معنى صلاة الضّحى وتسميتها الضّحى لغةً مصدرها ضَحَوَ، والضَّحْوُ ارتفاعُ النّهار، والضُّحى فُوَيق ذلك، والضّحاء إذا امتدّ النّهار وكَرَب أن ينتصف، وضحا يضحو ضُحُوّاً وضَحِيَ يَضْحَى ضَحًى وضُحِيّاً، وضَحِّ الأُضْحِية، وأَضْحِ بصلاة الضُّحَى إضحاءً، أي أخّرها إلى ارتفاع الضُّحَى، وهَلُمَّ نتضحَّى، أي نتغدّى. وتَضَحَّتِ الإبِلُ: أخذت في الرّعي من أوّل النّهار.[١] إن صلاة الضّحى من النّوافل التي داوم الرّسول -صلى الله عليه وسلّم- عليها وحثّ بها الصّحابة رضي الله عنهم، فقد رُوي عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قوله: (أوصاني خليلي بثلاثٍ: بِصيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ ، وألا أنامُ إلَّا علَى وِترٍ، وسُبحةِ الضُّحَى في السَّفرِ والحضَرِ)،[٢] ولصلاة الضّحى أسماء أُخرى، منها: صَلاة الإشرَاق؛ وقد سُمّيت بصلاة الإشراق بسبب وقت صلاتها، كما سُميّت بصلاة الأوابين، والأوابون هم التّوابون، وقد جاء في الصّحيح من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى).[٣][٤] وقت صلاة الضّحى يكون وقت صلاة الضّحى عند ارتفاع الشّمس وشدّة حرّها، قَال الطَّحَاوِيُّ: "وَوَقْتُهَا الْمُخْتَارُ إِذَا مَضَى رُبُعُ النَّهَارِ"، فلا خلاف بين الفقهاء في أنّ الأفضل أداء صلاة الضّحى إذا عَلَت الشّمس واشتدّ حرّها؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال)،[٥] ومعناه أن تَحمى الرّمضاء، وهي الرّمل، فتبرك الفِصال من شدّة الحرّ، وجاء في مواهب الجليل نقلاً عن الجزوليّ: "أوّل وقتها ارتفاع الشّمس وبياضها وذهاب الحُمرة، وآخره الزّوال"، وقال الحطّاب نقلاً عن الشّيخ زروق: "وأحسنه إذا كانت الشّمس من المَشرق مثلها من المَغرب وقت العصر"، وقال الماورديّ: "ووقتها المُختار إذا مضى ربع النّهار".[٦] عدد ركعات صلاة الضحى أجمع العلماء على أنّ أقلّ صلاة الضّحى ركعتان، أمّا أكثرها فقد اختلفوا فيه؛ فقال بعضهم أكثرها ثمانية، وقال آخرون أكثرها اثنتا عشرة ركعة، وقال فريق لا حدّ لأكثرها، وفيما يأتي بيان ذلك: ذهب المالكيّة والشافعيّة والحنابلة إلى أنّ أقلّ صلاة الضّحى ركعتان وأكملها ثمانية، لما رُوِي من حديث أم هانىء رضي الله عنها: (أنَّهُ لَمَّا كانَ عَامُ الفَتْحِ أتَتْ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وهو بأَعْلَى مَكَّةَ قَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلى غُسْلِهِ، فَسَتَرَتْ عليه فَاطِمَةُ ثُمَّ أخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ به، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى)،[٧] فإن زاد على ذلك عامداً عالماً بنيّة الضّحى لم ينعقد ما زاد على الثّمان، فإن كان ناسياً أو جاهلاً انعقد نَفلاً مُطلقاً عند الشافعيّة، والحنابلة.[٨] ذهب الحنفيّة إلى أنّ أكثرها ستّة عشر ركعة وأما إذا زاد على ذلك، فإمّا أن يكون قد نواها كلّها بتسليمةٍ واحدةٍ، وفي هذه الحالة يُجزّئ ما صلّاه بنيّة الضّحى وينعقد الزّائد نفلاً مُطلقاً، إلا أنّه يُكره له أن يُصلّي في نفل النّهار زيادةً على أربع ركعات بتسليمةٍ واحدةٍ، وإمّا أن يُصلّيها مُفصّلةً اثنتين اثنتين، أو أربعاً، وفي هذه الحالة لا كراهة في الزّائد مُطلقاً.[٨] ذهب أبو جعفر الطبريّ والمليميّ والرويانيّ من الشافعيّة وغيرهم إلى أنّه لا حدّ لأكثرها، وقال العراقيّ في شرح الترمذيّ: "لم أرَ عن أحدٍ من الصّحابة والتّابعين أنّه حصرها في اثنتي عشرة ركعة"، وذهب إليه السيوطي كذلك، وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنّه سُئِل: "هل كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُصلّونها؟ فقال: نعم، كان منهم من يُصلّي ركعتين، ومنهم من يُصلّي أربعاً، ومنهم من يمدّ إلى نصف النّهار"، وعن إبراهيم النخعيّ أنّ رجلاً سأل الأسود بن يزيد: "كم أُصلّي الضّحى؟ قال: كما شئت".