لمحة عن تاريخ العمل النّقابي بالمغرب

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية لمحة عن تاريخ العمل النّقابي بالمغرب

لمحة عن تاريخ العمل النّقابي بالمغرب

تعتبر اليد العاملة من العناصر المهمة لحركة العجلة الاقتصادية، و تتجلى أهمية هذا العنصر من خلال عاملين اثنين:
- الأول: هو وظيفتها الإنتاجية.
- الثاني: هو حجمها العددي.
هذان العاملان يمنحان اليد العاملة أهمية محورية في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية لأي بلد.
غير أنّ تعارض مصالح اليد العاملة في علاقتها بمصالح أرباب العمل، يخلق حالة من الصراع بين الطرفين. و من أجل خوض هذا الصراع من موقع قوّة، يتكتل العمّال في إطارات تسمّى "النقابات".
و يمكن تعريف التنظيم النقابي بأنه:>> مجموعة من الأفراد يشتركون في وحدة المهنة بصرف النظر عن تصوراتهم السياسية و الايديلوجية <<.
و قد سارع المغرب منذ بداية الاستقلال إلى تقنين العمل النقابي، من خلال إصدار ظهير 24 يوليوز 1957 بشأن النقابات المهنية، الذي يعتبر أول مبادرة في هذا الإطار.
ثم جاءت الوثيقة الدستورية بعد ذلك لتجعل من العمل النقابي حقا دستوريا؛ و هكذا نصّ الفصل الثالث من الدستور على أنّ المنظمات النقابية تساهم في تنظيم المواطنين و تمثيلهم، إلى جانب الأحزاب و المجالس الجماعية و الغرف المهنية. كما ضمن الفصل التاسع من الدستور حريّة الانخراط في أية منظمة نقابية.
غير أنّ العمل النقابي بالمغرب ليس وليد فترة الاستقلال، و إنّما يعُود إلى مرحلة سابقة، و بالضبط مرحلة الحماية؛ فالمغرب لم يعرف العمل النقابي قبل سنة 1912، لكن بعد معاهدة الحماية ستظهر مجموعة من النقابات، أُسست بالخصوص من طرف موظفي إدارة الحماية، و بالتالي فإنّ العمل النقابي خلال هذه الفترة كان يغلب عليه العنصر الفرنسي.
و سيكون تأسيس الإتحاد العام للنقابات الكونفدرالية بالمغرب بتاريخ : 05 مارس 1944 بداية مغربة العمل النقابي في ظلّ الاحتلال الفرنسي، من خلال انتخاب مجموعة من المغاربة في مراكز قيادية داخل هذه النقابة. و قد كان الحزب الشيوعي المغربي، الذي يسيطر على هذه النقابة، يولي أهمية خاصة للنضال النقابي، عكس باقي مكونات الحركة الوطنية التي أهملت النضال النقابي لصالح النضال السياسي.
و يفسّر ذ. ألبير عياش، في كتابه حول الحركة النقابية بالمغرب، إهمال قيادة الحركة الوطنية للنضال النقابي بسبب جذورها الاجتماعية و طابعها البورجوازي، و بالتالي تعارض مصالحها مع مصالح الطبقة العاملة.
غير أنّ هذا التفسير ربما يُغفلُ كون الحركة الوطنية، خلال هذه الفترة، كانت لها عدة ملاحظات على العمل النقابي بالمغرب، الذي تَميَّزَ:
- بهيمنة العنصر الفرنسي المستعمر.
- ارتباط العمل النقابي بالمغرب بمركزيات نقابية فرنسية.
- مساندة بعض النقابات لما أسمته >> الدور الحضاري لفرنسا بالمغرب <<، كما ورد في بيان تأسيس فرع CGT بالمغرب سنة 1930.
هذه العوامل ساهمت في عدم انخراط الحركة الوطنية في العمل النقابي من خلال الإطارات النقابية المحسوبة على فرنسا.
التطور المهم في تاريخ الحركة النقابية بالمغرب سيكون بتاريخ 20 مارس 1955: تاريخ تأسيس الإتحاد المغربي للشغل، الذي يعتبر أول مركزية نقابية مغربية 100٪. و يرى ذ. محمد ظريف أنّ حزب الاستقلال هو المؤسس الحقيقي لهذه المركزية النقابية.
