منذ القدم ولمجتمعنا سلطته النافذة على الفرد ، ولاتزال أدوات مجتمعنا ووسائله تتطور في تقويض الفرد وإذعانه ، والفرد أمام بروتوكولات المجتمع ، وعادات القبيلة ، والنمط الثقافي السائد، وإملاءات الموروث لم يعد له من سبيل إلا أن يستسلم ويسلم ، وهو في هذا يأخذ أشكالا متعددة ووسائل متنوعة من الاستسلام والتسليم . ومن هذه الزاوية ينبثق النفاق الاجتماعي ، والمداهنة الثقافية، والمداراة الدينية . وقد يعتقد الإنسان أن عقله في حالة من التأهب الفكري والمعرفي فهو يظن أنه لا يقتنع بقضية ما إلا إذا كانت لها من الأدلة والبراهين والحجج ما يؤيدها ويحقق صدقها ومن ثم العمل بها لكن الحقيقة أن الإنسان كائن ليس بعاقل ! بل هو كائن عاطفي سطحي، وهو في هذا لا يختلف عن سائر البهائم .. فلو قدر له أن يرى الحق في مسألة ما كرؤيته للشمس ما استجاب للحق إلا فيما يتوافق مع موروثه وثقافته وتقاليد مجتمعه السائدة . وهو يخشى الخروج عن الأعراف الاجتماعية أكثر خشية من أي شيء آخر . وهو في حقيقة الأمر ما هو إلا فرد من قطيع يسير وفق ما يسير إليه القطيع ويألف ما يألفه ، وليس له من حياة إلا موافقة الجماعة فيما يريدون ويقولون وإن كان في نفسه وليجة من ذلك ..
وإن مثل هذا يظهر في أمثلة كثيرة لمجتمعات كثيرة فالبدوي الذي يخشى أن يصفه مجتمعه بالغبي أو الضعيف قد يسفك الدم من أجل ريال واحد يؤخذ منه بالحيلة أو الخديعة ، وفي الوقت ذاته فإن هذا البدوي نفسه يمكن أن يبيع من ممتلكاته وينفق بإسراف مذهل أغلى ما عنده إذا ما وقع في الاختبار الاجتماعي الذي اسمه (إكرام الضيف) . والحقيقة أن القضية في الحالتين ليست قضية انتصار للنفس أو إكرام للضيف ، فالقيمة في حد ذاتها ليست هي الهدف ولكنها مجرد شعار لا يملك الفرد إلا أن يرفعه أمام نفسه من جهة وأمام المجتمع من جهة أخرى . إذ يكون الخوف من النقد الاجتماعي هو المحرك للسلوك في هذه الحالة بعيدا عن أي عمل قيمي أو ديني أو إنساني ..
وقس على ذلك حالات أخرى .. ففي المجتمع النسائي - على سبيل المثال - لو تخيلنا أن جبريل عليه السلام نزل بنفسه على أكثر العابدات الفاضلات في تصور المجتمع ، وراح يقنعها بنفسه عن حق الزوج شرعيا في التعدد وعن المصالح المترتبة اجتماعيا وتربويا وإنسانيا من التعدد . فإنها لن تقبل بذلك مادام مجتمع النساء من حولها ينتقص المرأة التي يتزوج عليها زوجها، وينظر لها نظرة إشفاق وانتقاص .
وإن مثل هذا يظهر في أمثلة كثيرة لمجتمعات كثيرة فالبدوي الذي يخشى أن يصفه مجتمعه بالغبي أو الضعيف قد يسفك الدم من أجل ريال واحد يؤخذ منه بالحيلة أو الخديعة ، وفي الوقت ذاته فإن هذا البدوي نفسه يمكن أن يبيع من ممتلكاته وينفق بإسراف مذهل أغلى ما عنده إذا ما وقع في الاختبار الاجتماعي الذي اسمه (إكرام الضيف) . والحقيقة أن القضية في الحالتين ليست قضية انتصار للنفس أو إكرام للضيف ، فالقيمة في حد ذاتها ليست هي الهدف ولكنها مجرد شعار لا يملك الفرد إلا أن يرفعه أمام نفسه من جهة وأمام المجتمع من جهة أخرى . إذ يكون الخوف من النقد الاجتماعي هو المحرك للسلوك في هذه الحالة بعيدا عن أي عمل قيمي أو ديني أو إنساني ..
