مـدخــــــــــــــــل
الشعر الحر: عرف الوطن العربي عدة موجات تحرر بعد الحرب العالمية 2, حيث تطلعت الشعوب إلى الحرية و العدالة, مما زاد من حماس الشعر العربي الحديث في الثورة على المقاييس الموروثة التي تحول دون تطوره في مواكبة متطلبات الحياة الجديدة. فظهر إزاء ذلك شعر جديد سمي بـ "الشعر الحر" على يد الشاعرة العراقية "نازك الملائكة" التي دعت إلى تحطيم القيود الفنية الموروثة في الشعر و كسر رتابة البيت التقليدي مع الإستعانة ببعض التفاصيل العروضية القديمة في إحداث شعر جديد يمنح الشاعر المعاصر قدرا أوفر من التعبير, حيث استبدلت نظام الشطرين بنظام السطر الشعري, و كسرت نظام القافية الموحد و الثابت, فربطت القافية بمعاني القصيدة و برؤيا الشاعر الخاصة, فضلا عن حصر الخصائص الإيقاعية للشعر الحر في "التفعيلة" التي تعد أساس الشعر العربي القديم.
شعر الرؤيا: استمر التجديد في الشعر العربي, و لم يقف عند حدود بنية الشعر, بل تعداه إلى المنعى, إذ ظهر في هذا السياق شعر جديد يدعى "شعر الرؤيا" الذي يعبر عن موجة إبداعية جديدة و تعبير خاص يرتبط برؤيا الشاعر الذي يقرأ قضايا عصره من زاويتها و لا يستند فيها إلى الحقائق المتعارف عليها بين الناس, بل يوظف طاقاته و قدراته التخييلية في تشكيل موقف جديد من العالم و الأشياء, و خلق و نسج عالم جديد يمتزج فيه الرمز بالأسطورة, و الواقع بالخيال, و المحدود باللانهائي, عبر لغة تتجاوز الصناعة أو الفن في القول إلى تعبير غير مألوف يصل إلى درجة الغموض و التعقيد. فالرؤيا هي التقاط شعري وجداني للعالم يتجاوز الظاهر المحسوس إلى الباطن حيث جوهر الأشياء و حقيقتها, من أجل خلق إبداع يستند إلى تجربة إنسانية توحي بالعديد من الدلالات العميقة عن الذات و الطبيعة و الكون بأسره.
الملاحــــــــــــــظة و الفــــــــــــــهم
ملاحظة النص:جاءت القصيدة معنونة ب(...)، فالعنوان يوحي دلاليا بان (...) اما تركيبيا فجاء فيصيغة (...). و بدراستنا للعنوان يتحتم علينا طرح مجموعة من الفرضيات، فربماشاعرنا يتحدت عن ... وقد يتحدت عن ... و ربما يتحدت عن ... اذن، هذه الفرضياتالمطروحة جعلتنا نطرح مجموعة من التساؤلات. ما هو يا ترى الموضوع الرئيسي داخل هذهالقصيدة؟ وماهي الاساليب التي سخرها الشاعر لإيصال مكنوناته و احاسيسه الى قرائه؟و ما مذى تمثيلية النص للخطاب الذي ينتمي إليه؟
فهم النص:ان مضمون النص هو تعبير صريح منشاعر أبى إلى ان (5أسطر ...). و يظهر من الوهلة الاولى ان الشاعر لم يخرج عنالمالوف, إذ جاء بموضوع يتناسب مع خصوصيات مدرسة الحداثة. فهو مضمون عصري بعيد كلالبعد عن المضامين التقليدية. و هو مأشر على مذى الإنتقال النوعي الذي عرفتهالقصيدة علي مستوي المضمون. و قد قسم الشاعر قصيدته إلى عدة وحدات:فالوحدة الأولى تضمالأبيات (..) حيث يخصصها شاعرنا بالحديث عن(..) أما الوحدةالثانية فتضم الأبيات (..) وفيها يتنقل الشاعر إلى الحديث عن(..), وأخيرا الوحدةالثالثةوالتي تضم الأبيات (..) وقد ضمَّنها الحديث عن (..).