بعد الانشقاق الذي وقع داخل حزب الاستقلال، و تأسيس الإتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959، ستلتحق قيادة الإتحاد المغربي للشغل بالحزب الجديد، الأمر الذي سيردّ عليه حزب الاستقلال بتأسيس مركزيته النقابية الإتحاد العام للشغالين بالمغرب بتاريح مارس 1960.
غير أنّ حبل الودّ بين الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و الإتحاد المغربي للشغل سرعان ما سينقطع، عندما رفع الإتحاد المغربي للشغل شعار الاستقلالية في علاقته بالأحزاب السياسية سنة 1961، الأمر الذي رفضه بشدّة حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، واصفًا الإتحاد المغربي للشغل بالانتهازية و النقابة الخبزية بفصلها النضال النقابي عن النضال السياسي.
و من نتائج توتّر العلاقة بين الطرفين، خروج مجموعة من النقابات القطاعية، خصوصا التعليم و البريد، من الإتحاد المغربي للشغل، و التي ستكون هي النواة الأولى لتأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي عقدت مؤتمرها التأسيسي بتاريخ : 28 نونبر 1978. هذه النقابة ستتميز بقربها من حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، إلى حدود المؤتمر السادس لهذا الحزب، الذي سيعرف انسحاب قيادة الكونفدرالية، التي ستعرف بدورها انشقاقا أسفر عن تأسيس الفدرالية الديمقراطية للشغل القريبة من الإتحاد الاشتراكي.
و من المنظمات النقابية التي أصبحت تلعب دورًا مهمًا في المشهد النقابي بالمغرب، نقابة الإتحاد الوطني للشغل بالمغرب، المحسوبة على حزب العدالة و التنمية، و يعود تأسيس هذه النقابة إلى سنة 1973 بمبادرة من عبد الكريم الخطيب كقطاع مواز لحزب الحركة الشعبية الدستورية الاجتماعية، الذي سيتحول اسمه فيما بعد إلى حزب العدالة و التنمية.
و قد أسس عبد الكريم الخطيب الإتحاد الوطني للشغل بالمغرب بناءََ على مرجعية إسلامية، و يتجلى ذلك من خلال رفع الآية الكريمة:>> و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا<< كشعار للنقابة، بدل الشعار المعروف في أدبيات اليسار: يا عمال العالم اتّحدوا.
و قد ظلّ الإتحاد الوطني للشغل بالمغرب على الهامش منذ تأسيسه سنة 1973 إلى حدود سنة 1996، تاريخ التحاق إسلاميي حركة التوحيد و الإصلاح بحزب عبد الكريم الخطيب.
ستتميز علاقة هذا الطيف النقابي بالسلطة بالتوتر و الصدام، و إن بشكل متفاوت من نقابة لأخرى، لكن بشكل عام كانت علاقة الطرفين علاقة صراع عنيف. و في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى الإضراب العام لـ20 يونيو 1981 الذي خلف مجموعة من الضحايا بمدينة الدار البيضاء، و الإضراب العام ليوم الجمعة 14 دجنبر 1990 الذي عرف بدوره أحداثا مأساوية في مدينة فاس و طنجة ...
لكن مع منتصف التسعينات، ستتغير علاقة النقابات بالسلطة، و ستتراجع الحركات الاحتجاجية التي تقودها النقابات لصالح الحوار الاجتماعي، الذي أصبح هو الإطار الذي تحاول من خلاله النقابات ممارسة دورها الرقابي على العمل الحكومي.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button