ناك مقولة رائجة يرددها كثيرا المواطنون بالمغرب ، مفادها “إن بلدنا أغنى بلد في العالم، حيث إن الكل يسرق منذ زمن بعيد، ورغم ذلك لا يزال البلد واقفا”.
إذا كانت شعارات إسقاط النظام هي المطلب الذي سيطر على احتجاجات البلدان المشرقية، التي عرفت قبل خمس سنوات ربيعا ثوريا، فإن شعار إسقاط الفساد كان المطلب الأول في الاحتجاجات الشعبية بالمغرب والجزائر في تلك الفترة.
يشهد هذان البلدان منذ فترة ما بعد الاستقلال فسادا مريعا، حتى أضحى الفساد لدى الكثير من مواطني البلدين أمرا مألوفا وميؤوسا منه تماما في إصلاحه، نظرا لتجذر بنية الفساد سواء في دواليب الدولة أو في دروب المجتمع، بدءا من الرشوة والاختلاسات واستغلال السلطة، والنفوذ وتزوير الوثائق والتلاعب بالقانون، وتهريب الأموال وتبييضها وإبرام الصفقات المشبوهة، وغير ذلك من قائمة مظاهر الفساد الطويلة.
في هذا التقرير نعرض لكم أبرز قضايا الفساد التي عرفها البلدان، وتورط فيها مسؤولون كبار، تقدر خسائرها بمليارات الدولارات، بيد أن جميعها لم تنته بالقبض على الجناة، ما عدا التضحية ببعض الأكباش الصغيرة لتغطية الحيتان الكبيرة التي تقف وراء قضايا الفساد تلك، حيث تصبح كفة المال والسياسة والجاه أرجح من كفة العدالة والقضاء والقانون.
1- صندوق الضمان الاجتماعي
أحد أفجع ملفات الفساد في تاريخ المغرب، التي بسببها اليوم يؤدي ملايين المغاربة الثمن غاليا، حيث أجبرتهم على التأقلم مع قرارات قاسية سنتها حكومة حزب العدالة والتنمية، مثل رفع سن التقاعد، بعد أن استفاق المواطنون المغاربة على خبر نهب صندوق الضمان الاجتماعي حتى أضحى خاويا على عروشه، وهو الصندوق الذي كانوا يقتطعون جزءا من مستحقات كدهم وتعبهم لتمويله طمعا في تقاعد يجلب الكفاف بعد عمر مديد من العمل.
في صبيحة السادس من شهر يونيو 2002، أعدت لجنة تقصي الحقائق برئاسة “رحو الهليع” تقريرا مفصلا حول الاختلاسات المالية وسوء التدبير، والتجاوزات بخصوص صندوق الضمان الاجتماعي.
يشير التقرير إلى أن الأموال التي تم نهبها من الصندوق أكثر من 115 مليار درهم على مدى 30 سنة، منها 47,7 مليار درهم مجموع الأموال التي صرفها الصندوق من دون حق، من خلال اختلاسات وصفقات مشبوهة، حسب ما توصلت إليه لجنة التقصي.
وحمل التقرير مسؤولية كل هذا الفساد إلى محمد كورجا الذي تولى إدارة الصندوق في الفترة الممتدة بين (1971- 1972) ومحمد لعلج الذي تولى إدارة الصندوق في (1992- 1995) ورفيق الحداوي الذي تزعم إدارة الصندوق بين (1995- 2001) ومنير الشرايبي الذي ترأس إدارة الصندوق سنة (2001).
عددت لجنة تقصي الحقائق مجموعة من التجاوزات التي عرفها الصندوق، بدءا باستفحال الرشوة في عملية تحصيل الاشتراك، وتزوير الوثائق، وعدم التدقيق في المعطيات أثناء منح التعويضات، بالإضافة إلى توظيف أكثر من 5000 مستخدم خارج أي إطار قانوني، وعدم تغطية المراقبة المالية لمجالات نشاط الصندوق، ورفض الحسابات الختامية منذ 1981 من طرف المجلس الإداري الذي فشل في أداء وظيفته كمراقب لأداء سير المجلس، واستعمال بعض الحسابات خارج القانون، واللجوء إلى إبرام الصفقات حسب مسطرة الاتفاق المباشر بدون تبرير مقبول.
حتى اليوم بعد أكثر من عشر سنوات، لم تجرؤ أي حكومة على فتح هذا الملف ومحاسبة عشرات المتورطين والمتسببين في إفلاس صندوق التقاعد، ولم تستطع حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي فعل شيء سوى الزيادة في سن التقاعد وخفض المنخرطين في الصندوق الاجتماعي، كإجراء قاس ينقذ مؤقتا مستحقات المتقاعدين بضع سنوات قبل الإفلاس التام.
2- القرض العقاري والسياحي
في سنة 2007 تفجرت قضية اختلاس أموال باهظة من البنك المغربي عبر تحصل أطراف منه على قروض كبيرة دون تقديم ضمانات، وكانت أسماء وشخصيات نافذة متورطة في هذا الملف، تم التضحية ببعض الأكباش فداء للحيتان الكبيرة التي تقف وراء تلك الاختلاسات، والتي لا يراد لها أن تظهر في الواجهة فبالأحرى أن تحاكم.
تمت متابعة في هذه القضية المتهم الرئيس مولاي الزين الزهيدي بـ20 سنة سجنا نافذا، و13 شخصا بمدد سجنية متفاوتة، تراوحت بين 5 سنوات سجنا نافذة وسنة واحدة مع إيقاف التنفيذ.
لكن 15 مليار درهم التي تم نهبها لم يتم استرجاعها حتى اليوم، ما يعني أن هناك أسماء لها وزنها استفادت من تلك القروض الضخمة، ولكنها ليست قابلة للمساءلة والمحاكمة.
انتهت فصول المحاكمة دون أن تحقق أي شيء، إذ أن الأحكام كانت موقوفة التنفيذ، والمتهم الرئيسي مولاي الزين الزهيدي فر خارج البلد واستقر بالديار الفرنسية، دون أن يعمد المغرب إلى إصدار مذكرة إيقاف دولية في حقه مثلما تفعل كل بلدان العالم حينما يهرب مجرموها إلى الخارج.
3- ملف “السياش”
قضية الفساد المشهورة المرتبطة باسم الوزير المغربي السابق خالد عليوة، وهو الملف الذي لا يزال حتى الآن يرخي بظلاله على السياسة بالمغرب ودورها في تبرئة المفسدين.
بعد موجة الربيع العربي واحتجاجات حركة 20 فبراير ضد الفساد قبل 5 سنوات، كان من اللازم بعد ذلك فتح ملفات فساد ولو مؤقتا لتمرير المرحلة، ولاسيما مع حزب العدالة والتنمية الذي طالما يردد شعار “محاربة الفساد”.
في سنة 2012 بعد تقلد حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحكومة ببضعة شهور، تم تحريك ملفين كبيرين بعد تقارير أعدها المجلس الأعلى للحسابات، الأول ارتبط باسم بنعلو المدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات، والثاني تورط فيه خالد عليوة رئيس القرض العقاري السياحي.
تمت متابعة خالد عليوة بسوء التدبير والتسيير والحصول على امتيازات كبيرة بدون سند قانوني، فسجن مدة لا تتعدى 9 أشهر ليطلق سراحه في سنة 2013، حيث لا يزال يتابع حاليا في حالة سراح.
لست ربوت