من ذاكرة الرحامنة التي لا يمكن تجاوزها. الحاج كبور غفار الشعيبي: عبدالكريم التابي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من ذاكرة الرحامنة التي لا يمكن تجاوزها. الحاج كبور غفار الشعيبي: عبدالكريم التابي

من ذاكرة الرحامنة التي لا يمكن تجاوزها. الحاج كبور غفار الشعيبي: عبدالكريم التابي

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏فاتحة الأقواس: 
قوس أول للتذكير: (مقاصد النبش في بعض من ذاكرة ابن جرير، لها خلفيات علمية محضة، وليست موضوعا للتنقيص أو التجريح في الأشخاص. قد ننتقد السلوك السياسي والنقابي والجمعوي بشكل مؤدب حتى ولو كان عنيفا، لكننا قطعا لا ننزل إلى القاع).
قوس ثان: ( هل من الموضوعية في شيء أن نفتح ذاكرة ابن جرير دون الحديث عن الحاج كبور ونجله محمد الشعيبي وغيرهم ممن كان لهم حضور بارز ليس بالضرورة أن يكون وفق ما تشتهيه بعض الأهواء والأمزجة التي لا يبدو لها التاريخ إلا متاعا مخصوصا لها ومحفظا في اسمها. فشعب افريقيا الوسطى مثلا لا يمكنه أن ينزع قطعة "بوكاسا" من تاريخه، وكذا الأمر ينسحب على "هتلر" وموسيليني وفرانكو والجنرال "بينوشي" والقذافي والحسن الثاني وغيرهم).
قوس ثالث: ( لا يعرف الجيل الحالي الذي ولد بعد منتصف التسعينيات من القرن الماضي، أن في الرحامنة وابن جرير على وجه الخصوص، رجلا يسمى الحاج كبور ذاع صيته وانتشرت شهرته بين من يراه وليا صالحا يدر الخير والبركات والنعم، وبين من يرى فيه مصدرا لكل الشرور والآثام الاجتماعية والثقافية والسياسية التي انعكست على البلدة التي ظلت لفترة طويلة مجرد جماعة قروية مغبرة وبائسة تعيش على صدى صراع حزبي/ عائلي بين الحركة الشعبية التي يمثلها الحاج كبور وحزب الاستقلال الذي يمثله الحاج المدني).
قوس رابع: ( قليلة هي المرات التي شاهدت فيها الحاج كبور وسمعته يتكلم: الأولى سنة 1976 في تجمع للحركة الشعبية في إطار الحملة الانتخابية، إلا أن هذا التجمع لم يمر بسلام بعد أن اقتحمه المناضل المرحوم أحمد الحمزاوي حيث ساد الصمت بعد أن شرع في توجيه النقد اللاذع للحركة في حضرة كبارها. وفور مجيئه، حذر الحاج كبور أتباعه قائلا: ( وسكتو أودي حتى يمشي هاد عزراين). كانت الثانية في بداية الثمانينيات وبالضبط في إحدى دورات المجلس القروي التي انعقدت بالمكان الذي توجد فيه الخيرية. وكانت الثالثة سنة 1986 لما قمنا نحن أعضاء مكتب جمعية فريق شباب الرحامنة فور انتخابنا بزيارة له في مكتبه في مدخل بيته قرب محطة البنزين طوطال من أجل بحث إمكانية دعم الفريق باعتباره رئيسا للمجلس القروي ونائبا برلمانيا. ولما كان أحدهم يقدمنا إليه واحدا واحدا، لم يكن غرضه أن يعرفنا نحن، بقدر ما كان يسأل عن آبائنا ( نت فين ساكن وشكون باك باش يعرف شكون ديالو وشكون ماديالو). والرابعة في السنوات الأولى للولاية الجماعية 92/97 التي رأسها فؤاد عالي الهمة إلى غاية وفاة الحاج كبور سنة 1995، حيث شكلت تلك الوفاة حدثا في ابن جرير، لأنها جاءت إثر قرار المجلس البلدي بإغلاق الدفن في مقبرة العزوزية، إلا أن حالته خالفت القرار وتم دفنه بالمقبرة المذكورة، في اليوم ذاته تم منع شخص آخر يسكن بمحاذاة منزلنا بحي افريقيا وتوجيه ذويه إلى دفنه بمقبرة سيدي علي، وهو ما كان موضوع مقالة استنكارية لي على صفحات جريدة أنوال استحضرت فيها مقاطع من أغنية الغيوان "مهمومة" (مات الغني يا حبابي طلبة وعوام تابعاه. شي قرا عند راسو شي شاد السبحة حداه) ، بعدها أعيد الدفن بالمقبرة المعروفة إلى يوم الناس هذا).
