السيرة الذاتية :
التعريف:
هي فن أدبي يحكي فيه الكاتب عن حياته -أو جزء منها- وقد يعترف بالأخطاء التي ارتكبها في مرحلة ما من حياته. وغالبا ما يقدم الكاتب ميثاقا للترجمة الذاتية يعد فيه القارئ أن يقول الحقيقة عما عاشه هو بالذات. وتكتب السيرة الذاتية بضمير المتكلم،مع تحديد الحدث أو الأحداث، الزمان،المكان...و يكون فيها الكاتب هو الشخصية الرئيسيةأو البطل...
و قد سبق لبعض الكتاب أن حكوا عن حياتهم باستعمال ضمير الغائب مثل طه حسين في كتابه الأيام.
مثال عن السيرة الذاتية:
"فتحت عيني فإذا أنا في منزل قديم يحيط به الغموض والإبهام, كانت حديقة كبيرة تقع خلفه كثيرا ما أشرفت عليها من النافذة, وتقع أمامه حديقة صغيرة يحدها حاجز حديدي طويل يقوم بين المنزل والشارع ويخترقها ممشى قصير يفضي إلى بوابة عالية من حديد. كان البيت يتألف من ثلاثة أدوار, كبير الأبهاء والغرف ضخم النوافذ ملون الزجاج. وكانت هذه الأوصاف تجعلني لا أطمئن إليه أبدا. ولم يكن للحديقة الخلفية الكبيرة بستاني, ولذلك كانت وحشية النباتات, تنتهي بأشجار ضخمة تبعث رعباً مبهما في النفس. وكنت أرى من آن لآخر هرّا أو كلبا يجري خلال الأعشاب, ثم يقفز فوق الحاجز ويختفي . وكثيرا ما ساءلت نفسي عن هذه الأشياء التي تتحرك ومع ذلك فهي ليست في شكل الإنسان, وما أزال أذكر أن هرًّا عظيم الهامة داهمني ذات يوم, فصرخت حتى كاد يغمى عليّ. ومما زاد في يقيني بأن هذه المخلوقات مخلوقات شريرة أن أهل المنزل كانوا يطاردونها. وكانت النوافذ الضخمة ذات الزجاج الملون تثير في نفسي القلق لضخامتها وللأضواء الملونة الحزينة التي كانت تنفذ منها, أضف إلى هذا الضباب والثلوج وشدة البرد, فقد تعاون ذلك كله على إثارة خيالي العاجز, حتى تأصل الرعب في نفسي.
أما الأشخاص الذين كانوا حولي فهم أبي وأمي والمربية. وكانت علاقتي بالمربية أمتن من علاقتي بأبي الذي كان يغيب عن المنزل طول النهار فلا أراه إلا ليلاً, وأمتن من علاقتي بأمي فقد كانت شابة ضعيفة; لا تمكنها صحتها الواهية من الاهتمام بي.
وكانت المربية مثلنا من مراكش, ولم أكن أفارقها لا في الليل ولا في النهار, وكنت أستغرب لكثرة ما تعرف, فهي لا تنفك تحدثني عن بلاد بعيدة تقول إننا جئنا منها, بلاد تشبه أحداثها أحداث الخرافات والأساطير, وكانت تروي لي كذلك أقاصيص الصغار. وقد كان لمثل هذه الأساطير عليّ تأثير شديد حتى نشأ عندي بعد ذلك ميل إليها, وقد أثارت في نفسي عالما يعج بالأشباح والحيوانات والمخلوقات الخيالية. " في الطفولة لعبد المجيد بن جلون
2- السيرة الغيرية:
التعريف:
هي أن يكتب المؤلف عن شخصية أخرى، وهو في هذه الحالة يتمثل تلك الشخصية في البيئة والزمان، اللذين عاش فيهما، معتمدًا على الذاكرة أو المشاهدة، ملتزمًا الحياد فيما يكتب.
و هي تناول حياة شخص جدير بالاهتمام ، له مكانة في المجتمع، أو حقق إنجازات ...
وبالتالي فأنت ستكتب عن غيرك باستعمال ضمير الغائب (هو/هي) مع تحديد وتنظيم الأحداث وضبط علاقة بطلك بالشخصيات الأخرى واستحضار الزمان والمكان وتوظيف السرد والوصف، مع توخي الدقة والموضوعية والحياد في نقل الأحداث والوقائع، كما أنك ملزم بتعدد مصادرك عن الشخصية.
