مجزوءة الوضع البشري:
المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية
تحليل نص إمانويل مونييه: الحرّية بشروط
الحرّية بشروط
«حرّية الإنسان هي حرّية شخص، وحرّية هذا الشخص بالذات، وكما هو مركّب وموجود في ذاته وفي العالم وأمام القيم، وهذا يستلزم أن تكون هذه الحرّية ملازمة إجمالا لوضعنا الواقعي، ومحصورة في نطاق حدوده، أن تكون حرّا هو أن تقل في البدء، هذه الظروف لتجد فيها ارتكازا، ليس كلّ شيء ممكنا، ولا هو كذلك في كلّ لحظة، هذه الحدود تشكّل قوّة عندما لا تكون ضيّقة جدّا، الحرّية كالجسم، لا تتقدّم إلاّ بالحواجز والاختيار والتضحية، ولكن فكرة المجانية هنا هي فكرة وجود غنّي، والحرّية في شروط ملزمة، ليست من الآن فصاعدا “وعيا للضرورة”، كما سمّاها “ماركس”، إنّ هذا هو البداية لأنّ الوعي وعد وبادرة للتحرّر ووحده العبد من لا يرى عبوديته مهما كان سعيدا تحت سلطتها، إلاّ أنّ هذا البدء هو بالكاد إنساني، ولذلك فقبل إعلان الحرّية في الدساتير أو تمجيدها في الخطابات، علينا تأمين الشروط العامة للحرّية: الشروط البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تسمح لقوى ذات مستوى متوسّط أن تشارك في أعلى نداء للإنسانية، وأن نهتمّ بالحرّيات اهتمامنا بالحرّية (…)، إنّ حرّيتنا هي حرّية إنسان في موقف، وهي كذلك حرّية شخص تعطى له قيمة، أنا لست حرّا لأنّي أمارس عفويتي فقط، بل أصبح حرّا عندما أوجّه هذه العفوية في اتّجاه التحرّر أي في اتّجاه شخصنة العالم ونفسي، إذن ثمّة مسافة تمتدّ من الوجود المنبثق إلى الحرّية، وهي التي تفصل بين الإنسان الباطني على حدود الانبثاق الحيوي، والإنسان الذي ينضج باستمرار بأفعاله وفي الكثافة المتزايدة للوجود الفردي والجماعي، وهكذا فأنا لا أستعمل حرّيتي بدون جدوى، بالرغم من أن النقطة التي ألتحم فيها بتلك الحرّية متباعدة في أعماق ذاتي، وليست حرّيتي تدفّقا فحسب، بل هي منظّمة، أو بعبارة أفضل هي مطلوبة بنداء».
(إمانويل مويني، الشخصانية، المنشورات الجامعية الفرنسية، 1995، ص: 71-74)
تأطير النص:
النص مقتطف من كتاب “الشخصانية” (1949) للفيلسوف الشخصاني المذهب، إيمانويل مونييي، وفي هذا الكتاب يقدم مونييه أطروحة تقول أن حرية الشخص مشروطة نظر للعلاقة القائمة بين الأنا والآخر.
صاحب النص:
هو الفيلسوف الفرنسي المعاصر إمانويل مونييه (1905-1950)، وهو رائد التيار الشخصاني بفرنسا، أنشأ مجلة “الروح” في أكتوبر 1932، ودعا فيها إلى مناهضة الحضارة الأوربية التي تقوم على المادية المفرطة وهو ما جعلها تعاني من أزمة روحية، أي غياب تربية روحية شخصانية، فالمهمة الرئيسة في نظر إمانويل مونييه ليست هي تغيير العالم وإنما تغيير الفرد، أي دعم كماله الأخلاقي الذاتي الروحي، ودعا مونييه إلى قيام التربية على ثورة روحية تعيد الوحدة بين الروح والمادة في الشخصية، وتتأسس على نزعة إنسانية تنظر إلى الشخص باعتباره كائنا يعيش في إطار اجتماعي كوني، متفتح على الأشخاص الآخرين في المجتمع والكون ويتمتع بروح متسامحة، إزاء كل الأديان، ولذا رفض إمانويل مونييه الماركسية والمادية بكل أشكالها.
الطرح الإشكـالي:
هل حرية الفرد مطلقة أم مشروطة؟
المفاهيم الأساسية:
التحرر: تدل لدى الفلاسفة الشخصانيين على فعالية يحياها في استمرار شامل كل واحد منا في تضامنه مع مجموع الإنسانية.
شخصنة: عملية تشير إلى أن الإنسان أو الكائن لا يتخذ قيمته إلا في الوقت الذي يدخل في عالم مشخصن.
القيم: كل القواعد والأخلاق والمبادئ الاجتماعية التي يتواضع عليها الأفراد (المجتمع)، ويحرصون على صونها وتمريرها إلى كل فرد يدخل هذا المجتمع.
الأطروحة:
يرى إمانويل مونييه أن الشخص لا يحقق وجوده مع الآخرين إلا في إطار الفعل الحر المتجدد، فحرية الشخص موجودة في ذاته، وهي مشروطة بالوضع الواقعي له، وهي لا تتحقق إلا عندما يتجه الإنسان نحو التحرر في إطار التشخصن، أي الخروج بالذات من عزليتها وفرديتها والاتجاه نحو الشخص عبر الانفتاح على الآخرين والتواصل معهم، وتحمل مصائرهم وآلامهم بكل كرم ومجانية.
الأفكار الأساسية:
- حرية الإنسان هي حرية شخص، وهذه الحرية تكون ملازمة لواقعه.
- أن يكون الإنسان حرا معناه أن يقبل ظروف واقعه.
- الوعي هو وعد وبادرة للتحرر.
- تحقيق الحرية يقتضي التفكير في الشروط البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
البنية الحجـاجية:
آلية التعريف: [حرية الإنسان هي حرية الشخص…].
الاستنتاج:
حرية الشخص حرية ملتزمة لأنها تحترم الغير ومشروطة باحترام القيم، إنها موقف وقيمة.
قيمة النص وراهنيته:
ينظر النص لموقف هام من الحرية، هو أن لا حرية للأنا بدون استحضار حرية الآخر.
استغلال معطيات النص للإجابة على الإشكال المطروح:
ليست حرية الشخص مطلقة بل إنها رهينة بمدى احترام الشخص الحر للأشخاص الآخرين الأحرار.