الدرس اللغوي تكســـــــــــير البـــــــــــنية

إعلان الرئيسية

التعـــــــــــــريف:تحيل عبارة "تكسير البنية" على: الجهود التي قام بها الشعر الحر لكسر رتابة البيت التقليدي و هندسته الثابتة حيث اعتمد مفهوم السطر الشعري بدل نظام الأشطر الشعرية الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالإيقاع الداخلي و بالدفقة الشعورية التي تنطلق من العاطفة و الوجدان و التأملات العقلية للشاعر, فضلا عن تكسير نظام القافية الموحد و الثابت, و هذا ما يميز قصيدة "التفعيلة" عن القصيدة التقليدية.

الســـــــــــــياق:لقد أجمع الدارسون على أن ثورة الشعر العربي الحديث على المقاييس الموروثة التي تحول دون تطوره في مواكبة متطلبات و مستجدات الحياة الجديدة هي نتيجة ما عرفه الوطن العربي من موجات تحرر بعد الحرب العالمية II, حين تطلعت الشعوب العربية إلى الحرية و العدالة و الديموقراطية. و لهذا أطلق اسم "الشعر الحر" على الشعر الجديد الذي واكب هذه المرحلة التحررية, فأتت القصيدة الحديثة كحلم و طموح جماعي مشحون بهاجس التغيير و الخروج عن التقاليد التي تعيق التطور و التجديد.
بدأت حركة الشعر الحر على يد الشاعرة العراقية "نازك الملائكة" التي دعت إلى تحطيم القيود الفنية الموروثة في الشعر مع الإستعانة ببعض التفاصيل العروضية القديمة في إحداث شعر جديد يمنح الشاعر المعاصر قدرا أوفر من التعبير, حيث حصرت الأصول الإيقاعية لهذا الشعر الحر في "التفعيلة" التي تعد أساس الشعر العربي القديم كما حددت له بحور الخليل التقليدية كأوزانه الخاصة.
إن تكسير البنية و الثورة على المقاييس القديمة جاءا نتيجة طبيعية لمتطلبات المرحلة الجديدة, فهذا التكسير ليس خروجا على القواعد و إنما هو تعديل و إضافة و تجديد و تطوير لذلك الموروث الفني. و بتكسير بنية القصيدة الشعرية القديمة, بدأ البحث عن مقاييس جديدة بديلة من الشعر الحديث و الحياة الجديدة, فظهر ما يسمى بـ "الشعر الحر". و هو مصطلح استخدم للدعوة إلى شعر جديد يقوم على أساس التفعيلة بدل البحر, و يتخلص من القافية الموحدة تبعا لذلك. و لكن هذا التحرر من الوزن و القافية معا ليس انفصالا نهائيا, بل البحث عن بديل قادر على مواكبة حركة الحياة الجديدة. لهذا فالحرية عند شعراء تجربة الشعر الحر هي حرية مقيدة, لأن شعرهم يستند للتفعيلة المأخوذة من البحور الصافية. و قد استعمل هؤلاء الشعراء الحداثيين أشكالا عديدة من القوافي, منها: القوافي المتوالية, المتقاطعة, المستقلة, البسيطة و المركبة ...
