‘’أنت الأول على لائحة المغادرين حين يتعلق الأمر بالحفاظ على النواة الصلبة... ليس لأنك الأسوأ، وليس لأنك الأقل دماثة خلق، وليس لأنك الأقل كفاءة، لكن لأنك لا تعرف الزعيق ولا السباب ولا الغلظة لأنك الأقرب إلى الأخلاق والأبعد حقا عن الدفاع عن نصيب من الكعكة لنفسك لأنك مترفع عن السفاسف... إلى اليوم، لم يستطع مقيلوك من الأمانة العامة أن يقنعوا أحدا بأن من عوَّضك فيها أحق بها..’’
بهذه الكلمات وصف الشاعر المغربي والقيادي السابق في حزب الأصالة والمعاصرة، صلاح الوديع، وزير الخارجية السابق والأمين العام السابق للعدالة والتنمية سعد الدين العثماني، حين خرج يوم 10 أكتوبر 2013 من النسخة الأولى لحكومة ما بعد انتخابات 2011، وخسارته قبل ذلك في المؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية، الذي فاز به عبد الإله بنكيران.
وكأن هذه الكلمات التي خطها صلاح الوديع سنة 2013 استشرفت ما سيحدث اليوم الجمعة 17 مارس 2017، لتؤكد أن سعد الدين العثماني ليس أقل أحقية بقيادة الحزب من الأمين العام الحالي عبد الإله بنكيران، الذي تعذر عليه تشكيل الحكومة بعد خمسة أشهر من تعيينه من قبل جلالة الملك، قبل أن يتم اليوم الجمعة تعيين العثماني رئيسا للحكومة بدلا من بنكيران، وتكليفه بتشكيل الائتلاف لحكومي.
إعلان تعيين جلالة الملك محمد السادس العثماني رئيسا للحكومة جاء في وقت كان فيه مناضلو العدالة والتنمية والمتتبعون للشأن السياسي بالمغرب يأملون أن تكون الشخصية الجديدة التي سيعينها جلالة الملك من الحزب هي سعد الدين العثماني، نظرا للصورة الطيبة التي تركها العثماني لدى الجميع، منذ دخوله المشهد السياسي.
قراءة سيرته ومسيرته العلمية والحركية ومعرفة رؤيته السياسية.. كل هذا كفيل إذا وضع في السياق الراهن للمغرب بأن يؤكد على أن الرجل هو ‘’فرس الرهان القادم’’، وحامل المفاتيح التي يمكنها فك شفرات المشهد السياسي الغارق في القلق وترقب الانتظار.
سعد الدين المولود في يناير 1956 هو ابن لعائلة أمازيغية عريقة من مدينة إنزكان المجاورة لأكادير، وهي عائلة وصفها العلامة محمد المختار السوسي بأنها ثانية أسرتين في المغرب تسلسل فيهما العلم أكثر من ألف سنة، وأفرد لترجمتها نحو 160 صفحة في كتابه الموسوعي "المعسول"، عدد فيها مناقبها في العلم والوطنية.
وراكم العثماني تكوينا أكاديميا عالي المستوى يمزج بين الطب وعلوم الشريعة، إذ حصل على الدكتوراه في الطب العام بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء (1986)، ودبلوم التخصص في الطب النفسي بالمركز الجامعي للطب النفسي، بالمدينة ذاتها (1994)، قبل أن يلتحق للعمل بمستشفى الأمراض النفسية بمدينة برشيد (1994 – 1997).
ودخل معترك الحياة السياسية مع عدد غير قليل من أبناء حركة "التوحيد والإصلاح" من بوابة حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بقيادة الدكتور عبد الكريم الخطيب، بعدما اقتنعوا أن العمل السياسي باب من أبواب الإصلاح والتغيير من داخل العمل القانوني والمؤسساتي.
وشغل العثماني مناصب متعددة، ففي المجال المهني عمل طبيبا عاما قبل أن يتخصص في الطب النفسي بالمركز الجامعي للطب النفسي بالدار البيضاء، ثم بمستشفى الأمراض النفسية بمدينة برشيد جنوبي الدار البيضاء.
كما يعتبر العثماني عضوا بالمكتب التنفيذي لجمعية علماء دار الحديث الحسنية منذ 1989، وعضو مؤسس للجمعية المغربية لتاريخ الطب، وعضو مكتب مؤسسة الحسن الثاني للأبحاث العلمية والطبية حول رمضان، ومسؤول اللجنة الشرعية بها.
وفي المجال الدعوي شارك العثماني في تأسيس "جمعية الجماعة الإسلامية" وكان عضوا في مكتبها الوطني خلال الفترة ( 1981-1991) ثم عضو المكتب التنفيذي لحركة "التوحيد والإصلاح" (1991-1996).
وفي المجال السياسي، تولى إدارة حزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية (العدالة والتنمية لاحقا) من يناير 1998 إلى نوفمبر 1999 حيث أصبح نائبا لأمينه العام.
وانتخب العثماني لعضوية مجلس النواب في الولاية التشريعية 1997-2002 ثم في الولاية 2002-2007، والولاية 2007-2011، كما تقلد العثماني منصب نائب رئيس لجنة الخارجية بمجلس النواب (2001-2002).
وانتخب العثماني سنة 2004 أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، ورئيسا للمجلس الوطني للحزب مند يوليو 2008، وانتخب للمرة الرابعة في مجلس النواب في الانتخابات السابقة لأوانها في 25 نوفمبر 2011.
وتولى حقيبة وزارة الخارجية والتعاون في حكومة عبد الإله بنكيران الأولى في يناير عام 2012 بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى بـ107 مقاعد في مجلس النواب، قبل أن يغادر المنصب في النسخة الثانية للحكومة يوم 10 أكتوبر 2013.
وكانت للعثماني إسهامات فكرية غزيرة، حيث ألف عددا من الكتب جمعت بين الفقه الشرعي والسياسي وهي: "في الفقه الدعوي: مساهمة في التأصيل" (1989) و"في فقه الحوار" (1993) و"فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام ابن تيمة" (1997) و"قضية المرأة ونفسية الاستبداد" (1998). و"تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، الإمامة: الدلالات المنهجية والتشريعية" و"الدين والسياسة: تمييز لا فصل".
لست ربوت