حدائق أصيلة المغربية.. عنوان وفاء لمثقفين ارتبطوا بها

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية حدائق أصيلة المغربية.. عنوان وفاء لمثقفين ارتبطوا بها

حدائق أصيلة المغربية.. عنوان وفاء لمثقفين ارتبطوا بها


مدينة أصيلة المغربية تشتهر بحدائقها وفعاليات موسمها الثقافي الدولي الذي ينعقد كل عام (غيتي) - حديقة الشاعر والقاص المغربي أحمد عبد السلام البقالي - حديقة الروائي السوداني الطيب صالح - حديقة الشاعر الفلسطيني محمود درويش ({الشرق الأوسط})
أصيلة (المغرب): عبد الكبير الميناوي
توصف أصيلة المغربية بأكثر من لقب، بينها أنها «مدينة الفنون» و«عروس البحر» «ومدينة القلب» و«جنة الألوان». كما تعرف بحدائقها التي أخذت أسماء عدد من رموز الثقافة والإبداع الأدبي، في المغرب والعالم العربي وأفريقيا، الذين اعتادوا زيارتها منذ 1978، تاريخ انطلاق فعاليات موسمها الثقافي الدولي.
ويرجع فضل تهيئة وتسمية هذه الحدائق إلى القائمين على تنظيم «موسم أصيلة الثقافي الدولي»، الذين عملوا على مدى دوراته السابقة على افتتاح هذه الحدائق، بشكل يمنح حدث تسمية حديقة أبعادًا ودلالات تكرس ثقافة الاعتراف والتقدير لمن أغرتهم «أصيلة» وفتنتهم حتى هاموا بها، فضلا عن غرس قيم الجمال لدى أجيال الغد من أبناء المدينة. ولعل من الملاحظات الجميلة التي تستوقف زائر أصيلة أن تتجاور، ضمن مساحات متقاربة، حدائق بأسماء عدد من كبار الأدب والفن والثقافة، الذين مروا من أصيلة، فارتبطت بهم المدينة في «علاقة نادرة بين المكان والزمان»، نجد بينها أسماء الشاعر الفلسطيني محمود درويش والروائي السوداني الطيب صالح والشاعر العراقي بلند الحيدري والمفكر المغربي محمد عابد الجابري والقاص والشاعر المغربي أحمد عبد السلام البقالي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي والشاعر الكونغولي تشيكايا أوتامسي.
* «مدينة الفنون».. شهادات من مثقفي العالم
ويمكن القول إن الشهادات المنشورة لعدد من مثقفي العالم، الذين شاركوا في فعاليات موسم أصيلة، منذ إطلاقه، تلخص لتلك العلاقة الدافئة التي جمعتهم بالمكان وأهله. ومن بين تلك الشهادات، نكون مع تشيكايا أوتامسي، الذي كتب عن أصيلة: «هي مدينة. الفن سيد مصيرها، وسيد شارعها. تولد رغبة عارمة في أن تتحول الحياة إلى عيد يحتفى به في كل وقت. ولجميع الأسباب. أصيلة أحبها حبا هو الهيام. أصيلة، لا أتوقف عن الرجوع إليها واستعادة مذاق السكينة والصبر. بلدة سرعان ما تعرف خفاياها مثل قلب تحبه، مع ذلك لا تتوقف عن التماس الدليل على أنك ما زلت محبوبًا. والبرهان في ضوء جدرانها الكلسية البيضاء. الشمس تعطيها مذاق الحلوى. هنا تحس شهوة عارمة للحياة، تشتهي أن تكون قطة تطلب لطف الملامسة. جدران أصيلة نشيد هامس للأيدي التي شكلتها».
من جهته، لم يخف الشاعر العراقي بلند الحيدري عشقه للمدينة المغربية وإعجابه بتجربة وقيمة موسمها الثقافي الدولي.
