محتويات المقال
ها قد بدأ شهر الله.. ورغم تتابع القرون وزحف مختلف التأثيرات على شتى المجتمعات الإسلامية إلا أن هذه التأثيرات لم تستطع ولن تستطيع أن تنال من الإيحاءات المباركة التي يسبغها الشهر العظيم علينا، ومهما انساق الإنسان طوال العام وراء رغباته أو نزواته، ومهما ادعى وجحد وأنكر، ومهما قسا قلبه وتحجرت روحه، ونضبت الرحمة في وجدانه، ومهما بلغ من الكبر والغرور مبلغه.. مهما حدث ذلك أو بعضه فإنه مع دخول الشهر يتوقف متأملاً ويشعر في أعماقه بأنه كان بعيداً طوال العام عن شيء عظيم، وبأن ما يحيط به في رمضان شيء آخر جديد.. نظيف.. كبير.. آمن، وبأنه بكل ما حصّله وما حققه وما سعى له وما قاتل في سبيله ذرة تائهة وكائن صغير أمام طوفان من المعاني الرائعة والأحاسيس واللحظات العظيمة. فالصيام ليس مجرد جوع وعطش رغم ما في الجوع والعطش من حكمة وفائدة في تطهير الجسم من السموم والعلل وإنما هو دواء ناجع لتخليص الروح والقلب من سموم أشد فتكاً وأكثر تدميراً تصبها ظروف العصر في الروح الإنساني صباح مساء. وهو طريق يفتح أمام الروح عالماً من الشفافية يمدها بغذاء لكنه ليس من جنس الطعام والشراب ويزودها بطاقة تتضاءل أمامها طاقة السكريات والنشويات.. طاقة تسمو بالإنسان المسلم فوق عوالم الطين وتصعد به درجات نحو مدارج النور فيقترب بدرجة أو أخرى حسب صدق إيمانه ليشعر بأجواء مختلفة ويتذوق طعماً مختلفاً للوجود ويندمج في معنى شامل يقترب به من إدراك معنى الحياة. إن الأنانية والتشبث بالدنيا يغطي على بصيرة الإنسان فلا يترك له إلا بصراً قاصراً لا يمتد لأبعد من متع عاجلة زائلة عابرة يقاتل في سبيلها ويصارع ويكره ويحقد ويقطع الرحم ويفتك بكل ما يقف في طريقه ومن يقف في طريقه. ورمضان يكشف عن البصيرة التي يمتد مجال رؤيتها لأبعد بكثير مما يمتد إليه البصر فهي تدرك أهدافاً أسمى وغايات أبقى وتدفع الإنسان بالتالي بدرجة أو أخرى لإعادة تقييم موقفه من الناس ومن الحياة. إن أكثر الناس إيماناً يعيش في رمضان عيداً طوال الليل والنهار، وأكثر الناس عتواً يعيش في رمضان -شاء أو أبى أعلن ذلك أو لم يعلنه- يعيش سهراً من حساب النفس ومناقشة الضمير. من هنا تأتي عظمة هذا الشهر أو معجزته أو حكمته.. فمرحباً يا شهر الصيام والخير والتراحم والتعاون.. مرحباً يا شهر الطهر والعبادة والتوبة.. مرحباً يا شهر الله.. إشراقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة». رواه أحمد