
ومن الأهمية بمكان، نؤكد مرة أخرى، على أن هدف هذا الموضوع هو إخراج رجل من النسيان وإدخاله ضمن رجالات هذا الوطن الذين جاهدوا بأرواحهم ونضالهم ووطنيتهم لإعلاء راية المغرب رفرافة في السماء.
بعد هذه المقدمة، أقول وأكتب: “حقا”، كل ما أعرف عن الأمير مولاي عبد الله من شجاعة وبسالة ودعم الجسور بين القمة والقاعدة. وهنا لابد من الإشارة إلى قضية خطيرة نسجها طوال أعوام متعاقبة، عسكريون ومدنيون لإبعاد مولاء عبد الله عن أخيه وصاحب دربه الحسن الثاني، وهي مناوراة أدت إلى خرق السور الملكي واستنزافه بل وشقه وكسره ورميه في الثلث الخالي.
وإذا كان الأمر كذلك ـ وهو بالفعل كذلك ـ فالذي قام بتفرقة الرجلين هو الجنرال أوفقير الذي واصل حقده الدفين لعائلة محمد الخامس قبل وبعد عودتها من المنفى سنة 1956، وليس أوفقير وحده يعد من أشرس أعداء النظام الملكي الذي أرساه الحسن الثاني بجميع الطرق، بل هناك رجال ساعدوا على ذلك لتشويه سمعة العائلة الملكية داخل وخارج المغرب وتصغير أفرادها في الأوساط الدولية فقيل عن مولاي عبد الله ما لا يقبله عقل ولا ضمير وكذلك عن الأميرات وحتى عن الحسن الثاني ومحمد الخامس من قبل.
ولعنا في هذا الموضوع سنبسط حقائق لم يعهد المغاربة قراءتها عبر الصحف ولا سمعها عبر الأفواه، وبدلا من أننا سنركز في هذا المقال عن الأمير عبد الله لإإننا كذلك سنتكلم عن الدسائر التي أكيدت له من طرف الجواسيس الذين عملوا في أقسام المخابرات لحساب بعض المرافقين للحسن الثاني لإبعاد مولاي عبد الله من دائرة القرارات.
نعود إلى الامير الذي سلك طريق المقاومة وحرك الوطنية وطبع سنين عديدة ببصمته المعهودة قيام الثورة التي أدت فيما أدت إلى تحرر هذا البلد من الاحتلال.
فالأمير مولاي عبد الله لم يكن جالسا في كهف أو مستلقيا على فراش من ذهب ولم يكن يلهث وراء الفتيات، ولم يكن غبيا أو مهووسا أوعميلا في أي وقت من الأوقات بل قام بدوره الطلائعي في ساعدة العشرة، ألحق، بطريقته الهزيمة الكاملة بالعدو وأمن النصر مع رفاقه في المقاومة السرية باتفاق مسبق مع محمد الخامس، من الباب الكبير. كان يلتقي بكثير من أعضاء جيش التحرير بمختلف مدن المغرب في السرية التامة، وكان يطلعهم على الأوضاع مولاء عبد الله كانكله مقاومة بدون افتخار
كان يزود بمعلومات جد مهمة تفيد لمواجهة الاحتلال وكان له الدور الكبير وجدير ذكره في هذا الموضوع استراق أسلاك الاتصالات الهاتفية من أجل التجسس على المكالمات الهاتفية للعدو، وهذا ما خلف صعوبات متزايدة أمام العملاء الذين كانوا يعملون لصالح العدو آنذاك.
ولا أدل على ذلك، ربما حان الوقت، لإعادة الاعتبار للإبن البار لمحمد الخامس والحديث عنه بكل صراحة نظرا لما استكشفناه من حقائق ألمتنا ودفعتنا للكتابة ولتصحيح الخطأ الفادح الذي ساهم فيه اكثر من عدو بل صديق ولم لا نقول من أفراد ينتمون للعائلة الملكية التي لم تؤدي واجبها الإنساني نحو أحد أبرز رجال المقاومة ألا وهو الأأمير مولاي عبد الله، في حين عندما ندخل عبر وسائل الإعلام كالكمبيوتير للبحث عن أكبر أعداء هذه الأمة نجدهم يتصدرون المواقع بصورهم وآتامهم، ويبقى الأمير مولاي عبد الله الوحيد دون غيره لا يوجد له أثرا بتاتا في تاريخ المغرب. وهذا أيضا يقودنا لنتساءل عن أسباب هذا الإقصاء من قبل الدولة المغربية بجميع دواليبها نسأل هنا كبيرها وصغيرها عن هذا السر الذي كان وراء مسح ذاكرة مولاي عبد الله من تاريخ المغرب. لقد تعرض فعلا هذا الأمير لمضايقات كثيرة أدت إلى وضعه في خانة “المعارضين” لسياسة المغرب المتهورة خلال سنوات عديدة مباشرة بعد وفاة محمد الخامس التي كان يعتبره أحد المقربين له في ساعة العسرة.
وللإشارة فقط فقد كان مولاي عبد الله يتسلل ليلا من بين جدران القصر الملكي ليلتحق برجال التحرير ليخبرهم بمعلومات يكلفه بها محمد الخامس ويمكننا القول ببساطة أنه حرام على كل من ساعد من بعيد أو قريب تسميم العلاقة الأخوية التي كانت بين الحسن الثاني ومولاي عبد الله، حتى وصلت إلى ذروتها وضراوتها.
ألم يكن مولاي عبد الله لمدة أسبوع، ملك المغرب، في غياب الحسن الثاني، الذي خاطب الشعب وأثنى على أخيه احسن الثناء وقدمه كملك المغرب ونطل جدير بهذه الثقة؟ الحسن الثاني لم يكن في لحظة من لحظات حياته أحمقا أو سادجا أو رجلا مختلا، بل كان ذكيا وعاقلا. وهذه الخطوة وحدها تجعلنا بالطبع نتساءل عما حدث بعد عودة الحسن الثاني من زيارته لفرنسا والتي لم تدم إلا أسبوعا واحدا لا اكثر.