وقس على ذلك حالات أخرى .. ففي المجتمع النسائي - على سبيل المثال - لو تخيلنا أن جبريل عليه السلام نزل بنفسه على أكثر العابدات الفاضلات في تصور المجتمع ، وراح يقنعها بنفسه عن حق الزوج شرعيا في التعدد وعن المصالح المترتبة اجتماعيا وتربويا وإنسانيا من التعدد . فإنها لن تقبل بذلك مادام مجتمع النساء من حولها ينتقص المرأة التي يتزوج عليها زوجها، وينظر لها نظرة إشفاق وانتقاص .
والمجتمع سلطته جبارة ينحني لها حتى رؤوس أشد الوعاظ والخطباء طلاقة وفصاحة . أولئك الذين أفرزهم المجتمع ليكونوا حراسا حتى إذا ماخرج الفرد من القطيعصاروا يؤججون مشاعر المجتمع تجاهه ويقرعونه عليه ويستبيحون عرضه ويمارسون الغيبة الشرعية المؤمنة ضده !! وهم يرون أنفسهم في مرتبة اجتماعية فوق الآخرين من ناحية المحافظة على المجتمع لكنهم في حقيقة الأمر أكثر من ينافق المجتمع، ويرزحون تحت وصاية الدهماء والعامة، وآرائهم الخاصة يحتفظون بها في داخل أنفسهم ويخشون كل الخشية من الضغط الشعبي عليهم، وهم في هذا يزايدون ويرعدون ويزبدون ويملؤون الدنيا صراخا وضجيجا لكن لا أثر لهم في إعانة الفرد للتخلص من أغلال المجتمع ، ولا مزية لهم إلا أنهم يتقنون إلقاء الخطب في أصوات متنطعة يخرجونها من أنوفهم ، وهم بالمناسبة أصحاب أنوف كبيرة في غالب الأحوال ..
وإنك لترى هذا الإذعان الاجتماعي والنفاق القبلي والرياء الثقافي في كل مكان وتحت كل صورة اجتماعية حتى لو طلب من فرد ما أن يتكلم في مناسبة أو حضور جماعي فإنه ما يلبث أن يتحول إلى واعظ يلقي خطبة عصماء فيبدأ باسم الله ويسلم على الرسول وينهال بالدعوات المباركة عليه وعلى الحاضرين ،وهو في حقيقة الأمر أبعد ما يكون عن شرع الله، وعن دين رسوله، وهو لا يدعو الله في تلك اللحظة ولا يسلم على رسوله، بقدر ما يدعو قلوب الحاضرين ويستلطفها ويستميلها بما اعتادت أن تتخدر عليه من الكلمات والديباجات ..
أما المناسبات الاجتماعية فحدث ولا حرج عن النفاق الاجتماعي . فالعديد من المناسبات التي ما أنزل الله بها من سلطان أخذها العرف الاجتماعي وألبسها لبوسا دينيا حتى يلتزم بها الأفراد ولا يحيدون عنها . فمآتم العزاء وما يتخللها من عادات ومآدب ومنافسات حاتمية للكرم ، حتى ليتصور أن من لا يحضر عزاء أحد المقربين ولا يشارك فيه كأنما ارتكب كبيرة من الفواحش الآثمة !! ولذلك يتكبد الفرد عناء السفر حتى لو كان خارج البلاد لحضور عزاء قريب له حتى لا تطوله سياط النقد والتقريع الاجتماعي ، وهذا لدليل صارخ أنه لا يحكمنا العقل ولا المنطق ولا الحكمة في سلوكنا الاجتماعي وإنما العرف والعادة والتقليد وإلا فأين العقل والمنطق في أن يتكبد الناس عناء السفر ويعرضوا أنفسهم وأعز الناس لهم للمخاطر ومظنة حوادث السير القاتلة من أجل أن يأتون فيقفون كالخشب المسندة في اصطفاف جماعي كأنما يحتفل بموت الفقيد !!