المرحوم الحاج كبور بن الفاطمي البربوشي غفار أو الشعيبي (نسبة إلى دوار الشعيبات) يعرف كنار على علم بجلبابه وعمامته اللتين تشكلان لباسه الرسمي الذي يلازمه كل أوقاته، والذي لا يخفى على أحد حين تبث القناة الأولى بعض اللقطات من جلسات مجلس النواب حين كان آخرون من أشباه الحاج كبور بجلابيبهم وعماماتهم ينتشرون تحت القبة المعلومة، وكثير منا يعرفهم بأسمائهم في شيشاوة وبني ملال وغيرهما ويعرف الطرق والتي أوصلتهم إلى هناك في ذلك الزمن السياسي الذي كانت ولازالت للدولة أوتادها من الأعيان والوجهاء الذين تعتمد عليهم في تثبيت ركائزها خاصة في المجالات القروية.
اشتغل في بداياته الأولى كبقية رجال زمانه القرويين بالفلاحة، ثم قادته قدماه إلى مطرح القاعدة العسكرية الأمريكية أو ما يعرف ب "زبالة المريكان"، بعدها سيدخل عوالم السياسة من خلال الحركة الشعبية بعد تأسيسها سنة 1957 من طرف المخزن نكاية في حزب الاستقلال( وعايشه في ظروف النشأة والتأسيس المحلي المرحوم الحاج ادريس البصري والد السيد عبد الخليل البصري النائب البرلماني الحالي عن حزب البيجيدي) والتي اعتمدته واحدا من أوتادها في الرحامنة. ومن قلب السياسة والنفوذ المعنوي سيبدأ في تكوين النفوذ المالي في مجالات الفلاحة وكسب الماشية والتجارة بحصوله على "بون" السكر والشاي ومحطتي البنزين ثم المطحنة فيما بعد.
مكنته معاملاته في مجال الفلاحة وكسب الماشية من ربط علاقات مهمة في عدد كبير من دوواوير الرحامنة التي استثمرها انتخابيا في المواعيد الانتخابية وكانت عائداتها أهم بكثير مما تدره عليه قطعان الماشية المنتشرة عبر عدد من العزبان التي يوكل تسييرها لأحد ساكني الدوار الذي يغدو بدوره المفتاح الانتخابي الذي يعود إليه الحاج كبور كلما دخل الفتوحات الانتخابية للجماعيات وللتشريعيات.
بسط الحاج كبور من خلال الحركة الشعبية التي يعتبر ممثلها الأسمى في الرحامنة، سيطرته على مقاليد عدد من الجماعات القروية وعلى رأسها جماعة ابن جرير، ولم تزحزحه من مكانته سوى عين المخزن سنة 1983 التي فاز فيها عبد الكبير الصغيري برئاسة المجلس قبل أن يقوم الحاج كبور ب"المتعين" ويزعزع عبد الكبير من عرش الجماعة الذي لم يعمر به طويلا، ثم سنة 1992 لما أرغم ـ وهو الذي فاز حزبه بالأغلبية ـ على ترك مقعد الرئاسة (بعد "تسوية" من وزير الداخلية ادريس البصري وامحمد العنصر) للشاب الوافد الجديد فؤاد عالي الهمة الذي ترشح لامنتميا وعزز صفه بائتلاف من أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري. كما عاود الحاج كبور وحركته نفس السيناريو خلال انتخابات 1997، ودحرت حركته حتى بعد وفاته سنة 1995 الهمة للمرة الثانية، وحاز أغلبية مقاعد المجلس الذي آلت رئاسته لنجله محمد الشعيبي بعد أن تمت المناداة على الهمة لأجل مهام أخرى في الرباط، ما جعله يترك مقعده بالمجلس شاغرا طيلة مدة الانتداب، ولم تجر انتخابات جزئية في الدائرة الثانية التي ترشح وفاز فيها كما تقضي مقتضيات الظهير المنظم للجماعات بذلك.
كان للحاج كبور كما لغيره من الأعيان في مناطق أخرى، مشروع "السيادة" الانتخابية جماعيا وبرلمانيا. وكان يبذل كل ما في وسعه وطاقته ل"ينجح" في ذلك المشروع باستعمال كل الوسائل والطرق التي توصل إلى الغاية والمراد. ولا يختلف من يعرفون الحاج كبور كونه يتمتع بصفات "مميزة" في تدبير شؤونه السياسية التي تعتمد بالأساس على الاستقطاب اليومي للأتباع و"منحهم" كثيرا مما يُرى لهم امتيازا حتى ولو كان مجرد حضور الولائم التي تقام على طول الوقت بالبيت العامر.
الزمن الانتخابي عند الحاج كبور ومعه الحركة الشعبية لما كانت لونا أصفر أو لما تحولت مع الرموز إلى خنجر ثم سنبلة، زمن متحرك ويشكل الانشغال الأول مادامت له فوائد ومغانم معنوية ومادية في نفس الوقت، تعود أغلفتها السمينة عليه، فيما يقتات الأتباع على فتات الموائد وبعض المنافع الصغيرة باستثناء من عرف مبكرا من أين تؤكل الكتف، ولم تكن رحلته مع الحركة مجرد نزهة ونزوة عابرتين، بل كانت بداية لرحلة مستقلة في عالم المال والأعمال.