وكان شيئًا جميلاً أن يضمن عشقه وإعجابه قصيدة رائعة هزت وجدان كل من قرأها، أعطاها عنوان «وأصيلة إذ تحيا.. أحيا»، قالها في رثاء تشيكايا أوتامسي، نقرأ في بعض مقاطعها: «لوّح لي بيديه.. ومضى / ولمحتُ دموعًا بيضًا تومض في دكنة عينيه / ولكني لم أدرك معناها / (...) / لكن تشيكايا لوح لي بيديه.. ومضى / وأصيح.. أصيح.. ترد الريح / تشيكايا / لا تمض / يا من أحببت بوهجك كل الأرض / لا تمض / فأصيلة قد كبرت.. صارت أجمل من كل صبايا / الدنيا / وأصيلة إذ تحيا.. نحيا / صارت تفهم سر الدمعة والضحكة في عينيك / وصارت تعرف من قطع كل أصابعي العشر / ومن ألقى في النهر بعمري / ومن داس رؤايا / صارت تكتب شعرًا.. ولمن ستغني / حفظت كل حكايات الإنس / وكل حكايات الجن / وصارت شيئًا منك وشيئا مني / وصارت تعرف أن العم تشيكايا من بعض صباها / تؤمن أن تشيكايا لن ينساها / لكن تشيكايا / لوح لي ولها ومضى في العتمة حتى أقصى / أمداها / هل مات تشيكايا؟! / (..) / لا لم أسأل / أتململ في الحرف لأحرج هذا الصمت / لأحرج هذا الموت / فأنا أعرف / وأصيلة تعرف.. أنك ما متّ / وستأتي في هذا الصيف، وبألفي طيف / وستأتي في الصيف القادم.. لا بد وأن تأتي / وكما كنت كبيرًا / وكما أنت.. كبير.. أكبر من كل الموت / هل مات تشيكايا؟! / لوح لي بيديه وقال: سآتي / فأصيلة بيتي / وستبقى بيتي / وأصيلة إذ تحيا.. أحيا / وستبقى أكبر من أن تبحث عني في رجل ميت».
من جهته، قال الطيب صالح، في عشق أصيلة: «هذه المدينة السحرية تغلغلت في كياني. ولا شك أن الناس سيذكرون من بعد، عندما تنتهي رحلة الحياة أنني كنت أحد الذين ارتبطوا بها».
* «جنة ألوان» مفعمة بالعشق والوفاء
وشكلت لحظات افتتاح حدائق أصيلة، بعد تهيئتها وتسميتها، فرصة لإبراز علاقة العشق والوفاء التي ربطت عددا من كبار مثقفي العالم مع «المدينة اللوحة». وقال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة «منتدى أصيلة»، . وعمدة أصيلة، لحظة افتتاح حديقة محمود درويش (1941 _ 2008): «وفاء منا لروح الشاعر العربي الكبير، اخترنا، في بلدية أصيلة، أن نعطي اسمه لإحدى حدائق مدينتنا. يتضمن اختيارنا إشارة إلى جزء خفي في شخصية محمود درويش، لم نتحدث عنه كثيرًا، يتعلق بمحمود درويش الطفل، والذي ظل يخفي في جوانبه طفولة عاشها بأفراحها وأتراحها، ولذلك اخترنا أن تكون الحديقة خاصة بالأطفال، بحيث يكون في مقدورهم المرح مع روح الشاعر الراحل». وختم بن عيسى كلمته، بالقول: «سيتوقف رواد الحديقة، وقد أصبحت مزارًا للباحثين عن الهدوء والسكينة، أمام هذا الاسم الشامخ، وستسأل أجيال، بعدنا: لماذا سمّت مدينتنا هذا المكان الجميل باسم محمود درويش؟ وسيكون عليهم أن يبحثوا عن الجواب في سجل مدينتهم الثقافي، وسيدركون، حينئذ، لماذا تبادلت أصيلة العشق مع عاشق فلسطين». كما استعاد بن عيسى ظروف أول زيارة قام بها محمود درويش إلى المدينة، عام 1979: «زيارة مرجعية في ذاكرة أصيلة»، يقول بن عيسى، قبل أن يضيف: «افتقدنا في درويش الإنسان الممتع اللطيف المعشر، والمبدع المجدد باستمرار، الحاذق لأدواته. وودعنا معه طراز المثقف العضوي، المسكون بقضية شعبه وأمته».