وللنفاق الاجتماعي صوره العجيبة في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة فهي منصات تشبه منصات الإلقاء الجماهيرية حيث يأتي أحد المشاركين فيرسل رسالة تأتي بمثابة كلمة يقولها ليشاهدها ويحاكمها المجتمع ،ثم يعود أدراجه فيأتي الآخر ليقوم بنفس الشيء وهكذا .. وأمام سلطة ومحاكمة المجتمع لمشاركات الفرد في تلك الوسائل تجعل منه أكبر منافقا ومرائيا وممثلا بارعا ، فهو من أجل ذلك يتقلد كل القيم والأفكار والكلمات والمبادئ التي ترضي المتابعين الذين يشكلون بمجملهم المجتمع .. فهذا يرسل بأبيات في مديح الوفاء والصداقة المخلصة وهو أكبر الكذابين المخادعين ، وهذا يرسل بالآيات القرآنية ليلا ونهارا وهو لايعرف من القرآن إلا رسمه ، وهذا يدعو الناس للعدل والإنصاف وهو من الظلمة الطواغيت !! وكل هذه الدعوات والكتابات ماهي إلا شكل من تجديد الولاء للمجتمع وليس لتحقيق القيم الفاضلة والنبيلة في ذاتها. لأن الفرد وسط المجتمع يخشى ما يخشاه أن ينبذه المجتمع أو يطرده أو ينعته بالجنون والمروق من الدين !!
وإن أكثر ما يضحك في وسائل التواصل الاجتماعي تلك الأدعية والابتهالات التي تنتشر فيها انتشارا رهيبا ، ومن المعلوم أن الأصل في الدعاء أنه لغة خفية بين العبد وربه حيث يرفع العبد يديه لله وقلبه معلق به ويدعوه ويطلبه ما يشاء أن يطلبه . لكننا لانعرف أين نضع مثل هذه الأدعية التي يتناقلها الناس في أجهزتهم عن مثل هذا الأصل والمفهوم للدعاء الحقيقي !!؟..إذ هي مجرد كتابات لا صلة فيها بالله، ولا توجه له ولا حضور قلب ، ولاهي بهدف الدعاء بقدر ماهي بهدف اكتساب إعجاب المجتمع وتأييده ولفت النظر .. إذ أن من يريد الدعاء الحقيقي فعليه أن يرفع يديه لله وليس للجوال .. كما أن أبواب السماء مفتوحة وهي ليسة بحاجة لوسيلة اتصال أو شاشة جوال !!
وإنك لترى هذا الإذعان الاجتماعي والنفاق القبلي والرياء الثقافي في كل مكان وتحت كل صورة اجتماعية حتى لو طلب من فرد ما أن يتكلم في مناسبة أو حضور جماعي فإنه ما يلبث أن يتحول إلى واعظ يلقي خطبة عصماء فيبدأ باسم الله ويسلم على الرسول وينهال بالدعوات المباركة عليه وعلى الحاضرين ،وهو في حقيقة الأمر أبعد ما يكون عن شرع الله، وعن دين رسوله، وهو لا يدعو الله في تلك اللحظة ولا يسلم على رسوله، بقدر ما يدعو قلوب الحاضرين ويستلطفها ويستميلها بما اعتادت أن تتخدر عليه من الكلمات والديباجات ..