التحــــــــــــــــليل
المعجم:نلاحظ على مستوى المعجم حضور حقلين دلاليين:حقل دال على (...) و حقل دال على (...), فيما يخص الألفاظ التي تعبر عن الحقل الأول هي (...) وأما الألفاظ التي تحيل عن الحقل التاني (...),ومن خلال هذه الألفاظ يتضح هيمنة الألفاظ الدالة على حقل (...). إذن فالعلاقة التي تربط الحقلين هي علاقة (تكامل, تضاد...) لأن (...). و يتضح أن المعجم الموظف هو معجم:
- بسيط:لكونه يشتمل على ألفاظ سهلة و لغة سلسة و مرنة أقرب إلى لغة الحديث المتداولة بين الناس, من أجل تسهيل عملية التلقي.
- غامض: لكونه يشتمل على ألفاظ مبهمة و محشوة بالرموز و الأساطير تستدعي من القارئ أن يلم بها حتى يفهم المغزى الذي يرمي إليه الشاعر فهما صحيحا و سليما.
الرمز و الأسطورة:
الرمز:كلمة تحمل دلالات مشتركة يوظفها الشاعر للتعبير عن تجربة شعورية بكل دقة, حيث يختزل فيها معان دلالية عميقة. و يستمد الرموز من عدة مصادر: طبيعية (النهار, الليل...) و دينية (المسيح...) و تاريخية (سقراط, فرعون...) و أسطورية (السندباد...). و الرمز في القصيدة هو رمز:
- مفرد:حيث أحال على مدلول مباشر (مثال:الميزان رمز للعدل)
- مركب: حيث أن المدلول متعدد و يتطلب التأويل بحسب مقام النص
و قد لعب هذا الرمز دورا في تكثيف الصورة الشعرية و إغنائها ،مما زاد من الأبعاد الجماليةالفنية للقصيدة.
الأسطورة:قصة تجمع بين و الواقع و الخيال فتحول الظواهر و الأشخاص إلى كائنات غير عادية تصل إلى حد الخرافة. و يستمد الشاعر هذه الأساطير غالبا من التاريخ, و يوظفها للتعبير عن تجربته لما تحيل عليه من معان و رموز، فيشحنها بدلالات جديدة تتماشى مع رؤياه. كما هو الحال في هذه القصيدة الحديثة التي ركزت على أسطورة (الفينيق, تموز, مهيار... + 3 أسطر لشرحها و توضيح نقط انسجامها مع تجربة الشاعر).
الصور الشعرية:و بالحديث عن الصور الشعرية التي تمثل تركيبا لغويا يمكن الشاعر من تصوير معنى عقلي و عاطفي متخيل, نجد أنها قد تشكلت في القصيدة من ثلاث مكونات:
- اللغة: التي عماد الصورة الشعرية إذ تشكل نسيج الألفاظ في التعبير الشعري
- العاطفة: التي تشكل الروح التي تنفخ في ألفاظ القصيدة
- الخيال: الذي يمكن اللغة و العاطفة من تحديد معالم الصورة الشعرية
و قد حضرت في القصيدة عبر توظيف مكونين بلاغين هما:
- التشبيه:المماثلة بين شيئين يتشاركان في صفة أو أكثر. حيث شبه الشاعر في البيت (..) كذا... بـ كذا... و المشبه و المشبه به هنا محسوسان يدركان بالحواس/ معنويان يدركان بالعقل.
- الاستعارة:تشبيه حذف أحد طرفيه، مع وجود قرينة تمنع إرادة المعنى الحقيقي. و قد جاءت الإستعارة في البيت (..) حيث استعار الشاعر كذا... من صفات... و أعطاها لـ كذا... و هي استعارة تصريحية صرح فيها بالمشبه به و حذف المشبه/ استعارة مكنية ذكر فيها المشبه و حذف المشبه به.