ويقرأ زوار حديقة محمود درويش، في اللوحة الرخامية المثبتة على النصب التذكاري: «رائد الشعر الفلسطيني الحديث. ربط إبداعه بالثورة وتحرير وطنه وشعبه. من مواليد قرية البروة بالجليل شمال فلسطين. مارس الكتابة والنشر في عدة صحف، كما شارك في تحريرها. توفي في هيوستن بالولايات المتحدة يوم 9 أغسطس (آب) 2008، وشُيع في جنازة وطنية مهيبة حيث ووري الثرى في رام الله بفلسطين». وعلى جانب من اللوحة كانت هناك قصيدة «يطير الحمام» وعلى الجانب الآخر مقطع يقول «أعدي لي الأرض كي أستريح.. فإني أحبك حتى التعب.. صباحك فاكهة للأغاني وهذا المساء ذهب».
بالنسبة للطيب صالح (1929 _ 2009)، اختارت بلدية أصيلة أن تطلق اسمه على حديقة، كانت «مصلى»، تقع على بعد خطوات من حديقة الشاعر الفلسطيني الكبير، كان الكاتب السوداني الراحل، الذي يوصف بالكاتب الكبير والشخص النبيل، قد أدى فيها صلاة عيد الأضحى، عام 1981. ونقرأ في لوحة النصب التذكاري الخاص بالأديب السوداني الكبير: «كاتب وروائي وقاص مجدد، من مواليد قرية كرم كول شمال السودان. صنفت رائعته (موسم الهجرة إلى الشمال) ضمن أفضل مائة رواية عالمية. واظب على حضور مواسم أصيلة من 1980 إلى 2006. توفي يوم 20 فبراير (شباط) 2009 في لندن، وشيع إلى مثواه الأخير بالسودان في موكب جنائزي وطني مهيب».
غير بعيد عن حديقة محمود درويش، عند مدخل المدينة القديمة، يكون الزائر مع نصب يحمل اسم بلند الحيدري، مع تقديم ومقطع شعري، نقرأ فيه: «مبحر إلى آخر نقطة / ضوء في عينيه / يمد يديه يقول: / انتظري يا نجمة فجري.. ها أنذا آت / من آخر ما تملك / مرآتي من ذكرى». وعلى يسار حديقة الحيدري، نكون مع حديقة تشيكايا أوتامسي (1931 - 1988). وفي الطريق الرابط بين حدائق الطيب صالح ومحمود درويش وبلند الحيدري وتشيكايا أوتامسي، نكون مع حديقة تحمل اسم المفكر المغربي محمد عابد الجابري (1935 _ 2010). ونقرأ في لوحة النصب التذكاري: «مفكر وفيلسوف مغربي من مواليد مدينة فكيك. درس في المغرب وسوريا. مناضل سياسي في حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي. أستاذ كرسي الفلسفة في جامعة محمد الخامس. ألف في مجالات الفلسفة والفكر والتربية. صاحب مشروع تجديد العقل العربي. له حضور مميز في المحافل الفكرية العربية والدولية، حيث ترجمت الكثير من أعماله».
* أبناء أصيلة رواد الثقافة المغربية
ولأبناء أصيلة، نصيب من الوفاء والتقدير في مدينتهم، حيث نكون مع حديقة الشاعر والكاتب أحمد عبد السلام البقالي (1932 _ 2010)، التي توجد في مقابل حديقة الجابري. ونقرأ في لوحة النصب التذكاري: «أديب وقاص من مواليد مدينة أصيلة. درس في المغرب ومصر والولايات المتحدة. من رواد التجديد في القصة القصيرة والكتابة للأطفال. أحد رواد الحركة الشعرية الحديثة في المغرب. فاز بعدة جوائز أدبية. عمل بسفارة المغرب في واشنطن ولندن وعين مكلفا بمهمة في الديوان الملكي».
وغير بعيد عن هذه الحدائق، وعند مدخل مكتبة الأمير بندر بن سلطان، يكون زائر المدينة مع حديقة تحمل اسم الفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي (1922 _ 1993)، الذي كتب، قائلاً «إن كل ثقافة، إنما تنمو وسط ثقافات مختلفة ومجموع الثقافات العالمية بمثابة التربة الضرورية لنمو كل واحدة منها، وهذه التربة هي الحضارة الإنسانية». والمثير في علاقة أصيلة بالمثقفين والمبدعين أنها لم تحصر أسماءهم على الحدائق، فقط، حيث نكون مع ساحات وشوارع وأزقة تحمل أسماء مفكرين ومبدعين، من داخل المغرب ومن خارجه، من القدماء والمحدثين.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button