الخــــــــــــــصائـص:بفضل الثورة التي عرفها الشعر العربي, صارت القصيدة الحديثة أكثر تحررا من النظام التقليدي الصارم, و أصبحت وحدة تفعيلتها أكثر ارتباطا بمستويين:
- المستوى الدلالي:حيث تتعلق القافية التقليدية تعلقا وثيقا بالمعنى 
فالشاعر الحديث ظل متمسكا بالقافية و أعاد توظيفها توظيفا خلاقا على مستوى القصيدة كلها مبنى و معنى, حتى صارت مظهرا من مظاهر حداثتها.
و قد ظهر شكل جديد من الثورة على أوزان النمط العمودي مع بعض الشعراء كـ "بدر شاكر السياب" الذي خرج عن العدد المحدد للتفعيلات, كما تجاوز القافية و المعجم الموحدين, و استدعى منه هذا تحطيم نظام البيت و تحقيق وحدة القصيدة, فتمكن بذلك من إبداع شعر جديد يشكل تجربة فنية تزخر بالحياة و تواكب حركتها الجديدة. و تعود ثورة الشعر الحر على القافية إلى عدة أسباب من ضمنها:
- عدم القدرة على استعمال قافية واحدة: لأن الشاعر الحديث لا يستطيع السير على هذا المنوال الرتيب لعدم الحاجة إليه و تعارضه مع وظيفة الشعر في العصر الحديث.
- الثورة على القافية و على نظام البيت: فقد صار الشاعر الحديث يطمح إلى جعل القصيدة وحدة متماسكة الأجزاء.
- اضطرار الشاعر الحديث إلى خلق تعابير جديدة: و ذلك بتجديد اللغة و إيقاع العبارات بشكل يتناسب مع متطلبات العصر.
تدخل في الشعر الحر جل البحور العربية الـ16, لذلك فشعر التفعيلة هو مجرد ظاهرة عروضية تتسم بـ:
- عدد التفعيلات في السطر
- ترتيب الأسطر و القوافي
- استعمال التدوير و الزحاف
أي أن المحافظة في الشعر الحر تتبدى في عروض شعر التفعيلة فرعا من العروض القديم, إذ يتحدد بـ:
- استبدال نظام الشطرين بنظام السطر الشعري
- ربط مدى حرية الشاعر بعدد التفعيلات في السطر الشعري
و هكذا فإن الشاعر الحديث لا يخرج عن القانون العروضي, جريا على السنن الشعرية العربية القديمة.
لقد فتح تكسير بنية الشعر باب الإبداع في الشعر التقليدي, فشكل إيقاعا داخليا جديدا منح الشاعر إمكانات خلق التناسق و الإنسجام بين أجزاء القصيدة و التعبير عن تجربته الشعرية و تصويرها في نظام فني متناسق بفضل العناصر الموسيقية التي يشملها هذا الإيقاع من وزن و قافية و جرس لفظي و جناس و تكرار


