1- التعليم والنشأة
ولد محمد بن عبد الكريم الخطابي بمدينة أجدير شمال شرق المغرب سنة 1882. وكان والده من كبار القبيلة، إذ كان يشتغل قاضياً.
زاوج الخطابي في تعليمه بين المدرسة التقليدية، إذ كان يتعلم اللغة العربية ويحفظ القرآن، وبين المدرسة الإسبانية وانفتاحه على العلوم الإنسانية الأخرى.
انتقل للدراسة في جامعة القرويين بفاس، إحدى أعرق المدارس التعليمية بشمال أفريقيا، ثم إلى إسبانيا، التي قضى فيها 3 سنوات.
2- نقطة التحول
اشتغل محمد الخطابي ما بين 1908 و1915 معلما وصحافيا بيومية "تيليغراما ديل ريف"، ومكنه إتقانه للغتين الإسبانية والعربية من العمل مترجماً لدى الإدارة الإسبانية، إذ أوهمه الإسبان بحسن نيتهم وبرغبتهم في خدمة البلد.
عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906، ودخل المغرب بموجبه تحت سلطة الحماية. وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى، اتهم الإسبان الخطابي بالتخابر مع ألمانيا، ليتم حبسه سنة 1917، ما جعله يعيد النظر في موقفه من نوايا المستعمر ويقرر المقاومة ضده.
وبعد سنة من السجن، تمكن من الهرب وعاد إلى مدينة أجدير، ليبدأ في حشد وتوحيد القبائل المتواجدة بالريف، قصد التمهيد للحرب ضد المستعمر.
3- انتصارات الخطابي
لاحظ الخطابي زحف القوات الإسبانية على أراضي شمال المغرب، فأرسل إليهم محذراً من أن تطأ أقدامهم "وادي أمقران"، وهي الرسالة التي استهزأ بها الجنرال الإسباني "سيلفستر فرناندنز".
وفي أواخر ماي 1921، حاول الجنرال محاصرة الموقع، ليتصدى له الخطابي وجنوده ويلحقوا به أول هزيمة
عاد الجنرال الإسباني لحشد جنوده وجمع عتاده من الأسلحة المتطورة من أجل التقدم والمهاجمة ثانية. وفي 21 يوليو من العام نفسه، جمع الخطابي حوالي 3000 من جنوده لمواجهة جيش كامل من 60 ألف مقاتل، ليبدع الخطابي ويطبق فناً من فنون الحرب هو "حرب العصابات".
وفي ظرف 5 أيام، نجح الخطابي ورفاقه في إرهاق الجيش الإسباني، ثم الانقضاض عليه ليلحقوا به إحدى أكبر الهزائم في تاريخه في "معركة أنوال".
4- الخسارة والمنفى
بعد انتصار الخطابي على إسبانيا، ونجاحه في توحيد صفوف القبائل الريفية شمال المغرب، أسس لبناء إمارة مستقلة في الريف، دامت 5 سنوات (1921 -1926)، لتتعدى رمزيته حدود شمال أفريقيا.
وأمام هذا الوضع، عقدت إسبانيا تحالفاً مع كل من فرنسا وبريطانيا لتصفية الخطابي، وتمت محاربة الريف سنة 1925 بأزيد من 450 ألف مقاتل، واستعملت أسلحة ومواد كيميائية محظورة.
اقتنع الخطابي بعدم قدرة المقاومة على الصمود، فجلس إلى طاولة التفاوض، وكانت نتيجة ذلك أن تم نفيه إلى جزيرة "لاريونيون" 1926 رفقة بعض أفراد أسرته، ليمكث هناك لأكثر من 20 عاماً.
5- التحرر، ثم الموت
في ماي 1947، صدر قرار بترحيل الخطابي إلى مدينة مارسيليا جنوب فرنسا، وفي رحلته على متن الباخرة "كاتومبا" تمكن من الهرب، بمساعدة من الحكومة المصرية، مع توقف الباخرة بقناة السويس، ليستفيد من اللجوء السياسي الذي منحه إياه الملك فاروق، ملك مصر.
وعاش الخطابي ما تبقى من حياته في مصر، إذ كان رمزا "للشعوب الثائرة والمتحررة"، وظل يدافع عن الاستقلال التام للمغرب ويحلم بتحرير الجزائر، إلى أن وافته المنية عام 1963 عن عمر يناهز 80 سنة.
ورغم مرور 55 سنة عن رحيله، ما يزال محمد بن عبد الكريم الخطابي، أحد الأبطال المغاربة الذين تعدت سمعتهم ونضالهم من أجل الوطن كل الحدود.
المصدر: أصوات مغاربية