إذا كان التوظيف السياسي للدين قد استعرت جذوته اليوم وبلغ أوجه بفضل ما قدمته التكنولوجيا من إمكانات هائلة تسهم في مسرحة الحقل السياسي وتوظيف الرمزية فيه بشكل غير مسبوق، فإن استعمال الدين لخدمة أغراض سياسية يرجع إلى الجذور الأولى للإسلام، وعلى وجه التدقيق إلى عهد بني أمية (661م-750م)، حيث طُّوقت السلطة بشرعية دينية لترسيخها ومن ثم تدعيم أركانها.
سلاطين المغرب عمدوا، منذ توالي حكمهم ابتداءً من الأدارسة، إلى تغليف شرعية حكمهم بانتماء جلهم إلى النسب الشريف
يشير محمد عابد الجابري في كتابه “إشكاليات الفكر العربي المعاصر” إلى أن الدين يوظف سياسيا منذ قيام معاوية بن أبي سفيان ضد علي بن أبي طالب، إذ ألقى مجموعة من الخطب في المدينة والكوفة ودمشق، يسوّغ فيها مبررات استلامه للسلطة مكرسا فكرة الجبر. بمعنى أن القضاء والقدر هما اللذان ساقا الخلافة إلى بني أمية. ومن هنا سار على دربه الخلفاء من بعده دون استثناء، مكرسين هذه الفكرة التي تعتبر الدين محورا لممارسة السلطة.
سلاطين المغرب لم يشذوا عن هذه القاعدة، فقد عمدوا، منذ توالي حكمهم ابتداءً من الأدارسة، إلى تغليف شرعية حكمهم بانتماء جلهم إلى النسب الشريف؛ أي كونهم أسباطا لرسول الإسلام، وإلى اعتماد البيعة آلية دينية للتعاقد بينهم وبين “الرعايا”.
ناهيك عن استعمال القرآن والمذاهب المختلفة للدين كمرجعية للحكم، وهي المذاهب التي شكّلت قطب الرحى في مختلف الصراعات التي عرفتها البلاد التي ينتشر فيها الإسلام بشكل كبير، بما فيها المغرب، نتيجة لتعددها من جهة، وولع ممارسة السلطة واحتكارها من جهة ثانية.
بالمقابل، بدأت متطلبات العصر الحالي ترخي بظلالها على أساليب ممارسة الحكم والنظم التي تستمد الشرعية منها. ففي عالم ينحو إلى نشر التعاليم والأفكار الديمقراطية، أخذت الدول التي تستمد حكمها من الدين، مرجعية وتعاقدا وشرعية، تواجه بعض الإكراهات، خاصة فيما يتعلق بفصل الدين عن الدولة كسيرورة تاريخية، وفيما يتعلق بالتسويغ العقلاني لممارسة الحكم وتدبير الشأن العام.
الدين كمرجعية وآلية لممارسة الحكم في المغرب
يعتبر الملك في المغرب بمنطوق الفصل 41 من دستور المملكة لسنة 2011، أميرا للمؤمنين وحاميا للملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. ويرأس الملك، طبقا لذلك، المجلس العلمي الأعلى الذي يعتبر الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، ويمارس الملك صلاحياته الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين بواسطة ظهائر.
جذور مأسسة إمارة المؤمنين كنسق سياسي، تعود إلى حركة الإخوان المسلمين حسب ما كتبه عبد الله العماري، عضو الشبيبة الإسلامية سابقا، في مقال منشور له ببعض المواقع الإلكترونية.
ولعل اعتبار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وزارة سيادية؛ أي أنها لا تخضع لمنطق المنافسة على الحقيبة غداة الانتخابات التشريعية، كاف لتلمس بسط الدولة سيطرتها على الشأن الديني
الحركة كانت تتوسم في الملك استعادة الرمزية الدينية والروحية للخلافة الإسلامية، وهي الأمنية التي تضمنتها رسالة للمرشد حسن البنا التي نقلها أحد المقربين منه إلى الملك محمد الخامس سنة 1947.
بناء على ذلك، لم يتوان آنذاك عبد الكريم الخطيب الذي كانت له علاقة مع توفيق الشاوي، عن الدفاع بكل قوة على تضمين الدساتير المغربية مؤسسة إسلامية الدولة ومؤسسة إمارة المؤمنين كنسق سياسي لابتعاث الإمامة العظمى.
ولعل اعتبار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وزارة سيادية؛ أي أنها لا تخضع لمنطق المنافسة على الحقيبة غداة الانتخابات التشريعية، كاف لتلمس بسط الدولة سيطرتها على الشأن الديني. أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، قال في تصريح سابق، إن مشروعية إمارة المؤمنين تقوم على عقد مكتوب منذ قرون يسمى البيعة، مبرزا أن “هناك نظرية متكاملة مستقاة من تقاليدنا ورصيدنا في ممارسة الدين وفهم الدين، وأول هذه العناصر هو اعتبار أن إمارة المؤمنين نظام سياسي ديني هو وحده المقبول في الضمير الإسلامي وهو متحقق عندنا في المغرب”.
على أن دستور المملكة لا يخول حق تأسيس أحزاب سياسية على أساس ديني (الفصل السابع).
بالمقابل فإن الظهير المتعلق بتنظيم القيمين الدينيين لسنة 2014، يمنعهم طيلة مزاولة مهامهم من ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي أو اتخاذ أي موقف يكتسي صبغة سياسية ونقابية.
من هنا يتضح جليا احتكار المؤسسة الملكية لتدبير الشأن الديني. ولعل ما يخولها ذلك حسب الباحث أحمد بناني، أن المصدر الذي تستمد المؤسسة المالكة الحكم منه في المغرب ينبني على ثلاثة أبعاد، البعد المرجعي الذي يحتكم إلى القرآن والسنة، والبعد التعاقدي أي البيعة وحفل الولاء الذي يقام سنويا، بالإضافة إلى البعد الأهم وهو البعد التاريخي باعتبار الملك سليلا لرسول الإسلام، ومن ثمة، شريفا.
لست ربوت