معتقلات المغرب.. وأدب السجون الذي خرج من رحمها بقلم أمير عاطف

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية معتقلات المغرب.. وأدب السجون الذي خرج من رحمها بقلم أمير عاطف

معتقلات المغرب.. وأدب السجون الذي خرج من رحمها بقلم أمير عاطف

بداية، أود أن أحيطكم علمًا أن أبسط تعريف لأدب السجون؛ هو كل ما كتب داخل السجن أو المعتقل، من قِبَل أناس قابعين – ظلمًا – بداخله، أو من قِبَل كتاب يسردون قصة أحد معارفهم داخل السجن... وفي محنة كهذه، يكون الكاتب أو المعتقل محاطًا بجدران الوحدة والعزلة حتى لو كان معه مساجين آخرين، فهو بالفعل يشعر بتلك الوحدة التي تمتص منه العمر ببطأ، رغم أن الوقت بداخله صلب، عصي على المرور.

 
أدب السجون؛ هو كل ما كتب داخل السجن أو المعتقل، من قِبَل أناس قابعين – ظلمًا – بداخله، أو من قِبَل كتاب يسردون قصة أحد معارفهم داخل السجن.

يبدأ السجين هنا بالتدوين، تدوين كل شيء يراه، ويحدث له، ويشعر به. وإن أراد المرء تقدير قيمة مصطلحات قد تمر أمامه مرور الكرام كالحياة، الحرية، الانطلاق، البراح. فيجب عليه قراءة أدب السجون، والذي يصف، وبدقة. المعاني والمرادفات الحقيقية لتلك المصطلحات.

من بين عشرات الكتب والروايات التي قرأتها في أدب السجون، كان هناك معتقلاً خرج من رحمه إحدى أشهر وأروع أعمال أدب السجون. ألا وهو معتقل تزممارت، أحد أكثر صفحات التاريخ المغربي قتامة، وأشهر معتقل في تاريخها. والذي يقع على أطراف الصحراء الشرقية المغربية.أنشيء في أغسطس 1973 وأغلق في سبتمبر 1991 . وقد احتضن بداخله معظم نشطاء الفترة المسماة بسنوات الرصاص.

والطريف هنا، بل والموجع أيضًا. أنه حين سأل أحد الصحفيين الأجانب، الملك المغربي حسن الثاني، ملك المغرب السابق. عن سجن تزممارت، فأجاب: "هذا السجن لا وجود له إلا في خيال أعداء الديمقراطية في المغرب..!"

خرج الكثير من الأعمال الأدبية التي تصف سجون ومعتقلات المغرب، أرشح لكم أكثرهم تأثيرًا، ليس فيَّ فقط، ولكن في الكثيرين.

1ـ تلك العتمة الباهرة ـ الطاهر بن جلون
وهو كاتب وشاعر مغربي، ويتحدث هنا في هذه الرواية عن قصة السجين عزيز بنبين في معتقل تزممارت،  الزنزانة (ب) والذي تم اعتقاله مع مجموعة آخرين حاولوا الانقلاب على الملك الحسن الثاني، ذلك الانقلاب الشهر الشهير المسمى "الصخيرات" أو انقلاب 1971. والتي باءت بالفشل. وتم إعدام عشرات الضباط، أما الناجين قد وجدوا أنفسهم في معتقل تزممارت الواقع على أطراف الصحراء الشرقية.

هذه الرواية هي إحدى الروايات الكابوسية بحق، وقد استطاع الكاتب وصف كل شيء عانى منه البطل داخل هذا السجن الموحش الذي يموت فيه قاطنيه ألف مرة. وكان عددهم 58 معتقلاً. وقد وصف الزنزانة، أو القبر كما أسماه، قائلاً:
 "كان القبر زنزانة يبلغ طولها متر ونصف أما سقفها فواطئ جدا يتراوح ارتفاع بين مائة وخمسين ومائة ستين سنتيمترات، ولم يكن بإمكاني أن أقف فيها"

ولعل الجملة الأكثر تأثيرًا فيَّ أثناء قراءة هذه الرواية، والتي بقدر بساطتها لكنها عميقة:
"كم هو صعب أن نموت ، حين نُريد الموت ".

2 ـ السجينة ـ مليكة أوفقير، ميتشيل فيتوسي
في العام التالي لانقلاب الصخيرات 1971 والذي انتهى بالفشل، جاءت محاولة انقلاب أوفقير، أو عملية بوراق ف 5 ، قام به الجنرال، وزير الدفاع المغربي محمد أوفقير، والذي باء أيضًا بالفشل وتم بعدها إعدامه. وليس ذلك فقط، وإنما أيضًا سُجِنت عائلته قرابة عشرين عامًا؛ زوجته فاطمة وأولادها الستة، من ضمنهم مليكة أوفقير...

تحكي ميتشيل فيتوسي على لسان مليكة – ابنة الجنرال الحسناء - في هذه الرواية تحوّل حياتها "كأميرة" من الترف والبذخ حيث نشأت في القصر الملكي وتربت فيه، إلى حياتها "كمعتقلة" و الإقامة الجبرية التي كانت فيها ومن بعدها السجن والاعتقال وما لاقته بداخله. وأنها تيتمت مرتين، الأولى حين مات والدها، والثانية حين تحول والدها بالتبني "محمد الخامس" إلى جلاد. قائلة:
"كيف لأبي أن يحاول اغتيال من ربّاني، وكيف للأخير الذي طالما كان لي أبًا آخر أن يتحول إلى جلّاد؟!"
السجينة، هي رواية واقعية جديرة بالقراءة.

3 ـ تزممارت  "الزنزانة رقم 10" ـ أحمد المرزوقي
وهنا في هذه الرواية، شهادة أخرى بداخل هذا السجن، من أحمد المرزوقي، أحد المتورطين بانقلاب 1971 ، وقد كتب هذه الرواية واصفًا فيها ما لاقاه وما عاناه وعاينه داخل هذا القبر. وقد كان وصفه دقيقًا إلى الدرجة التي جعلتني أشعر تمامًا وأنني أحد المعتقلين بداخله. وجاء السرد رائعًا واصفًا بدقة.

ومن أروع الاقتباسات التي قرأتها في هذه الرواية، حين يقول المرزوقي:
"إذا كنّا سنخرج من هذا القبر لنعيش في الذل والمهانة، ولنشحذ شفقة الناس ورحمتهم. فأحرى بنا ألف مرة أن نموت هنا.. في الصمت والكرامة".

 
من بين عشرات الكتب والروايات التي قرأتها في أدب السجون، كان هناك معتقلاً خرج من رحمه إحدى أشهر وأروع أعمال أدب السجون. ألا وهو معتقل تزممارت.

4 ـ تزماموت ـ عزيز بينيبن
كاتب هذه الرواية هو بطل رواية تلك العتمة الباهرة، ولكن هنا هو الذي يحكي بنفسه كم الذل والهوان والتجاهل الذي لاقاه في تزمامرت... وحين تقرأ هذه الرواية تظن أنك ستجد كل ما وصفه الطاهر بن جلون، ولكن القارىء سيكتشف وجه آخر للحقيقة... فالحقيقة – غالبًا – ما تكون بعدة أوجه... خصوصًا حينما تحدث بين أربعة جدران صماء. وقد أدركت بعد الانتهاء من هذه الرواية أن مجرد تخيل هذا السجن، قد يصيبني فعلاً بالجنون

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button