وهكذا مضت كتلة من المعارضين العسكريين والمدنيين بانحرافهم عن الطريق الواضح المستقيم وتطاولوا على مولاي عبد الله عندما نصحوا الحسن الثاني بضرب الحصار على أخيه وكانت هذه الضربة خاتمة أدت إلى تعميق الأسى في وجدان الامير عبد الله الذي كان يعشقه المغاربة لجماله وحسنه والتشابه الكبير بينه وبين والده محرر هذه الأمة محمد الخامس.
وقبل أن يصيب، مولاي عبد الله، الداء العضال الذي أدى إلى انتقاله إلى جوار ربه، ظلت المآمرات تصب على رأسه بكثرة حول خرجاته وعلاقاته وتحركاته وتدخلاته وصداقاته مع فئات الشعب، وكل هذا كان زورا وبهتانا، فقد أقسم الحسن الثاني، بل أشهد الله أن مولاي عبد الله كان يقوم الليل ولا تفوته صلاة الفجر وكان يؤدي الصلوات في وقتها ـ وإن دل كلام الحسن الثاني على شيء فإنما يدل على أحد أمرين: إما أن يكون الإنسان جاهلا “ومن جهل شيئا عاداه” والجاهل لا يحل له أن يتكلم في الأمور الشرعية، وإما أن يكون مغرضا، فيجب أن يحذر المسلمون منه. فلم يكن يوما ما، هذا الأمير، مساهما في الاختطافات أو الاعتقالات ولم يكن سفاحا ولا ذباحا ولا جائرا ولا جلادا ولم يكن مولاي عبد الله رجلا خائنا أو جبارا أو يكفر أحدا ولم يكن حتى معارضا للمعارضين أو لأبنائهم بل كان مدافعا مطالبا بالعفو، وكان يعتبر صوت الحق والقوة.

وكل هذا صحيح، احتلوا المغرب وكان أكبر كمين رغم أصدقاء الملك الذين شاركوا الخائنين في اللعبة اللقيطة.
مولاي عبد الله شارك في تحرير المغرب بعلاقته الوطيدة مع المقاومة وجيش التحرير، ببسالته وشجاعته وطهارة عقديته، إجلال لهذه القضية الوطنية التي ذهب في شرفها آلاف الرجال والنساء وإذا وقف كل منا ليرى ثمار هذه المبادئ التي كان يتحلى بها الأمير مولاي عبد الله، وتمسكه بجوهر الرسالة، ثورة الملك والشعب، فإننا سوف نجد سر النجاح الذي قام به جميع الذين واصلوا الكفاح من أجل مغرب مستقلن في غمار الهول ووقدة اليأسن وكان آنذاك الشعب يسقى بأناشيد مجلجلة، نشدها مولاي عبد الله وكل الذين بايعوا الله بالحق والجهاد والحب والصفاء.