أما المناسبات الاجتماعية فحدث ولا حرج عن النفاق الاجتماعي . فالعديد من المناسبات التي ما أنزل الله بها من سلطان أخذها العرف الاجتماعي وألبسها لبوسا دينيا حتى يلتزم بها الأفراد ولا يحيدون عنها . فمآتم العزاء وما يتخللها من عادات ومآدب ومنافسات حاتمية للكرم ، حتى ليتصور أن من لا يحضر عزاء أحد المقربين ولا يشارك فيه كأنما ارتكب كبيرة من الفواحش الآثمة !! ولذلك يتكبد الفرد عناء السفر حتى لو كان خارج البلاد لحضور عزاء قريب له حتى لا تطوله سياط النقد والتقريع الاجتماعي ، وهذا لدليل صارخ أنه لا يحكمنا العقل ولا المنطق ولا الحكمة في سلوكنا الاجتماعي وإنما العرف والعادة والتقليد وإلا فأين العقل والمنطق في أن يتكبد الناس عناء السفر ويعرضوا أنفسهم وأعز الناس لهم للمخاطر ومظنة حوادث السير القاتلة من أجل أن يأتون فيقفون كالخشب المسندة في اصطفاف جماعي كأنما يحتفل بموت الفقيد !!
وللنفاق الاجتماعي صوره العجيبة في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة فهي منصات تشبه منصات الإلقاء الجماهيرية حيث يأتي أحد المشاركين فيرسل رسالة تأتي بمثابة كلمة يقولها ليشاهدها ويحاكمها المجتمع ،ثم يعود أدراجه فيأتي الآخر ليقوم بنفس الشيء وهكذا .. وأمام سلطة ومحاكمة المجتمع لمشاركات الفرد في تلك الوسائل تجعل منه أكبر منافقا ومرائيا وممثلا بارعا ، فهو من أجل ذلك يتقلد كل القيم والأفكار والكلمات والمبادئ التي ترضي المتابعين الذين يشكلون بمجملهم المجتمع .. فهذا يرسل بأبيات في مديح الوفاء والصداقة المخلصة وهو أكبر الكذابين المخادعين ، وهذا يرسل بالآيات القرآنية ليلا ونهارا وهو لايعرف من القرآن إلا رسمه ، وهذا يدعو الناس للعدل والإنصاف وهو من الظلمة الطواغيت !! وكل هذه الدعوات والكتابات ماهي إلا شكل من تجديد الولاء للمجتمع وليس لتحقيق القيم الفاضلة والنبيلة في ذاتها. لأن الفرد وسط المجتمع يخشى ما يخشاه أن ينبذه المجتمع أو يطرده أو ينعته بالجنون والمروق من الدين !!
وإن أكثر ما يضحك في وسائل التواصل الاجتماعي تلك الأدعية والابتهالات التي تنتشر فيها انتشارا رهيبا ، ومن المعلوم أن الأصل في الدعاء أنه لغة خفية بين العبد وربه حيث يرفع العبد يديه لله وقلبه معلق به ويدعوه ويطلبه ما يشاء أن يطلبه . لكننا لانعرف أين نضع مثل هذه الأدعية التي يتناقلها الناس في أجهزتهم عن مثل هذا الأصل والمفهوم للدعاء الحقيقي !!؟..إذ هي مجرد كتابات لا صلة فيها بالله، ولا توجه له ولا حضور قلب ، ولاهي بهدف الدعاء بقدر ماهي بهدف اكتساب إعجاب المجتمع وتأييده ولفت النظر .. إذ أن من يريد الدعاء الحقيقي فعليه أن يرفع يديه لله وليس للجوال .. كما أن أبواب السماء مفتوحة وهي ليسة بحاجة لوسيلة اتصال أو شاشة جوال !!
إن طرح مظاهر النفاق الاجتماعي تأتي من أجل صرخة لعلها تسمع وسط ضجيج المجتمع وسلطته الغالبة .. صرخة تقول لكل فرد يتهمه المجتمع بأنه إنسان غريب أو مجنون أو متمرد أو يسير عكس التيار .. أيها الفرد المختلف ، أنت تحاول بشجاعة لتفك عن سواعدك أغلال المجتمع القاسية !! فاستمر قويا أبيا واصنع لحياتك الفردية مجدها الخاص التليد .