكي يستنطقونه. كان الأمر بمثابة علامة من علامات الساعة، أفهذا الرجل الذي كان يقول كن فيكون قبل ساعات فقط، هو الآن مستنطق دليل! ؟
كان الأمر حقيقة، وقد كان كل سؤال يوجه للبصري -حسب ذات المصدر- يقابل من طرف "الصدر الأعظم" بالصراخ احتجاجا، بل وصل الأمر إلى تبادل الشتائم في هرج ومرج مخيفين.
انفعل الأمير -حسب المصدر المقرب- وقال للجنرالات إنه من العار القيام بمثل هذا العمل في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم للمغرب، وبعدها طلب منهم الإفراج الفوري عن وزير الداخلية. إلا أن الطلب قوبل بالرفض حيث رد الجنرال عروب بثقة في صواب ما يقوم به: "سمو الأمير، هذا إجراء احترازي ووقائي تحسبا لأي عمل يمكن أن يقدم عليه هذا الشخص".
كان رد الأمير -حسب ذات المصدر- حادا: "آسي عروب، أعتقد أنك ضابط ناضج جدا، ومثل هذا العمل يسيء للحسن الثاني و المغرب في هذه اللحظة الحرجة التي ما يزال فيها جثمان عمي لم يوار التراب".
كان الجنرالان بنسليمان و القادري صامتين، وبعد هذه الملاسنة حاولا الانسحاب من الغرفة دون التسليم بإطلاق سراح غريمهم البصري. وقد ظل الجنرال عروب في وضع لا يحسد عليه، أي التمزق بين تنفيذ أوامر الأمير مولاي هشام الواضحة، أو الاستجابة للأوامر المرموزة لبن سليمان كصاحب أعلى رتبة عسكرية ضمن المجموعة التي كانت تصنع الحدث الجلل.
هاجم الأمير مولاي هشام الجنرال بن سليمان الصامت بلسانه و المتكلم بعينيه المتحديتين، و أمره بحزم بإخلاء سبيل البصري، وهو ما كان لتشكل هذه الحادثة أغرب ما وقع في تلك الليلة الحزينة ضمن غرائب أخرى سيبدأ فيها تحديد معالم مغرب آخر، مغرب ملك جديد لا يعرف حينها أي أحد إلى اي وجهة سيتجه.
يبقى إذن السؤال الكبير: لماذا اعتقل إدريس البصري؟ حسب مصادر متطابقة، فإن الأمر لم يخرج عن سببين، الأول عام وخطير وهو إقدام وزير الداخلية على إغلاق حدود المملكة، وقد كان هذا القرار الانفرادي بالنسبة لأركان النظام بمثابة زلزال أمني، بل إن القضية -حسب مصادر مطلعة- وصلت إلى الملك الجديد الذي لم يستسغ الأمر، لأن إغلاق الحدود لا يعني إلا كون البلاد تعيش حالة استثناء و أن أمر الخلافة غير محسوم، وعلى أقل تقدير يوحي الإجراء بأن انتقال العرش تكتنفه صعوبات.
السبب الثاني هو إقدام البصري -حسب مصادر متطابقة- على تطويق جنرالات الجيش بحراسة مشددة من طرف عناصر المخابرات المدنية، وهو ما فهم منه هؤلاء أنه تشكيك في ولائهم للملك الجديد، فكان ما كان من الاعتقال، وبعدها سيتوجه الجميع إلى قبة النصر بالقصر ليوقعوا على البيعة ومعها يوقعون على بداية مرحلة جديدة حيث لا أحد يعرف مصيره إلا الله و الملك.
يصعب جدا أن يكون قرار اعتقال البصري قد اتخذ بدون علم صاحب الأمر، و إذا كان الأمر كذلك، فيمكن أن نعتبر تدخل مولاي هشام في هذه القضية هو بداية جر أول خيط من جورب النايلون في علاقة الملك الجديد بابن عمه.
وليت المسألة وقفت عند هذا الحد، ففي بداية هذه الليلة الاستثنائية، عقد اجتماع هو بمثابة اجتماع العائلة، عبر فيه الأمير مولاي هشام عن رأي مخالف لما تم الاتفاق عليه من إشراك الضباط السامين للجيش في توقيع عقد البيعة معتبرا أن في الأمر مخاطرة تماما كإدخال ذئب إلى حظيرة الأغنام، و أن هذا سيعطي للجيش مكانة أكبر مما يستحق ضمن المؤسسات الدستورية للبلاد، وكان رأي صاحب الأمر هو رفض ما ذهب إليه ابن عمه.
لست ربوت