[٩] كيفيّة صلاة الضّحى تُصلّى صلاة الضّحى كما تُصلّى أي سُنّة أو صلاة ثنائيّة؛ حيث يؤدّي المُتنفِّل ركعتين ثم يُسلّم عن يمينه وعن شماله، وإذا أراد أن يُصلّي أربع ركعاتٍ أو ستَّ ركعاتٍ أو أكثر فيجوز له أن يُصلّي كلّ ركعتين مُنفصلتين عمّا قبلهما ويَفصل بالتّسليم يميناً ويساراً، والسنة قراءى ما تيسّر من القرآن الكريم بعد سورة الفاتحة.[١٠] حُكم صلاة الضحى صلاة الضّحى سُنّة عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة، وذهب المالكيّة إلى أنّها مندوبةٌ ندباً أكيداً،[٨] أي أنّها أقل استحباباً من السّنة المُؤكّدة، وقد جاء في الحاوي الكبير من كتب الشافعيّة قولهم: "وأما صلاة الضّحى فسُنّة مُختارة قد فعلها رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وداوم عليها واقتدى به السّلف فيها"،[١١] وهي من السّنن الرّاتبة عندهم؛ ومعنى ذلك أنّها تُقضى إن نَسيها أو تركها عمداً أو سهواً، فقد قال الشيرازيّ بعد ذكر السّنن الرّاتبة وعقب صلاة الضّحى مُباشرة: "ومن فاته من هذه السّنن الرّاتبة شيء في وقتها ففيه قولان: أحدهما لا يقضي لأنّها صلاة نفلٍ فلم تُقضَ كصلاة الكسوف والاستسقاء، والثّاني يَقضي لقوله صلّى الله عليه وسلم (مَن نسي الصَّلاةَ أو نام عنها فلْيُصَلِّها إذا ذكَرها)،[١٢] ولأنّها صلاة راتبة في وقتٍ مُحدّدٍ فلم تسقط بفوات الوقت، بخلاف الكسوف والاستسقاء لأنّها غير راتبة وإنما تُفعَل لعارض وقد زال العارض".[١٣] يقول إمام الحرمين الجوينيّ: "وكان شيخي يؤثر أن يقدم صلاة الضحى-من حيث إنها مؤقتة بنفسها- على النوافل الراتبة. وليس الأمر على ما ذكره؛ فإن السلف ما كانوا يواظبون عليها، حسب مواظبتهم على النوافل الراتبة، فالذي أراه أنها مؤخرة عن جميع النوافل الراتبة التابعة للفرائض"،[١٤] ورجَّح ابن عرفة من المالكيّة كونها نافلةً لا سُنّةً كما يقول الزرقانيّ: "وما شاع عند العوام من إصابة من لم يواظب عليها - أي صلاة الضّحى- بمكروه في نفسه وأولاده فباطل، بل هي كبقيّة النّوافل لا حرج في تركها".[١٥] المراجع ↑ الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين، مصر: دار ومكتبة الهلال، صفحة 165، جزء 3. ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 27551، صحيح. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن أبي ذر، الصفحة أو الرقم: 720، صحيح. ↑ "صَلاَة الضُّحَى"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-11-2016. بتصرّف. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن زيد بن أرقم، الصفحة أو الرقم: 748، صحيح. ↑ مجموعة من العلماء (1404-1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 224، جزء 27. بتصرّف. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن أم هانئ رضي الله عنها ، الصفحة أو الرقم: 336، صحيح. ^ أ ب ت عبد الرحمن بن محمد الجزيري (2003م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 301-302، جزء 1. بتصرّف. ↑ سيد سابق (1977م)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 210. ↑ عبد العزيز بن باز (1-12-2006)، "صفة صلاة الضحى"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-11-2016. بتصرّف. ↑ أبو الحسن علي البصري البغدادي (1999م)، الحاوي الكبير (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 286، جزء 2. ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2069، إسناده صحيح على شرط مسلم. ↑ أبو اسحاق إبراهيم الشيرازي، المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 160، جزء 1. ↑ "ترتيب النوافل في المناصب والمراتب، وبيان الأفضل فالأفضل منها"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-11-2016. ↑ عبد الباقي الزرقاني المصري (2002م)، شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 492، جزء 1.