فلا سامح الله كل من قال بهتانا على الأمير مولاي عبد الله ابن الملك محمد الخامس أخ الراحل الحسن الثاني وقد حان وقت رد الاعتبار لهذا الإنسان النبيل الذي كان له فضل عظيم مع إخوانه الذين قضوا نخبهم لكي يكون لهذا البلد شأن وحرمة ومكارم.
وهنا أعود لقول الرسول الكريم الذي هو حصننا ورباطنا “من تكن الدينا نيته جعل الله فقره بين عينيه وفارقها ارغب ما يكون فيها ومن تكن الآخرة نيته جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه ضيقته وفارق الدنيا أزهد ما يكون فيها”.
لماذا أكتب هذا الآن وما علاقة هذا الأثر الصالح بالأمير عبد اللهن هنا تكمن القصة آثار أمير مؤمن بقدره بالعمل الصالح، أيام زمان عندما كان العمل تتداخل فيه الوساطة والرشوة والصداقة كان الأمير يتلقى الرسائل من قبل أبناء الشعب بطيب القلب لتحريك عملية الإدماج في الإدارات العمومية و غيرها.
إننا نطالب من هذا المنبر إعادة الاعتبار لمولاي عبد الله والتريف به عبر الانترنيت الذي أصبح أداة لا يستهان بها للوقوف على معرفة الشخصيات الدولية التي لعبت دورها الطلائعي في كل وقت من الأوقات، فكيف يعقل أننا نجد عبر الأنترنيت أشخاص مثل: أوفقير، والدليمي والرامي والمدبوح وكل الميؤوس منهم والملوك والأمراء والأميرات والجلادين والمسيحيين واليهود وقتلة الأفطال والنساء والأدباء والشعراء والراقصات وأسماء الوزراء ومصممي الأزياء ولا نجد صورة مولاي عبد الله ولا حتى نبذة عن حياته النضالية.

وكما أشرنا سابقا فإن تخمين هذا الأخير، الدقيق والطويل المدى الذي تميز باللياقة السياسية في ظروف جد صعبة يعد من الزاد القيم الذي كان يقتنع به محمد الخامس كلما كان يدردش مع مولاي عبد الله عن الطريقة السلمية لاسترجاع أرض الوطن إلى حضيرتها.
فالذين كانوا يعرفون مولاي عبد الله جد المعرفة يقولون عنه: “أنه كان يتمتع بذكاء فذ وتعامل إنساني لا مثيل له”. لقد كان مولاي عبد الله يبدو دائما مطأطأ الرأس وهذا أمر غريب نوعا ما، كما يقول المثل المغربي “السبولة ملي كاتكون ثقيلة كا تكون حادرا راسها..”وهنا يتبين الرشد من هذا التعامل الذي لا بد أن نكون له حجته وبرهانه، لا سيما وأننا نتحدث عن رجل عرف الحق ببصيرته وبقى عاكفا عليه.
مولاي عبد الله لم يتزوج أربعة نساء أو خمسة أو عشرون ولكن واحدة ولا مماراة في قيمة الأحلام في حياة الإنسان، فالمرء حياتان: إحداهما الشعورية الواعية، وثانيتهما اللاشعورية التي تكشف عن جانب مهم منها الأحلام. ولهذا كان من حق أمير ـ والأمراء كثيرون، ما علينا إلا أن تلقي نظرة في الخليج ونقارن ـ أن تكون له الزيجات الجميلات.

كان وراء هذه المؤامرة حلف من الرجعيين الضاليين المضللين بين التحفي المريب والسفور العجيب انفردوا بالملك وأوهموه بأن مولاي عبد الله يتعاطف مع بعض المعارضين ويعدهم سرا بنصائحه وحصيلة خبراته.
ولقد سلط الله عليهم كلهم من قتلهم وهم في عزتهم يفترون. رحمك الله يا مولاي عبد الله واسكنك فسيح جناته…اعداد: المصطفى بلقطيبية
لست ربوت