الأمور التي يجب على كاتب السيرة الغيرية أن يلتزم بها :
1- ألا يسبق الزمن فيقول عند حديثه عن شاعر مثلًا " ولد الشاعر الكبير..." لأنه لم يكن شاعرًا ولم يكن كبيرًا يوم ولد.
2-ألاّ يستخدم الأعمال الأدبية للشاعر أو الأديب في الدلالة على شخصيته، لأن عبارة "حياة الشاعر فلان من خلال شعره " عبارة مضللة. صحيح أن القصيدة تحوي التعبير عن نفس الشاعر،وأن القصة يكون جانب منها جزءًا من شخصية كاتبها، وأن كاتب المسرحية قد يوزع بعض خصائصه وصفاته الشخصية على عدد من شخصيات المسرحية، إلا أن الشعر يصور حالة وجدانية في لحظات معدودات من حياة الشاعر الطويلة، ووجود عناصر من حياة الكاتب في روايته لا يصح أن تنتزع من إطارها وتدرج في سيرته. إن ما يصرح به الشاعر أو الأديب ربما لم يقع حقيقة، وإنما هو حلم وأمنية تمناها. ولكن قد يستفيد كاتب السيرة من كل ذلك في تعزيز الشواهد من مذكرات وروايات وغيرها.
3- ألاّ يقيم السيرة على إحدى المشكلات أو المعضلات، ويبتعد عن روح الخطابة والوعظ ، فإن خير السير ما أوحى بالدرس الأخلاقي ولم ينص عليه.
4- أن يبعث الحيوية والحركة في الشخصيات الثانوية في السيرة، والسير بهم في مراحل الحياة مع سير البطل نفسه، ولا يجوز الاستخفاف بهم. كما لا يجوز جعل أدوارهم في السيرة طاغية تتجاوز ما قدر لهم في واقع الحياة.
مثال عن السيرة الغيرية:
وكان محمد في صغره يرعى الغنم لأهل مكة ثم سافر إلى الشام بتجارة لخديجة بنت خويلد وربحت التجارة وأعجبت خديجة بخلقه وصدقه وأمانته فتزوجها وعمره خمس وعشرون سنة وعمرها أربعون سنة ولم يتزوج عليها حتى ماتت .
وقد أنبت الله محمداً صلى الله عليه وسلم نباتاً حسناً وأدبه فأحسن تأديبه ورباه وعلمه حتى كان أحسن قومه خَلقاً وخُلقاً وأعظمهم مروءة وأوسعهم حلماً وأصدقهم حديثاً وأحفظهم أمانة حتى سماه قومه بالأمين .
ثم حُبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء الأيام والليالي يتعبد فيه ويدعو ربه وأبغض الأوثان والخمور والرذائل فلم يلتفت إليها في حياته .
ولما بلغ محمداً صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة شارك قريشاً في بناء الكعبة لما جرفتها السيول فلما تنازعوا في وضع الحجر الأسود حكموه في الأمر فدعا بثوب فوضع الحجر فيه ثم أمر رؤساء القبائل أن يأخذوا بأطرافه فرفعوه جميعاً ثم أخذه محمد فوضعه في مكانه وبنى عليه فرضي الجميع وانقطع النزاع ."
3 - الفرق بين كاتب السيرة الذاتية وكاتب السيرة الغيرية:
أنّ الأول يعتمد على ما عاشه ومارسه وما مر به من تجارب وأحداث، ويكتب عن إحساسه الشخصي، فهو الذي يفهم ذلك الإحساس، وهو صاحب الكلمة الأخيرة في موضوعه، فلا يستطيع أحد أن يضيف لمادته شيئًا جديدًا.
وهو يستعين بما في داخل نفسه، حتى يجعل من مادته شيئًا ظاهرًا مفهومًا.
أمَّا الثاني فهو يعتمد على الوثائق والمعلومات التي جمعها، ويكتب عن الحقائق دون الأحاسيس والمشاعر، ويكتب بفهمه. وهو كاتب بين كتاب كثيرين يمكن أن يضيفوا شيئًا جديدًا إلى ما كتبه.