و الصور في القصيدة هي صور:
- مفردة: تعتمد التصوير الحسي الموجود بين المتشابهين في الظاهر
- مركبة: تعتمد تصويرا يجمع بين ما هو حسي وما هو نفسي عاطفي
- كلية: تعتمد تكثيف كل عناصر الصورة عبر التنسيق بينها في سياق تعبيري واحد
و قد أدت هذه الصور في القصيدة وظيفة:
- نفسية: حيث تم التركيز على مشاعر الشاعر الداخلية و تجربته الوجدانية
- تأثيرية: حيث تم إقناع المتلقي بموقف الشاعر و بالفكرة أو المعنى المراد من الصورة
- تخييلية: حيث تم اعتماد قدرات الشاعر التخييلية الإبداعية في التركيب بين عناصر طبيعية و أخرى إنسانية
و هكذا نجد أن هذه الصور قد أظفت على القصيدة صبغة جمالية من جهة ومن جهة أخرى ضمنت إيصال أحاسيس الشاعر في حالة من الابداع و الروعة.
الإيقاع:فيما يخص إيقاع القصيدة, نميز فيه بين نوعين:
- الإيقاع الخارجي: لقد نظمت هذه القصيدة الحديثة ذات السطر الشعري و نظام التفعيلة على وزن بحر (...) ذي التفعليلة المركبة/الصافية (...), و قد خرجت القصيدة عن القافية الموحدة فانتقلت إلى التنويع فيها (تحديدها + نوعها: مطلقة أم مقيدة) و الروي(..) معلنة بذلك انتهاء عهد الوقوف عند التقليد و بداية عهد كسر الحدود و الحواجز التي تحد من حرية الشاعر.
- الإيقاع الداخلي: لقد أغنى الشاعر إيقاع قصيدته الداخلي بأسلوب التكرار الذي يعد ظاهرة موسيقية ومعنوية تقتضي الإتيان بلفظ متعلق بمعنى، ثم إعادة اللفظ مع معنى آخر في نفس الكلام. و قد حضر في القصيدة بعدة أشكال:
ـ تكرار الحرف: حيث تكررت الحروف (..و..و..), مما يعطي الألفاظ التي ترد فيها تلك الحروف أبعادا تكشف عن حالة الشاعر النفسية.
ـ تكرار اللفظ: حيث تكررت الألفاظ (..و..و..), وذلك لإغناء دلالتها و إكسابها قوة تأثيرية.
ـ تكرار العبارة: حيث تكررت العبارات (..و..و..), مما يعكس الأهمية التي يحملها محتواها باعتبارها مفتاحا لفهم المضمون العام للقصيدة.
و قد أدى هذا التكرار الوارد في القصيدةوظيفة:
- تأكيدية: حيث ساهم في تأكيد المعاني لدى المتلقي و ترسيخها في ذهنه
- إيقاعية: حيث ساهم في بناء إيقاع داخلي حقق انسجاما موسيقيا خاصا
- تزينية: حيث أضفى تلوينا جماليا عبر تكرار ألفاظ مختلفة المعنى و متفقة الصوت
الأساليب:لقد سخر الشاعر مجموعة من الأساليب تنتمي إلى شقين:
- الأساليب الخبرية:التوكيد (مثال: إن..), النفي (مثال: لا, لم..), الشرط (مثال: إذا..فإن..), الإستدراك (مثال: لكن..)...
- الأساليب الإنشائية:الإستفهام (مثال: لما, كيف..), النداء (مثال: يا, أيها..), الأمر (مثال: عليك أن..), التمني (مثال: يا ليتني..)...
و الأساليب المهيمنة في القصيدة هي الأساليب:
- الخبرية:لأن الشاعر يرغب بإلحاح في إخبار قرائه عن الرسالة التي يود تمريرها
-الإنشائية:لأن الشاعر ابتغى من وراء توظيفها أن يستجيب المتلقى لطلبه
التركــــــــــــــــيب
و عليه, يمكن القول أن هذه القصيدة مثلت اتجاه المعاصرة و التحديث خير تمثيل. فعلى مستوى الشكل ضربت القوالب التقليدية عرض الحائط و اعتمدت في البدل نظام السطر و التفعيلة, كما نوعت في القافية و الروي بدل توحيده لكي لا يقف عائقا أمام حرية الشاعر و عفويته, فضلا عن خصيصة جديدة و هي توظيف الأسطورة و الرمز. أما على مستوى المضمون, فهو مضمون جديد وظفت فيه لغة سهلة ذات ألفاظ لا تحتاج قاموسا. اذن يمكن القول أن القصيدة هي نمودج حي لمدرسة أبت أن تجدد تماشيا مع كل التجديد الذي عرفته جل الميادن