تجـــــــــــديد الـــــــــــرؤيا
التعـــــــــــــريف:تعني "الرؤيا" ما يراه النائم في نومه, و تقابلها لفظة "الرؤية" التي تعني النظرة الحسية التي تلتقط المظاهر الخارجية للأشياء. أما في مجال الإبداع الشعري, فإن الرؤيا تشكل موقفا جديدا من العالم و الأشياء, إلى حد صار فيه شعر الحداثة رؤيا عند شعراء الرؤيا, أي أنها التقاط شعري وجداني للعالم يتجاوز الظاهر إلى الباطن و يتجاوز حدود العقل و حدود الذاكرة و الحس ليخلق عوالم جديدة تنصهر فيها تجربة الشاعر باعتباره مبدعا و المتلقي باعتباره مشاركا الشاعر في تجربته.
الســـــــــــــياق:بعد تجاوز الشعر العربي الحديث لمرحلتي إحياء النموذج و تكسير البنية, ظهر ما يسمى بـ"شعر الرؤيا" الذي يعبر عن موجة إبداعية جديدة أتاحت للشعراء إنجاز قصائد ذات نكهة إبداعية خاصة, و انتقل بهم من مستوى الوقوف عند الأسطر الشعرية و التفعيلات و الوقفات العروضية و الدلالية إلى مستوى الإنفتاح على عوالم إنسانية خصبة في التعبير عن انفعالاتهم و معاناتهم و قلقهم الوجودي.
إن الفرق بين الرؤية و الرؤيا هو نفس الفرق بين الحقيقة الواقعية و الحقيقة الفنية الشعرية. فالشعر لم يعد مجرد نظم و محاكاة الأقدمين, بل صار تعبيرا خاصا يرتبط برؤيا الشاعر الذي يقرأ قضايا عصره من زاويتها و لا يستند فيها إلى الحقائق المتعارف عليها بين الناس, أي أنه يوظف طاقاته و قدراته التخييلية في خلق عالمه الجديد. و هكذا تصبح الرؤيا قيمة جوهرية في الشعر تمكن الشاعر عبر اللغة من التعبير عن رؤيته للوجود و نسج عالم خاص يمتزج فيه الرمز بالأسطورة, و الواقع بالخيال, و المحدود باللانهائي.
و لهذا فشعراء الرؤيا يرفضون الإحتفاء بجماليات اللغة و برصد الصور و التعابير المحايدة عن العواطف و المشاعر و يدعون في المقابل إلى إبداع يستند إلى تجربة إنسانية عميقة و ينبثق من رؤيا تتأمل الواقع و تتجاوزه لكي تصل إلى جوهر الأشياء.
الخــــــــــــــصائـص:إذا كانت القصيدة التقليدية تنطلق في بناء عوالمها من الإدراك المباشر للأشياء في حدود ما هو مرئي و ملموس, فإن قصيدة الرؤيا تنبع من أعماق الذات الشاعرة بكل ما تنطوي عليها من أحلام و آمال و تمزق و قلق. و هذا ما يفسر الطابع التركيبي للصور الشعرية في قصيدة الرؤيا و التي تصل في كثير من الأحيان إلى درجة الغموض و التعقيد, لأن الشاعر يعبر بلغة غير مألوفة عن عالم غير مألوف تتداخل فيه الأزمنة و الإنفعالات و الإيقاع الشعري, فيجد المتلقي نفسه أمام تجربة إنسانية توحي بالعديد من الدلالات العميقة عن الذات و الطبيعة و الكون بأسره عن طريق إعادة تشكيل عناصر الإيقاع و الصورة الشعرية في القصيدة الحديثة, مما يدفع القارئ إلى تأويل عوالم و دلالات هذه القصيدة في ارتباطها بمستويات الحلم و الخيال الخصب عند المبدع الذي يكثف من توظيف الرمز و الأسطورة, الشيء الذي يجعل شعر الرؤيا منفتحا على أعماق الذات الإنسانية في أبعادها الفردية و الجماعية.
يكشف البعد المرتبط بالرؤيا في الشعر الحديث عن خصوبة في مخيلة الشاعر و غنى موهبته و قدرته على إعادة تشكيل الواقع, و بذلك تخرج اللغة عن نمطها التقليدي في الوصف و التعبير, و تصير ذات حمولة دلالية و تعبيرية تكسب الألفاظ شحنات رمزية تتجدد معها المعاني من قارئ إلى آخر, يقدم فيها الشاعر تجربته و رؤاه الشعرية الواسعة في تأمل حقائق الوجود و ظواهر الكون.
إن الرؤيا في الشعر الحديث هي موقف شعري من الكون يتأسس على علاقة بين 3 أطراف:
- الشاعر: لم يعد الشاعر في شعر الرؤيا يكتفي بنقل مشاعره أو التعبير عن موقفه, و إنما تجاوز ذلك إلى تعليق جميع الأحاسيس و المواقف الظاهرية, و الإنسلاخ عن قيود الرؤية الخارجية و عن ثقل العالم المحسوس.
- العالم: لم يعد العالم في نظر شعراء الرؤيا هو نظام الأشياء و الظواهر المحسوسة, و إنما هو ما وراء هذه الظواهر حيث عوالم الحقائق و بواطن الأشياء و جوهرها.
- اللغة: لم تعد اللغة في شعر الرؤيا ذات وظيفة تعبيرية أو جمالية, و إنما صارت وسيلة تكشف الحقائق و تخلق العالم و المعنى, كما لم يعد الشعر صناعة أو فنا في القول, بل صار موقفا من الصناعة و القول

- المستوى التعبيري: حيث يتصرف الشاعر بالقافية وفق رؤيته الشعرية الخاصة

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button