لم يكن الحاج كبور يولي أهمية لما كان يقال عنه ويرمى به من أمية ونوادر تداولها خصومه وغير خصومه أثناء تواجده بقبة البرلمان أو أثناء أحاديثه ومساجلاته معهم، بل كان يستثمر كثيرا من ذكائه الفطري في توسيع قاعدته الانتخابية شغله الشاغل.
وعلى الرغم من كونه مقربا من المخزن الصغير في دائرة نفوذه على الأقل لقاء ما يغدقه على ممثلي السلطات من مال وفير بمناسبة أو بغيرها، فقد كان بحكم معرفته لذلك المخزن لا يطمئن إليه كل الاطمئنان، لأنه كغيره من جيله يؤمن أن لا ثقة في المخزن والجمل والواد والعافية.فحتى لما جاءه مرة أحد أبنائه قبيل إعلان النتائج، وأخبره أن أحد المسؤولين عن التلكس في الدائرة بشره بنجاح والده، أجابه بنبرة العارف بما يجري ويدور: سير أ ولدي الله يعاونك. أنا راني ما نثيق إلى ما سمعتها بودني من عندهم.
لا يسمح الحاج كبور لمن يعتبرهم خصومه، بأن يترك لهم مجالا لتسجيل النقط عليه، وكل عمل لا يرى فيه مصلحة مباشرة له وللحركة التي يمثلها، يبقى مشبوها إلى أن تثبت براءته. وأذكر أنه لما كنا في نادي الإقلاع السينمائي سنة 1986 نكتري قاعة سينما شهرزاد لعرض الأشرطة صبيحة كل أحد ب150 درهما، بلغه أن النادي لا يكتفي بعرض الأفلام فقط، بل يفتح نقاشا مطولا قيل له أنه يمتد حتى للسياسة، أمر مسير القاعة بطردنا ما اضطرنا إلى الانتقال إلى دار الشباب والاكتفاء بعرض أفلام فئة 16 ملم بدل 35 التي كنا نعرضها بقاعة السينما.
في المحصلة، كثيرون وهم اليوم يناصرون الجرار بعدما ناصروا بالأمس الحمامة، كانوا يضربون بالحجر من أجل الحاج كبور والحركة الشعبية، له عليهم أفضال كثيرة في تحسين أوضاعهم بتشغيل عدد كبير منهم في الجماعة كما في عدد من المصالح. كثيرون حينما ينطقون الحاج كبور وبعده ابنه الحاج محمد، ينطقونها كما تحس أنها صادرة من أعماقهم. فكما "أحسنوا" إليه بوقوفهم هم وأسرهم إلى جانبه في الانتخابات، فقد "أحسن" لكثير منهم في أن شغلهم هنا أو هناك. وعلى العكس من ذلك يرى كثيرون ممن لا يلتفتون إلى أمورهم الشخصية، ويزنون الأمور بميزان الربح والخسارة لقضايا الشأن العام، أن المرحوم الحاج كبور وبعده ابنه الحاج محمد، لم يتركوا ما يذكرهم به الناس سوى الجهل والتجهيل والانتهازية وكثير من القيم السلبية المدمرة التي كانت السلاح الوحيد للحركة في مواجهة خصومها من شراء للذمم واستغلال فقر الناس وحاجتهم للاغتناء على حسابهم والإبقاء على الجماعة في وضع اجتماعي وسياسي واقتصادي وبيئي بئيس، لم تنفلت منه الجماعة نسبيا إلا بعد أن نزلت على البلدة قوة غير طبيعية بدءا من 1992 وأعادت نفسها أكثر قوة مع 2007 بالتحديد، وجمَّلَتْ بعض المظهر إلا أنها زادت في إغراق الجوهر أكثر ما كانت عليه الحال في العهود السابقة من تضخم في جمعيات الولاء وانتشار مريع للريع من كل الصنابير المفتوحة هنا وهناك.
بعد موت الحاج كبور، لم تعد الحركة الشعبية هي الحركة حتى بعد أن فازت في الانتخابات الجماعية لسنة 1997.وسيسوء حالها أكثر بعدما وقع قبيل انتخابات 2002 الذي كان إيذانا بنهاية عهد وزمن لن يعودا، وقد ترجم ذلك بعد أن تحول الأتباع والموالون جهة الحمامة في مرحلة سابقة، وجهة الجرار في مرحلة لاحقة. ولم يعد الحاج محمد الشعيبي بعد كل المجد الذي ركب عليه على عهد والده، سوى نكرة بعد أن جفاها المقربون إلا من لازال يصاحبه على سبيل المجاملة والنفاق. ومن آلاف الأصوات في الجماعيات والتشريعيات إلى بضع عشرات بالكاد صار يحصلها الحاج محمد في الانتخابات الأخيرة جعلته يتذيل قائمة المرشحين.
ما يدوم حال.
في الصورة: الحاج كبور لحظة استقبال والسلام على الحسن الثاني بمناسبة تدشين مكتشف الفوسفاط بابن جرير.
(مع الشكر للصديق عبد الرحيم زايد على مساعدته بالصورة).

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button